العلم مفتاح التقدم ما دام مقرونا بالإيمان؛ وإلا كان وسيلة للتسلط والإستغلال
العلم والتطور
العلم مفتاح التقدم ما دام مقرونا بالإيمان؛ وإلا كان وسيلة للتسلط والإستغلال
عدد الزوار: 82
كلمة
الإمام الخامنئي دام ظله لدى تفقده مؤسسة رويان للأبحاث ومعـرض انجازات الجهاد
الجامعي.الزمان: 25/4/1386هـ. ش ـ 1/7/1428هـ.ق ـ 16/7/2007م.
العلم مفتاح التقدم ما دام مقرونا بالإيمان؛ وإلا كان وسيلة للتسلط والإستغلال
بسم الله الرحمن الرحيم
بلادنا
تشهد حركة علمية تستحق الإحترام والثناء
لقد بدأت حركة علمية مباركة في بلادنا منذ بضع سنوات، وهي حركة واسعة
وعظيمة كما تراها المحافل العلمية, بما في ذلك الأساتذة والطلاب والباحثون
والجامعات ومراكز الأبحاث.
وإنني لأجد لِزاماً عليّ أنْ أعبرّ عن مدى احترامي وتقديري لهذه الحركة الرائدة
التي تكاتف على تأسيسها لفيف من علمائنا وباحثينا وأساتذتنا في كافة أنحاء البلاد.
إنّ قدومي اليوم الى هذا المركز يعتبر في الحقيقة تجسيداً لمدى ما أكنّه من احترام
وتقدير لهذه النهضة العلمية العظيمة والواسعة التي بدأت في بلادنا, حتى وإن كانت ما
زالت تضع خطواتها الأولى على مقدمة الطريق.
مؤسسة (رويان) تعد نموذجا للتقدم العلمي
ولقد وقع اختيارنا على هذا المكان من أجل (رويان) أولاً، وثانياً من أجل
جهاد الجامعة.
إنّ مؤسسة (رويان) هي مؤسسة ناجحة وموفقة، وتعدّ نموذجاً كاملاً وملحوظاً يفوق ما
كنّا نصبوا إليه من آمال. وهذا هو السبب فيما كان ومازال ينبض به قلبي من حب وتقدير
لذلك الشاب العزيز المرحوم سعيد كاظمي والذي يحتل في وجداني منزلة ومكانة رفيعة.
لقد كانت حركته وأسلوب عمله وإدارته الحازمة ومتابعاته الدؤوبة تعبيراً نموذجياً
عما كنت أحبّه وأتمنّاه، وهو ما سوف أشير إليه في حديثي بإيجاز.
لقد أحرز مركز أبحاث (رويان) تقدّماً ونجاحاً كبيراً بفضل تلك الجهود المكثّفة التي
بذلها ذلك الشاب مع مجموعة من زملائه الذين رافقوه وشاطروه العمل في (رويان) منذ
بداية النشأة والتأسيس، وهذا ما كنت أشعر به منذ الوهلة الأولى.
لقد لمست دلائل ناصعة على بدء حركة صحيحة من خلال ما عرضه صديقنا المشترك آنا
والمرحوم كاظمي منذ نحو خمسة عشر عاماً متضمّناً إيضاحاً لعدد من الأفكار النيّرة
والمشاريع الواعدة، فوعدته بتقديم كل ما أستطيع من حماية ودعم لهذا المشروع.
ولم يخِب ظنّي بمرور الزمان، بل ازداد قوة وتحقيقاً.
إنني إذا أردت التعبير عن هذا النموذج الممتاز بجملة واحدة، فسأقول: إنه مزيج من
العلم والإيمان والعمل.
لقد اتخذوا من العلم عنصراً أساسياً في نسيج هذا العمل, مقروناً بالإيمان والالتزام
والتقوى في تشكيل فريد لصورة كاملة ومتناسقة.
لقد تجاهلوا وهم العناء، وإنني أعتقد بأن ذلك الجهد المتواصل وذلك الاهتمام الذي لم
يعرف الكلل أو الملل هو الذي أودى بصحة وحياة المرحوم كاظمي. ولهذا فإن مؤسسة
(رويان) تحتل في نظري مكانة سامقة وعزيزة، وكذلك أنتم أيها الشباب والرجال والنساء
وكافة العناصر المؤمنة العاملة في هذا المركز فإنكم أعزاء عندي، وإنني أعتقد بأن
(رويان) يمتلك الاستعداد الكافي واللازم للعمل وإحراز المزيد من التقدم.
لقد نقلوا عنّي القول: (إنّ هذه خلية تأسيسية لحركة علمية) وهذه هي الحقيقة، فكما
أنّ هذه الخلايا التأسيسية التي أوجدتموها تتكاثر بلا نهاية في حقل البحث والتحقيق،
فكذلك هو (رويان) ـ حيث إنّ الأبحاث لا تقف عند حد، فمن الفكرة تولد الفكرة وهكذا.
ومهما أنجزت هذه المجموعة من أعمال وأحرزت من تقدم فإن قابلية التطور تبقى متوفرة
دائماً، وهكذا هو الحال بالنسبة لجميع الباحثين والمحققين الذين يتحلّون بالعلم
والإيمان، سواء في هذه المؤسسة أو ما شابهها من مؤسسات أخرى، فالطاقات لا حدّ لها
ولا نهاية.
جهاد الجامعة من الأساليب الأصيلة للثورة
وأما بالنسبة لجهاد الجامعة، فقد وقع عليه الاختيار أيضاً؛ لأنه الوليد
المبارك للثورة.
إنّ جهاد الجامعة يشبه تماماً ما ورد في القرآن الكريم من مقارنة بين مسجدين
{لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ
يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ. فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ}1،
فكذلك هو جهاد الجامعة الذي يعدّ من الأساليب الأصلية للثورة.
وهذا لا يعني أنّ الجهاد كان صحيحاً منذ البداية في أي زمن من الأزمان مهما كان
شكله ومهما كانت رؤاه ونتائجه، كلا، فنحن بنو البشر قد نفكّر جيداً في بعض الأوقات،
وقد نفكّر خطأً، وقد نعمل بطريقة صحيحة، وقد نعمل بطريقة خاطئة.
إنّ المعيار في الحكم لا يكمن في مثل هذه المنحنيات والمنعطفات، بل يتجسّد في الهدف
والاتجاه وعدم الانحراف عن المسير، حتى وإنّ أخطأ المرء أحياناً أو زلّت قدماه.
إنني أعوّل كثيراً على هوية الجهاد، فلقد كان منشأ بركات سابغة والحمد لله.
جهادكم في إنتاجكم ما ينفع مجتمعكم ويحصن بلدكم من
الأعداء
والآن، فإنني سأتحدث قليلاً حول الجهاد، وقليلاً حول العلم والبحث ومصير
البلاد في هذا المجال.
إنّ جهاد الجامعة يتألف من لفظين: الجهاد والجامعة، أي لابد من الجهاد، ولابد أيضاً
أن يكون متناسباً مع الجامعة.
إنّ للعمل الجهادي مفهوماً خاصاً، فليس كل عمل جهاداً.
إنّ الجهاد يشترك مع الجهد في جذر الفعل الثلاثي وهو (جَهَدَ) بمعنى الجُهد والجدّ
والكدّ، إلا أنّ الجهاد لا يقتصر على هذا، فالجهاد يعني الكفاح والنضال كما هو
مصطلح عندنا حتى في الفارسية. وللكفاح أقسام:
فهناك الكفاح العلمي، وهناك الكفاح الصحافي، وهناك الكفاح السياسي، وهناك الكفاح
الاقتصادي، وهناك الكفاح العسكري، كما أنّ هناك كفاحاً في العَلَن، وكفاحاً في
الخفاء، ولكن هناك قاسماً مشتركاً يجمع بين كل ذلك، وهو أنّ الكفاح يكون ضد خصمٍ
ما، أو في مواجهة عائقٍ ما، فلا معنى للكفاح ضد الصديق، بل إنّ الكفاح يكون ضد
العدو.
ولنفرض مثلاً أنّ شخصاً كان يقرأ خمسة كتب أسبوعياً في زمن القمع والتضييق، فهذا
جهد محمود، ولكنه ليس جهاداً بالضرورة، فهو جهد وليس جهاداً.
فإذا ما أراد أن يكون هذا العمل جهاداً كان لِزاماً عليه أن تكون هذه الكتب التي
يطالعها ذات تأثير عليه في حركته أو في مواجهته مع النظام الطاغوتي وحقبة
الاستبداد، ومن هنا يسمّى جهاداً. وهذه هي ميزة الجهاد.
إنّ محيط جهادكم هو العلم والتكنولوجيا، أي أنكم هنا لا تتسلّحون بالحربة والسيف و
J 3، بل تتسلّحون بالعقل والطاقة العلمية الكامنة في الإنسان وبالفكر والقلم
والبصر، وما إلى ذلك.
إنّ المجمع مجمع علمي، ولكن ما هو الهدف لكي يكون جهاداً أم لا؟ هذا هو المهم.
إنّ عليكم أن تقرروا من هو ذلك العدو اللدود الذي يكمن لبلادكم وثورتكم وما رسمته
الثورة من أهدف، فبات لِزاماً عليكم أن تجاهدوه.
فإذا ما كان عملكم يصبّ في هذا الاتجاه فقد أصبح جهاداً.
ولهذا فإنكم إذا سِرْتُم في ركاب العلم لمجرد العلم، فإن ذلك سيسرّ الأعداء ويثلج
صدورهم؛ لأن هذا لا يعتبر جهاداً. وعلى سبيل المثال لنفترض أنّ إحدى المؤسسات
التابعة لجهاد الجامعة نشرت ذات عام مئة مقالة في (ISI) ، فإن هذا لا يعدّ ملاكاً؛
لأن علينا أن ننظر في هذه المقالات من حيث المحتوى والهدف والنتيجة ووجه الانتفاع،
وماذا كان موقف الأعداء منها، وهل شعروا فيها بالخطر أم لا؟
وهل أحسّ رجل سياسة الخصم بالخطر؟ وعندما نقول السياسيون فلأن أهل العلم لديهم نظرة
مختلفة للأمور.
فعندما تحدّثتم حول الخلايا الخلاّقة للاستنساخ وما شابه، وقوبلتم بالتشجيع
والترحاب، فإن المسؤولين الأمريكيين صرّحوا حينها: بأنه لابد من وجود مجلس تحكيمي
للعلوم الوراثية. فما معنى هذا؟ لقد شعر الأعداء بالألم عندما علموا بأنكم أحرزتم
تقدماً في هذا العلم. وهناك آلاف الأمثلة الواضحة على ذلك.
فعندما تخترعون راداراً متقدماً يسيطر على كافة أنحاء سماء البلاد ويجعلها مستعصية
على الاختراق، فإن ذلك سيسبّب ألماً للعدو؛ لأنه سيكون بمثابة سهم يخترق صدره بقوة،
فهذا يسمّى جهاداً.
إنّ ذلك يعتبر عنصراً ضرورياً في الحركة الجهادية والعلم الجهادي والبحث الجهادي.
الأعداء أنواع أحدهم أميركا
وليست أمريكا هي المقصودة بالعدو.
نعم، عندما نتحدث فإن عدّونا الواضح هو أمريكا والاستكبار العالمي، ولكن الأعداء
أنواع، فهناك مثلاً التجمعات المالية والاقتصادية الضخمة التي تعرقل لكم الأمور إذا
اكتشفت أنكم تستطيعون بناء مصنع للأسمنت مثلاً، كما تشير التقارير التي وصلت إلينا.
ولربما رغبوا أيضاً في تشكيل مجلس للحاكمية على صناعة الأسمنت يقضي بأنه لا يحقّ
لأحد صناعة الأسمنت أو تأسيس مصنع لصناعة الأسمنت.
إنّ العمل الجهادي لابد له وأن يكون هادفاً وطموحاً ومتميزاً بالوعي والذكاء وقمع
الأعداء. وهو ما نعبّر عنه في لغتنا الفارسية بـ(المبارزة) أي الجهاد.
هذا ما يتعلق بمعنى الجهاد.
ميزة النشاط الجامعي رقي المستوى
وأما فيما يتعلق بالجامعة والنسبة إليها فمعناه أنّ هذا العمل أو هذا
النشاط ذو مستوى رفيع بما يتناسب والطالب والأستاذ والعقلية العلمية المتوقّدة. هذا
ما ينبغي أخذه بنظر الاعتبار دائماً، فلا يجب أن تتصف الأعمال والنشاطات بالسطحية
والسوقية.
إنّ بعض النشاطات العلمية جيدة وممتازة كما في مجال الأبحاث، ولكن إذا كانت هذه
النشاطات في الحقل الأدبي مثلاً، وفي مجال العلوم الإنسانية، فلابد من الجديد،
ولابد أن يكون مستوى الإنتاج الأدبي هنا أرفع شأناً من المستويات العادية، أي أنّ
المستوى يجب أن يكون راقياً.
إنّ الكثير من الإنتاج في مجال العلوم الإنسانية عندنا، كالتاريخ والأدب والفلسفة
لا يحمل جديداً، بل إنها نتاجات عادية جداً، فعلى جهاد الجامعة الاعتناء بالإبداع
والخلاّقية وأن يدخل الميدان حاملاً معه الجديد والفريد. ولنأخذ النشاطات القرآنية
على سبيل المثال، فلديكم نشاطات قرآنية كشأن الآخرين، وكلها نشاطات جيدة، ولعلكم
تعرفون مدى اهتماماتي ومتابعاتي وشعوري بالمسؤولية تجاه النشاطات القرآنية حتى قبل
انتصار الثورة.
إنني أحب أن يجتمع الشباب لتلاوة القرآن في المسجد, حتى ولو لم يزيدوا على عشرة
أشخاص، فهذا أمر جيد في تقديري، ولكن أسلوب جهاد الجامعة في هذا المجال ينبغي أن
يكون أرقى وأرفع مستوى عمّا سواه.
إنّ بوسعكم تقليد القرّاء الآخرين في التلاوة والتجويد والترتيل والصوت الحسن، وهو
شيء جيد، ولكنه ليس كافياً بالنسبة لجهاد الجامعة. فعليكم الارتقاء الى ما هو أرفع
وأسمى وأفضل. اقرأوا القرآن في الجامعة بالصورة التي تجعل السامعين يفهمون معاني
القرآن من طريقة تلاوته عسى أن يمسّ القرآن شِغاف القلوب، فتغدو القراءة مقرونة
بالمعنى.
إنّ هذا يتطلب إبداعاً وابتكاراً، وأنتم أهلٌ لذلك.
إنّ جهاد الجامعة يمتلك كل هذه الأدوات والطاقات، وإنني أثق به ثقة عظيمة وراسخة.
لقد حققوا وحققتم إنجازات ضخمة، وكما تقدم فإنه (أسس على التقوى من أول يوم) فهكذا
كان جهاد الجامعة منذ لحظاته الأولى.
لا تدعوا جهاد الجامعة يتلبس بهوية مغايرة لا دينية ولا
ثورية
لقد كنت أتحدث هنا مع الأصدقاء منذ دقائق، وقلت لهم: حاولوا ألا تتغيّر
هوية الجهاد.
إنه ليس من الطبيعي أن تتغيّر هوية بعض الأشخاص قلباً وقالباً، كما حدث لأولئك
الذين انقلبت أفكارهم مئة وثمانين درجة منذ بداية الثورة وحتى الآن.
بل إنّ الطبيعي هو أن يتمسك الإنسان برأيه واعتقاده الذي اعتنقه بالحجة والدليل،
وعليه أن يواصل طريقه هذا حتى نهاية حياته، فإذا ضاقت به الأيام عليه أن يموت في
سبيل فكره وعقيدته.
إنه ليس أمراً عادياً أن نسلك سبيلاً ممهّدة بكل شوق وحماس، ثم ما نلبث أن نغيّر
اتّجاهنا مرةّ أخرى الى الاتجاه المعاكس.
إنّ هذا ليس طبيعياً على الإطلاق. ولكن البعض يتحجّج ويختلق الأعذار قائلاً: لقد
تغيّرت الظروف الآن عما كانت عليه عند قيام الثورة، وهكذا تغيّرنا نحن أيضاً! كلا؛
فمرور الزمان لا يؤثر إلا على ذوي النفوس الضعيفة الذين لا يمتلكون جذوراً وعقائد
راسخة وقد بنوا كل ما بنوه على أساس العواطف والمشاعر المجردة.
(إنّ الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم
الشيطان ببعض ما كسبوا)2.
إننا إذا لم نمتلك روحاً قوية ونفوساً متينة فمن الطبيعي أن نتأثر بأي لمسة ثم ما
نلبث أن نتحوّل فجأة الى الضد.
أما إذا كنّا قد كوّنا هويتنا الدينية والثورية من عناصر قوية وصلبة وشيّدناها على
أساس الفكر الصحيح والمنطق القويم، فإن هذه الهوية تزداد وضوحاً وجذّابية ورسوخاً
بمرور الأيام.
وهكذا هو الإنسان، شأنه شأن المباني المشيدة. فلا تدعوا بناء جهاد الجامعة ينهار
ويتلبّس بهوية أخرى لا دينية ولا ثورية.
لقد قلت في هذا الجمع من الأعزاء في جهاد الجامعة منذ بضع سنوات: إنه لابد من
الحفاظ على هذه الهوية الصحيحة والإيمانية حية باقية، وهي جملة قد ذكّروني بها
اليوم.
ولحسن الحظ فإن كل شيء سار على ما يرام حتى الآن؛ وذلك لأن هيكلية جهاد الجامعة،
وأسلوب الإدارة والعمل، وحقيقة الصلة بين الرأس والقاعدة، والاتجاهات، والأهداف
كانت كلها جيدة وممتازة.
خلافا لما يتوهمه البعض؛ الثورية تعني الإنضباط بأشد
أنواعه
إنّ مما قلته حينذاك أيضاً هو: إنّ البعض يتصورون أنّ الثورية لا تعدو
كونها حركة متسيبة مصحوبة بالفوضى والانفلات وعدم الانضباط. ثم يحدث كل شيء وينتهي
بلا دقة ولا انسجام! وهذا هو عين الخطأ، حيث إنّ الاضطرابات والفوضى ليست من شِيَم
الحركة الثورية مطلقاً. بل العكس هو الصحيح، فالانضباط الثوري يعتبر من أشد وأقوى
أنواع الانضباط.
إنّ الانضباط الذي يستمدّ أصوله من فكر الإنسان وقلبه وإيمانه هو أفضل أنواع
الانضباط.
قد نلاحظ شيئاً من الهرج في بداية قيام الثورات، ومن ذلك ثورتنا، وهو أمر يعود الى
بدايات الحركة الثورية، حيث إنه يجب القضاء على كيان قديم متهاوٍ واستبداله بكيان
جديد.
إنّ هذا من الأمور الطبيعية، ولكن عندما نجد أنّ بناءً جديداً قد شُيّد وارتفع على
قواعد صحيحة، فإن الحركة على أساس ذلك ستكون حركة منضبطة وممتازة وستمضي قُدُماً،
وهذه هي الثورة. وعلى هذا فإنه لا ينبغي الخلط بين الثورية والفوضى والاضطرابات
والقلاقل والجهل بالضوابط والقوانين. ومهما كان الأمر، فإن جهاد الجامعة يعتبر من
الثوابت التي عقدنا عليها آمال المستقبل العلمي للبلاد.
العلم مفتاح التقدم: بلادنا لن تبلغ أهدافها إلا بالعلم
وأما فيما يرتبط بموضوع العلم والبحث فإنني أقول: إنّ بلادنا لن تبلغ
أهدافها المرجوّة إلا بالسير على طريق العلم والبحث والمعرفة، وهذا لا ينحصر بنا
فحسب بل يشمل كل بلاد العالم.
إنّ العلم والبحث والمعرفة هي مفتاح التقدم.
إنّ تعلّم معارف الآخرين لا يعني تقدم شعب ما، فهذه ليست سوى الخطوة الأولى على
الطريق.
إنّ العلم يحتل رقعة واسعة، ولا يمكن أن يكون حصرياً، كأن نفترض مثلاً أن تأتي صفوة
من بعض البلدان أو الشعوب فتبتدع العلم ابتداعاً، وتضع مقاييس جديدة للمعرفة، ثم
تأخذ هي شيئاً من هذا العلم وتعمد الى توزيع الفائض على الآخرين.
إنّ هذا لا يكون أبداً، فهذه النسبة من العمل وهذه الصورة تعني ذلك التخلّف
المتواصل لبعض البلدان، كما تعني تلك العلاقة المجحفة بين الدول، وتلك الاصطلاحات
المصطنعة من تصنيف العالم الى عالم أول وثانٍ وثالث، والى شمال وجنوب، وتلك
المفردات التي شاعت ومازالت في الأدبيات السياسية لهذا القرن والقرن الماضي.
إنّ الناس جميعاً يمتلكون قابليات العلم والبحث العلمي، حتى وإن اختلفت النسب، إلا
أنه لا يوجد بلد على الإطلاق لا تتوفر في مواطنيه إمكانيات ظاهرة أو خفيّة لإحراز
موقع في رقعة العلم الواسعة والاضطلاع بدور فاعل فيها.
إن البلدان التي تتمتع بمستوىً عالٍ أو متوسط في تجربتها التاريخية أو الحضارية ـ
ولا شك أنّ بلدنا واحد منها ـ ينبغي لها أن تلعب دوراً في النهوض بتطور المعرفة
وتقدم العلوم، وعندها ستتخلّص من ذلك التخلف وتلك العنصرية وهذا الإجحاف على كافة
المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وستحتل مكانتها المنشودة على قدم وساق
مع الدول الأخرى والقوى الكبرى المعاصرة. وحينها ستتمكن من إدارة نفسها بنفسها
والنهوض بأعبائها، فتعطي وتأخذ، وهو ما يفتقر إليه العالم اليوم.
إنّ النظام السلطوي في عالم اليوم لا يقوم على الأخذ والعطاء، بل على انتهاب أقصى
حدّ ممكن وإعطاء الحد اليسير الأدنى، فهو يمتصّ الثروات والإمكانيات، ويستأثر
بالصلاحيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المناطق الواقعة تحت سيطرته، ثم لا
يعطي شيئاً في مقابل ذلك، بل ربما أعطى ما كان مضرّاً، أو ما كان بخساً وتافهاً.
إنّ هذا هو النسيج السياسي في عالمنا المعاصر: فرض السيطرة والخضوع للسيطرة.
وإذا ما قُدّر أن يتمزّق هذا النسيج وتسترد بلدان العالم موقعها وطاقاتها على خريطة
العلاقات الدولية، فإن ذلك لن يكون إلا بالعلم، والعلم وحده.
إذاً فالأمر يستوجب العناية الجادّة بالعلم والتقدم العلمي.
حركتنا العلمية حديثة وتحتاج لمزيد من الدعم
لقد بدأت نهضتنا، ولكننا مازلنا في بداية الطريق، فينبغي دعم المراكز
العلمية ومجامع التحقيق العلمي، كما يجب مد يد العون للمشاريع العلمية وأطروحات
البحث العلمي والتقني وتعميق الميول العلمية والتحقيقية، ولا ينبغي أن يقتصر ذلك
على الأساتذة والباحثين، بل يجب تعميمه أيضاً ليشمل الطلبة، وبذلك تتيسّر سبل البحث
أمام الراغبين منهم بلا مشقّة أو عناء.
إنّ المسؤولين عن المؤسسات والمراكز التعليمية في البلاد، كوزارة التربية والتعليم،
ووزارة العلوم، ووزارة الصحة، وسائر الأقسام المعنيّة بقضايا التخطيط الثقافي،
يتحمّلون جميعاً مسؤولياتهم في هذا المجال.
إنّ عليهم العمل على أن تكون البيئة الجامعية بيئة لطلب العلم، فهناك من الشباب من
يريد أن يصبح عالماً بغضّ النظر عن الشهادة الدراسية، ومنهم من يريد مثلا استخراج
عنوان لعلم بسيط ينجزه.
إنّ هذه الحركة هي حركة ضرورية ويجب أن تستمر، ويجب على الحكومة والأجهزة المعنية
والمسؤولة وكل من يستطيع التأثير على عقلية المخاطبين توفير الدعم اللازم لإنجاح
مثل هذه المشاريع.
العلم من دون إيمان وسيلة للقهر والتسلط والإستغلال
إنني أؤكد على عدم تجاهل أنّ العلم والدين توأمان كلما تقدّمنا خطوة على
طريق التقدم العلمي.
إنّ العلم المجرد عن الدين والبعيد عن العقيدة يضرّ بالجنس البشري على المدى البعيد
حتى لو استطاع تسجيل بعض الأمجاد لبلد ما على المدى القريب، وها نحن الآن نكتوي
بنار التقدم المادي العاري عن الإيمان.
إنّ فصل العلم عن الدين وتجريده من التزاماته العقائدية يؤدي إلى ما نجده مسيطراً
على عالمنا المعاصر، فلقد أصبح العلم أداة للتسلط والقهر ووسيلة للإستغلال وسبيلاً
إلى تدمير الحرث والنسل والمكاسب العلمية، كما هو الحال بالنسبة للقنبلة النووية،
فهي من نتاج العلم، وتلك الأنواع الفتاكة من المخدرات، فهي من نتاج العلم، وكما هو
الوضع أيضاً بالنسبة للسياسيين المجردين عن كافة أنواع الأحاسيس والمشاعر الإنسانية
الذين يسيطرون على مواقع القرار في الكثير من بلدان العالم.
لابد وأن يقترن العلم بالدين، وينبغي أن يكون التحصيل العلمي لله وفي سبيل الله،
وهو ما يجب أن تشتمل عليه تعاليمنا الأولية في كل مكان.
إنّ اقتران العلم بالدين يؤدي الى النجاح الباهر، ولا داعي للقول: بأننا لو قدّسنا
العلم وقرنّاه بالدين وعملنا بإيمان فإن ذلك سيكون عائقاً أمام التطور، كلا،
والدليل على ذلك هو جهاد الجامعة الذي تنتمون إليه، والذي أنجز مجموعة من الأعمال
القيّمة على أيدي هذه العناصر المؤمنة، فهو يؤكد أنّ النجاح سيكون مذهلاً إذا اقترن
العلم بالإيمان.
لقد سجّلت عندي بعض الملاحظات الأخرى، ولكني لن أستطيع استعراضها جميعاً؛ نظراً
لضيق الوقت، فلقد بلغت الساعة الثانية عشرة ـ (وقت صلاة الظهر) ـ.
أتمنّى أن يكون هذا اللقاء رسالة حب وتقدير واحترام من قِبَل المسؤولين جميعاً
للتجمّع العلمي في البلاد وللحركة العلمية لجهاد الجامعة ولا سيّما مؤسسة رويان،
وندعو الله تعالى أن يُجزل لكم الأجر والثواب. وأن يرحم الفقيد الراحل سعيد كاظمي
رحمةً واسعة ويرزق أهله وذويه الصبر والسلوان، وأن يوفقكم إلى المزيد من النجاح
والتقدم أيها الأعزاء في (رويان) وفي جهاد الجامعة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1- سورة التوبة، آية: 108.
2- سورة آل عمران، الآية: 155.