التحول سنة إلهية: ضرورة التحول والتغيير في عمل الحوزات العلمية
العلم والتطور
التحول سنة إلهية: ضرورة التحول والتغيير في عمل الحوزات العلمية
عدد الزوار: 77
كلمة
الإمام الخامنئي في لقاء خاص بالأساتذة والفضلاء والمبلغين والمحققين في الحوزات
العلمية في البلاد.الزمان: 8/9/1386هـ. ش ـ 18/11/1428هـ.ق ـ 29/11/2007م.
التحول سنة إلهية: ضرورة التحول والتغيير في عمل الحوزات العلمية
تطوير الحوزة يحتاج إلى تخطيط وإلا فمصيرها الركود
الموضوع الأول هو، أن الحوزة العلمية بمثابة كائن حي ذو أبعاض وأجزاء؛
أي له نمو، وتوقف، وحركة ونشاط، وجمود وركود، وله حيات وممات؛ والدليل على ذلك ما
نشاهده في تاريخ الحوزة العلمية فمثلاً افترضوا الحوزة العلمية في مدينة الحلة التي
برزت ولمع بريقها في القرن السابع الهجري أو أواخر القرن السادس حتى السابع الى
أوائل القرن الثامن الهجري واجتمع فيها كثير من العلماء الكبار بعد قدوم الخواجة
نصير الدين الطوسي إليها، وقد بلغ عددهم ـ حسب ما أتذكر ـ حوالي العشرين أو الخمس
وعشرين عالماً ومجتهداً، منهم المحقق الحلي، ووالد العلاّمة، وابن سعيد صاحب جامع
الشرائع ـ يحيى ابن سعيد الحلي ـ وغيرهم؛ هذه كانت حوزة الحلة؛ لكننا لا نجد لها
أثراً اليوم.
أما حوزة النجف فبعد لمعان بريقها الأول، تعرضت للركود والأفول فترة معينة، لم تقدم
فيها علماء ومحققين بارزين؛ لكنها عادت الى بريقها الأول بعد ظهور تلامذة الوحيد
البهبهاني أمثال بحر العلوم وكاشف الغطاء وغيرهم، ممن أعادوا لحوزة النجف هيبتها
ورونقها، بحيث استمرت ـ حسب رأيي ـ تستمد من انجازاتهم وتحقيقاتهم رونقها وتقدمها
طيلة مائتي سنة.
فقد كان لدقة وعمق مؤلفاتهم الفقهية الأثر الكبير في المحافظة على نشاط وحيوية هذه
الحوزة حتى السنوات الأخيرة.
أما حوزة قم، فبعد رونقها السابق، بقت حوزة صغيرة قليلة الأثر والتأثير، حتى جاء
الشيخ عبد الكريم الحائري (رضوان الله تعالى عليه)، فاستعادت حياتها وبريقها مرة
أخرى. فتطور الحوزات العلمية بهذا الشكل، إذ لا يجب أن ننظر فقط الى ما هو موجود
اليوم؛ بل لابد من النظر الى الغد أيضاً؛ وكيف ستؤول الأمور فيه؟ وهذا ما يجب أن
تعينوه أنتم اليوم.
فاليوم إذا ما سعى المسؤولون في الحوزة العلمية من مدراء وأساتذة ومفكرين وفضلاء،
الى بذل قصارى جهدهم في التفكير والتخطيط للبرامج المستقبلية، فإن الحوزة ستصبح من
الناحية العلمية والفكرية وتربية النفوس، أفضل بكثير مما هي عليه الآن.
فإذا لم نتوقع المستقبل من الآن، فليس من المعلوم أن تبقى هذه الحوزة بنفس هذه
الامكانيات والامتيازات؛ لأن الكثير من علمائها وفقهائها وفلاسفتها سيرحلون عنها
{نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} وبالتالي ينبغي تربية شخصيات أخرى تشغل مكانهم
وتنجز أفضل من أعمالهم. فإذا ما حصل هذا التخطيط على أكمل وجه، فسننعم حتماً
بمستقبل أفضل، أما إذا لم نقم بهذا التخطيط من اليوم في حوزة قم، وظلت راضية بوضعها
الحالي؛ وقانعة بأسلوب إدارتها في الوقت الحاضر؛ فإننا غداً إما سنفقد هذه الحوزة
تماماً أو سنجدها تسير نحو الأفول والانحطاط.
نحن اليوم نفكر من الآن بالمستقبل الذي نجد فيه بلادنا خالية من النفط، وكيف نتمكن
من توفير الطاقة غير النفطية؛ بل من المتوقع نفاذ المصادر النفطية في العالم؛ لذا
نرى جميع دول العالم تفكر في توفير الطاقة لمثل ذلك اليوم.
وما تشاهدونه من معاناة تواجهنا اليوم، فإنما بسبب تفكيرنا بتوفير متطلبات حياتنا
في المستقبل؛ لأننا إذا لم نفكر من الآن بذلك اليوم الذي تنفذ فيه ثروتنا النفطية؛
فستظهر نتائج سوء عملنا في المستقبل، وسنبقى مسؤولين عن هذا العمل. لذا يجب التفكير
في هذا الموضوع في الحوزة العلمية، وعلى جميع المسؤولين في الحوزة، وعلمائها وعلى
جميع مراجعنا العظام أيضاً الاهتمام بما ستؤول عليه حوزاتنا العلمية في قم أو
اصفهان أو مشهد أو المدن الأخرى في السنوات العشرين أو الثلاثين القادمة، وماذا
سيحصل بعد ثلاثين سنة؟
أي نجد عالماً من المحتمل أن يختلف كثيراً عن عالمنا اليوم، في مجالات التأثير،
وتسخير القلوب، وتسخير البلاد واستعمارها. فقبل عشرين سنة لم نكن نسمع بمثل هذا
التقدم في المعلومات، بالشكل الذي تحدث عنه الأخ العزيز وشرحه بهذا التفصيل الجيد؛
مما يتطلب منا مواكبة هذه التغيرات!
فلو فكرنا في الماضي بما ستؤول إليه الأمور اليوم، لما بقي خَلأً أو فراغ هذه
الأيام؛ فنحن اليوم نجد ـ كما ذكر الأخ العزيز ـ هذا التقدم في المعلومات في كل
بيت، وكل مدرسة، وكل مكان في البلاد حتى في القرى؛ فهل تتخلف الحوزة العلمية عن
مواكبة هذا التقدم؟
وحاولوا أن تقسوا على ذلك ما سيحصل بعد ثلاثين سنة، وبالطبع بسرعة أكبر. أي أن سرعة
التطور العلمي في السنوات العشرين الماضية، تكون حتماً أقل بكثير من سرعة التطور
العلمي في السنوات العشرين أو الثلاثين القادمة.
إذ من الممكن في ذلك اليوم، أن يتمكن أصحاب الأفكار والمدارس الفكرية المختلفة،
والفرق الضالة، وأصحاب الأهداف الفاسدة، من السيطرة بسهولة على أفكار أبنائكم في
صفوف الدرس في الجامعات والمدارس، وفي داخل بيوتكم، ولن تتمكنوا حينها من مواجهة
سيطرتهم.
لذا يجب على الحوزة العلمية أن تفكر في مثله هذا اليوم؛ لأنها المسؤولة عن دين
الناس وتدينهم، وكذلك تقع المسؤولية على عاتق رجال الدين الذين يتربون ويتعلمون في
الحوزة العلمية.
إذاً، عليكم أن تقيّموا هذه المسؤولية، وتزنوها بالشكل الذي يمكننا من إدراك ثقل
المسؤولية التي تقع على عاتقنا.
فهذا ما يتعلق بمسألة التخطيط للمستقبل
ضرورة التحول والتغيير في عمل وإدارة الحوزات
المسألة الأخرى هي ضرورة إدارة عملية التحول والتغيير؛ لأني أيها الأخوة
والأخوات قد أكدت سابقاً عدة مرات على حتمية حدوث التحول والتغيير لأنه يمثل طبيعة
وسنّة الخلق الإلهي. فلو افترضنا وجود كائن أو موجود لا يتعرض لعملية التحول
والتغيير، فإنه لن يخرج عن حالتين: إما سيموت أو سينزوي عن العالم. أي أما أن لا
يجد مجالاً للحياة في ظل تغيير وتحول الظروف والأوضاع المختلفة، فتسحقه عمليات
التحول والتغيير المتكررة فيموت حينها؛ أو إذا تمكن من البقاء حياً، فإنه سينزوي
حتماً، ويعيش حياة إنسان الغابات الذي قرأنا عنه في الصحف مؤخراً، التي تتحدث عن
قصة إنسان ذهب قبل أربعين سنة للعيش في غابات مدينة مازندران، فانزوى عن محيطه
الخارجي؛ لأنه لم يحتفظ سوى بارتباط ضعيف جداً عن هذا المحيط.
إذاً، يمكن الهروب والابتعاد عن التحول والتغيير، لكنه لن يؤدي إلا الى الانزواء؛
وهكذا الحال بالنسبة للحوزة العلمية فإنها ستنزوي حتماً إذا ما اختارت الابتعاد عن
التحول والتغيير، هذا إذا بقيت حية ولم تمت؛ وبالطبع فإن الدين سيمنع موتها، لكنها
ستنزوي تدريجياً يوماً بعد آخر.
إذاً، التحول أمر حتمي، لكنه ذو طرفين؛ تحول في الاتجاه الصحيح، وآخر تحول خاطئ؛
لذا يجب علينا إدارة عملية التحول هذه لوضعها بالاتجاه الصحيح؛ وهذا الأمر يعتبر
أهم الوظائف الملقاة على عاتق الحوزة العلمية. فينبغي على مدراء الحوزة وفضلائها
ومفكريها ومحققيها بذل قصارى جهودهم، لأداء هذه الوظيفة وعدم الهروب من عملية
التحول.
وقد ذكر الأخوة ضرورة التغيير في أساليب التعليم والتحقيق، ومناهج التدريس؛ لكن لا
تقولوا أنكم كتبتم حول هذا التغيير منذ عشر أو خمسة عشر سنة مضت؛ لأن هذا البرنامج
كُتب قبل عشر سنوات، أما اليوم فنحتاج الى تكميل هذا البرنامج. فالتحول؛ يعني
التعامل المتناسب مع العصر والزمان، والتقدم وعدم التخلف عن الأحداث والتطورات
الحاصلة في العالم؛ وبالطبع فإن الحوزة العلمية في فترة معينة، قد تخلفت قليلاً عن
هذه التطورات، وهو أمر طبيعي، لا يتحمل أحد مسؤولية هذا التقصير؛ نظراً لقيام
الثورة الإسلامية وسرعة التحولات والأحداث التي حصلت نتيجة لهذا الطوفان العظيم
الذي اجتاح المجتمع، مما خلَّف وراءه الكثير من المؤسسات العلمية.
فنحن لا نزال نرى مفكرينا وجامعاتنا، وحوزاتنا العلمية تتخلف عن مواكبة تطور
الأحداث والتحولات العظيمة الحاصلة في جميع الأبعاد الاجتماعية والمجالات المختلفة
في مجتمعنا، وما تركه من تأثيرات عميقة فيه.
فنحن لا نزال نتخلف عن مواكبة هذا التحول العظيم، والحوزة العلمية لا تزال تتخلف
قليلاً عن هذا التحول؛ لكن يمكنها تعويض ما فاتها من خلال المثابرة والجدية والسرعة
اللازمة.
فيجب علينا القبول بهذا التحول، والعمل على إدارته بالشكل الصحيح، مع ضرورة الحذر
في التعامل معه.
أ ــ منح الحوزة الشهادة العلمية لطلابها
لقد طرح هنا موضوع الشهادة العلمية، وقد كنت منذ البداية من المؤيدين
لوجود شهادة علمية مستقلة باسم الحوزة العلمية، ومازلت أؤكد على هذا الموضوع.
فالحوزة العلمية يجب أن تمنح طلابها شهادة علمية تستند الى اعتبار الحوزة وليس الى
اعتبار وزارة العلوم؛ لأن اعتبار الحوزة أعمق وأهم وأكثر ثباتاً من اعتبار أي وزارة
أخرى.
ولا يهم الاسم الذي يطلق على هذه الشهادة العلمية؛ لأن بعض الأخوة كان يعترض لماذا
ترتبكون من إطلاق اسم شهادة الدكتوراه، أو الماجستير عليها، وأطلقتم عليها اسم
السطح الثالث والسطح الرابع؛ فأنا لا يهمني البحث في هذا الموضوع؛ لأنه يعود إليكم
أن تبحثوا فيه، وتقرروا ما هو الأصلح في هذا المجال؛ لكني أؤيد أصل وجود الشهادة
العلمية في الحوزة.
إنّ النفور من وجود الشهادة العلمية، يمثل آفة هذه الشهادة، إذ من العيب أن يدرس
الطالب في الحوزة العلمية لأجل الحصول على الشهادة منها؛ وهذا ما يمثل الخط الوسط
في عملية التحول، وما يمثل إدارة التحول في موضوع الشهادة العلمية. فلا عيب في منح
الشهادة العلمية في الحوزة، لكن علينا الابتعاد عن الحرص على وجود الشهادة العلمية
أو معارضة وجودها، فقد كنتُ دائماً أعتبر هذا الموضوع من عيوب التغيرات الجديدة في
الحوزة. هذا نموذج للتحول.
ب ضرورة تغيير المناهج الدراسية
المسألة الأخرى التي طرحها الأخوة، هي مسألة المناهج الدراسية، وأنا
أؤيد هذا الموضوع، حتى أني بحثت هذا الموضع مع بعض الفضلاء أثناء زيارتي لمدينة قم
المقدسة ـ ولا أتذكر متى كانت تلك الزيارة، أحد الأخوة يقول أنها حدثت قبل عشر
سنوات، لكني ظننت أنها حدثت قبل ثلاث أو أربع سنوات ـ وعندما طرحنا موضوع تغيير
المناهج الدراسية في الحوزة، واجهتنا أيضاً معارضة البعض لهذا الموضوع ـ وبالطبع
كنت أعلم بوجود معارضة البعض لهذه القضية ـ لكني اقول بضرورة تغيير المناهج
الدراسية، ولا شك في حتمية تغييرها.
وقد دونت هنا الاستدلال الذي ذكره أحد الأخوة، وهو استدلال قوي جداً؛ فقد ذكر أنه
إذا كان المفروض عدم تغيير المناهج الدراسية، فلابد لنا دراسة كتاب (المعالم) فقط،
ولا توجد حاجة لتأليف كتاب(القوانين)، أو تأليف الكتب الأخرى مثل (الرسائل)،
أو(الفصول)، أو (الكفاية).
وهذا الأمر صحيح، وكذلك الحال الآن؛ إذ يجب علينا تغيير المناهج الدراسية، والعمل
على جعل الطالب لا يهتم في دراسته سوى فهم الموضوع وليس بفهم العبارة وتفسيرها. فما
الفن، أو الفائدة، أو الخير الكامن في موضوع غلق العبارات أو تعمد إغلاقها
وتعقيدها، حتى يصرف الطالب معظم وقته على فهمها أو تفسيرها؟
كلا المفروض أن نكتب العبارات ببيان واضح حتى يسهل على الطالب فهمها واستيعاب
المواضيع وإدراكها بسهولة، ولا يجد الأستاذ صعوبة في توضيح هذه العبارات، ويقتصر
همه على توضيح المواضيع فقط.
فما هو الإشكال في تغيير كتاب الكفاية، وكتابتها بأسلوب جديد؟ كما ينبغي تسهيل كتاب
المكاسب الذي يتضمن أسلوب الشيخ الأنصاري في بيان الموضوع، معتمداً على تكرار بحث
المواضيع بأسلوب اجتهادي؛ لأنه كان يمثل درس البحث الخارج للشيخ الأنصاري.
لا ينبغي الاستهانة بكتاب المكاسب، لكن من مثل الشيخ الأنصاري كتب في هذا الموضوع؟
لقد ألف كثير من العلماء والفقهاء كتباً حول المكاسب. وما دام قد تم تدوين هذا
البحث الخارج وطرحه بشكل كتاب، فإنه مفيد جداً ولكن للطلاب الذين شاركوا في درس
الشيخ الأنصاري، حيث كان يدور حول الموضوع، ويطرح الاحتمالات المختلفة حوله، لكنه
لا يعتبر كتاباً مناسباً للطلاب الذين يسعون الى تعلم الفقه الاستدلالي من خلال
النص.
لذا أؤكد على ضرورة تسهيل كتاب المكاسب وطرحه بأسلوب جديد، بحيث يتضمن عرض آراء
الشيخ الأنصاري في كل مسألة من مسائل المكاسب، بدقة ووضوح، مقيدين بشدة بما ذكره
الشيخ الأنصاري حول هذه المسألة في كتابه؛ وبالتالي يمكن أن يمثل هذا كتاباً جديداً
للمكاسب. هذا رأيي في المسألة، ومن الممكن أن يعارض المسؤولين في الحوزة ومدرائها
وبعض الفضلاء، هذا الرأي؛ لكني أؤكد لكم أنه سيأتي اليوم الذي يحدث فيه هذا
التغيير.
وهذا يمثل الطرف الأول من القضية.
أما الطرف الآخر من القضية، فإننا عندما نطالب بضرورة إيجاد التحول والتغيير في
الإدارة، فهذا لا يعني التقليل من الدرجة العلمية للمواضيع، ولا يعني تنزيل المستوى
العلمي للمواضيع التي يطرحها الشيخ الأنصاري، ولا يعني تضعيف المستوى العلمي
للمواضيع المطروحة في كتاب القوانين؛ حتى لا يشعر الطالب بخلأ في معرفة المبادئ
والعناصر المهمة التي نعتمد عليها اليوم في دراستنا للفقه والأصول؛ بل يجب بيان
المواضيع وكتابتها بعبارات صحيحة ولسان عربي بليغ؛ لأني أشعر بوجود هذا النقص عندنا
عندما أطالع بعض الكتب والتحقيقات الحوزوية.
فالكتاب العلمي الجيد والذي يطرح على المجامع العلمية الإسلامية باعتباره كتاباً
متميزاً، يجب أن يكتب بلغة عربية جيدة، ويكون خالياً من الإشكالات اللفظية
واللغوية؛ لأن اللغة العربية تمثل لغتنا العلمية، التي يمكن أن يستفيد الجميع منها.
إذاً، لا يمكن اجتناب التحول والتغيير، وقد ذكرنا موردين لهذا التحول؛ مع وجود
الكثير من الموارد الأخرى، التي تحدث الأخوة عن بعضها، والتي تحظى جميعها بتأييدنا؛
لكننا نؤكد مرة أخرى على ضرورة هذا التحول؛ وهذه نقطة أخرى.
ضرورة إدارة التحول بشكل صحيح
والآن نتطرق الى بعض الآراء حول النظام الإداري في الحوزة، وقد اقترح
الأصدقاء بعض الاقتراحات مثل: تدوين النظام العام، والقانون العام، والخطة
المستقبلية لإدارة الحوزة، وجميعها مقترحات جيدة وصحيحة؛ لكن لا يمكن تحقيق أي
واحدة منها بدون وجود إدارة جيدة وكفوءة؛ لأن الإدارة الجيدة تمثل مفتاح جميع
الخطوات الإيجابية المنظمة التي يمكن للإنسان أن يتوقع منها نتائج إيجابية.
إذاً، يجب علينا إكمال النظام الإداري في الحوزة، ولحسن الحظ قد تم في السنوات
الأخيرة الموافقة على تأسيس الهيئة الإدارية العليا، والإدارات المنبثقة عنها،
ولاحظتم فوائد هذا العمل وبركاته. وقد علمت اليوم من كلام الأخوة بوجود أثنى عشر
لجنة علمية متخصصة في الحوزة، وهو أمر جيد جداً، ولم أكن على إطلاع بجميع هذه
اللجان، مثل: لجنة الاقتصاد العلمية، لجنة علم النفس العلمية، لجنة علم الرجال
العلمية، لجنة التاريخ العلمية.
ويعود الفضل في ذلك الى وجود الإدارة الجيدة، إذ بدونها لا يمكن تحقيق هذه الأمور؛
لكن لا ينبغي الاكتفاء بما تحقق حتى الآن في مجال النظام الإداري والمؤسساتي في
الحوزة، لوجود الكثير من النواقص التي ينبغي رفعها.
أ ــ رسم السياسة العامة في الحوزة
فأولاً بالنسبة للهيئة الإدارية العليا ـ ولا أعلم هل أعضاؤها موجودون
هنا أم لا؟ ـ يجب أن تولي اهتماماً شديداً بمسألة رسم السياسة العامة في الحوزة؛
لكونها أهم الوظائف التي ينبغي إنجازها في المراحل الأولى والمراحل الأساسية.
إنّ وضع السياسة العامة للحوزة يتضمن أبعاداً مختلفة، فنحن عندما نوصي بإنتاج العلم
وتطويره، لابد أن نعين ما هو هذا العلم؟ وماذا نعني بتطوير علم الفقه؟ وماذا نعني
بتطوير علم الأصول مثلاً؟ وماذا نعني بالتطور؟ وما هو الاتجاه الذي ينبغي أن يسير
فيه هذا التطور؟
فهذه أسئلة تحتاج الى الإجابة عليها من خلال السياسات التي ترسمها الهيئة الإدارية
العليا في الحوزة العلمية.
ب ــ وضع خطة مستقبلية لتنظيم عمل الحوزة
كما يجب وضع خطة مستقبلية واضحة لعمل الحوزة وإدارتها، كما هو الحال في
الخطة المستقبلية التي تضعها الحكومة لتنظيم المسائل المهمة في البلاد على مدى
عشرين سنة.
لذا ينبغي على الهيئة الإدارية العليا في الحوزة العمل كذلك على رسم خطة مستقبلية
لتنظيم عمل الحوزة وإدارتها على مدى عشر أو عشرين سنة قادمة.
لكن متى تتمكن الهيئة الإدارية العليا من إنجاز هذا العمل؟ عندما يضع أعضاء الهيئة
الوقت الكافي للبحث فيه وإنجازه، وأن لا يعتبروا عضويتهم في الهيئة شأناً ثانوياً
الى جانب شؤونهم ووظائفهم الأصلية. فأنتم إذ تلاحظون كيف تعمل إدارة الجامعة، وكيف
يعمل جهازها المسؤول عن وضع سياستها العامة؟ فإن الحوزة العلمية بهذا الحجم العظيم
ـ سواء حوزة قم، أو مشهد أو أصفهان ـ لا يمكن أن تدار بشكل ثانوي أو هامشي؛ بل
ينبغي وضع الوقت الكافي لإنجاز مثل هذا العمل المهم. هذا أولاً.
أما ثانياً، فنحتاج الى وجود مجموعة من الخبراء والكفاءات الممتازة، ولحسن الحظ نجد
مثل الكفاءات في الحوزة ـ كما لاحظنا ـ نماذجها في الأخوة الذين تحدثوا هذه الليلة،
وكثير من الأخوة الذين لم يتحدثوا، إضافة الى وجود الكثير من الفضلاء الشباب من
أصحاب الكفاءات والأفكار الجيدة ـ بحيث يمكن أن يحققوا للحوزة الاكتفاء الذاتي في
مجال الخبرات والكفاءات اللازمة، حتى إني أعتقد أن الحوزة لا تحتاج في المسائل
الحوزوية الى أفراد من خارجها، ويمكنها الاستفادة من هؤلاء الطلاب والفضلاء.
وبالطبع، يحتاج هذا الى عمل جدي وسعي متواصل، خاصة من قبل الهيئة الإدارية العليا،
باعتباره أحد وظائفها المهمة.
وفي مجال النظام الإداري والمؤسساتي في الحوزة، تعتبر مسألة تنظيم إدارة الحوزة
كمؤسسة متكاملة، من المسائل المهمة التي ينبغي الاهتمام ببحثها الى جانب مسألة
الهيئة الإدارية العليا.
إذ لابد من وجود لجنة عامة للتخطيط ووضع البرامج المستقبلية في الحوزة حتى لا يحصل
تعارض أو اختلاف في هذه البرامج، كما أشار إليه الأخوة في بعض كلامهم، أو ما أشارت
إليه الأخوات من وجود بعض الإشكالات في البرامج المتعلقة بهن في المجالات المختلفة.
لكن من يمكنه رفع هذه الإشكالات، هو وجود هيئة للتخطيط كفوءة وعلى اطلاع تام
بالتطورات الحديثة في مجال التخطيط ووضع البرامج الإدارية المناسبة.
إنّ مسألة التخطيط ووضع البرامج المناسبة، تعتبر اليوم مسألة علمية كبقية المسائل
العلمية الأخرى، فهي لا تعتمد على الإبداع الذاتي والذوق الفردي، رغم تأثيرها في
هذا المجال. لذا ينبغي الاستفادة من الأفراد والمتخصصين، وحضورهم في لجنة الخبراء
والكفاءات للمشاركة في التخطيط ووضع البرامج المستقبلية.
ج ــ وجود نظام إحصائي شامل
من الوظائف المهمة في مجال النظام المؤسساتي في الحوزة، التي ينبغي
الاهتمام بها، هي مسألة الاحصاء التي أشار إليها بعض الأصدقاء في كلامهم. إذ تفتقر
حوزاتنا العلمية اليوم الى نظام احصائي شامل، يقدم المعلومات والبيانات اللازمة عن
عدد الطلاب ورجال الدين في البلاد، ومستواهم الدراسي، ودرجتهم الدينية، وقابلياتهم
التبليغية، وتأثيرهم في محيطهم الاجتماعي؛ فهي معلومات وبيانات نفتقر إليها، ولا
يوجد من يقدمها لنا. فالإحصاء يعتبر اليوم من العلوم المهمة، التي ينبغي حتماً
الاهتمام بها والبدء بها بسرعة، إذ قد يستغرق إنجازها الى سنوات عديدة، لكنها ستعطي
ثمارها وبركاتها الوفيرة.
وينبغي أن يتضمن هذا الاحصاء معلومات عن طلاب الحوزة، ومستواهم الدراسي، ومقدار
إدراكهم للمواضيع التي درسوها، ومستوى تطورهم العلمي؛ حتى نتمكن من معرفة عدد
العاملين تحت إشراف الحوزة، وما هي الوظائف التي نحتاج الى إنجازها.
إذاً، هذه المسألة تعتبر أحد النواقص الموجودة في نظام الحوزة، وبالطبع سنحتاج بعد
عملية الإحصاء الى وجود نظام شامل للتقييم، هذه أحد الأمور التي رغبت في طرحها
عليكم فيما يتعلق بمسألة النظام المؤسساتي في الحوزة.