عوامل تخلف الشعب ألإيراني قبل الثورة
العلم والتطور
عوامل تخلف الشعب ألإيراني قبل الثورة
عدد الزوار: 77
كلمة
الإمام الخامنئي في جمع من أهالي مدينة (أبركوه) أثناء زيارته التفقدية لمحافظة
يزد.الزمان: 15/10/1386هـ. ش ـ 25/12/1428هـ.ق ـ 5/1/2008م.
عوامل تخلف الشعب ألإيراني قبل الثورة
أ ــ إنعدام الإحساس بالمسؤولية لدى الهيئات الحكومية
لقد عانى شعبنا طيلة العقود التي سبقت الثورة الإسلامية، بل وقبل ذلك من
عدم وجود هذين العاملين: الأول، عدم إحساس المسؤولين في الحكومة بالمسؤولية في قبال
أبناء الشعب؛ فرؤساء الحكومات المتعاقبة كانوا يعتبرون هذه البلاد ملكاً لهم، وحتى
يستفيدوا من هذا الملك كانوا يهتمون بما يجلب لهم الفائدة أكثر، ولم يكن يهمهم
تحقيق الفائدة لأبناء الشعب.
ومن هنا ظهر هذا العرف وهذه الاصطلاحات (النائية) و(القريبة)؛ فماذا يعني أن يطلقوا
على هذه اصطلاح (النائية)؟. إنها تعني بعدها عن مركز البلاد وبعدها عن طهران، وكان
هذا كافياً لحرمانها من الخدمات؛ لأنهم لا ينظرون الى المدن القريبة منهم، ولا
يهتمون إلاّ بالمشاريع والمناطق التي تحقق لهم أكبر قدر من الفائدة، لا تلك التي
تحقق الفائدة للشعب.
وقد جاءت الثورة الإسلامية لتغير هذا العرف، وتبعد المسؤولين عن منطق (النائية)
و(القريبة)، إذ لا وجود بعد اليوم لمثل هذا المنطق. لذا فإنكم تشاهدون اليوم سعي
جميع المسؤولين في البلاد، وأعضاء الحكومة للسفر الى مختلف مناطق البلاد، مما يدل
على سعيهم لتقسيم همتهم وجهدهم وعواطفهم بين جميع مدن البلاد، فلا ينبغي أن تحرم
منطقة أو مدينة لكونها نائية أو بعيدة عن شعاع همة المسؤولين وجهدهم.
واليوم نحن نرى بوضوح لقاء أبناء المدن النائية والصغيرة في مختلف مناطق البلاد
بالمسؤولين ورئيس الجمهورية وأعضاء الحكومة، والحديث معهم عن قرب حول مشاكلهم،
ويسمعون منهم مباشرة بشكل لم يسبق تحققه طيلة العهود الماضية، التي لم يكونوا
يأملون فيها حتى بلقاء أو زيارة مدير من الدرجة الثالثة.
إذاً، نشاهد اليوم وجود هذا العامل أي الإحساس بالمسؤولية عند المسؤولين والمدراء
العاملين في البلاد.
ب ــ ضعف الثقة بالنفس والشعور بالدونية
أما العامل الثاني فهو: الهمة والثقة بالنفس. فالشعب أو أبناء المدينة
الواحدة إذا فقدوا الثقة بأنفسهم وأهميتهم، فإنهم سيحكمون على أنفسهم بالتخلف عن
جميع المنافسات الإنسانية التي تحدث بين المجتمعات البشرية.
إنّ أخطر الشعارات التي كان يسعى المستعمرون لترويجها بين دول المنطقة وداخل بلادنا
أثناء فترة تسلطهم على هذه الدول، هو بث روح التخلف بين شعوب المنطقة وجعلها تعتقد
بتخلفها عن الشعوب الغربية والأوروبية، وأنها من شعوب الدرجة الثانية. وحتى في هذه
الدرجة ميزوا بينها فدول المنطقة، جعلوا بعضها أكثر تقدماً فرفعوا من توقعاتها
وطموحها، وقللوا من طموح وتوقعات البعض الآخر.
ولكن جاءت الثورة الإسلامية كالطوفان العظيم لتزيل هذا الهواء الفاسد والملوث عن
سماء بلادنا.
واليوم أصبح شعبنا أكثر ثقة بنفسه وأكثر اعتقاداً بقدرته على التقدم، بالاعتماد على
تاريخه المشرق، وقابلياته وطاقاته الداخلية، وبالاعتقاد على الإسلام والإيمان ليطرح
شعارات وعقائد جديدة الى البشرية.
وهذا الأمر هو الذي يشحذ همم الشعوب ويحفزها على ارتقاء قمم التقدم والتطور. لذا
أوصيكم أيها الأخوة والأخوات، خاصة الشباب الأعزاء، بالمحافظة على هذا الإحساس
الجميل بالأمل بالمستقبل، واحرصوا على عدم فقدانه.
لقد جاروا على هذه البلاد بإبقائها متخلفة. لكننا اليوم نشهد الكثير من التقدم
والتطور في المجالات المختلفة، لكنها مازالت حتى الآن لا تتناسب مع شأن الشعب
الإيراني ومكانته المرموقة بين الشعوب الأخرى.
فالشعب الإيراني وببركة الإسلام كان في الماضي يعتلي قمة العالم والاقتدار المادي
والمعنوي، إذ إنّنا اليوم أعدنا قراءة الإسلام، وفتحنا قلوبنا وصدورنا أمامه،
وبدأنا نقدم للعالم صورة مشوقة عن الإسلام تتناسب مع الزمان والتقدم الحاصل في
العالم.
فاليوم، يمكن أن نقدم للعالم برنامجاً متكاملاً للحياة يتضمن الفكر السياسي
الإسلامي، الفكر الاجتماعي الإسلامي، والفكر المعنوي الإسلامي، والفكر الإسلامي حول
العلاقات الداخلية الحاكمة بين أفراد المجتمع الواحد، إذ يمكن لهذا الفكر أن يصبح
منهاجاً متكاملاً تتبعه كافة الشعوب، وهذا ليس كلامنا فقط؛ بل كلام جميع العلماء
المنصفين في العالم. ولم يحصل شعبنا على هذا الأمر بسهولة؛ بل قدم من أجله العديد
من الشهداء، وهذه المدينة (أبركوه) قدمت العديد من الشهداء، وبذلت التضحيات
الكثيرة، تضحيات الآباء والأمهات الذين أرسلوا أبناءهم للدفاع عن الثورة الإسلامية
عند قيامها، وللدفاع عن حياض الوطن أثناء فترة الدفاع المقدس.
فهذه التضحيات هي التي تمكنت من الحفاظ على هذه الثورة، وإبقاء رايتها خفاقة عالية،
وجلبت الكرامة والعزة للشعب الإيراني.
وإذا ما تشاهدون المكانة المرموقة التي حصل عليها الشعب الإيراني اليوم في المحافل
العالمية والمنظمات الدولية، فإن الفضل فيها يعود الى كافة أبناء الشعب ومن كافة
المناطق والمدن، الذين ساهموا جميعهم في رسم هذه الصورة الجميلة عن الشعب الإيراني؛
فهذا الأمر تحقق بفضل سعي الجميع وجهودهم وزحماتهم.
إذاً، لابدّ من وجود هذين العاملين: إحساس المسؤولين بالمسؤولية بالنسبة لاحتياجات
الشعب وضرورة تقوية هذا الإحساس عندهم باستمرار؛ ويمكنني هنا أن أؤكد على وجود مثل
هذا الإحساس عند المسؤولين والوزراء ورئيس الجمهورية والمدراء العاملين في البلاد.
وإني أشهد بالله، إن الإنسان عندما ينظر إليهم يشعر بصدق بوجود هذا الإحساس
بالمسؤولية عندهم؛ فهم يبذلون قصارى جهدهم ويسعون لتقديم المزيد من الخدمات.
ولعل أفضل ما قدموه من خدمة لهذا الشعب إضافة الى الخدمات المادية والعمرانية
ومتابعة احتياجات المواطنين، هو رفعهم لشعارات الثورة، وتأكيدهم على قيمها،
والافتخار بتمسكهم بهذه القيم؛ وهو أمر مهم جداً.
إذ كنا ولا نزال نشاهد وجود بعض الأفراد داخل البلاد ممن لا يقدرون أهمية هذه
الشعارات، ولا يفتخرون بها رغم ضرورة الافتخار بها والتأكيد عليها.
ولحسن الحظ فإن كبار المسؤولين في البلاد يفتخرون دائماً بشعارات الثورة الإسلامية
وقيمها؛ لذا يجب أن يطمئن الشعب على وجود هذا الركن الأول، وهو اهتمام المسؤولين
والمدراء في البلاد بتحسين الأوضاع الخدمية في كافة أنحاء البلاد.
فأنتم تطرحون الآن مشكلة الماء، أو مشكلة الزراعة، أو مشكلة الطرق، أو مشكلة توفير
فرص العمل، وهناك الكثير من المشاكل الأخرى التي تطرح في كافة أنحاء البلاد، مما
ينبغي على المسؤولين متابعتها وتنفيذها، وعليهم التخطيط لها، وتقييم امكانات الدولة
ومصادرها لإيجاد الحلول اللازمة لهذه المشاكل، ولحسن الحظ تتمتع ببلادنا بإمكانات
وثروات كبيرة، إضافة الى وجود الكفاءات والطاقات الجيدة التي تفرض علينا التخطيط
الجيد للتقدم والتطور.
وقد تمكنا حتى الآن من تحقيق التقدم والتطور، بحيث تجاوز ما حققه الشعب الإيراني في
مجال البناء والإعمار خلال هذه السبعة وعشرين عاماً من عمر الثورة الإسلامية،
أضعافاً مضاعفة لما قد يمكن أن يحققه طيلة خمسين عاماً قبل الثورة خلال فترة
الحكومات الطاغوتية الظالمة التي أجحفت بحقوق الشعب ولم تهتم بتحقيقها؛ لأنها لم
تكن تشعر بأي نوع من المسؤولية تجاه توفير احتياجات المواطنين، وما قاموا به خلال
فترة حكمهم لم يكن إلاّ لضرورة ملحة أو للتظاهر، أو بالإجبار، أو نتيجة لضغط الشعب.
فهم أهملوا محافظة يزد ولم يهتموا باحتياجات أهلها الشرفاء، كما اهتموا ببعض
المناطق الأخرى خوفاً من تعرضهم لردة فعل أبناء تلك المناطق، فعملهم كان يستند على
هذه الأمور وليس نتيجة لإحساسهم بالمسؤولية.
أما اليوم فلله الحمد يوجد هذا الإحساس بالمسؤولية بأعلى درجاته؛ وعلى الشعب أن
يطمئن تماماً بأن مسؤوليه لا يبتغون من سعيهم وعملهم وما يبذلونه من جهد شيئاً
لأنفسهم، بل كل ما يقدمونه باستمرار إنما لخدمة هذا الشعب.
وبالنسبة للركن الثاني، فإني أوصي به باسمرار؛ فشبابنا لا ينقصهم شيئاً من الهمة
والنشاط، مما يفرض عليهم جميعاً الإحساس بالمسؤولية تجاه تقدم بلدهم وتطوره سواء من
كان منهم مشغولاً بالدراسة، أو بالصناعة، أو بالزراعة أو غيرها من المجالات
المختلفة، فعلى الجميع يقع جزء من المسؤولية في هذا المجال، وينبغي عليهم القيام
بواجبهم كل حسب وظيفته وسهمه منها.
ولحسن الحظ نجد هذا الإحساس بالمسؤولية عند شعبنا، وقد ظهرت أول تأثيرات هذا النشاط
وهذا الوجود من خلال افشال المؤامرات العالمية لهزيمة هذا الشعب، ويأسها من تحقيق
مآربها.
والاستعداد الدائم هو أفضل الوسائل لإفشال خطط الأعداء وإجبارهم على التراجع.