كلمة الإمام الخامنئي في جمع من النخب لمحافظة يزد
2008
التخبة مدعوة لتأدية دورها في مسيرة البلاد التقدمية
عدد الزوار: 91
كلمة
الإمام الخامنئي في جمع من النخب أثناء زيارته التفقدية لمحافظة يزد.الزمان:
15/10/1386هـ. ش ـ 25/12/1428هـ.ق ـ 5/1/2008م.
التخبة مدعوة لتأدية دورها في مسيرة البلاد التقدمية
بسم الله الرحمن الرحيم
أود الإشارة الى نقطتين قبل بداية
الحديث:
أما الأولى فهي ما تفضل به أخيراً صديقنا المحترم ـ والذي سنتعرف عليه فيما بعد ـ
حول ظاهرة السُّحُب.
والواقع أن فكري كان مشغولاً خلال الأيام القليلة الماضية بنفس هذا الموضوع، وهو
كيفية إنقاذ هذه المدينة وهذه المنطقة التي تعاني الجفاف والعطش والتي تعد من
المناطق المحرومة رغم غناها بالسحب الممطرة.
وكنت أريد أن أوصي بضرورة وجود مركز علمي لمتابعة ودراسة هذا الأمر عله يحرز بعض
النتائج.
لقد اتخذت بعض الاجراءات بالفعل في هذا المجال، فليس من الصحيح أن تبقى هذه المنطقة
في عداد المناطق المحرومة مع كل ما فيها من إمكانيات وطاقات إنسانية فاعلة وتواقة
للعمل والإنتاج.
ولهذا فإنني أتقدم بالشكر لهذا السيد المحترم وأطلب منه أن يبعث إليّ بهذا الموضوع
مكتوباً بصورة تفصيلية ومتكاملة مع التوقيع عليه باسمه وإمضائه حتى أضعه في مرحلة
العمل والتنفيذ.
وأما النقطة الثانية فإنها تتركز حول السيد آذر يزدي الذي أخبروني بحضوره معنا الآن
في هذا الاجتماع وأنه تكبد عناء المجيء رغم مرضه. لقد شاهدته منذ فترة في التلفاز
عندما كانوا يقومون بتكريمه. ومع قلة الوقت فقد جلست أمام شاشة التلفاز واستمعت الى
كلمته. لقد كان يقول إن أحداً لم يقم بتكريمه في عهد ما قبل الثورة، رغم ما قدمه من
خدمات جليلة.
وعندما شاهدت هذا البرنامج، خطرت في ذهني فكرة، وأحببت أن أقولها له يوماً ما، حيث
لم يكن ممكناً من الناحية العملية أن أراه حينذاك وأتحدث معه.
الكتاب الذي ملأ فراغا على مدى أجيال ثقافية طويلة
وأما الآن فقد سنحت الفرصة، وها هو معنا هنا في هذه الليلة.
إنني أعتبر نفسي مديناً لهذا الرجل ولكتابه فيما يخص تربية أبنائي. فعندما صدر
كتابه الذي يحمل عنوان( حكايات شيقة للأولاد الطيبين) أخذت الكتاب وتصفحته، وربما
كان من جزئين أو ثلاثة أجزاء. آنذاك كان أبنائي في سن المراهقة، وكانوا على أبواب
البلوغ، وكنا في عصر الطاغوت، وكان كل شيء يسير نحو تضليل عقول الشباب وتكدير
نفوسهم. وكنت أبحث عن مادة جذابة وشيقة تُدخل السرور على قلوب الشباب وترشدهم للخير
والفضيلة. لقد كان ذلك الكتاب ممتازاً. وكنت حينها أعد قائمة بأسماء الكتب المقترحة
لتوزيعها بين الشباب من طلبة الجامعات وتلاميذ المدارس العليا والمتوسطة.
ولكننا كنا نفتقر الى كتب للأطفال الصغار، حتى عثرت على هذا الكتاب. وعندما تصفحته
وجدته يفي بالغرض من نواحٍ متعددة. فاشتريته، وكان يتكون حينها من جزئين أو ثلاثة
على ما أعتقد، ثم ما لبثت أن اشتريت باقي الأجزاء بعد صدورها ووضعتها بين يدي
أبنائي، ولم يقتصر الأمر عند ذاك، بل جاوز عائلتنا الى الأصدقاء والعوائل الأخرى
وكل من وجدت لديه أولاد في سن يناسبها هذا الكتاب، وكنت أوصيهم باقتنائه.
والآن فإنني كنت أرغب في التعبير عن امتناني له وعرفاني بجميله. لقد سَدَّ فراغاً
هائلاً بهذا الكتاب حينذاك وعلى مدى أجيال ثقافية طويلة. إنه لعمل قيّم. وأسأل الله
تعالى أن يتقبل منك هذا العمل الطيب وأن يجازيك عليه خير الجزاء يا سيد مهدي آذر
يزدي.
إنّ مثل هذا التقدير الشفهي والتكريم اللفظي لا يفي بحق تلك الانجازات الصادقة
والأعمال المخلصة، ولكنّ الله يُجزل أجر المخلصين.
وأما بالنسبة لهذا اللقاء في هذه الأمسية فهو لقاء طيب وممتع. وهكذا في سائر
لقاءاتي مع النخبة في أسفاري المختلفة، فإن روحي تخفق بأجنحة الفرحة، وتحرر نفسي من
آثار التعب والعناء، ولاسيما بعد الأسفار الشاقة والمضنية.
إنّ هذه الأمسية تحظى بميزة خاصة، وهي أن يزد مشهورة بالنخب الذين يفوقون أبناء
المحافظات الأخرى عدداً إذا تحرينا الحق والحقيقة.
هذا أولاً، وثانياً، أن ما يتمتع به اليزديون من صفاء وحميمية كما عهدناهم منذ كنا
شباباً وحتى الآن هو ما تعبق به أجواء هذا الاجتماع. لقد تحدث الأصدقاء حول عدد من
القضايا المفيدة بالنسبة لي، ولسوف أقوم بمتابعتها كما يمليه عليَّ واجبي، وإنني قد
دونت محاورها وسجلت خلاصة عنها، وعلاوة على ذلك فإنهم سجلوا جميع ما تفضلتم به،
وسوف تكون هذه التسجيلات في مكتبنا في طهران، وسنقوم ببحثها ودراستها وعمل اللازم
إن شاء الله.
إنّ الوقت لا يتسع لأكثر من ذلك، فقد استغرق لقاؤنا نحو ثلاثة ساعات، ولهذا فلن
أطيل عليكم الحديث.
لتقدير النخب والإهتمام بها
إنّ هذا الاجتماع يمتاز ببعد واقعي، وبعد عملي، وبعد نموذجي. فأما من
ناحية البعدين الواقعي والعملي، فإني أجد من اللازم أن أتقدم بالشكر الجزيل لكافة
النخب في يزد والذين لم يشارك منهم سوى باقة في لقاء هذه الليلة. وأنَّ شكري
وتقديري لكم يتلخص في القول بأننا نعرف قيمة النخب على شتى الأصعدة ولا نبخسهم
أشياءهم، سواء أكان ذلك على صعيد النشاطات العلمية أو الفنية أو القرآنية أو
الدينية أو الرياضية أو الحوزوية أو الجامعية أو العُمَّالية أو النقابية أو
الخدماتية أو تلك النشاطات المتعلقة بساحات الثورة والتضحية والجهاد والشهادة
والأَسر، وما عداها، فإننا نجل الجميع ونحترمهم ونحبهم ونقدر خدماتهم.
فهذه هي الحقيقة من زاويتيها الواقعية والعملية. وإن من واجبنا أن نثبت لكم ذلك
قولاً وعملاً.
وأما البعد النموذجي أو الدلالي فهو أن على كل من يشاهد وقائع هذا الاجتماع على
شاشة التلفاز من المواطنين والشباب والمسؤولين خاصة أن يعلموا بأنه لابد من تقدير
النخبة والاهتمام بها إذا كانوا يرغبون في أن تخطو بلادنا خطوات واسعة نحو الأهداف
المنشودة. فهذه هي دلالة هذا الاجتماع وهذه هي رسالته، وهذا هو مضمونه ومحتواه الذي
لابد من إبرازه. وهذا فيما يتعلق بالآخرين.
قيمة النخب فيما ينجزون من أعمال صالحة للبلاد ومستقبلها
وأما فيما يتعلق بكم، فإنه من الامتياز أن يُعدّ المرء من النخبة، كأن
يكون الإنسان عالماً أو شاعراً، فإنه امتياز دون ريب، ولكن هذا الامتياز لن تكون له
قيمة كبرى إلا إذا تقبله الله تعالى، أو (وعندما يتقبل الله) كما قال سعدي، أي أنه
لابد وأن يكون مقبولاً عند الله تعالى، وسبيل تقبله ليس بالأمر العسير.
فعليكم أن تتخيروا لأنفسكم عملاً يكون فيه صلاح أمر البلاد وازدهار مستقبلها، وأن
تُفرغوا فيه مواهبكم وتتعهدونه بجد متواصل، وأن تكون فيه منافع للناس، وعندئذ يكون
في سبيل الله وابتغاء مرضاته.
إنّ العمل ابتغاء مرضاة الله ليس مجرد قولٍ أو لقلقة لسان دون عزم قلبي، وكما جاء
في الأثر: (خير النّاس انفعهم للنّاس)
وبهذا يتحقق القرب الإلهي، وهذا هو النظام القيمي للإسلام. فالإنسان يرتقي مدارج
القرب الإلهي عندما يكون في عمله منافع للناس.
إنّ الإنسان المؤمن والقلب العارف بالله يعمل العمل عندما يعلم أن الله يحب هذا
العمل، فلا مناص من أن يكون عمله لله تعالى، وبذلك يتحقق المقصود. وهذه نقطة مفصلية
ومحورية.
والنقطة الثانية ـ وكما أسلفنا ـ هي أنه ينبغي للفن أن يحتفظ بهويته واستقلاله
وعزته. قد لا يطالبكم أحد بشيء، ولكن عليكم بإنجاز هذا العمل. ولا يعني هذا أنني
أتجاهل دور الترغيب والتشجيع من قبل المسؤولين في تنمية المواهب، فلقد عملت طويلاً
في الشؤون الإدارية وأعرف جيداً مدى تأثير ذلك.
إنني لا أقول هذا حتى أريح بال المسؤولين، بل لكي أريح بالكم من ناحيتهم.
إنّ لكم أن تتذرعوا بالأمل، ولكن دون أن توقفوا نمو هذه الغرسة على هذا الأمل.
إنّ في داخل كل فرد من النخبة تتألق فكرة جديدة وإبداع جديد، وهو نوع من النمو، إنه
ذلك النمو الطبيعي، فدعوه لكي يأخذ مجراه.
إنّ علينا أن نتجنب العناد فنقول: طالما أن المسؤولين لم يهتموا بأعمالنا فلندعها
جانباً، كلا، فقيمة أعمالكم أرفع من أن يكون معيارها دعم المسؤولين.
إنّ من البديهي أن تكون مساندة المسؤولين أمر حياتياً أحياناً، وهذا في محله، وإنني
أوصيكم بذلك.
التخبة مدعوة لتأدية دورها في مسيرة البلاد التقدمية
إنّ بلادنا اليوم في طريقها الى التقدم، سواءٌ شاءوا ذلك أم أبوْا،
فالذين يضمرون لنا الشر يضمرون الشر أيضاً للشعب الإيراني.
إنّ على الذين يختلقون الأعذار أن يعلموا بأن بلادنا ماضية على طريق التقدم، قبلوا
أم أنكروا. فهذا ما يحدث الآن، وإن إنكار بعض أولئك الموسوسين، والباحثين عن الحجج
والأعذار، وأصحاب النظرة الضيقة لن يعوقوا هذا التقدم ولن ينفوه، فهو التقدم بعينه
حتى ولو رفضوا القبول به.
إننا نرى ذلك رأي العين، وإننا نشاهد هذه الحركة، كذلك الذي يركب سيارة تمضي به في
صحراء شاسعة دون أن يشعر بسرعتها، حتى إذا نظر الى علامات الطريق أدرك أنه يقترب من
محطة الوصول.
لقد قطعنا جزءاً من المسافة حتى ولو لم يشعر المرء بذلك لانشغاله بالحديث، فعلى
الذين يتذمرون ويتساءلون لماذا لا نتقدم الى الأمام أن ينظروا الى علامات الطريق
ليعلموا كم قطعنا من المسافة وكم بقي لنا حتى نهاية الطريق.
إنّ لائحات الطريق توضح لنا حقيقة الأمر، وتشير الى أننا ماضون قُدُماً في حركة
دائبة.
إنّ البعض يشعرون بالغبطة والسرور، فهنيئاً لهم، والبعض الآخر يحسّون بالضيق
والامتعاض، فتبّاً لهم.
إنّ الشعب الإيراني منطلق في طريقه للأمام.
إنّ عليكم أيها النخبة أن تأدوا دوركم في هذه المسيرة التقدمية بما يتناسب مع
نبوغكم، وهذا يشمل كافة الأصعدة والمجالات.
إنني لست من أولئك الذين ينكرون قيمة الشعر والفن ويصادرونه لصالح العلم. فمع أنني
أؤمن بأن العلم يحتل المرتبة الأولى من حيث الأهمية في تقدم البلاد ـ كما أشرت
مراراً وتكراراً في خطاباتي الى الشباب والطلبة والأساتذة وسواهم ـ إلا إنني أعتقد
بأن العلم لا ينفك عن الدين والفن والذوق والصناعة وكافة أنواع البناء والزراعة
والخدمات العامة والعلاقات الخارجية، فهي كلها تشكل مجموعة واحدة ويجب أن تتقدم الى
الأمام معاً، كلٌ منها على النحو المناسب.
إنني لا أريد أن أثقل عليكم أكثر من ذلك، وأتقدم بالشكر لكل من تحدثوا، وأعتذر الى
الذين لم تسنح لهم الفرصة بالحديث.
كما أتوجه بالتقدير والامتنان الى جميع الحاضرين ولاسيما القادمين من المدن الأخرى
متحملين عناء الطريق للمشاركة في هذا الاجتماع، وادعوا الله لكم جميعاً بالنجاح
والتوفيق.
والسلام عليكم
ورحمة الله وبركاته