تهذيب اللسان
تهذيب النفس
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "ألا أخبركم بشراركم؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال صلى الله عليه وآله وسلم: المشّاؤون بالنميمة، المفرّقون بين الأحبّة، الباغون للبراء العيب"
عدد الزوار: 334
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "ألا أخبركم بشراركم؟ قالوا بلى يا
رسول الله، قال صلى الله عليه وآله وسلم: المشّاؤون بالنميمة، المفرّقون بين
الأحبّة، الباغون للبراء العيب"1.
النميمة مرض قاتل
قال الله تعالى:
﴿وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ * هَمَّازٍ مَّشَّاء
بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ
زَنِيمٍ﴾2.
النميمة مرض نفسيّ لسانيّ قاتل وخطير، وهي تعني: "نقل قول الغير إلى المقول فيه
سواء بالتكلّم أو الكتابة أو الإشارة أو الرمز"3.
وهي المصداق البارز لإشاعة الفاحشة في المجتمع المؤمن، لما فيها من الفساد
والإفساد.
عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: "من قال في مؤمنٍ ما رأته عيناه وسمعته
أذناه، فهو من الذين قال الله عزّ وجلّ:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ
الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾4"5.
وعنه عليه السلام قال: "وإنّ من أكبر السحر النميمة، يُفرّق بها بين المتحابّين،
ويجلب العداوة على المتصافين، ويسفك بها الدماء، ويهدم بها الدور ويكشف بها الستور،
والنمّام أشرّ من وطىء الأرض بقدمٍ"6.
كيف نتعامل مع النمّام؟
من الجميل أن نتعلّم من أهل البيت عليهم السلام كيفيّة التعاطي مع النمّام, حيث روي
عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه أتاه رجل يسعى إليه برجلٍ، فقال له عليه السلام:
"يا فلان نحن نسأل عمّا قلت، فإنْ كنتَ صادقاً مقتناك، وإنْ كنتَ كاذباً عاقبناك،
وإنْ شئت أنْ نُقيلك أقلناك، قال: أقلني يا أمير المؤمنين"7.
وإليك أخي الكريم بعض النصائح والإرشادات في كيفية التعامل مع النمّام:
1- لا تُصدِّق النمّام: وذلك لقوله تعالى:
﴿وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ *
هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ﴾8.
2- تبيّن قبل ترتيب الأثر لقوله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن
جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ
فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾9, فلا تظنّ بأخيك السوء:
﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ
الظَّنِّ إِثْمٌ﴾10، ولا يحملك القول فيك على التجسّس:
﴿وَلَا تَجَسَّسُو﴾11, فلا
ينبغي أن ترضى لنفسك ما نُهيت عنه، فتقع فيما وقع فيه غيرك.
3- انْهِ النمَّام واردعه عن فعله وامره بالمعروف لقوله تعالى:
﴿وَأْمُرْ
بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾12.
4- أبغِضْهُ في الله إذا علم منه معرفته بعمله وإصراره على فعله, لأنّ النمّام
ملعون بعيدٌ عن الله, يزرع الضغينة أينما حلّ, كما ورد في الخبر عن أمير المؤمنين
عليه السلام: "إيّاك والنميمة فإنّها تزرع الضغينة وتُبعد عن الله"13.
آثار النميمة الدنيويـّة والأخرويـّة
1- الضغينة والحقد:
حذّرت الروايات والنصوص الشريفة من النميمة لأنّها تُباعد بين القلوب وتزرع فيها
الحقد والضغينة, فقد ورد عن الإمام جعفر عليه السلام: "إيّاك والنميمة فإنّها تزرع
الشحناء في قلوب الرجال"14.
2- غضب الله وهتك الستر:
أوصى أهل البيت عليهم السلام بتجنّب النميمة والابتعاد عن النمّامين, لأنّ صحبتهم
لا تورث سوى الغضب الإلهي وهتك الستر, فقد ورد في كتاب الصادق عليه السلام إلى عبد
الله النجاشي والي الأهواز، قال له: "إيّاك والسعاة وأهل النمائم، فلا يلتزقن بك
أحدٌ منهم، ولا يراك الله يوماً وليلة وأنت تقبل منهم صرفاً ولا عدلاً، فيسخط الله
عليك ويهتك سترك"15.
3- شرار خلق الله:
من الآثار المُخزية للنميمة أنَّها تدنّي النفس الإنسانية إلى أسفل المدارك فتجعله
من شرار الخلق، كما وصفهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال: "أُلا أخبركم
بشراركم؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال صلى الله عليه وآله وسلم: المشّاؤون
بالنميمة، المفرّقون بين الأحبّة، الباغون للبراءالعيب"16.
4- عذاب القبر:
تُعدُّ النميمة أحد أسباب العذاب في القبر, فقد ورد عن الإمام عليّ عليه السلام
أنَّه قال: "عذاب القبر يكون من النميمة"17.
5- عدم دخول الجنّة:
النميمة تؤدّي إلى سوء العاقبة , فالنمّام لا يشتمّ ريح الجنّة, عن النبيّ صلى الله
عليه وآله وسلم: "لا يدخل الجنّة نمّام"18.
إيَّاكم والكذب
الكذب من أسوأ الذنوب الّتي يُمكن للعبد أن يرتكبها، والكذّاب يفقد ثقة الناس به؛
لأنّ العلاقات الاجتماعيّة السليمة الّتي يبتغيها الناس هي العلاقات القائمة على
الصدق، وقد كثرت الآيات والروايات الّتي تُحذّر من الكذب مبيّنة مبغوضيّته عند الله
تعالى، يقول الله تعالى:
﴿إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ
بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾19، وهذا ما أكّدته الرواية عن
الإمام علي عليه السلام: "جانبوا الكذب، فإنّه مجانب للإيمان"20.
وفي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أعظم الخطايا اللسان
الكذوب"21.
وعن الإمام عليّ عليه السلام: "وتحفّظوا من الكذب فإنّه من أدنى الأخلاق"22.
لا تستخفّوا بألوان الكذب
هناك نماذج من الكذب قد يستخفّ بها الإنسان ويعتبرها غير سيّئة وقد يُعطيها تسميات
لتخفيفها كاسم كذبة بيضاء أو كذبة أوّل نيسان... وقد أكّد الإسلام على رفض ذلك وعدم
استسهال الكذب بجميع مسمّياته وألوانه، وفي رواية عن عبد الله بن عامر قال: دعتني
أمّي يوماً ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاعد في بيتنا، فقالت: ها تعال
أُعطك، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما أردت أن تُعطيه؟ قال: أردتُ
أن أُعطيه تمراً، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أما إنّك لو لم
تُعطه شيئاً كُتبتْ عليك كذبة"23.
وفي رواية أخرى عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لمّا سألته أسماء بنت
يزيد: إنْ قالت إحدانا لشيء تشتهيه: لا أشتهيه، يُعدّ ذلك كذباً؟ قال صلى الله عليه
وآله وسلم: "إنّ الكذب يُكتب كذباً حتّى تُكتب الكُذَيْبة كُذَيْبَة"24.
عواقب الكذب وخيمة
للكذب آثار وعواقب وخيمة على الإنسان، منها:
1- الحرمان من الهداية:
فإنّ الكذب يحرمه من نعمة الهداية، كما أشار القرآن الكريم
إلى ذلك، يقول الله تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ
يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾25،
﴿إِنَّ
اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾26.
2- إنبات النفاق في القلوب: يقول الله تعالى:
﴿فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي
قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ
وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ﴾27.
3- المهانة في الدنيا والعذاب في الآخرة: فعن الإمام عليّ عليه السلام: "ثمرة الكذب
المهانة في الدنيا والعذاب في الآخرة"28، وأمّا سبب العذاب في الآخرة فلأنّ الكذّاب
سيظهر كذبه أمام الملأ، وسيُجرّ إلى جهنّم كما وعده الله تعالى، وأمّا المهانة في
الدنيا فلأنَّ الكذب يذهب بهيبة الإنسان وبهائه، إذ إنّ الكاذب منبوذ بين الناس
ويشيرون إليه بالأصابع لعدم ثقتهم به، وعن الإمام عليّ عليه السلام: "من عُرف
بالكذب قلّت الثقة به، من تجنّب الكذب صدقت أقواله"29.
4- الحرمان من صلاة الليل: ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ الرجل
ليكذب الكذبة فيُحرم بها صلاة الليل"30.
5- نقصان الرزق: فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الكذب يُنقص الرزق"31،
وعن الإمام عليّ عليه السلام: "اعتياد الكذب يورث الفقر"32.
نزّه لسانك عن القول الفاحش
من العادات القبيحة الّتي لا ينبغي أن تكون في الإنسان المؤمن: الفحش وبذاءة
اللسان، والفحش هو أن يستعمل الإنسان الألفاظ القبيحة في السبّ والشتم وغيرها من
المقالات السيّئة، وقد ذمّ الله تعالى هذا الصنف من الناس في كتابه العزيز حيث قال:
﴿عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ﴾33، ومعنى الآية الشريفة كما روي عن الرسول الأكرم
صلى الله عليه وآله وسلم: "هو الفاحش اللئيم"34. وعن الإمام الرضا عليه السلام
قوله: "ليَصُمْ سَمْعُكَ وَبَصَرُكَ عَمَّا لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهِ
وَاجْتَنِبِ الْفُحْشَ مِنَ الْكَلامِ"35.
واعتُبر الفحش من النفاق، عن أبي عبد الله عليه السلام قوله: "الْفُحْشَ
وَالْبَذَاءَ وَالسَّلَاطَةَ مِنَ النِّفَاق"36.
لذا ينبغي للإنسان اجتناب الفحش وتنزيه لسانه عن القول القبيح, وحفظ قلبه من
النفاق, لكي يُحشر سليم القلب معافاً من الذنوب والآثام, فيدخل في رضا الرحمان الذي
لا يُرِده:
﴿إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾37.
كيف وُصِفَ الفاحش؟
أوصى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم باجتناب الفُحش من القول, ونهى عن ارتكابه,
كما أوصى باجتناب مجالسة الإنسان الفاحش, ووصفه بأنَّه أشرّ العباد وذلك في قوله
صلى الله عليه وآله وسلم: "وإِنَّ مِنْ أَشَرِّ عِبَادِ اللهِ مَنْ تُكْرَهُ
مُجَالَسَتُهُ لِفُحْشِه38.
ووصفت الروايات الشريفة الإنسان الفاحش بأوصاف كثيرة منها:
1- أنّه مبغوض لدى الله تعالى: ففي الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام: "إنّ
الله يُبغض الفاحش المتفحّش"39.
2- السفيه: ففي الرواية عن الإمام عليّ عليه السلام: "أسفه السفهاء المتبجّح بفحش
الكلام"40.
3- من أهل النار: فعن الإمام الصادق عليه السلام: "من خاف الناس لسانه فهو في
النار"41.
4- من شرّ الناس: فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ من شرار الناس
من تركه الناس اتقاء فحشه"42.
إلى أوصاف أخرى تُدلّل على مدى قبح هذه الصفة، نسأل الله تعالى أن يُنزّهنا عن
النقائص والعيوب، إنّه نعم الموفّق والمعين.
* الكتاب: هدى وبشرى، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج72، ص 212.
2- سورة القلم، الآيات 10 - 13.
3- الشيخ فخر الدين الطريحي، مجمع البحرين، ج6، ص180. مرتضوي، چاپخانهء طراوت،
الطبعة الثانية، شهريور ماه 1362 هـ. ش.
4- سورة النور، الآية 19.
5- الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص357. تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، دار الكتب
الإسلامية - طهران، حيدري، الطبعة الخامسة، 1363 ش، باب الغيبة والبهت،ح2.
6- ميرزا حسين النوري الطبرسي، مستدرك الوسائل، ج9، ص151.
7- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج72، ص270.
8- سورة القلم، الآيتان 10 - 11.
9- سورة الحجرات، الآية 6.
10- سورة الحجرات، الآية 12.
11- سورة الحجرات، الآية 12.
12- سورة لقمان، الآية 17.
13- غرر الحكم، الآمدي، ص 167.
14- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج75، ص 202.
15- الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج17، ص 207، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت عليهم
السلام لإحياء التراث بقم المشرفة، مهر - قم، الطبعة الثانية، 1414، باب ما ينبغي
للوالي العمل به في نفسه ومع اصحابه، ح1.
16- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج72، ص 212.
17- الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج1، ص 339.
18- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج72، ص 268.
19- سورة النحل، الآية 105.
20- خطب الإمام علي عليه السلام، نهج البلاغة،ج1، ص150، شرح: الشيخ محمد عبده، دار
الذخائر - قم - ايران، النهضة - قم، الطبعة الأولى، 1412 - 1370 ش.
21- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج74، ص 133.
22- م.ن، ح75, ص64.
23- محمّدي الريشهري، ميزان الحكمة، ج3، ص 2675.
24- العلامة المجلسي، بحار الأنوار ج69، ص258.
25- سورة الزمر، الآية 3.
26- سورة غافر، الآية 28.
27- سورة التوبة، الآية 77.
28- الواسطي، عيون الحكم والمواعظ، ص 209, تحقيق حسين الحسيني البيرجندي، نشر وطبع
دار الحديث، ط1.
29- محمدي الريشهري، ميزان الحكمة، ج3، ص 2677.
30- العلامة المجلسي، بحار الأنوار ج69، ص260.
31- محمدي الريشهري، ميزان الحكمة، ج3، ص 2678.
32- العلامة المجلسي، بحار الأنوار ج69، ص261.
33- سورة القلم، الآية 13.
34- محمّدي الريشهري، ميزان الحكمة، ج3، ص 2377.
35- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج93، ص 275.
36- م. ن.
37- سورة الشعراء, الآية 89.
38- الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص225.
39- الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص224.
40- ميرزا حسين النوري الطبرسي، مستدرك الوسائل،ج12،ص83.
41- الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص327.
42- الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج12، ص78.