يتم التحميل...

طبقات القراء

مفاهيم قرآنية

أن جماعة خاصة في حياة الرسول اشتغلوا بقراءة القرآن وتعليمه وتعلمه، كانوا يستمعون إلى الآيات التي تنزل على النبي تدريجا فيحفظونها، وفي بعض الأحيان كانوا يقرأونها عنده ليستمع اليهم. كان بعضهم مصدرا للتعلم، وكان الذين يأخذون منهم القراءة يروونها عنهم بصورة مسندة...

عدد الزوار: 120

أن جماعة خاصة في حياة الرسول اشتغلوا بقراءة القرآن وتعليمه وتعلمه، كانوا يستمعون إلى الآيات التي تنزل على النبي تدريجا فيحفظونها، وفي بعض الأحيان كانوا يقرأونها عنده ليستمع اليهم.

كان بعضهم مصدرا للتعلم، وكان الذين يأخذون منهم القراءة يروونها عنهم بصورة مسندة، وكثيرا ما كانوا يحفظون القراءة المروية عن الأستاذ.

كان مثل هذا الحفظ والرواية هو مقتضى طبع العصر، لأن الخط المعمول في ذلك الزمن هو الخط الكوفي الذي كانت الكلمة تقرأ فيه بعدة وجوه، فكان لابد من التلقي من الاستاذ والحفظ والراوية عنه.

ومن جهة أخرى كانت العامة تعيش في أمية لاتقرأ ولا تكتب، وليس لهم طريق للضبط الا الحفظ والرواية، وبقيت هذه السنة متبعة في العصور التالية أيضا.

طبقات القراء
الطبقة الأولى من القراء هم قراء الصحابة الذين اشتغلوا بالتعليم والتعلم في حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وكان جماعة منهم قد جمع القرآن كله، ومنهم امرأة تسمى بأم ورقة بنت عبد الله بن حارث1.

(يراد بالجمع المنسوب في الأحاديث إلى اربعة من الانصار أو خمسة أو ستة أو أكثر انهم تعلموا وحفظوا القرآن كله لا التأليف وترتيب السور والآيات في مصحف، والا لم يبق مجال للتأليف والترتيب في زمن الخليفة الأول والثالث. وما نراه في بعض الأحاديث من ان النبي كان بنفسه يعين ويشخص موضع الآيات والسور ومكان وضعها، فهذا شيء تكذبه عامة الاحاديث المروية عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم).

وعلى ما يقوله بعض العلماء اشتهر جماعة من هذه الطبقة بتعليم قراءة القرآن، وهم عثمان وعلي عليه السلام وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وعبد الله بن مسعود وابو موسى الأشعري2.

الطبقة الثانية: تلامذة الطبقة الأولى، وهم من التابعين والمعروفين منهم الذين كانت لهم حلقات تعليم القرآن في مكة والمدينة والكوفة والبصرة والشام، وهي المدن التي أرسل اليها مصحف الامام كما ذكرنا سابقا.

وفي مكة عبيد بن عمير وعطاء بن ابي رياح وطاوس ومجاهد وعكرمة وابن ابي مكية وغيرهم.

وفي المدينة ابن المسيب وعروة وسالم وعمر بن عبد العزيز وسليمان بن يسار وعطاء بن يسار ومعاذ القاري وعبد الله بن الاعرج وابن شهاب الزهري ومسلم بن جندب وزيد بن أسلم.

وفي الكوفة علقمة والاسود ومسروق وعبيدة وعمرو بن شرحبيل وحارث بن القيس وربيع بن خيثم وعمرو بن ميمون وابو عبد الرحمن السلمي وزر بن حبيش وعبيد بن نفلة وسعيد بن جبير والنخعي والشعبي.

وفي البصرة ابو عالية وابو الرجاء ونصر بن العاصم ويحيى ابن يعمر وحسن البصري وابن سيرين وقتادة.

وفي الشام مغيرة بن ابي شهاب من اصحاب عثمان وخليفة ابن سعد من أصحاب ابي الدرداء الصحابي.

الطبقة الثالثة: التي تنطبق تقريبا على النصف الأول من القرن الثاني، وهم جماعة من مشاهير أئمة القراء أخذوا من الطبقة الثانية:

وفي مكة عبد الله بن كثير احد القراء السبعة وحميد بن قيس الأعراج ومحمد بن أبي محيصين.

وفي المدينة ابو جعفر يزيد بن القعقاع وشيبة بن النفاح ونافع ابن نعيم احد القراء السبعة.

وفي الكوفة يحيى بن وثاب وعاصم بن أبي النجود أحد القراء السبعة وسليمان الاعمش وحمزة احد القراء السبعة والكسائي أحد القراءالسبعة.

وفي البصرة عبد الله بن ابي اسحاق وعيسى بن عمر وابو عمر وبن العلاء احد القراء السبعة وعاصم الجحدري ويعقوب الحضرمي.

وفي الشام عبد الله بن عامر احد القراء السبعة وعطية بن قيس الكلابي واسماعيل بن عبد الله بن مهاجر ويحيى بن حارث وشريح بن يزيد الحضرمي.

الطبقة الرابعة: تلامذة الطبقة الثالثة والرواة عنهم كابن عياش وحفص وخلف، وسنذكر المشهورين منهم في الفصل الآتي.

 

الطبقة الخامسة: طبقة أهل البحث والتاليف، وهم كما قيل: اول من ألف في القراءة3 ابو عبيد قاسم بن سلام ثم احمد بن جبير الكوفي ثم اسماعيل بن اسحاق المالكي من اصحاب قالون الراوي ثم ابو جعفر بن جرير الطبري ثم مجاهد. وبعد هؤلاء اتسعت دائرة البحوث والتحقيقات حتى كتب أمثال الداني والشاطبي4 رسائل كثيرة نظما ونثرا.
 

القراء السبعة
اشتهر كثيرا سبعة من قراء الطبقة الثالثة وأصبحوا المرجع في علم القراءة وغطوا على القراء الآخرين، وهكذا اشتهر كل واحد من هؤلاء السبعة راويان من بين الرواة الذين لايعدون حصرا، والقراء السبعة مع الراويين عنهم هذه أسماؤهم:

1- ابن كثير مكي5 والراوي عنه قنبل وبزي يرويان عنه بواسطة واحدة.
2- نافع مدني6، والراوي عن قالون وورش.
3- عاصم كوفي والراوي عنه ابو بكر شعبة بن العياش وحفص، والقرآن الموجود عند المسلمين اليوم هو بقراءة عاصم هذا برواية حفص.
4- حمزة كوفي8، والراوي عنه خلف وخلاد يرويان عنه بواسطة.
5- الكسائي كوفي9، الراوي عنه دوري وابو الحارث.
6- ابو عمرو بن العلاء بصري10، والراوي عنه دوري وسوسي يرويان عنه بواسطة.
7- ابن عامر11، والراوي عنه هشام12 وابن ذكوان يرويان عنه بواسطة.
ويتلو القراءات السبع في الشهرة القراءات الثلاث المروية عن ابي جعفر ويعقوب وخلف13.
وهناك قراءات أخرى غير مشهورة، كالقراءات المذكورة عن بعض الصحابة والقراءات الشاذة التي لم يعمل بها، وقراءات متفرقة توجد في أحاديث مروية عن أئمة أهل البيت عليهم السلام، الا أنهم أمروا أصحابهم باتباع القراءات المشهورة.

ويعتقد جمهور علماء السنة بتواتر القراءات السبع، حتى فسر بعضهم الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم "نزل القرآن على سبعة أحرف"14 بالقراءات السبع، وقد مال إلى هذا القول بعض علماء الشيعة ايضا، ولكن صرح بعض بأن هذه القراءات مشهورة وليست بمتواترة.

قال الزركشي في البرهان: والتحقيق انها متواترة عن الائمة السبعة، أما تواترها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ففيه نظر فان اسنادهم بهذه القراءات السبع موجود في كتب القراءات وهي نقل الواحد عن الواحد15.

وقال مكي: من ظن أن قراءة هؤلاء القراء كنافع وعاصم هي الأحرف السبعة التي في الحديث فقد غلطا عظيما. قال: ويلزم من هذا أيضا أن ما خرج عن قراءة هؤلاء السبعة مما ثبت عن الأئمة غيرهم ووافق خط المصحف أن لايكون قرآنا وهذا غلط عظيم، فان الذين صنفوا القراءات من الائمة المتقدمين كأبي عبيد القاسم بن سلام وابي حاتم السجستاني وابي جعفر الطبري واسماعيل القاضي قد ذكروا أضعاف هؤلاء.

وكان الناس على رأس المائتين بالبصرة على قراءة ابي عمرو ويعقوب وبالكوفة على قراءة حمزة وعاصم وبالشام على قراءة ابن عامر وبمكة على قراءة ابن كثير وبالمدينة على قراءة نافع و استمروا على ذلك، فلما كان على رأس الثلاثمائة أثبت ابن مجاهد اسم الكسائي وحذف يعقوب.

قال: والسبب في الاقتصار على السبعة مع أن في أئمة القراء من هو أجل منهم قدرا أو مثلهم اكثر من عددهم ان الرواة عن الأئمة كانوا كثيرا جدا، فلما تقاصرت الهمم اقتصروا مما يوافق خط المصحف على ما يسهل حفظه وتنضبط القراءة به فنظروا إلى ما اشتهر بالثقة والأمانة وطول العمر في ملازمة القراءة به والاتفاق على الأخذ عنه فافردوا من كل مصر اماما واحدا ولم يتركوا مع ذلك نقل ما كان عليه الأئمة غير هؤلاء من القراءات ولا القراءة به كقراءة يعقوب وابي جعفر وشيبة وغيرهم.

قال: وقد صنف ابن جبر المكي مثل ابن مجاهد كتابا في القراءات، فاقتصر على خمسة اختار من كل مصر اماما، وانما اقتصر على ذلك لأن المصاحف التي أرسلها عثمان كانت خمسة إلى هذه الأمصار، ويقال انه وجه بسبعة هذه الخمسة ومصحفا إلى اليمن ومصحفا إلى البحرين، لكن لما لم يسمع لهذين المصحفين خبرا واراد ابن مجاهد وغيره مراعاة عدد المصاحف استبدلوا من مصحف البحرين واليمن قارئين كمل بهما العدد، فصادف

ذلك موافقة العدد الذي ورد الخبر فيه فوقع ذلك لمن لايعرف أصل المسألة ولم تكن له فطنة فظن أن المراد بالاحرف السبعة القراءات السبع، والاصل المعتمد عليه صحة السند في السماع واستقامة الوجه في العربية وموافقة الرسم16.


وقال القراب في الشافي: التمسك بقراءة سبعة من القراء دون غيرهم ليس فيه أثر ولاسنة، وانما هو من جمع بعض المتأخرين فانتشر وأوهم أنه لاتجوز الزيادة على ذلك؛ وذلك لم يقل به أحد17.
 

عدد الآيات
عد الآيات القرآنية ينتهي إلى زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فقد روي عنه بعض الاحاديث التي يذكر فيها عدد خاص من آيات سورة كآيات عشر من سورة آل عمران مثلا وحتى روي عنه عدد آيات بعض السورأيضا كسورة الفاتحة سبع آيات18 وسورة الملك ثلاثون آية19.

واختلفوا في عدد مجموع الآيات على ستة أقوال ذكرها الداني: فقيل ستة الاف آية، وقيل ستة آلاف ومائتان وأربع آيات وقيل ستة آلاف ومائتان وأربع عشرة آية، وقيل ستة آلاف ومائتان وتسع عشرة آية، وقيل ستة آلاف ومائتان وخمس وعشرون آية، وقيل ستة آلاف ومائتان وست وثلاثون آية20.

قولان من هذه الأقوال الستة لأهل المدينة، وأربعة أقوال لاهل بقية المدن التي أرسل اليها مصحف عثمان، وهي مكة والكوفة والبصرة والشام.

وكل صاحب قول من هذه الاقوال يسند رأيه إلى بعض الصحابة، ثم يعتبرونها روايات موقوفة فينسبونها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومن هنا اعتبر الجمهور عدد الآيات والتمييز بينها توقيفيا.

لاهل المدينة عددان كما ذكرناه21 أحدهما لابي جعفر يزيد بن القعقاع وشيبة بن نصاح، والثاني عدد اسماعيل بن جعفر بن ابي كثير الانصاري.

وعدد أهل مكة هو عدد ابن كثير عن مجاهد عن ابن عباس عن أبي بن كعب.

وعدد أهل الكوفة عدد حمزة والكسائي وخلف، ويرويه حمزة عن ابن أبي ليلى عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي عليه السلام.

وعدد أهل البصرة عدد عاصم بن العجاج الجحدري.

وعدد أهل الشام عدد ابن ذكوان وهشام بن عمار وينسب إلى ابي الدرداء. والاختلاف في عدد مجموع الآيات أتى من قبل الاختلاف في عدد آية كل سورة. وقد ذكروا أيضا عدد حروف وكلمات سور القرآن وعدد المجموع، ولكن لايهمنا الآن ذكر التفاصيل هنا.

*القران في الاسلام، دار الزهراء للطباعة والنشر والتوزيع، ط3، ص142-153.


1- الاتقان1/74.
2-الطبقات المذكورة في هذا الفصل هي التي ذكرها السيوطي في كتابه الاتقان، ويراجع إلى الكتب الرجالية لمعرفة تراجم هؤلاء تفصيلا.
3- ريحانة الأدب2/141، والاتقان1/75.
4- أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني الأندلسي، من مشاهير القراء صاحب التآاليف الكثيرة، توفي سنة444 هـ.
الشاطبي من معاريف القراء والحفاظ، له القصيدة الشاطبية في القراءة وهي في 1120 بيتا، توفي في القاهرة سنة590هـ.
5- عبد الله بن كثير المكي، اخذ القراءة من عبد الله بن الصائب الصاحبي ومجاهد عن ابن عباس عن أمير المؤمنين علي عليه السلام، توفي في مكة سنة 120هـ.
6- نافع بن عبد الرحمن بن نعيم الأصفهاني المدني، أخذ القراءة عن زيد بن القعقعاع القاري وأبي ميمونة مولى أم سلمة، توفي في المدينة سنة159 أو 169هـ.
7- عاصم بن أبي النجود، كوفي مولى بني حذيفة، أخذ القراءة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن أمير المؤمنين عليه السلام، وعن سعد بن أياس الشيباني ورز بن حبيش، توفي في الكوفة سنة 127 129هـ.
8- حمزة بن حبيب الزيات التميمي، كوفي فقيه قارىء، أخذ القراءة عن عاصم وأعمش والسبيعي ومنصور بن المعتمر، واخذ أيضا عن الامام السادس الامام الصادق عليه السلام وكان من أصحابه، وله تآليف كثيرة وهو أول من ألف في متشابهات القرآن، توفي سنة156هـ.
9- علي بن حمزة بن عبد الله بن فيروز الفارسي، كوفي بغدادي من أئمة النحو والقراءة، أستاذ الأمين والمأمون ومؤدبهما، أخذ النحو عن يونس النحوي وخليل بن أحمد الفراهيدي، وأخذ القراءة عن حمزة وشعبة بن عياش توفي سنة179 193 قرب الري عندما كان بصحبة هارون في سفره إلى طوس.
10- أبو عمرو زبان بفتح الزاي وتشديد الباء بن العلاء البصري البغدادي، من مشاهير علماء الأدب وأساتذة القراءة، أخذ القراءة من التابعين توفي في الكوفة سنة154 159.
11- عبد الله بن عامر الشافعي الدمشقي، أخذ القراءة عن أبي الدرداء الصحابي وأصحاب عثمان، توفي في دمشق سنة118 هـ.
12- اختلفوا في الرواة عن القراء السبعة، والذي ذكرناه هنا مطابق لما ذكره السيوطي في كتابه "الاتقان" فلاحظ.
13- أبو جعفر يزيد بن القعقاع، مدني مولى أم سملة، يروي قراءته عن عبد الله بن عياش المخزومي وابن عباس وابي هريرة عن النبي، توفي في المدينة سنة128 133هـ.يعقوب بن اسحاق البصري الحضرمي، من أئمة الفقه والأدب، يروي قراءته عن سلام بن سليمان عن عاصم عن السلمي عن أمير المؤمنين علي عليه السلام، توفي سنة205هـ.خلف بن هشام البزاز، من أئمة القراءة، وهو أيضا راوي قراءة حمزة، أخذ القراءة عن مالك بن انس وحماد بن زيد، وأخذ عنه أبو عوانة، توفي سنة229هـ.
14- بحار الأنوار مجلد القرآن، والصافي في مقدماته، وقد روى في الاتقان1/47 هذا الحديث عن واحد وعشرين صحابيا، وقد ادعى بعض تواتر هذا الحديث أيضا.
15- الاتقان1/82.
16- الاتقان1/82.
17- الاتقان1/83.
18- الاتقان1/68.
19- الاتقان1/68.
20- الاتقان1/69.
21- نقله في الاتقان1/69 عن أبي عبد الله الموصلي.

2009-10-20