النظرة إلى الفقراء
هل الفقراء سبب نقص أم كمال في الأمة؟
قد يبدو هذا السؤال غريباً، ولكن جوابه سيحدد لنا أننا عندما نخدم هؤلاء
الفقراء والمحرومين، هل نخدمهم رحمة وشفقة منا لمجرد رفع محروميتهم بعد
ابتلائهم بالنقص، أم أننا نخدمهم من باب الوفاء ببعض حقوقهم بسبب كمالاتهم
التي جادوا بها على الأمة؟
يجيب الإمام الخميني قدس سره في العديد من كلماته عن هذا السؤال ليحدد بشكل
واضح أننا نخدمهم من باب الوفاء ببعض حقوقهم، نخدمهم وهم أهل الكمال، لا
شفقة ورحمة لرفع النقص المادي، فلنطالع معاً بعض كلماته:
1- هم حفظة الفقه:
يقول قدس سره: "عندما نطالع مذهبنا ونلاحظ فقهنا وفلسفتنا ونتعرف على
الذين وصلوا بهذا الفقه إلى الغنى وأوصلوا الفلسفة إلى هذا الغنى سنرى أنهم
من سكان الأكواخ، لا من سكان القصور".
2- حفظوا الأمة من الانحراف:
يقول الإمام الخميني قدس سره: "لقد نزل بنا مصائب كثيرة في أحداث الحركة
الدستورية كان السبب فيها المترفين من سكان القصور، وكانت مجالسنا مملوءة
بالمترفين ولم يكن بينهم إلا عدد كبير من سكان الأكواخ، غير أن هذا العدد
القليل استطاع أن يوقف الكثير من الانحرافات".
3- هم أهل الرفعة:
يقول قدس سره: "إذا تخلى رئيس جمهوريتنا لا سمح الله عن طبائع
الفقراء وأصبح على طباع المترفين، فإنه
سيتعرض هو ومن حوله للانحطاط".
4- حفظوا الإسلام:
يقول قدس سره: "إنكم أيها الشباب المعطاؤون ورغم سكناكم الأكواخ، أسمى
موقعاً من أولئك المترفين، فأنتم الذين حفظتم الإسلام".
5- استقرار الحكومة:
يقول قدس سره: "لولا تأييد الطبقات المحرومة لما استطاعت الحكومة أن تستقر".
ويقول قدس سره: "إن الذين هم معنا حتى النهاية هم أولئك المتجرعين لالام
الفقر والحرمان والاستضعاف".
بعد كل ذلك نفهم معنى كلمة الإمام قدس سره: "اخدموا المستضعفين
والمحتاجين وساكني الأكواخ فهم أولياء نعمتن".
الإخلاص بالنية
إن الخدمة لوجه الله تعالى هي من الصفات التي ذكرها القران الكريم في حق
أهل البيت عليه السلام ومدحهم عليها "إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد
منكم جزاءً ولا شكور"1.
هذه هي النية التي يجب أن تقف وراء الخدمة، يقول الإمام الخميني قدس سره: "ولا
تسعى لكسب السمعة والمحبوبية من خلال هذه الخدمة فهذه بحد ذاتها من حبائل
الشيطان التي يوقعنا به".
ويقول قدس سره: "ولا تتعب نفسك للحصول على
مقام مهما كان سواء المقام المعنوي أو المادي متذرعاً بأني أريد أن أقترب
من المعارف الإلهية أكثر أو أني أريد أن أخدم عباد الله، فإن التوجه إلى
ذلك من الشيطان، فضلاً عن بذل الجهد للحصول عليها والموعظة الإلهية الفريدة
اسمعها بالقلب والروح واقبلها بكل قوتك وسر في خطها "قل إنما أعظكم بواحدة
أن تقوموا لله مثنى وفرادى".
شكر الخالق من خلال خدمة الناس
يقول الإمام الخميني قدس سره: "ولدي ما دمنا عاجزين عن شكره وشكر نعمائه
التي لا نهاية لها فما أفضل لنا من أن لا نغفل عن خدمة عباده، فخدمتهم خدمة
للحق تعالى، فالجميع منه".
الخدمة نعمة إلهية
تؤكد الروايات عن المعصومين عليهم السلام أن الخدمة هي نعمة الله سبحانه
وتعالى على عباده، وهي توفيق منه تعالى.
فعن الإمام الحسين عليه السلام: "إن حوائج الناس إليكم من نعم الله عليكم، فلا
تملوا النعم فتتحول إلى غيركم"2.
وفي رواية عن إسماعيل بن عمار الصيرفي قال: قلت لأبي عبد الله الصادق عليه
السلام: جعلت فداك المؤمن رحمة على المؤمن؟ قال: نعم، قلت: وكيف ذاك؟ قال
عليه السلام: "أيما
مؤمن أتى أخاه في حاجة فإنما ذلك
رحمة من الله، ساقها إليه وسببها له، فان
قضى حاجته كان قد قبل الرحمة بقبولها، وإن رده عن حاجته وهو يقدر على
قضائها فإنما رد عن نفسه رحمة من الله عز وجل ساقها إليه وسببها له..."3.
وفي رواية عن الكاظم عليه السلام: "من أتاه أخوه المؤمن في حاجة فإنما
هي رحمة من الله ساقها إليه، فان فعل ذلك فقد وصله بولايتنا، وهي موصولة
بولاية الله عز وجل وإن رده عن حاجته وهو يقدر عليها فقد ظلم نفسه وأساء
إليه"4.
عدم المنة
ما دامت الخدمة هي نوع شكر للخالق تعالى وهي رحمة إلهية فمن الطبيعي أن لا
يبقى مجال للإنسان للمنة على من خدمه، وهل يملك شاكر النعمة المنة على شكره؟!.
يقول الإمام الخميني قدس سره: "علينا أن لا نرى أنفسنا أبداً دائنين
لخلق الله عندما نخدمهم، بل هم الذين يمنون علينا حقاً لكونهم وسيلة لخدمة
الله جل وعل".
الخاتمة
علينا أن نعرف كيف نترجم المنهجية التي رسمها الإمام الخميني قدس سره لخدمة الناس وتحقيق الأهداف الإلهية برفع الحرمان الاستضعاف فإن للمؤمن كرامة خاصة عند الله تعالى ولقضاء حوائجه موضعاً خاصاً في جنب الله، حتى نصل إلى ذلك اليوم الذي يشير إليه الإمام الخميني قدس سره ويعتبره عيداً: "إنه يوم عيد بالنسبة لنا ذلك اليوم الذي تتحقق فيه لمستضعفينا الحياة المرفهة والسالمة والتربية الإسلامية القويمة".
متى نستطيع أن نحقق تلك الأمنية التي أطلقها الإمام الخميني قدس سره ونجعل جميع أيامنا عيداً.
* خدمة الناس في فكر الإمام الخميني، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- سورة
الإنسان، الاية/9.
2- مستدرك الوسائل، ج21، ص369.
3- الكافي، ج2، ص193.
4- مستدرك الوسائل، ج21، ص404.