مصابيح القرآن وأنواره
الفصل الأول
كما نعرف أنّ القرآن والعترة ـ طبقاً لحديث الثقلين ـ بما يمثّلانه من وديعتين إلهيتين يكمّلان بعضهما البعض في طريق هداية الموحدين، فبالتمسك بإحداهما والتخلّي عن الأخرى
عدد الزوار: 278
كما نعرف أنّ القرآن والعترة ـ طبقاً لحديث الثقلين ـ بما يمثّلانه من وديعتين
إلهيتين يكمّلان بعضهما البعض في طريق هداية الموحدين، فبالتمسك بإحداهما والتخلّي
عن الأخرى لا يتحقق الهدف من نزول القرآن المتمثل بهداية البشر. فالأئمة المعصومون
عليهم السلام مصابيح يستمدون النور من هذا المصدر الإلهي، وينيرون طريق الحياة
للناس الذين ينشدون السعادة، إذ إنّ علوم القرآن وحقيقته عندهم، فتلك الذوات
المقدسة هم الذين يستطيعون إرجاع المتشابهات إلى المحكمات، وتمييز الطريق عن
المنحدر وإرشاد بني الإنسان نحو طريق السعادة والكمال، ويتعيّن على الناس أن يأخذوا
معارف القرآن عنهم فقط ويقوموا بتطبيقها إنّ حكمة الله تقتضي وسنّته تنص على أن
يتعرّف الناس على معارف القرآن عن طريق أهل البيت عليهم السلام، وبتطبيقهم لها
يعملون على ضمان سعادتهم الدنيوية والأخروية، ولغرض تحقّق هذا الهدف فقد أبقى الله
سبحانه وتعالى على طريق الانتهال من معارف القرآن مفتوحاً أمام التوّاقين للسعادة،
وذلك بوضعه لمنصب الإمامة، رغم أنّ المعاندين وعبيد الدنيا هبّوا على مدى التاريخ،
ليحرموا الناس من نور الهداية الإلهية المتمثل بمذهب أهل البيت عليهم السلام، لكن
القرآن يصرّح أنّ هؤلاء لن يفلحوا بعملهم هذا:
﴿يُرِيدُونَ
أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاّ أَن يُتِمّ
نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾1.
لهذا السبب يشبّه علي عليه السلام القرآن بالسراج لا يخبو توقّده ولا ينطفئ نوره.
إنّ معارف القرآن من العمق والسعة بحيث أنّ العارفين بعلوم أهل البيت عليهم السلام
كلما تدبروا به ينالون في كل خطوة معرفةً ومعلومةً جديدة، وبما أنّ هذا الكتاب
السماوي نسخة من العلم الإلهي، فإنّ التوّاقين للحقيقة مهما شربوا من ماء حقيقته
الصافي فإنّهم ليسوا لا يرتوون فحسب بل يزدادون عطشاً، من هنا نرى أنّ أولياء الله
والعارفين بحقيقة القرآن، يسعون بتلاوتهم لآيات الله أثناء الصلاة والتدبّر فيها،
إلى تلطيف أرواحهم، ويضعون أنفسهم أكثر فأكثر في مصاف الإلهامات الإلهية ونزول
المعارف الإلهية اللامتناهية.
إنّ القرآن شمس ساطعة لا تفنى معارفه، وإشراقها أبدية، لأنّ هذا الكتاب كبحرٍ
عميقٍ، لا يتيسر الوصول إلى أعماقه إلاّ للنبي صلّى الله عليه وآله وسلم والأئمة
المعصومين عليهم السلام العارفين بـ (علم الكتاب) وإنّ أي إنسان وأي مجتمع يصبو إلى
التعرّف على القرآن وكلام الله، وينظّم حياته الفردية والاجتماعية على أساس تعاليم
هذا الكتاب، فلا طريق أمامه سوى التمسّك بالقرآن على أساس تفسير وبيان النبي صلّى
الله عليه وآله وسلم والأئمة المعصومين عليهم السلام، والاقتداء بسيرتهم ونهجهم،
وتأييداً لهذا الأمر نشير إلى مقاطع من روايتين فقط.
يقول الإمام الصادق عليه السلام: "ونحن قناديل النبوة ومصابيح الرسالة، ونحن نور
الأنوار وكلمة الجبار، ونحن راية الحق التي مَن تبعها نجا ومَن تأخر عنها هوى، ونحن
مصابيح المشكاة التي فيها نور النور"2 بما يعني أنّ الناس يجب أن
يهتدوا بهدى الأئمة عليهم السلام نحو النبوة والرسالة، التي هي الهداية إلى الحق،
ومنا ينطلق نور جميع الأنوار، فحاكمية الله إنّما تتحقق من خلال ولايتنا.
وروي شبيه هذا الكلام عن الإمام السجاد عليه السلام أيضاً إذ يقول عليه السلام:
"إنّ مثلنا في كتاب الله كمثل المشكاة والمشكاة في القنديل فنحن المشكاة، فيها
مصباح والمصباح محمد صلّى الله عليه وآله، المصباح في زجاجةٍ نحن الزجاجة، كأنّها
كوكب دريّ توقد من شجرة مباركة زيتونة معروفة، لا شرقية ولا غربية لا منكَرة ولا
دعيّة، يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نارٌ، نور القرآن على نورٍ يهدي الله لنوره
مَن يشاء، ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم، بأن يهدي مَن أحبّ إلى
ولايتنا"3، في كلامه عليه السلام هذا فسّر الآية 35 من سورة النور
بالنبي صلّى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت والأئمة المعصومين عليهم السلام، فيقول
عليه السلام إنّ مثلنا نحن أهل البيت في القرآن كالمشكاة، التي عن طريقها ينير نور
الهداية الإلهية الطريق أمام العباد، ونحن أهل البيت بمثابة الزجاجة نعكس للعباد
نور المصباح ونبراس الهداية وهو نور النبوة، وهذا النور ينبثق عن شجرة النور الإلهي
المباركة الممتد شعاعها ولا يمكن إنكارها، وهذه الحقيقة لا شرقية ولا غربية لا
مجهولة ولا متروكة.
يقول الإمام السجاد عليه السلام: "إنّ حقيقة النبي صلّى الله عليه وآله وأهل
بيته الكرام عليهم السلام بمثابة المصباح الشفاف الذي يشع نوراً دون حاجة لشعلة،
فنور القرآن يقوم على ذلك النور ـ ولاية أهل البيت عليهم السلام ـ الذي يهدي الله
إليه مَن يشاء".
1- الصف: 8.
2- بحار الأنوار: 26، 259.
3- بحار الأنوار: ج23، ص314.