المناجاة الشعبانية
فضل شهر شعبان وأعماله
إن من المتعارف في شهر شعبان قراءة هذه المناجاة الرائعة، المتميزة بأنها مناجاة علي والأئمة من ولده، حيث كانوا يدعون بها في شهر شعبان..
عدد الزوار: 145
اللهم صل
على محمد وآل محمد
1- إن من المتعارف في شهر شعبان قراءة هذه
المناجاة الرائعة، المتميزة بأنها مناجاة علي والأئمة من ولده، حيث كانوا يدعون بها
في شهر شعبان.. والملتفت المتأمل إلى ما ورد عن أهل البيت (عليه السلام) من الأدعية،
يلاحظ بأنها تعكس معارف ومفاهيم رائعة أساسية في الحياة، لم ترد على لسان أحد من
المسلمين فضلاً عن غيرهم.. ولكن مع الأسف أسيء التعامل مع هذه الأدعية، حيث حصرها
البعض على التلاوة المجردة من التأمل والتدبر، المقضي للإتباع والاقتداء.
2- من الملاحظ أن المناجاة تبدأ بالصلاة على
النبي (صلى الله عليه وآله): (اللهم صل على محمد وآل محمد)،
وفي هذا إشارة إلى ما ورد من استحباب الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) قبل
الدعاء وبعده، فإن الله عزوجل أجل من أن يستجيب الطرفين ويهمل الوسط، كما هو مضمون
بعض الروايات الشريفة.
3- ثم يعقب الإمام (عليه السلام) بقوله:
(واسمع دعائي إذا دعوتك، واسمع ندائي إذا ناديتك، وأقبل
علي إذا ناجيتك..): مع أن المؤمن قد يناجي ربه بهذه المضامين الراقية،
والعبارات المؤثرة، بالإضافة إلى حالة الافتقار والتضرع والاستكانة، إلا أنه إذا
كانت الأبواب مقفلة، وكان الله عزوجل معرضاً عن عبده، فإنه لا يسمع نداءه.. فما
الفائدة من كل ذلك ؟!.. فإذن، إن المؤمن يحتاج إلى طرق جاد على هذه الأبواب -وهذا
ما فعله الإمام (عليه السلام)- ؛ لكي تفتح له الأبواب أولاً، ثم يبادر بتعداد
طلباته ثانياً.
ومن هنا من اللازم على من يريد سماع دعائه فضلاً عن استجابته، أن يتجنب كل ما من
شانه أن يحجب صوته، ويمنع إقبال الرب تعالى عليه، وأن يعمل ما يوجب نظره تعالى
إليه.
4- إن من صور الخذلان الإلهي لعبده الداعي:
* النعاس الشديد والكسل عند العمل
العبادي.. كما يقول إمامنا السجاد (عليه السلام)، في دعاء سحره:
(اللَّهُمَّ إِنِّي كُلَّمَا قُلْتُ، قَدْ تَهَيَّأْتُ
وَتَعَبَّأْتُ، وَقُمْتُ لِلصَّلاَةِ بَيْنَ يَدَيْكَ وَنَاجَيْتُكَ، أَلْقَيْتَ
عَلَيَّ نُعَاساً إِذَا أَنَا صَلَّيْتُ..).. فإن هذه الحالة من التكاسل
والفتور، علامة على الطرد الإلهي.
* الحرمان من الإقبال في المناجاة.. حيث أيضاً يقول
إمامنا السجاد (عليه السلام): (وَسَلَبْتَنِي
مُنَاجَاتَكَ إِذَا أَنَا نَاجَيْتُ..).. نعم، هو بحسب الظاهر يناجي
الله عزوجل، ولكن ليست هنالك مناجاة حقيقية، إذ قلبه مشغول وملتفت إلى سوى الله
عزوجل.
* إيقاعه في البلاء.. السلامة من الوقوع في الذنب، هي
من النعم الكبرى على العبد المؤمن من الله عزوجل، والتي تدل على إدخاله إياه في
رحمته.. ولكن الإنسان قد يعمل ما يوجب له خسران هذه النعمة، فيكله رب العالمين إلى
نفسه، ومن هنا يقع في المعصية، التي تكشف له حقيقة ضعفه، وعدم صدقه في دعوى القرب..
والإمام يشير إلى ذلك حيث يقول: (مَا لِي كُلَّمَا قُلْتُ قَدْ صَلُحَتْ سَرِيرَتِي،
وَقَرُبَ مِنْ مَجَالِسِ التَّوَّابِينَ مَجْلِسِي، عَرَضَتْ لِي بَلِيَّةٌ
أَزَالَتْ قَدَمِي، وَحَالَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ خِدْمَتِكَ، سَيِّدِي..).
5- ثم إن الإمام السجاد (عليه السلام) في دعاء سحره يعدد
بعض موجبات هذا الطرد، فيقول (عليه السلام):
- (لَعَلَّكَ عَنْ بَابِكَ طَرَدْتَنِي،
وَعَنْ خِدْمَتِكَ نَحَّيْتَنِي، أَوْ لَعَلَّكَ رَأَيْتَنِي مُسْتَخِفّاً
بِحَقِّكَ فَأَقْصَيْتَنِي..): إن الإنسان الذي يرتكب المعصية عن جهل
وعدم إصرار، فإنه- بلا شك- في مظان الرحمة الإلهية.. ولكن المشكلة في الذي يتجاهل
ولا يكترث بالمعصية، متحدياً لأمر الله عزوجل، ومتعدياً لحدوده ؛ فإن هذا لا يكون
في معرض عدم التجاوز والصفح الإلهي، بل للعتاب والعقاب الشديد، كما يقول تعالى:
{وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ
جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ}.
ومن هنا قيل: بأن المغفرة الإلهية في حالات غلبة الشهوة، أقرب من نضيرها في حال
اشتداد الغضب، لاختلاف المقهورية بين الحالتين.. إذ هي في الحالة الثانية برغم من
أن الغاضب يخرج من طوره، إلا أنه ما يزال مدركاً لتعديه عن الحد الإلهي.
- ( أَوْ لَعَلَّكَ رَأَيْتَنِي مُعْرِضاً عَنْكَ
فَقَلَيْتَنِي..): إن الله عزوجل - بفضله وكرمه- قد يمن على عبده بمائدة
شهية لذيذة من الإقبال عليه، إلا أنه هذا الظلوم الجهول لا يقدر ما أنعم الله تعالى
عليه، فيبادر في كل لغو وباطل، مما يوجب له الحرمان الشديد.. ولهذا فإن أولياء الله
عزوجل برغم أنهم يعيشون حالة الفرح من ساعات الإقبال والمنحة، إلا أنه ينتابهم شعور
بالقلق، إذ أن الشيطان بالمرصاد.. ولهذا فمن المناسب جداً الاستعاذة بعد الأعمال
الصالحة، وبعد كل وجبة إقبال على الله تعالى، لأن الشيطان يشحذ همته لطعن بني آدم
أيما طعنة !..
- (أَوْ لَعَلَّكَ وَجَدْتَنِي فِي مَقَامِ الْكَاذِبِينَ
فَرَفَضْتَنِي..): إن الإنسان الذي يريد القرب من الله عزوجل، ثم هو في
مقام العمل يعمل ما يوجب البعد عنه تعالى، ألا يصدق عليه الكذب ؟!.. ومثله الذي
يعاهد الله تعالى بالتوبة، ثم ما يلبث أن يسقط ويخون رب العالمين.. حقيقة لولا رحمة
الله عزوجل وغفرانه، لحق أن يعاقب عبده يومياً على إقراره بهذه العبارة:
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}،
في حين أن قلبه معلق بكل زيد وعمر وفانٍ !.
- ( أَوْ لَعَلَّكَ رَأَيْتَنِي غَيْرَ شَاكِرٍ
لِنَعْمَائِكَ فَحَرَمْتَنِي..): إن الحقيقة المؤلمة أن الإنسان في زحمة
الحياة اليومية ينسى شكر مولاه عزوجل، ذلك الشكر الحقيقي، لا الاكتفاء بتمتمات على
الألسن!.. ومن هنا فإنه مما يروى عن الإمام المعصوم (عليه السلام): أنه كان يبادر
بالسجود فور تذكره لنعمة ما، ولو كان في مكان غير مناسب -كالطريق مثلاً-، معللاً أن
التأخير لا يناسب مقام الله عزوجل وذكر آلائه.
- (أَوْ لَعَلَّكَ فَقَدْتَنِي مِنْ مَجَالِسِ
الْعُلَمَاءِ فَخَذَلْتَنِي..): إن التعبير بـ(مجالس العلماء) لا يقتصر
على معنى الحضور، بل هو معنى عام يشمل كل ما من شأنه أن يعمل تأثيراً أو تغييراً في
الإنسان، من مصادر الثقافة المسموعة والمرئية والمقروءة ؛ فإن الذي يبتعد عن ذلك،
فسيكون في معرض الخذلان الإلهي.
- ( أَوْ لَعَلَّكَ رَأَيْتَنِي فِي الْغَافِلِينَ فَمِنْ
رَحْمَتِكَ آيَسْتَنِي، أَوْ لَعَلَّكَ رَأَيْتَنِي آلِفَ مَجَالِسَ الْبَطَّالِينَ
فَبَيْنِي وَبَيْنَهُمْ خَلَّيْتَنِي..): إن الارتياح مع الغافلين
والإنس بالبطالين والحنين لفراقهم، من موجبات الخذلان.. ولهذا فاللازم على المؤمن
عندما يضطر لمعاشرة هؤلاء، أن يكون معهم ببدنه فقط لا بروحه، تجنباً لسلبيات ذلك.
- ( أَوْ لَعَلَّكَ لَمْ تُحِبَّ أَنْ تَسْمَعَ دُعَائِي
فَبَاعَدْتَنِي..): من اللازم على
الإنسان أن يحسن مراقبة نفسه في كل أموره -صغيرها وكبيرها-: فلا يحتقر ذنباً، فلعله
هو المهلك ؛ ولا يحتقر طاعة، فلعلها هي المنجية ؛ ولا يحتقر ولياً من أولياء الله
عزوجل، فلعل هذا هو الولي الذي يغضب الله تعالى لغضبه.
* الشيخ حبيب الكاظمي. 2016-05-12