يتم التحميل...

تهيأ لضيافة الله

فضل شهر شعبان وأعماله

في المناجاة الشعبانية: (الهي هب لي كمال الانقطاع إليك وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور).

عدد الزوار: 100

الهي هب لي كمال الانقطاع إليك
في المناجاة الشعبانية: (الهي هب لي كمال الانقطاع إليك وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور).

الإسلام جاء لينقذ الإنسان من هذه الضلالة التي يعيشها، ومن هذه الحجب التي لديه، والحجب التي هي فوق كل الحجب كالأنانية والعجب بالنفس وداء العظمة.

فما أن يحصل الإنسان على شي‏ء حتى يعتريه الغرور وداء العظمة، ويرى نفسه أكبر من الآخرين.

الإسلام جاء ليقمع هذا الغرور، فما دام الإنسان مغتراً بنفسه فلا يمكنه أن يصل إلى سبيل الهداية، يجب أن يسحق هذا الغرور، ويسحق شهواته وأهوائه النفسية».1

المناجاة الشعبانية خير طريق لتهيئ إلى ضيافة الله في شهر رمضان:
إن شهر شعبان هو مقدمة لشهر رمضان يستعد الناس فيه للدخول في ضيافة الله فمثلًا لو دعاكم أحدهم إلى بيته لأجريتم بعض التغييرات والمقدمات التحضيرية كتغيير نوع اللباس وحتى طريقة الكلام والسلوك، وشهر شعبان هو كذلك لأنه الشهر الذي يجب أن نهي‏ء أنفسنا فيه للدخول إلى ضيافة الله. وخير طريقة لذلك هي المناجاة الشعبانية وأنا لم أر في الأدعية أي دعاء قيل بأن جميع الأئمة كانوا يقرأونه2 إلّا دعاء المناجاة الشعبانية، ...لأن المناجاة الشعبانية هي لإعدادكم، لإعداد الجميع لضيافة الله عز وجل.

تقوية الروح والوصول إلى ذروة الكمالفي أدعية الأئمة(عليهم السلام):
هنالك الكثير من الجهل وسوء الفهم عند الإنسان والذي يزداد أحياناً يوماً بعد يوم. والكثير منا لا يعرف ماهية الدعاء وحقيقته ويظن أنه بوجود القرآن لا حاجة للأدعية. إن هؤلاء لا يدركون أهمية الدعاء وأثره في نفوس الناس والانعكاس الذي يسببه في سلوكهم وأفعالهم فالمناجاة الشعبانية مثلًا خير دليل على هذا، فلقد توارثها أئمتنا الأطهار وأكثروا من الدعاء بها وهي بحق كنز ثمين اعتمد عليه العرفاء في عرفانهم، واستنبطوا منها الكثير والكثير، بالطبع فإننا عندما نتحدث عن العرفان فإننا نقصد العرفان الإسلامي وليس العرفان الهندي وغيره من أنواع العرفان.

يصف أحد علمائنا الدعاء3 قائلًا: القرآن قرآن نازل من السماء إلى الأرض، والدعاء يصعد من الأرض إلى السماء وهو القرآن الصاعد.

الدعاء يأخذ بيد الإنسان ويرفع من منزلته ويصل به إلى عوالم لا يمكن لي ولكم أن نفهمها وندركها.

لو ترك الإنسان على حاله لكان أشد إفتراساً من الحيوانات الضارية، ولكن في الدعاء لغة خاصة تسمو بالإنسان وترفع من منزلته ومن مستوى وعيه وإدراكه.

كلنا يعرف قصة كسروي4 وحرقه لمفاتيح الجنان ولكتب العرفان. لقد كان كسروي كاتباً ومؤرخاً فذاً ولكنه أصيب بنوع من الجنون في النهاية كغيره من الشرقيين الذين ما إن يتعلموا شيئاً ويحيطون به إلّا ويصيبهم الغرور والكبرياء ولقد وصل الأمر عند صاحبنا هذا إلى إدعاء النبوة أيضاً!

كتاب مفاتيح الجنان ليس من صنع الحاج الشيخ عباس القمي بل قام هو بتجميعه ليس إلا. فكسروي بحرقه لهذا الكتاب وللكتب الأخرى قد اعترف بجهله لمحتويات هذه الكتب ولعله لم يقرأ المناجاة الشعبانية في حياته مطلقاً. إن للأدعية الواردة في بعض الشهور والأيام وخصوصاً في رجب وشعبان ورمضان دور هام في تقوية النفوس وتهذيبها (وطبعاً ليس أمثالنا) وفتح السبل أمامها وتنوير وإضاءة الدرب وإخراجها من الظلمات إلى النور بصورة إعجازية بحق. إذاً اهتموا بالدعاء وتوسلوا به ولا تلتفتوا لكسروي وأمثاله المغرضين الذين يسعون لإضعاف الدعاء والإضرار بالإسلام»5.

المناجاة الشعبانية، أعظم مصادر المعرفة الإلهية:

إن كرامة هذه الأشهر الثلاثة6 تعجز الألسن والعقول والأفكار عن استيعابها .. ولا شك أن من بركات هذه الأشهر الأدعية الواردة فيها. فالمناجاة الشعبانية تعتبر من أعظم المناجاة والمعارف الإلهية التي بوسع المهتمين بها النهل منها على قدر وعيهم واستيعابهم.

التوجه العرفاني في إدراك أسرار معارف القرآن ومناجاة الأئمة عليهم السلام:
كم من المسائل العرفانية في القرآن الكريم وفي مناجاة الأئمة- سلام الله عليهم-، لا سيما المناجاة الشعبانية، غير أن الأشخاص والفلاسفة والعرفاء الذين بوسعهم استيعابها إلى حد ما، غير قادرين على تجسيدها في الوجدان بسبب غياب التوجه العرفاني. انظروا إلى الآية الكريمة: (ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى) سورة النجم:8. لقد تحدث المفسرون والفلاسفة عن هذا الموضوع، غير أن الذوق العرفاني بات قليلًا.. (إلهي هبْ لي كمال الانقطاع إليك وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حتى تخرقَ أبصار القلوب حُجُبَ النور فتصل إلى معدن العظمة وتصير أرواحنا معلقة بعز قدسك. إلهي واجعلني ممن ناديته فأجابك وناجيته فصعق لجلالك).

فهذه عناوين تبدو للإنسان سهلة متصوَّرة. غير أن أياً من العارف والفيلسوف والعالم ليس بوسعه أن يدرك كنه المسألة، مسألة (فصعق لجلالك)، التي مبدؤها القرآن. وكذلك (وخَرَّ موسى صعقاً)سورة الااعراف 143، حيث يتصور الإنسان بأنه سقط وأغمي عليه(صعق). ولكن ماذا كان الصعق؟ ما هو صعق النبي موسى؟ هذه مسألة لا يفهمها غير النبي موسى. وكذلك مسألة (دنى فتدلى) سورة النجم: 8التي ليس بوسع أحد أن يفهمها ويدركها ويذوب فيها غير ذلك الذي حصل له (الدُنُوّ). إلى غير ذلك من العبارات الواردة في هذه المناجاة العظيمة، التي تبدو في الظاهر سهلة مفهومة غير أنها في الحقيقة ممتنعة على الفهم، وان الإنسان بحاجة إلى رياضات كثيرة حتى يتسنى له فهم (ناجيتَه) بفتح التاء، وليس (ناجيتُه) بضم التاء.

فماذا تعني (ناجيتَه)؟ هل المقصود أن الله تعالى يناجي الإنسان؟ وما هذه المناجاة؟ ما الذي أراده الأئمة من ذلك؟. إني لم أر مثل هذه التعابير في أدعية أخرى غير هذا الدعاء. لقد كان الأئمة جميعاً يقرؤون هذه المناجاة. وهذا دليل على عظمتها. جميع الأئمة كانوا يقرؤون هذه المناجاة، فماذا يعني ذلك؟ ما هذه المسائل التي كانت بينهم وبين الله تبارك وتعالى؟. (هَبْ لي كمال الانقطاع إليك). فما هو كمال الانقطاع؟ و (بيدك لا بيد غيرك زيادتي ونقصي ونفعي وضرّي). فالإنسان- حسب الظاهر- يقول: إن كل شي‏ء بيده. غير أن معنى ذلك هو: لن يصيبنا ضرر إلا بيده، ولن تتحقق أية منفعة إلا به، فهو الضار والنافع. ولكن أيدينا قاصرة عن أمثال هذه الأمور، واسأل الله تعالى أن يوفقنا في هذا الشهر الكريم وكذلك شهر رمضان المبارك، لتحقيق ولو لمحة بسيطة من هذه الأمور في قلوبنا. على الأقل أن نؤمن بما تعنيه قضية (الصعق). إن نؤمن بماهية مناجاة الله مع الإنسان. إن نؤمن على الأقل بالمناجاة ولا نقل عنها بأنها كلام دراويش.

كل هذه المسائل موجودة في القرآن بنحو لطيف، وفي كتب الدعاء المتوافرة بين أيدينا، والتي وصلت إلينا عن طريق أئمة الهدى. فهي ليست بلطافة القرآن الكريم ولكنها لطيفة أيضاً.

وان كل الذين استخدموا هذه الألفاظ فيما بعد كانوا قد استعاروها من القرآن الكريم والحديث الشريف سواء عن علم أو دون علم. وربما لا يعتبرون سندها صحيحاً أيضاً. وطبعاً فإن القلة هم الذين بوسعهم إدراك معنى ذلك. فكيف إذا ما تذوقته الروح وأنست به. فهذه مسألة تفوق تلك المسائل»7.


1- صحيفة الإمام ج‏12 405 خطاب ..... ص : 402
2- إقبال الأعمال.
3- الشيخ محمد علي الشاه آبادي(ره) – أستاذ الإمام الخميني(ره) في العرفان و السير و السلوك.
4- أحمد كسروي التبريزي، مؤلف و مؤرخ معروف له 50 كتاباً، و كان ذو أفكار متطرفة لدرجة أنه لم يستفد في جميع مؤلفاته من أي كلمة عربية، كان يرتدي العمامة في شبابه و لكنه تحول إلى عدو للدين و إقترح أن تحرق جميع الكتب المكتوبة بالعربية كالقرآن و مفاتيح الجنان، قتله أحد المسلمين الغيارى على أبواب المحكمة.
5- صحيفة الإمام ج‏13 32 حديث ..... ص : 26
6- " أي شهر رجب وشعبان وشهر رمضان المبارك ".
7- صحيفة الإمام ج‏17 372 خطاب ..... ص : 369 - خطاب‏- التاريخ 7 خرداد 1362 ه-. ش/ 15 شعبان 1403 هـ . ق ‏المكان: طهران، جماران‏ - الموضوع: بركات أشهر رجب وشعبان ورمضان‏- المناسبة: ذكرى مولد الإمام الحجة بن الحسن صاحب الزمان (عج).

2016-05-10