يتم التحميل...

إشكالية العلم والدين

فكر الشهيد مطهري

قوّة العقل والتّفكير في الإنسان لا تكتفي بالظّواهر، خلافًا للحواس، وهي تنفذ إلى أعماق المظاهر الكونيّة. هذه القوّة تقضي أنّ الوجود لا يستطيع أن ينحصر ويتحدّد بهذه الظّواهر المحدودة والمتغيّرة والنّسبيّة والمشروطة والمحتاجة.

عدد الزوار: 109

قوّة العقل والتّفكير في الإنسان لا تكتفي بالظّواهر، خلافًا للحواس، وهي تنفذ إلى أعماق المظاهر الكونيّة. هذه القوّة تقضي أنّ الوجود لا يستطيع أن ينحصر ويتحدّد بهذه الظّواهر المحدودة والمتغيّرة والنّسبيّة والمشروطة والمحتاجة.

هذه السّاحة الكونيّة المشهودة أمامنا بمجموعها غير قائمة بنفسها ومستندة إلى ذاتها. ولا بدّ إذاً من وجود حقيقة ثابتة، ومطلقة غير محدودة، وغير مشروطة، وغير محتاجة، تستند إليها جميع الكائنات وحاضرة في جميع الأمكنة والأزمنة.

وبدون هذه الحقيقة فإنّ السّاحة الكونيّة لا تستطيع أن تقف على أقدامها، أي لا يمكن لهذه السّاحة أن يكون لها وجود أساسًا، ولا شيء بدون هذه الحقيقة سوى العدم والفناء.

القرآن الكريم يصف الله سبحانه وتعالى بأنّه "قيّوم" و"غنيّ" و"صمد"، مشيرًا إلى أنّ السّاحة الكونيّة بحاجةٍ إلى حقيقة تقوم بها، هذه الحقيقة هي سند وحافظ لكلّ الأشياء المحدودة النّسبية والمشروطة. إنّه تعالى "غنيّ" لأنّ كلّ شيء سواه بحاجة إليه، وهو "صمد" لأنّ ما سواه فارغٌ ومحتاجٌ إلى حقيقة تملأ هذا الفراغ بالوجود.

القرآن الكريم يطلق على الموجودات المحسوسة المشهودة اسم "الآيات"، أي كلّ موجودٍ يشكّل بدوره دلالةً على وجود الله المطلق وعلمه وقدرته وحياته ومشيئته.

عالم الطّبيعة ـ في نظر القرآن الكريم ـ مثل كتاب مدوّن بيد مؤلّف عليمٍ حكيم. وكلّ سطرٍ، بل كلّ كلمة تدلّ على العلم اللامتناهي والحكمة اللامتناهية لمؤلّفه.

كلّ علم من علوم الطّبيعة هو من منظارٍ ما معرفة بالطّبيعة، وهو من منظارٍ أعمق تعرّف على الله.

ولأجل أن نفهم منطق القرآن بشأن التعّرف على الطّبيعة من منظور التعرّف على الله، نكتفي بذكر آية كريمة واحدة من آيات قرآنيّة كثيرة في هذا المجال: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ1.

هذه الآية تدعو إلى التعرّف على السّاحة الكونيّة بما فيها من مظاهر حركة الأفلاك، وحركة الفلك وعطائها الاقتصاديّ، ومنشأ الأمطار والغيوم، والأحياء الموجودة على ظهر الأرض.

كما تؤكّد الآية الكريمة على أنّ التعرّف على هذه المظاهر الطّبيعيّة باعثٌ على معرفة الله2.

* دراسات عقائدية - الشهيد مرتضى مطهري، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- سورة البقرة، الآية 164.
2- المفهوم التّوحيدّيّ للعالم، ص 23-25.

2016-04-27