يتم التحميل...

معالم حكومة الإمام عليّ عليه السلام

ولادة أمير المؤمنين(ع)

على الرغم من أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قد واجه عقبات في أيّام خلافته إلاّ انّه استطاع بلا شكّ أن يطرح نموذجاً ناجحاً للحكومة وفق تعاليم الإسلام ومعاييره والتي نذكر بعضها بإيجاز:

عدد الزوار: 95

على الرغم من أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قد واجه عقبات في أيّام خلافته إلاّ انّه استطاع بلا شكّ أن يطرح نموذجاً ناجحاً للحكومة وفق تعاليم الإسلام ومعاييره والتي نذكر بعضها بإيجاز:

1- أشار الإمام علي عليه السلام إلى أنّ فلسفة قبوله للخلافة هي لأجل إجراء العدالة الاجتماعية في المجتمع على كافة المستويات لا سيما الاقتصادية، والاستفادة من الإمكانات العامة، ومكافحة الفوارق الطبقية الكبيرة في المجتمع.

2- إنّ رؤية الإمام علي عليه السلام للحكم تتلخّص في أنّ الحكم والمنصب ليس إلّا وسيلة لخدمة الناس وإحقاق الحقّ ودحض الباطل، لا أنّه طعمة تدرّ الأرباح. وقد التزم الإمام بهذا المنهج إلى أبعد الحدود، حتّى تراه يجتنب عن إعطاء المهام الحسّاسة كالولاية وبيت المال إلى المتعطّشين للسلطة وكسب المال.

3- لقد عاش الإمام أمير المؤمنين عليه السلام عند تصدّيه للخلافة غاية الزهد والبساطة في الحياة، كما كان يوصي عمّاله بالاعتدال والعزوف عن زخارف الدنيا وزبرجها. وهذه الخصوصية أي عزوفه عن زخارف الدنيا هي من أبرز خصائصه الذاتية وسيرة حكمه.

4- إنّ المعيار الذي أكّد عليه الإمام عليه السلام في انتخاب الولاة والعمّال، هو أن تكون لهم سوابق في الإسلام، وتقوى، وكفاءة في إدارة سدّة الحكم، والتزام بقيم الإسلام وغيرها من المعايير. والشيء الذي لم يخطر ببال الإمام أبداً هو القرابة والعشيرة، كما يتّضح ذلك حينما نصب (51) شخصاً كولاة وممثّلين عنه في الولايات والإمارات المختلفة، فتجد فيهم من المهاجرين والأنصار، وأهل اليمن، والهاشميّ وغير الهاشميّ، والعراقيّ والحجازيّ، الشابّ والكهل، ولا تجد في هذه القائمة أثراً لأسماء الحسن والحسين ومحمد ابن الحنفية وعبد الله بن جعفر (زوج زينب عليها السلام ). وعلى الرغم من أنّ الإمام عليه السلام كان ينصب عمّالاً وولاة صالحين وكفوئين إلّا أنّه في الوقت نفسه كان يجعل عليهم عيوناً لمراقبة تحرّكاتهم. ومن أبرز تلك النماذج كتاب تقريع بعثه الإمام عليه السلام إلى عثمان بن حنيف الأنصاريّ عامله على البصرة وقد بلغه أنّه دعي إلى وليمة قوم من أهلها فمضى إليها1.

5- لم يكن الإمام يعتقد - وخلافاً لمعظم الزعماء والرؤساء - بأنّ الغاية تُبرّر الوسيلة، ولم يتوصّل إلى أهدافه المقدّسة النبيّلة بوسائل غير مشروعة قطّ، كما يظهر من جوابه لمّا عوتب على التسوية في العطاء وتصييره الناس أسوة فيه من غير تفضيل أصحاب السابقات والشرف: «أتأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن ولّيت عليه؟، والله لا أطور به ما سمر سمير، وما أمّ نجم في السماء نجماً. ولو كان المال لي لسوَّيت بينهم، فكيف وإنّما المال مال الله؟»2.

القتال في ثلاث جبهات

حمّلت خلافة الإمام عليه السلام وقيادته - التي ساد فيها العدل وإحياء المبادئ والقيم الإسلامية الأصيلة - أصحابه عبأ ثقيلاً ما أدّى إلى تشكيل خطٍّ معارض لحكومته، وانتهت هذه المعارضات إلى حدوث ثلاث حروب مع الناكثين والقاسطين والمارقين، وهي:

قتال الناكثين:
وقد كان سبب هذه الحرب مع الناكثين هو أنّ طلحة والزبير اللّذين بايعا الإمام علياً قد طلبا منه أن يولّيهما أعمال البصرة والكوفة، ولكن الإمام رفض ذلك، فتركا المدينة سرّاً والتجآ إلى مكة وجيّشا جيشاً بأموال بيت المال المختلس من قبل بني أُمية وانطلقا نحو البصرة واستوليا عليها. فتحرّك الإمام علي عليه السلام تاركاً المدينة لمعالجة أمر الناكثين، فحدثت حرب طاحنة قرب البصرة انتهت بانتصار الإمام عليّ وهزيمة الناكثين، وهذه هي حرب الجمل التي لها مساحة كبيرة في التاريخ، والتي اندلعت سنة 36 هجرية.

قتال القاسطين:
كان معاوية قد أعدّ ومنذ فترة سبقت خلافة الإمام علي عليه السلام مقدّمات الخلافة لنفسه في الشام، وما إن تسلّم الإمام الخلافة حتّى عزل معاوية عن الشام ولم يرض أن يقرّه عليها لحظة واحدة. وكان حصيلة هذا النزاع أن تقاتل جيش العراق وجيش الشام في أرض تُدعى صفّين. وكان الانتصار لجيش الإمام علي عليه السلام لولا خديعة معاوية برفع المصاحف بإشارة من عمرو بن العاص التي أحدثت تمرّداً في جيش الإمام. وفي النتيجة وبعد الاضطراب الكبير في جيش الإمام علي عليه السلام وافق على التحكيم، وكان من جهته أبو موسى الأشعري وعمرو بن العاص من جهة معاوية لكي ينظرا في مصالح الإسلام والمسلمين.

وتذكر الكثير من المصادر التاريخية أنّ ما حصل داخل جيش الإمام علي عليه السلام من البلبلة والاضطراب ما أدّى إلى انشقاق الصفّ والتقاتل ووقوع المسلمين في أزمة كبيرة لا تحمد عقباها. وبعد أن حان موعد إعلان رأي الحكمين خدع عمرو بن العاص أبا موسى وهو ما أدّى إلى إفشاء خطة معاوية الشنيعة بين الجميع، وبعد ذلك خرج بعض من المسلمين الذين كانوا في صفّ الإمام عليه وانتقدوه لقبوله التحكيم الذي فرضوه هم أنفسهم عليه. وقد حدث قتال القاسطين عام 37 هجرية.

قتال المارقين:
والمارقون هم أُولئك الذين أصرّوا على قبول التحكيم، وندموا بعد عدّة أيام على ذلك، وطلبوا منه أن ينقض العهد من جهته، غير أنّ الإمام عليه السلام لم يكن بذلك الشخص الذي ينقض عهده، ولهذا خرجوا على الإمام ووقفوا ضدّه وقاتلوه في النهروان وقد عُرفوا بالخوارج لذلك. وانتصر الإمام في هذه الحرب، غير أنّ الأحقاد ظلّت دفينة في النفوس. اندلعت هذه الحرب في سنة 38، وعلى رأي بعض المؤرّخين في سنة 39 هجرية.

* كتاب دروس تمهيدية في سيرة النبي والأئمة المعصومين، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- نهج البلاغة، الكتاب: 45.
2- نهج البلاغة، من كلام له عليه السلام لما عوتب على التسوية في العطاء، 126.

2016-04-20