يتم التحميل...

مراحل حياة الإمام علي عليه السلام في الإسلام

ولادة أمير المؤمنين(ع)

ستغرقت هذه الفترة ثلاثة عشر عاماً. وتشتمل هذه الفترة الزمنية على مجموعة كبيرة من الأعمال العظيمة والبارزة التي قدّمها الإمام عليه السلام في سبيل ازدهار ورفعة الإسلام.

عدد الزوار: 118

أولاً: من البعثة إلى هجرته صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة

استغرقت هذه الفترة ثلاثة عشر عاماً. وتشتمل هذه الفترة الزمنية على مجموعة كبيرة من الأعمال العظيمة والبارزة التي قدّمها الإمام عليه السلام في سبيل ازدهار ورفعة الإسلام.

أ- أوّل من أسلم:
إنّ أُولى مفاخر الإمام عليّ عليه السلام في هذه المرحلة هي سبقه في الإسلام وتقدّمه على غيره من العرب، لطهارة روحه وصفاء نفسه وبغضه لعبادة الشرك والأوثان، فقد كان مؤمناً موحداً 1، وأكّد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك فقال: «أوّلكم وروداً عليّ الحوض أوّلكم إسلاماً علي بن أبي طالب»2. ويقول الإمام عليه السلام: «ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله وخديجة وأنا ثالثهما أرى نور الوحي والرسالة وأشمّ ريح النبوة»3.

ب- مساندة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم:
لم يفارق الإمام عليّ عليه السلام رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم منذ ولادته. وتأكّد هذا الترابط الوثيق بعد بزوغ فجر الإسلام. وكان الإمام عليّ عليه السلام يدعو الناس للإيمان برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في فترة الدعوة السرية لمدّة ثلاث سنوات، وكان يدافع عنه ويقف في وجه المعارضين له، إلى أن أُمِر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بدعوة قومه إلى دين الله فأمر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم علياً عليه السلام بأن يعدّ وليمة غداء ويدعو خمسة وأربعين وجيهاً من وجهاء بني هاشم إليها وأن يعد طعاماً من اللحم مع اللبن... وبعد حضورهم في الموعد المحدّد وتناول طعامهم افتتح النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كلمته قائلاً: «إنّي واللّه ما أعلم أنّ شاباً في العرب جاء قومه بأفضل ممّا جئتكم به، إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصييّ وخليفتي فيكم؟» فلم يجبه أحد فنهض الإمام علي عليه السلام ولم يتعدّ عمره 14 عاماً 4 إلا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كرّر ذلك ثلاثاً ليلقي الحجة على القوم، وكان يقوم علي عليه السلام مجيباً، فقام رسول الله فضرب بيده على يد علي وقال في حقّه وبحضور وجهاء بني هاشم المقولة الشهيرة: «هذا عليٌّ أخي ووصيّي وخليفتي فيكم» 5.

ث- التضحية الكبيرة:
اجتمع المشركون في دار الندوة وقرّروا قتل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم على أن يشترك من كلّ قبيلة رجل شاب، وفي هذه الحالة لن يكون القاتل واحداً ولن يستطيع بنو هاشم الأخذ بثاره، لأنّهم يعجزون عن محاربة جميع القبائل ويرتضون لا محالة بقبول الفدية وتنتهي المسألة. اختارت قريش لتنفيذ خطّتها الليلة الأُولى من ربيع الأوّل. وقد ذكر الله تعالى فيما بعد خطتهم وقال: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ 6.

فأطلع ملك الوحي رسول الله على ذلك، وأبلغه أمر الله بأن يترك مكّة ويتّجه نحو يثرب. واختار سول الله صلى الله عليه وآله وسلم الإمام عليّاً عليه السلام، لكي يبيت على فراشه، وقال: «امضِ إلى فراشي ونم في مضجعي والتفّ في بردي الحضرميّ ليروا أنّي لم أخرج» 7 فأطاع عليّ ما أُمِر به. وحاصر جلاوزة قريش ومرتزقتهم بيت رسول الله وداهموه بسيوف مسلولة، فنهض عليٌّ من الفراش8.

وقد خلّد القرآن المجيد تضحية عليّ عليه السلام فقال عزوجل: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ 9. قال المفسّرون: قد نزلت هذه الآية في التضحية العظيمة لعليّ عليه السلام ليلة المبيت 10.

ثانياً: من هجرة الرسول إلى وفاته صلى الله عليه وآله وسلم

أ- عليّ عليه السلام أخو رسول الله:
لمّا دخل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم المدينة قرّر أن يُبرم عقد الأُخوّة بين المهاجرين والأنصار من المسلمين، فآخى بين المسلمين جميعاً. وبعد أن حصل كلّ واحد على أخيه من الحاضرين جاء عليّ عليه السلام وكان قد بقي وحده إلى رسول الله والدموع تفيض من عينيه وقال: «ما آخيت بيني وبين أحد» قال صلى الله عليه وآله وسلم: «أنت أخي في الدنيا والآخرة» 11، ثمّ آخى بينه صلى الله عليه وآله وسلم وبين علي عليه السلام 12.

ب- جهاد الإمام عليّ عليه السلام:
شارك الإمام عليّ عليه السلام في جميع غزوات النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلا غزوة تبوك للظروف الحرجة والحسّاسة التي كانت تُنذر بتدبير مؤامرة من قِبَل المنافقين عند غياب رسول الله عن مركز الحكومة الإسلامية، وبقي فيها بأمر من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. ونعرض دور عليّ عليه السلام في ثلاث ساحات من ساحات الجهاد:

* في غزوة بدر:
كان رسول الله قد علم بأنّ هناك قافلة تجارية لقريش يترأّسها أبو سفيان آتية من الشام تريد مكّة، وحيث إنّها تمرّ من طريق على مقربة من المدينة انطلق رسول الله مع أصحابه المهاجرين والأنصار باتّجاه بدر.

فاستنجد أبو سفيان فقرّرت قريش المواجهة فانطلقت باتّجاه المدينة. وانتهت الحرب بهزيمة ساحقة لجيش المشركين لدرجة أنّه قد أُسر سبعون منهم، وكان قد هلك أكثر من نصف المقتولين بضربات سيف علي عليه السلام في هذه الحرب. وقد ذكر المرحوم الشيخ المفيد ثلاثة وثلاثين شخصاً من قتلى المشركين في غزوة بدر وكتب: «وقد أثبتت رواة العامّة والخاصّة معاً أسماء الذين تولّى أمير المؤمنين قتلهم ببدر من المشركين سوى من اختلف فيه وأشرك هو فيه غيره» 13.

* غزوة أُحد:
بعد هزيمة قريش في معركة بدر، ولأجل تعويض هذه الخسارة والهزيمة الكبيرة؛ قرّروا أن يُهاجموا المدينة، فعلم رسول الله بذلك، وبعد التشاور قرّر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مواجهة قريش في وادي جبل أحد. ووضع خمسين رامياً، وأمرهم بأن لا يتركوا المكان، وبعد بدء المعركة وميل الحسم لصالح المسلمين وبدأت قريش بالفرار، دخل الغرور قلوب أولئك فنزلوا لجمع الغنائم، فقام المشركون بالالتفاف على المسلمين ومحاصرتهم، فانهزم المسلمون، ولاذوا بالفرار، واستشهد نحو سبعين مقاتلاً، واشتدّ القتال، ولم يبقَ في الميدان سوى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعليّ عليه السلام ومن لحق بهما بعد الفرار، فأبصر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم جماعة من المشركين، فقال لعلي: احمل عليهم ففرّقهم وقتّل فيهم، ثمّ أبصر جماعة أُخرى فقال له: احمل عليهم، فحمل عليهم وفرّقهم وقتل فيهم، فقال جبرائيل: يا رسول الله هذه المواساة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إنّه منّي وأنا منه» 14، فقال جبرائيل: وأنا منكما، قال فسمعوا صوتاً يقول: «لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتى إلاّ علي» 15.

* في غزوة الأحزاب (الخندق):
عندما أُعلم رسول الله بانطلاق قريش باتّجاه المدينة، شكّل صلى الله عليه وآله وسلم لجنة عسكرية للتشاور، فاقترح سلمان الفارسي أن يحفر خندق من الجهة الأضعف في المدينة، فقبل المسلمون بذلك، وأشار سلمان لأهمية هذا العمل لأنه كان يعمل في بلادهم، وقاموا بحفر الخندق، والتحضير الكامل للمعركة. وصل جيش الأحزاب، وقد أثارت رؤية خندق عميق عريض حول منافذ المدينة دهشتهم، لأنّه لم يسبق للعرب أن استخدمته في حروبها، فاضطرّوا إلى محاصرة المدينة من وراء الخندق، وحاول خرق الخندق أكثر من مرّة من خلال خمسة أبطال من جيش الأحزاب استعرضوا قوّتهم بخيولهم حول الخندق واخترقوه من خلال منفذ ضيّق وصاروا إلى جانبه الآخر وطلبوا المبارزة من أقرانهم. وبعد أن عبروا الخندق رفع «عمرو» صوته بنداء هل من مبارز؟ وحينما لم ينهض أحد من المسلمين لمواجهته، تجرّأ أكثر واستهزأ بعقائد المسلمين وقال: تقولون إنّ من يُقتل منكم في الجنّة ومن يُقتل منّا في النار، فهل من أحد أُرسله إلى الجنّة أو يُرسلني إلى النار؟ ثم ّ أنشد أشعاراً كان منها: ولقد بُححت من النداء لجمعكم هل من مبارز

وكان كلّما يرتفع نداء «عمرو» للمبارزة كان عليٌّ عليه السلام هو الوحيد الذي يقوم ويستأذن الرسول ليذهب إلى ساحة القتال، غير أنّه صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يوافق. وقد تكرّرت هذه الحالة ثلاث مرّات، وفي المرّة الأخيرة التي استأذن عليّ عليه السلام فيها قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إنّه عمرو بن عبد ود» فقال عليّ: «وأنا عليّ» 16.

وفي النهاية وافق نبيّ الإسلام وأعطاه سيفه وألبسه عمامته، وحين انطلق عليٌّ عليه السلام إلى ساحة القتال، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «برز الإسلام كلّه إلى الشرك كله» 17.

انطلق عليّ عليه السلام راجلاً نحو عمرو، وقال حينما واجهه: «إنّك كنت تقول في الجاهلية لا يدعوني أحد إلى واحدة من ثلاث إلّا قبلتها» قال: أجل، قال عليه السلام: «فإنّي أدعوك أن تشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله وتُسلم للّه ربّ العالمين». قال: يا ابن أخي أخّر هذا عنّي, قال: «فأُخرى ترجع إلى بلادك، فإن يكن محمد صادقاً كُنتَ أسعد الناس، وإن غير ذلك كان الذي تُريد» قال: هذا ما لا تتحدّث به نساء قريش أبداً، وقد نذرت ما نذرت وحرّمت الدهن, قال: «فالثالثة البراز» فضحك عمرو وقال: إنّ هذه الخصلة ما كنتُ أظنّ أن أحداً من العرب يرومني عليها، إنّي لأكره أن أقتل مثلك وكان أبوك لي نديماً، فارجع فأنت غلام حَدَث... قال الإمام علي عليه السلام: «فأنا أُحبّ أن أقتلك».

غضب عمرو من قول عليّ، ونزل عن فرسه بكبرياء، وعقلها، وتقاتلا قتالاً شديداً، فأنزل عمرو ضربة قاصمة على رأس علي، فدفعها بترسه، فصار نصفين، وجرُح رأسه عليه السلام. ثمّ استغلّ علي الفرصة وضربه ضربة قوية، فألقاه صريعاً، وكانت الغبرة المثارة تمنع من رؤية القتال فسُمع التكبير ودبّ الفرح في قلوب المسلمين 18.

عندها قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعليّ عليه السلام في ذلك اليوم: «لو وزن اليوم عملك بعمل جميع أُمّة محمّد، لرجح عملك على عملهم، وذاك أنّه لم يبق بيت من المشركين إلّا وقد دخله ذلّ بقتل عمرو ولم يبق بيت من المسلمين إلّا وقد دخله عزّ بقتل عمرو» 19.

* كتاب دروس تمهيدية في سيرة النبي والأئمة المعصومين، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- الموفق الخوارزمي، بن أحمد البكري المكي الحنفي، ص18.
2- ابن عبد البر، يوسف بن عبد الله، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج3، ص28، ابن أبي الحديد، عز الدين أبو حامد بن هبة الله بن محمد، شرح نهج البلاغة، ج13، ص119.
3- نهج البلاغة، الخطبة 192.
4- ابن أبي الحديد، عز الدين أبو حامد بن هبة الله بن محمد، شرح نهج البلاغة، ج13، ص234 235.
5- الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأمم والملوك، ج2، ص217، ابن أبي الحديد، عز الدين أبو حامد بن هبة الله بن محمد، شرح نهج البلاغة، ج13، ص211.
6- سورة الأنفال، الآية 30.
7- ابن هشام، عبد الملك بن هشام، السيرة النبوية، ج2، ص124 128، الشيخ المفيد، محمد بن النعمان، الإرشاد، ج1، ص30.
8- ابن هشام، السيرة النبوية، ج 2، ص 124 - 128, ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج 2، ص 102، 1399هـ. ق. بيروت، دار صادر, الشيخ المفيد الإرشاد، ص 30, الحاكم النيسابوري المستدرك على الصحيحين، اج 3، ص 4، بيروت، دار المعرفة, الطبري، تاريخ الأُمم والملوك، ج 2، ص 244، بيروت، دار القاموس الحديث.
9- سورة البقرة، الآية 207.
10- ابن أبي الحديد، عز الدين أبو حامد بن هبة الله بن محمد، شرح نهج البلاغة، ج1، ص262، الشيخ المظفر، محمد حسن المظفر، دلائل الصدق لنهج الحق، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت R لإحياء التراث، دمشق، 1422هـ، ط1، ج2، ص80.
11- الحاكم النيسابوري، محمد بن عبدالله، المستدرك على الصحيحين، إشراف: يوسف عبد الرحمن المرعشلي، لا.ت، لا.ط، ج3، ص14.
12- ابن عبد البر، يوسف بن عبد الله، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج3، ص35.
13- الشيخ المفيد، محمد بن النعمان، الإرشاد، ج1، ص39.
14- ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ، بيروت، دار صادر، 1386 - 1966م، لا.ط، ج2، ص154.
15- م.ن.
16- ابن أبي الحديد، عز الدين أبو حامد بن هبة الله بن محمد، شرح نهج البلاغة، ج13، ص284.
17- العلامة المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج20، ص215.
18- الواقدي، محمد بن عمر بن واقد، المغازي، ج2، ص471، ابن هشام، عبد الملك بن هشام، السيرة النبوية، ج3، ص236، ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ، ج2، ص181، الشيخ المفيد، محمد بن النعمان، الإرشاد، ج1، ص54.
19- العلامة المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج20، ص216.

2016-04-20