في ما يلحق بالغيبة عند التدبّر
تهذيب النفس
وله اسمٌ خاصٌ وقد تعلَّق به نهي خاصّ لما عرفت أنَّ الغيبة تطلق على ذكر ما يسوء الغير ذكره ويكرهه ولا يؤثره، وعلى التنبيه عليه بمكاتبة وإشارة وغيرهما،
عدد الزوار: 100
وله اسمٌ خاصٌ وقد تعلَّق
به نهي خاصّ لما عرفت أنَّ
الغيبة تطلق على ذكر ما
يسوء الغير ذكره ويكرهه
ولا يؤثره، وعلى التنبيه
عليه بمكاتبة وإشارة
وغيرهما، وعلى حديث النفس
به وعقد القلب عليه وإن
لم يذكره ودخل في هذا
التعريف أفرادٌ أُخر من
المواضع المحرَّمة على
الخصوص وهي أُمور:
أحدها:
النميمة، وهي نقل
قول الغير الى المقول فيه
كما تقول فلان تكلِّم فيك
بكذا وكذا سواء كان نقل
ذلك بالقول أو الكتابة أو
الإشارة والرّمز وكان ذلك
النقل كثيراً ما يكون
متعلّقة نقصاناً أو عيباً
في المحكيّ عنه موجباً
لكراهته له وإعراضه عنه
وكان ذلك راجعاً إلى
الغيبة أيضاً فجمع بين
معصية الغيبة والنميمة
فلا جَرَمَ حَسُنَ في هذه
الرسالة التنبيه على
النميمة وما ورد فيها من
النهي على الخصوص فإنَّها
إحدى المعاصي الكبائر كما
ستسمعه.
وثانيها: كلام ذي
اللسانين الذي يتردّد بين
المتخاصمين ونحوهما
ويكلّم كلّ واحد منهما
بكلامٍ يوافقه، فإنَّ ذلك
مع ما ورد فيه من النهي
الخاص يرجع إلى الغيبة
بوجه ما، وإلى النميمة
بوجه آخر، بل هو شرّ
أقسام النميمة كما سيأتي
من قول النبي صلى الله
عليه وآله وسلم : "تجدون
شرّ عباد الله يوم
القيامة من يأتي هؤلاء
بحديث هؤلاء، وهؤلاء
بحديث هؤلاء"1، فإنَّه
كلام يكرهه كلُّ واحدٍ
منهما لو بلغه، فإنَّ
الانسان لا يحبّ من
تكلَّم خصمه بما يرضيه
ولا من يؤثر معه ما يبغيه
بل هو معدود من جملة
الأعداء فتعلّق الكراهة
لذلك الكلام بكل منهما
فلنتكلَّم فيه أيضاً على
وجه الإيجاز ونذكر ما ورد
فيه من النهي.
وثالثها: الحسد وهو كراهة
النعمة على الغير ومحبَّة
زوالها على المنعم عليه،
وهو مع كونه أيضاً من
المحرَّمات الخاصة
والمعاصي الكبيرة يرجع
إلى الغيبة القلبيَّة
بوجه لأنَّه حُكْم على
القلب بشيءٍ يتعلَّق
بالغير يكرهه لو سمعه أشدّ
كراهة وأبلغها، فيجمع بين
معصيتين: الحسد والغيبة.
فلنذكر جملة من الكلام
فيه وما ورد فيه من النهي
بل هُوَ أوْلى الثلاثة
بالذكر لكثرة وقوعه في
هذا العصر وابتلاء الخواصّ
به بل هو داؤهم ليس لهم
عنه مناص وأولى ما يهتمّ
العاقل به دواء المرض
الحاضر فيقع الكلام هنا
في مقامات ثلاثة:
الأوَّل: النّميمة، قال
الله تعالى:
﴿هَمَّازٍ
مَّشَّاءِ بِنَمِيمٍ﴾2.
ثمَّ قال:
﴿عُتُلِّ بَعْدَ
ذَلِكَ زَنِيم﴾3.
قال بعض العلماء: هذه
الآية دلَّت على أنَّ من
لم يكتم الحديث ومشى
بالنميمة ولد زنا لأنَّ
الزنيم هو الدعيّ.
وقال الله تعالى:
﴿وَيْلٌ
لِكُلِّ هُمَزَةٍ
لُّـــمَزَةٍ﴾4،
قيل
الهمزة النمَّام.
وقال تعالى عن امرأة نوح
وامرأة لوط:
﴿فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ
يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ
اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ
ادْخُلا النَّارَ مَعَ
الدَّاخِلِين﴾5َ، قيل كانت
امرأة لوط تخبر بالضّيفان
وامرأة نوح تخبر بأنه
مجنون.
وقال النبي صلى الله عليه
وآله وسلم : "لا يدخل
الجنَّة نمَّام"6.
وفي حديث آخر:
"لا يدخل
الجنَّة قتَّات"7، والقتَّات هو النمَّام.
وقال صلى الله عليه وآله
وسلم :
"أحبكم إلى الله
تعالى أحسنكُم أخلاقاً
الموطّؤون أكنافاً، الذين
يألفون ويؤلفون، وإنَّ
أبغضكم إلى الله تعالى
المشَّاؤون بالنميمة
المفرّقون بين الاخوان،
الملتمسون للبراء
العثرات"8.
وقال صلى الله عليه وآله
وسلم : ألا أخبركم
بشراركم؟ قالوا: بلى يا
رسول الله، قال صلى الله
عليه وآله وسلم : "المشَّاؤون
بالنميمة، المفسدون بين
الأحبَّة، الباغون للبراء
العيْب"9.
وقال أبو ذرّ: قال رسول
الله صلى الله عليه وآله
وسلم : "من أشار على مسلم
بكلمة ليشينه بها بغير حقّ
شانه الله تعالى في النار
يوم القيامة"10.
وقال أبو الدّرداء: قال
رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم : "أيما رجل
أشاع على رجل كلمة وهو
منها بريء ليشينه بها في
الدُّنيا كان حقَّاً على
الله عزَّ وجلَّ أن يدينه
بها يوم القيامة في
النار"11.
وعنه صلى الله عليه وآله
وسلم : "إنّ الله تعالى
لمَّا خلق الجنَّة قال
لها: تكلَّمي، قالت: سَعد
من دخلني، قال الجبَّار
جلَّ جلاله: وعزتي وجلالي
لا يسكن فيكِ ثمانية نفر
من الناس، لا يسكن فيك
مدمن خمر، ولا مصرٌ على
الزنا، ولا قتَّات (وهو
النمَّام)، ولا ديّوث،
ولا الشّرطيّ، ولا
المخنَّث، ولا قاطع رحم،
ولا الذي يقول عليَّ عهد
الله إن لم أفعل كذا أو
كذا ثمَّ لم يفِ به"12.
وعن أبي جعفر الباقر عليه
السلام أنه قال: "الجنَّة
محرَّمة على القتَّاتين
المشَّائين بالنميمة"13.
وعن أبي عبدالله عليه
السلام أنَّه قال: قال
أمير المؤمنين عليه
السلام :
"شراركم
المشَّاؤون بالنميمة،
المفرّقون بين الأحبَّة،
المتّبعون للبراء
المَعَايب"14.
ورُويَ أنَّ موسى عليه
السلام استسقى لبني
إسرائيل حين أصابهم قحط،
فأوحى الله تعالى إليه:
لا أستجيبُ لك ولا لمن
معك وفيكم نمَّام قد أصرَّ
على النميمة، فقال موسى
عليه السلام : من هو يا
ربّ حتَّى نخرجه من بيننا؟
فقال الله: يا موسى
أنهاكم عن النميمة وأكون
نمَّاماً فتابوا بأجمعهم
فسقوا15.
ورُوي أن رجلاً تبع حكيماً
سبعمائة فرسخ في سبع
كلمات، فلمَّا قدم عليه
قال: إني جئتك للذي أتاك
الله تعالى من العلم،
أخبرني عن السماء وما
أثقل منها، وعن الأرض وما
أوسع منها، وعن الحجارة
وما أقسى منها، وعن النار
وما أحرّ منها، وعن
الزّمهرير وما أبرد منه،
وعن البحر وما أغنى منه،
وعن اليتيم وما أذلّ منه.
فقال الحكيم: البهتان على
البريء أثقل من السماوات،
والحقّ أوسع من الأرضين،
والقلب القانع أغنى من
البحر، والحرص والحسد أحرّ
من النار، والحاجة إلى
القريب إذا لم ينجح أبرد
من الزمهرير، وقلب الكافر
أقسى من الحجارة،
والنمّام إذا بان أمرهُ
أذلّ من اليتيم16.
واعلم أنَّ النميمة تُطلق
في الأكثر على من ينمّ
قول الغير إلى المقول فيه،
كما يقول فلان كان
يتكلَّم فيك بكذا وكذا
وليست مخصوصة به بل تطلق
على ما هو أعمّ من القـول،
كما مرَّ في الغيبة
وحدهـا بالمعنى الأعـمّ
كشـف ما يكـره كشفه، سواءٌ
كرهه المنقـول عنـه أم
المنقـول إليـه أم كرهـه
ثالث، وسواء كان الكشف
بالقول أم بالكتابة أم
بالإشارة أم بالرّمز أم
بالايماء، وسواء كان
المنقول من الأعمال أم من
الأقوال، وسواء كان ذلك
عيباً أو نقصاناً على
المنقول عنه أم لم يكن،
بل حقيقة النميمة إفشاءُ
السرّ وهتك السـتر عمَّا
يكره كشفه، بل كلّ ما رآه
الانسان من أحوال الانسان
فينبغي أن يسكت عنه إلا
ما في حكايته فائدة لمسلم
أو دفع لمعصية، كما إذا
رأى من يتناول مال غيره
فعليه أن يشهد به مراعاةً
لحقّ المشهود عليه.
وأمَّا إذا رآهُ يخفي
مالاً لنفسه فذكره نميمة
وافشاء للسرّ فإن كان ما
ينمّ به نقصاناً أو عيباً
في المحكي عنه كان قد جمع
بين الغيبة والنميمة.
والسبب الباعث على
النميمة إمَّا إرادة
السوء بالمحكيّ عنه أو
إظهار الحبّ للمحكيّ له
أو التفرّج بالحديث أو
الخوض في الفضول.
وكلّ من حملت إليه
النميمة وقيل له إن فلاناً
قال فيك كذا وكذا أو فعل
فيك كذا وكذا وهو يدبّر
في إفساد أمرك أو في
ممالاة عدوّك أو تقبيح
حالك أو ما يجري مجراه
فعليه ستّة أمور:
الأول:
أن لا يصدّقه لأنَّ
النمَّام فاسق وهو مردود
الشهادة، قال الله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُواْ إِن جَآءَكُمْ
فَاسِقٌ بِنَبَإٍ
فَتَبَيَّنُواْ أَن
تُصِيبُواْ قَوْمَاً
بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ
عَلَى مَا فَعَلْتُمْ
نَادِمِينَ﴾17.
الثاني:
أن ينهاه عن ذلك
وينصحه ويقبّح له فعله،
قال الله تعالى:
﴿وَأْمُرْ
بِالـْـمَعْرُوفِ وَانْهَ
عَنِ الْــمُنكَر﴾18.
الثالث:
أن يُبْغضه في
الله تعالى فإنَّه يُبغض
عند الله ويجب بغض من
يُبْغضه الله تعالى.
الرابع:
أن لا تظنّ بأخيك
السُّوء بمجرّد قوله
لقوله تعالى:
﴿اجْتَنِبُواْ
كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ﴾19، بل يثبّت
حتَّى يتحقق الحال.
الخامس:
أن لا يحملك ما
حكي لك على التجسيس
والبحث ليتحقّق قوله
تعالى:
﴿وَلَا
تَجَسَّسُواْ﴾20.
السادس:
أن لا ترضى لنفسك
ما نَهيْتَ النمَّام عنه
فلا تحكي نميمته فتقول
فلان قد حكى لي بكذا
فتكون به نمَّاماً
ومُغتاباً وقد تكون أتيت
بما نهيت عنه.
وقد رُويَ عن علي عليه
السلام أنَّ رجُلاً أتاه
يسعى إليه برجل، فقال: يا
هذا نحن نسأل عمَّا قلت
فإن كنت صادقاً
مَقَتْنَاكَ، وإن كنت
كَاذباً عاقَبناكَ، وإن
شئت أن نقِيلكَ أَقَلناكَ،
قال: أقلني يا أمير
المؤمنين21.
وقد تبعه في ذلك عمر بن عبدالعزيز، فقد روي أنه
دخل إليه رجل فذكر عنده
عن رجل شيئاً، فقال عمر:
إن شئت نظرنا في أمرك،
فإن كنت كاذباً فأنت من
أهل هذه الآية:
﴿إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ
بِنَبَأٍ﴾22، وإن كنت
صادقاً فأنت من أهل هذه
الآية:
﴿هَمَّازٍ
مَّشََّّآءٍ
بِنَمِيمٍ﴾23، وإن شئت
عفونا عنك، فقال: العفو
يا أمير المؤمنين لا أعود
إليه أبد24.
وقد رُويَ أن حكيماً من
الحكماء زاره بعض إخوانه
وأخبره بخبر عن غيره،
فقال له الحكيم: قد
أبطأْتَ في الزيارة،
وأتيتني بثلاث خيانات:
بغّضت إليَّ أخي، وشغلتَ
قلبي الفارغ، واتّهمت
نفسك الأمينة25.
وروي أن بعض الخلفاء قال
لرجل: بلغني أنَّك قلت فيَّ
كذا وكذا، فقال الرجل: ما
قلتُ وما فعلت، فقال: إنَّ
الذي أخبرني صادق، فقال
الزهري، وكان جالساً: لا
يكون النمَّام صادقاً،
قال: صدقت اذهب بسلامة26،
وقال الحسن: من نمَّ إليك
نمَّ عليك27.
وهذه إشارة إلى أنَّ
النمَّام ينبغي أن يُبْغض
ولا يوثق بصداقته، وكيف
لا يبغض وهو لا ينفكّ من
الكذب والغيبة والغدر
والخيانة والغلّ والحسد
والنفاق والإفساد بين
الناس والخديعة، وهو ممن
قد سعى في قطع ما أمر
الله به أن يوصل، قال
الله تعالى:
﴿وَيَقْطَعُونَ
مَآ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ
أَن يُوصَلَ َوَيُفْسِدُونَ
فِي الَأْرْض﴾28، وقال
تعالى:
﴿إِنَّمَا
السَّبِيلُ عَلَى
الَّذِينَ يَظْلِمُونَ
النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي
الَأرْضِ بِغَيْرِ
الْـحَقِّ﴾29، والنمَّام
منهم.
وقال صلى الله عليه وآله
وسلم :
"إنَّ من شرّ
الناس من اتّقاه الناس
لشرّه"30، والنمَّام منهم.
وقال صلى الله عليه وآله
وسلم : "لا يدخل الجنَّة
قاطع"31، قيل: قاطع بين
الناس، وهو النمَّام،
وقيل: قاطع الرَّحم.
وقال لقمان الحكيم لابنه:
"يا بنيّ إنِّي موصيك
بخلال إن تمسَّكت بهنَّ
لم تزل سيداً، أبسط خلقك
للقريب والبعيد،
وامسك جهلك عن الكريم
واللئيم، واحفظ إخوانك،
وصِل أقاربك، وآمنهم من
قبول ساعٍ أو سماع باغٍ
يُريد إفسادك ويروم خداعك،
وليكن إخوانك مَنْ إذا
فارقتهم وفارقوك لم
تغتبْهم ولم يغتابوك"32، وقال بعضهم: لو صحَّ ما
نقله النمَّام إليك لكان
هو المجري بالشّتم عليك
والمنقول عنه أولى بحلمك
لأنه لم يُقابلك بشتمك33.
وبالجملة فشرّ النمَّام
عظيم ينبغي أن يُتوقّى.
قيل: باع بعضهم عبداً
وقال للمشتري: ما فيه عيب
إلاَّ النميمة، قال: رضيت
به، فاشتراه، فمكث الغلام
أياماً ثم قال لزوجة
مولاه: انّ زوجك لا يحبّك
وهو يريد أن يتسرّى عليك،
فخذي الموسى واحلقي من
قفاه شعرات حتى أسحّر
عليها فيحبّك، ثم قال
للزوج: إنَّ امرأتك
اتَّخذت خليلاً وتريد أن
تقتلك فتناوم لها حتى
تعرف، فتَناومَ، فجاءت
المرأة بالموسى فظنَّ
أنها تقتله فقام وقتلها،
فجاء أهل المرأة وقتلوا
الزوج فوقع القتال بين
القبيلتين وطال الأمر.
المقام الثاني:
كلام ذي
اللسانين الذي يتردّد بين
اثنين سيّما المتعاديين،
ويكلّم كلّ واحدٍ منهما
بكلام يوافقه، وقلّ ما
يخلو عنه من يشاهد
متعاديين، وذلك عين
النفاق وهو من المعاصي
الكبائر المتوعّد عليه بخصوصه.
وروى عمَّار بن ياسر عن
النبي صلى الله عليه وآله
وسلم :
"من كان له وجهان
في الدُّنيا كان له
لسانان من نار يوم
القيامة"34.
وعنه صلى الله عليه وآله
وسلم :
"تجدون من شرّ
عباد الله يوم القيامة ذا
الوجهين الذي يأتي هؤلاء
بحديث هؤلاء وهؤلاء بحديث
هؤلاء"35.
وفي حديث آخر:
"الذي يأتي
هؤلاء بوجه وهؤلاء
بوجه"36.
وقيل: مكتوب في التوراة:
"بطلت الأمانة والرجل مع
صاحبه بشفتين
مختلفتين"37.
وقال صلى الله عليه وآله
وسلم :
"أبغض خلق الله
إليه يوم القيامة
الكذَّابون والمستكبرون
والذين يكثرون البغضاء
لإخوانهم في صدورهم، فإذا
لقوهُمْ تخلّقوا لهم،
والذين إذا دُعوا إلى
الله ورسوله كانوا بطاء
وإذا دُعُوا إلى الشيطان
وأمره كانوا سراعاً"38.
وروى الصّدوق بإسناده إلى
عليّ عليه السلام قال:
قال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم :
"يجيء
يوم القيامة ذو الوجهين دالعاً لسانه في قفاه،
وآخر من قدَّامه يتلهّبان
ناراً حتى يلتهبان جسده،
ثم يُقال: هذا الذي كان
في الدنيا ذا وجهين وذا
لسانين يُعرف بذلك يوم
القيامة"39.
وبالاسناد إلى الباقر
عليه السلام قال:
"بئس
العبد عبد يكون ذا وجهين
وذا لسانين يطري أخاه
شاهداً ويأكله غائباً، إن
أُعطيَ حسدهُ وإن ابتلى
خذله"40.
وباسناده عنه عليه السلام
قال:
"بئس العبد عبد همزة
لمزة، يقبل بوجه ويدبر
بآخر"41.
وبالإسناد عنه صلى الله
عليه وآله وسلم قال:
"قال
الله تعالى لعيسى بن مريم:
يا عيسى ليكن لسانُك في
السرّ والعلانية لساناً
واحداً وكذلك قلبك، إنِّي
أحذّرك نفسك وكفى بك
خبيراً لا يصلح لسانان في
فم واحد، ولا سيفان في
غمد واحد، ولا قلبان في
صدر واحد، وكذلك
الأذهان"42.
واعلم أنَّ الإنسان
يتحقّق كونه ذا لسانين
بأموره:
منها: أن ينقل كلام كلّ
واحد إلى الآخر وهو مع
ذلك نميمة وزيادة، فإنَّ
النميمة تتحقق بالنقل من
أحد الجانبين فقط.
منها: أن يُحَسِّن لكل
واحد منهما ما هو عليه من
المعاداة من صاحبه وإن لم
ينقل بينهما كلاماً.
منها: أن يعد كلّ واحد
منهما بأن ينصره ويساعده.
منها: أن يُثني على كلّ
واحد منهما في معاداته
وأولى منه أن يثني عليه
في وجهه، وإذا خرج من
عنده ذمَّه، والذي ينبغي
أن يسكت أو يثني على الحقّ
منهما في حضوره وغيبته
وبين يدي عدوّه. ولا
يتحقّق اللسانان بالدخول
على المتعاديين ومجاملة
كلّ واحد منهما مع صدقه
في المجاملة، فإنَّ
الواحد قد يصادق متعاديين
ولكن صداقة ضعيفة لا تصل الى حدّ الأخوّة إذ لو
تحقّقت الصداقة لاقتضت
معاداة العدوّ كما هو
المشهور من أنَّ الأصدقاء
ثلاثة: الصديق وصديق
الصديق وعدوّ العدوّ
والأعداء ثلاثة: العدوّ
وعدوّ الصديق وصديق
العدو43، فإن قيل كثيراً
ما يتّفق لنا اختلاف
اللسانين مع الأمراء
وأعداء الدّين المتظاهرين،
فهل يكون ذلك داخلاً في
النهي والنفاق كما ورد من
أنه سُئل بعض الصحابة إنَّا ندخل على أْمَرائنا
فنقول القول، فإذا خرجنا
قلنا غيره.
قلنا: إن كان القائل
مستغنياً عن الدخول على
الأمير وعن مخالطة العدوّ
للدّين واختار الاجتماع
معه والصحبة له اختياراً
طلباً للجاه والمال زيادة
على القدر الضروري فهو ذو
لسانين ومنافق كما ذكره
الضحّاك وعليه يحمل الخبر.
وقد قال صلى الله عليه
وآله وسلم :
"حبّ الجاه
والمال ينبتان النفاق في
القلب كما ينبت الماء
البقل"44، وإن كان محتاجاً
إلى ذلك اتّقاءً ضرورة
فهو معذورٌ لا حرج عليه
فيه فإن اتقاء الشرّ جائز.
قال أبو الدّرداء: إنَّا
لنكثّر الضحك في وجوه
أقوام وإنَّ قلوبنا
لتبغضهم.
وروي أنه مرَّ رجل على
النبي صلى الله عليه وآله
وسلم فقال: بئس رجل
العشيرة، فلمَّا دخل عليه
أقبل عليه، فقيل له في
ذلك، فقال:
"إنَّ شرّ
الناس الذي يُكْرَمُ
اتّقاءً لشرّه"45.
المقام الثالث: الحسد،
وهو من أعظم الأدواء
وأكبر المعاصي وأشرّها
وأفسدها للقلب، وهي أوَّل
خطيئة وقعت في الأرض
لمَّا حسدَ إبليسُ آدمَ
فحمله على المعصية، فكانت
البليّة من ذلك إلى الأبد،
وقد أمر الله نبيّه بالإستعاذة من شرّه، فقال:
﴿وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ
إِذَا حَسَد﴾46، بعد أن
استعاذ من الشيطان
والساحر وأنزله منزلتهما،
والأخبار النبويَّة فيه
لا تحصى كثرةً.
قال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم :
"الحسد
يأكل الحسنات كما تأكل
النار الحطب"47.
وقال صلى الله عليه وآله
وسلم :
"ستَّة يدخلون
النار قبل الحساب بستّة:
الأمراء بالجور، والعرب
بالعصبيَّة، والدَّهاقين
بالكبر، والتجَّار
بالخيانة، وأهل الرّسْتاق
بالجهل، والعلماء
بالحسد"48.
وقال صلى الله عليه وآله
وسلم :
"دبّ إليكم داء
الأمم قبلكم الحسد
والبغضاء والبغضة هي
الحالقة لا أقول حالقة
الشعر ولكن حالقة الدين،
والذي نفس محمد بيده لا
تدخلون الجنَّة حتى
تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى
تحابّوا ألا أُنَبّئكم
بما يثبت ذلك لكم، افشوا
السلام"49.
وفي خبر معاذ عنه صلى
الله عليه وآله وسلم :
"إنَّ
الحفظة تصعد بعمل العبد
تزفّ كما تزفّ العروس إلى
أهلها، حتى إذا انتهوا
إلى السماء الخامسة بذلك
العمل الحسن من جهاد وحجّ
وله ضوء كضوء الشمس فيقول
الملك: أنا الملك صاحب
الحسد إنّه كان يَحسد
الناس على ما أتاهم الله
من فضله، ويسخط ما رضي
الله، أمرني ربي أن لا
أدع عمله يتجاوزني الى
غيره"50.
وقال الصادق عليه السلام
:
"الحاسد مضرّ بنفسه قبل
أن يضرّ بالمحسود، كإبليس
أورث بحسده لنفسه اللعنة
ولآدم الاجتباء والهدى
والرّفع إلى محل حقائق
العهد والاصطفاء، فكن
محسوداً ولا تكن حاسداً،
فإن ميزان الحاسد أبداً
خفيفٌ يثقل ميزان المحسود،
والرزق مقسوم فماذا ينفع
الحسد الحاسد وماذا يضرّ
المحسود الحسد، والحسد
أصله من عمل القلب وجحود
فضل الله وهما جناحان
للكفر، بالحسد وقع ابن
آدم في حسرة الأبد وهلك
مهلكاً لا ينجو منه أبداً،
ولا
توبة للحاسد لأنَّه مستمرّ
عليه معتقد به مطبوع فيه
يبدو بلا معارض به ولا
سبب، والطّبع لا يتغيّر
عن الأصل وإن عولج"51، وكفى بالحسد داءً ابلاغه
العلماء النار كما ورد في
الحديث السابق.
واعلم أن الحسد يهيّج
خمسة أشياء:
أحدها:
إفساد الطاعات،
قال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم :
"إنَّ
الحسد يأكل الحسنات كما
تأكل النار الحطب"52.
والثاني:
فعل المعاصي
والشّرور وقد قال بعض
الفضلاء: للحاسد ثلاث
علامات يتملّق إذا شهد
ويغتاب إذا غاب ويشمت
بالمصيبة. وحسبك أنَّ
الله أمر بالاستعاذة من
شرّه وقرنه بالشيطان،
والساحر النافث في العُقد
كما تقدَّم.
والثالث:
التّعب والغمّ
من غير فائدة بل مع كلّ
وزر ومعصية، قال بعضهم:
لم أرَ ظالماً أشبه
بالمظلوم من الحاسد، نفس
دائمٌ وعقلٌ هائم وغمّ
لازم.
والرابع:
الحرمان
والخذلان، فلا يكاد يظفر
بمراد ولا ينصر على عدوّ،
وقد قيل: الحاسد غير
منصور كيف يظفر بمراده،
ومُراده زوال نعم الله عن
عباده.
وكيف ينصر على أعدائه وهم
عباد الله الذين نظر الله
إليهم وأسبغ نعمه عليهم
سيّما إذا كانت النعمة
نعمة العلم. والكلام في
الحسد طويل
لاعتناء عُلماء القلوب به
وبحثهم عنه وقوَّة دائه
في قلوب الخاصة دون
العامة.
ولنقتصر هنا في البحث على
مواضع:
الأول:
في حقيقة الحسد
وحكمه وأقسامه ومراتبه:
فحقيقته انبعاث القوة
الشهوية إلى تمنّي مال
الغير أو الحالة التي هو
عليها وزوالها عن ذلك
الغير وهو مستلزم لحركة
القوة الغضبيّة واثبات
الغضب ودوامه وزيادته
بحسب زيادة حال المحسود
التي يتعلّق بها الحسد.
ولذلك قال علي عليه
السلام :
"الحاسد مغتاظ
على من لا ذنب له"53، وهو
نوع من أنواع الظلم
والجور، وقال عليه السلام
أيضاً:
"لا راحة مع
حسد"54، ووجهه قد ظهر من
حقيقته، فإن شهوة الحاسد
وفكره في كيفيَّة حصول
حال المحسود فيها وفي
كيفيَّة زوالها عمَّن هي
له المستلزمة لحركة آلات
البدن في ذلك المستلزمة
لعدم الراحة.
وقد اتَّفق العقلاء على
أنَّ الحسد مع أنَّه
رذيلة عظيمة للنّفس فهو
من الأسباب العظيمة لخراب
العالم إذ كان الحاسد
كثيراً ما تكون حركاته
وسعيه في هلاك أرباب
الفضائل وأهل الشّرف
والأموال الذين يقوم
بوجودهم عمارة
الأرض إذ لا يتعلَّق
الحسد بغيرهم من أهل
الخسَّة والفقر، ثمَّ لا
يقصر في سعيه ذلك دون أن
تزول تلك الحالة المحسود
بها عن المحسود، ويهلك هو
في تلك الحركات الحسّية
الفعليّة والقوليّة،
ولذلك قيل: حاسد النعمة
لا يرضيه إلاَّ زوالها55، وما دام الباعث في القوة الغضبية قائماً فهي قائمة
متحرّكة ومحرّكة وكثيراً
ما يؤثّر السعاية بين يدي
الأمراء والمسلّطين لعلم
الساعي بقدرتهم على تنفيذ
أغراضه ولقرب طباعهم إلى
قبول قوله من الغير
لمشاركتهم في الطباع
وغلبة القوى الشهوية والغضبية فيهم، ولكن
كثيراً ما يؤثر حركة
الحاسد في إزالة نعمة
المحسود لمحة من لمحات
الله للمحسود بعين
العناية فيحرسهم ويزيد
نعمتهم فلا يتوجّه للحاسد
عليهم سبيل، وإنَّما
السبيل على الذين يظلمون
الناس ويبغون في الأرض
بغير الحقّ فيصير بغيهم
سبباً لخراب الأرض فيفسد
الحرث والنسل والله لا
يحبّ الفساد.
وإذ قد عرفت أنَّه لا حسد
إلاَّ على نعمة فإذا أنعم
الله على أخيك بنعمة فلك
فيها حالتان:
إحداهما:
أن تكره تلك
النعمة وتحبّ زوالها،
وهذه الحالة تسمّى حسداً.
والثانية:
أن لا تحبّ
زوالها ولا تكره وجودها
ودوامها
ولكنّك تشتهي لنفسك مثلها،
وهذا يسمّى غبطة وقد يخصّ
باسم المنافسة.
قال الله تعالى:
﴿وَفِي
ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ
الْــمُـتَنَافِسُونَ﴾56.
وقد تسمّى المنافسة حسداً،
والحسد منافسة كقول عبدالله الفضل وقثم ابني
العباس لعلي عليه السلام
حين أشار عليهما بأن لا
يذهبا إلى النبي صلى الله
عليه وآله وسلم ولا
يسألانه الولاية على
الصدقة، وقد كانا أرادا
ذلك: ماذا منك إلاَّ
منافسة، والله لقد زوّجك
ابنته، فما نفسنا ذلك
عليك57. وكقول النبي صلى
الله عليه وآله وسلم :
"لا
حسد إلاَّ في اثنين: رجل
أتاه الله مالاً فسلَّطه
على هلكته في الحقّ ورجل
أتاه الله علماً فهو يعمل
به ويعلّمه الناس"58،
والمحرّم من الحالتين هو
الحالة الأولى وهي
المخصوصة بالذمّ، قال صلى
الله عليه وآله وسلم :
"المؤمن
يغبط والمنافق يحسد"59. اللهم إلاَّ أن يكون
النعمة قد أصابها فاجر
يستعين بها على إيذاء
الخلق وتهييج الفتنة
وفساد الدين ونحو ذلك،
فلا تضرّ الكراهة لها
ومحبّة زوالها إذا لم يكن
ذلك من حيث إنَّها نعمة،
بل من حيث إنَّها آلة
الفساد، ويدلّ على عدم
تحريم الحالة الثانية
الآية المتقدّمة والحديث.
وقد قال الله تعالى:
﴿سَابِقُواْ
إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن
رَّبِّكُم﴾60،
والمسابقة
إنما تكون عند خوف الفوت
كالعبدين يتسابقان إلى
خدمة مولاهما ويخرج كلّ
واحد منهما أن يسبق صاحبه
فيحظى عند مولاه بمنزلة
لا يحظى هو بها، بل قد
تكون المنافسة واجبة إذا
كان المنافس فيه واجباً
إذ لو لم يجب مثله كان
راضياً بالمعصية
المحرَّمة، وقد تكون
مندوبة كالمنافسة في
الفضائل المندوبة من انفاق الأموال ومكارم
الأخلاق، وقد توصَفُ
بالإباحة إذا كان مباحاً.
وبالجملة فهي تابعة للفعل
المنافس فيه ولكن في
المنافسة دقةٌ وخطر غامض
يجب على طالب الخلاص التحرّز منه وهو أنَّه
إذا آيَس عن أن ينال مثل
تلك النعمة وهو يكره
تخلّفه ونقصانه فلا محالة
يُحبّ زوال النقصان
وإنَّما يزول بأحد أمرين
أن ينال مثله أو أن تزول
نعمة المنافس، فإذا انسدّ
أحد الطريقين عن الساعي
يكاد القلب أن يشتهي
الطريق الأخرى إذ بزوال
النعمة يزول التخلّف
المرغوب عنه فيمتحن نفسه.
فإن كان بحيث لو ألقي
الأمر إليه ورُدّ إلى
اختياره لسعى في إزالة
النعمة فهو حسود حسداً
مذموماً.
وإن كانت التقوى تمنعه عن
إزالة ذلك عفي عمَّا يجده
في طبعه من ارتياحه الى
زوال النعمة من (متى) كان
كارهاً لذلك من نفسه
بعقله.
وإذ قد عرفت حقيقة الحسد،
فاعلم أنَّ له مراتب أربع:
الأولى:
أن يحبّ زوال
النعمة عنه وإن كانت لا
تنتقل اليه وهذا غاية
الخبث وأعظم افراد الحسد.
الثانية:
أن يحبّ زوال
النعمة إليه لرغبته في
تلك النعمة بحيث يكون مطلوبه تلك النعمة لا
مجرّد زوالها عن صاحبها.
الثالثة:
أن لا يشتهي
عينها بل يشتهي لنفسه
مثلها، فإن عجز عن مثلها
يحبّ زوالها كي لا يظهر
التفاوت بينهما.
وهذه الثلاثة محرَّمة وهي
مترتّبة في القوة ترتّبها
في اللفظ.
الرابعة:
أن يشتهي لنفسه
مثلها فإذا لم يحصل فلا
يحبّ زوالها منه.
وهذا هو المحمود المخصوص
باسم الغبطة، بل المندوب اليه في الدين ونسمّيه
حسداً تجوّزاً.
الثاني:
في الأسباب
المثيرة للحسد وهي كثيرة
جداً إلاَّ أنها ترجع إلى
سبعة:
1 ـ العداوة، 2 ـ
والتعزّز، 3 ـ والتكبّر،
4 ـ والتعجّب، 5 ـ والخوف
من فوت المقاصد، 6 ـ وحبّ
الرياسة، 7 ـ وخبث النفس
وبُخلها.
فإنه إنَّما يكره النعمة
عليه:
1 ـ إمَّا لأنه عدوّ فلا
يريد له الخير، وهذا لا
يختصّ بالأمثال.
2 ـ وإما لأنه يخاف أن
يتكبّر بالنعمة عليه وهو
لا يطيق احتمال كبره
وعظمته لعزّة نفسه، وهو
المراد بالتعزّز.
3 ـ وإمَّا يكون في طبعه
أن يتكبّر على المحسود
ويمتنع ذلك عليه بنعمته،
وهو المراد بالتكبّر.
4 ـ وإما أن تكون النعمة
عظيمة والمنصب كبيراً
فيتعجّب من فوز مثله تلك
النعمة،وهو التعجّب.
5 ـ وإما أن يخاف من فوات
مقاصده بسبب نعمته بأن
يتوصّل به إلى مزاحمته في اغراضه.
6 ـ وإمَّا أن يكون يحبّ
الرياسة التي تبتني على
الاختصاص بنعمة لا تساوي
فيها.
7 ـ وإمَّا أن لا يكون
بسبب من هذه الأسباب بل
بخبث النفس وشحّها بالخير
لعباد الله.
وقد أشار الله سبحانه الى
السبب الأول بقوله:
﴿وَدُّواْ
مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَآءُ مِنْ
أَفْوَاهِهِمْ﴾61.
وإلى الثانية بقوله:
﴿وَقَالُواْ
لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا
الْقُرآنُ عَلَى رَجُلٍٍ
ِّمِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ
عَظِيمٍ﴾62.
أي كان لا يثقل علينا أن
نتواضع له ونتّبعه إذا
كان عظيماً.
وكانوا قد قالوا كيف
يتقدَّم علينا غلام يتيمٌ
وكيف نطأطئُ له رؤوسنا.
|
68 |
|
وإلى الرابعة بقوله:
﴿قَالُواْ
مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ
مِّثْلُنَا﴾63،
﴿أَنُؤْمِنُ
لِبَشَرَيْنِ
مِثْلِنَا﴾64،
﴿وَلَئِنْ
أَطَعْتُم بَشَرًا
مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ
إِذاً لــَّخَاسِرُون﴾65، فتعجّبوا من أن يفوز
برتبة الرسالة والوحي
والقرب من الله تعالى بشر
مثلهم فحسدوهم وقالوا
متعجبين:
﴿أَبَعَثَ
اللَّهُ بَشَراً
رَسُولاً﴾66،
فقال تعالى:
﴿أَوَعَجِبْتُمْ أَن
جَآءكُمْ ذِكْرٌ مِّن
رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ
مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ
وَلِتَتَّقُواْ
وَلَعَلَّكُمْ
تُرْحَمُونَ﴾67.
وأعظم الأسباب فساداً
الخامس والسادس لتعلّقهما
غالباً بعلماء السوء
ونظرائهم. ومناط الخامس
يرجع إلى متزاحمين على
مطلوب واحد فإنّ كلاً
منهما يحسد صاحبه في كلّ
نعمة يكون عوناً له في
الانفراد بمقصوده.
ومن هذا الباب تحاسد الضرّات في التزاحم على مقاصدالزوجية، والأخّوة
في التزاحم على نيل
المنزلة المطلوبة بها عند
الأب، والتلامذة لاستاذ
واحد في نيل المنزلة عنده،
والعالمين المتزاحمين على
طائفة من المحصورين إذ
يطلب كلّ واحد منزلة في قلبهم للتوصّل بهم إلى
أغراضه. ومرجع السادس إلى
محبَّة الإنفراد بالرياسة
والاختصاص بالثناء والفرح
بما يمدح به من أنه واحد
الدهر ولا نظير له، فإنّه
متى سمع بنظير له في أقصى
العالم أساءه ذلك وأحبَّ
موته أو زوال النعمة التي
بها يشاركه في المنزلة.
وهذا زيادة على ما في
قلوب آحاد العلماء من طلب
الجاه والمنزلة في قلوب
الناس للتوصّل إلى مقاصد
سوى الرياسة.
وقد كان علماء اليهود
يعلمون رسـالة رسـول الله
صلى الله عليه وآله وسلم
وينكرونها ولا يؤمنون به
مخافة أن يبطل رياستهـم
وأن يصيروا تابعين بعد أن
كانوا متـبوعـين مهمـا
نسـخ علمهـم. وقـد يجتمـع
بعـض هـذه الأسبــاب أو
أكثرهـا أو جميعهـا في
شخص واحد فيعظـم فيـه داء
الحسـد ويتمكَّن فـي
قلبـه ويقــوى قــوَّة لا
يقـــدر معـــه علــى الاخفـاء والمجـاملـة،
بـل ينهتك حجاب المجاملة
ويظهر العداوة بالمكاشفة
ولا يكـاد يزول إلاَّ
بالموت. وقلّ أن يتّفق
بالحاسد سبب واحد من هذه
الأسباب بل أكثر.
وأصل العداوة والحسد
التزاحم على غرضٍ واحد،
والغرض الواحد لا يجتمع
فيـه متباعـدان بـل
متناسـبان فلذلك ترى
الحسد يكثر بين الأمثال
والأقران والأخوة وبني
العمّ والأقارب ويقلّ في
غيرهم إلاَّ مع الاجتماع
في أحد الأغراض المقرّرة،
نعم من اشتدّ حرصه على
الجاه وحبّ الصيت في جميع
أطراف العالم بما هو فيه،
فإنه يحسد كلّ من هو في
العالم وان يعدّ ممَّن يساهمه في الخصلة التي
يفاخر بها.
ومنشأ جميع ذلك حبّ
الدنيا فإنَّ الدنيا هي
التي تضيق على المتزاحمين.
أمَّا الآخرة فلا ضيق
فيها وإنَّما مثلها مثل
العلم، فإن من عرف الله
تعالى وملائكته وأنبياءه
وملكوت أرضه وسمائه لم
يحسد غيره إذا عرف ذلك ايضاً لأنَّ المعرفة لا
تضيق على العارفين بل
المعروف الواحد يعرفه ألف
ألف عالم، ويفرح بمعرفته ويلتذّ به ولا ينقص لذَّة
واحدة بسبب غيره بل يحصل
بكثرة العارفين زيادة
الأنس وثمرة الإفادة
والاستفادة، فلذلك لا
يكون بين علماء الدين محاسدة لأنَّ مقصدهم بحر
واسع لا ضيق فيه، وغرضهم
المنزلة عند الله ولا ضيق
أيضاً فيه بل يزيد الأُنس
بكثرتهم.
نعم إذا قصد العلماء
بالعلم المال والجاه
تحاسدوا لأنَّ المال
أعيان وأجسام إذا وقعت في
يد واحد خلت عنه يد الآخر،
وكذلك الجاه إذ معناه ملك
القلوب ومهما امتلأ قلب
شخص بتعظيم عالم انصرف عن
تعظيم الآخر أو نقص منه
لا محالة فيكون ذلك سبباً للمحاسدة.
وأمَّا العلم فلا نهاية
له ولا يتصوّر استيعابه،
فمن بذل جهده في تحصيله
وأشغل نفسه في الفكرة في
جلالة الله وعظمته صار
ذلك ألذّ عنده من كلّ
نعيم ولم يكن ممنوعاً منه
ولا مزاحماً فيه فلا يكون
في قلبه حسد لأحد من
الخلق، لأنَّ غيره لو عرف
أيضاً مثل معرفته لم ينقص
لذّته بل زادت لذّته
بمؤانسته بل مثل العالمين
بالحقيقة المتمسّكين
بالطريقة كما قال الله
تعالى عنهم:
﴿وَنَزَعْنَا
مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ
غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى
سُرُرٍ
مُّتَقَابِلِينَ﴾68.
فهذا حالهم في الدنيا،
فماذا تظنّ عند انكشاف
الغطاء ومشاهدة المحبوب
في العقبى، فلا محاسدة في
الجنَّة أيضاً، إذ لا
مضايقة فيها ولا مزاحمة،
فعليك أيّها الأخ وفَّقنا
الله وإيَّاك، إن كنتَ
بَصيراً وعلى نفسك مشفقاً،
أن تطلب نعيماً لا زحمة
فيه، ولذَّةً لا مكدّر
لها، والله ولي التوفيق.
الثالث:
في إشارة وجيزة
إلى الدواء الذي ينفي مرض
الحسد عن القلب:
إعلم أنَّ الحسد من
الأمراض العظيمة للقلوب،
ولا تُداوى أمراض القلب
إلاَّ بالعلم والعمل،
والعلم النافع لمرض الحسد
هو أن تعلم يقيناً أنَّ
الحسد ضرر عليك في الدنيا
والدين، ولا ضرر به على
المحسود في الدنيا ولا في
الدين، بل ينتفع به فيهما.
ومتى عرفت هذا عن بصيرة
ولم تكن عدوّ نفسك وصديق
عدوّك فارقتَ الحسد لا
محالة. أمَّا كونه ضرراً
عليك في الدين فهو أنَّك
بالحسد سخطت قضاء الله
تعالى وكرهت نعمته التي
قسمها لعباده وعدله الذي
أقامه في ملكه لخفيّ
حكمته واستنكرت ذلك واستَشْنَعْتَه.
وهذه جناية على حدقة
التوحيد وقذى في عين الايمان، وناهيك بها
جناية على الدّين، وقد
انضاف إليه أنَّك غششت
رجلاً من المؤمنين وتركت
نصيحته وفارقت أولياء
الله وأنبياءه في حبّهم
للخير لعباد الله وشاركت
إبليس وسائر الكفَّار في
محبّتهم للمؤمنين البلاء
وزوال النعم.
وهذه خبائث في القلب تأكل
حسنات القلب كما تأكل
النار الحطب وتمحوها كما
يمحو الليل النهار.
وأمَّا كونه ضرراً عليك
في الدُّنيا، فهو أنَّك
تتألَّم بحسدك وتتعذَّب
به ولا تزال في كدر وغمّ
إذ أعداؤك لا يخليهم الله
عن نِعَم يفيضها عليهم،
فلا تزال تتعذَّب بكلّ
نعمة تراها، وتتألَّم بكلّ
بليَّة تنصرف عنهم، فتبقى
مغموماً محروماً، منشعب
القلب، ضيّق النفس، كما
تشتهيه لأعدائك، وكما
يشتهي أعداؤك لك، فقد كنت
تريد المحنة لعدوّك فتنجَّزت في الحال محنتك
وغمُّك نقداً ولا تزول
النعمة عن المحسود بحسدك.
ولو لم تكن تؤمن بالبعث
والحساب لكان مقتضى
الفطنة إن كنت عاقلاً أن
تحذر من الحسد لما فيه من
ألم القلب ومساءته وعدم
النفع، فكيف وأنت عالم
بما في الحسد من العذاب
الشديد في الآخرة، فما
أعجب من العاقل أن
يتعرَّض لسخط الله من غير
نفع يناله، بل مع ضرر
يحتمله، وألم يقاسيه،
فيهلك دينه ودنياه من غير
جدوى ولا فائدة.
وأمَّا أنّه لا ضرر على
المحسود في دينه ودنياه،
فواضح لأنَّ
النعمة لاتزول عنه بحسدك،
بل ما قدّره الله تعالى
من إقبال ونعمة فلا بدَّ
وأن يدوم الى أجل قدّره
الله تعالى، فلا حيلة في
رفعه وإن كانت النعمة قد
حصلت بسعيه من علم أو عمل
فلا حيلة في دفعه أيضاً،
بل ينبغي أن تلوم أنت
نفسك حيث يسعى وقعدت،
وشمَّر وكسلت، وسهر ونمت
وكان حالك كما قيل:
هلاَّ سعوا سعي الكرام
فأدركوا
أو ســلَّمــــوا
لمـــواقــــع
الأقـــــــــدار
ومهما لم تزل النعمة
بالحسد لم يكن على
المحسود من ضرر في الدنيا
ولا كان عليه إثمٌ في
الآخرة، ولعلَّك تقول:
ليت النعمة كانت تزول عن
المحسود بحسدي.
وهذا غاية الجهل والغباوة،
فإنَّه بلاءٌ تشتهيه
أوَّلاً لنفسك، فإنَّك لا
تخلو أيضاً من عدوّ يحسدك
فلو كانت النعم تزول
بالحسد لم يُبقِ الله
عليك نعمة ولا على الخلق
نعمة حتى نعمة الإيمان
لأنَّ الكفَّار يحسدون
المؤمنين عليه، قال الله
تعالى:
﴿وَدَّت طَّآئِفَةٌ
مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ
لَوْ يُضِلُّونَكُمْ
وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ
أَنفُسَهُمْ وَمَا
يَشْعُرُون﴾69.
وإن اشتهيت أن تزول نعمة
الغير عنه بحسدك ولا تزول
عنك بحسد الغير، فهذا
غاية الجهل والغباوة، فإنَّ
كلَّ واحدٍ من حمقاء
الحسَّاد أيضاً يشتهي أن
يخصّ بهذه الخاصة
ولست بأولى من غيرك،
فنعمة الله عليك في آنٍ
لم تزل نعمة عليك بحسد
غيرك من النعم التي يجب
عليك شكرها وأنت بجهلك
تكرهها.
وأمَّا أنَّ المحسود
ينتفع به في الدين
والدنيا فواضح.
وأمَّا منفعته في الدين
فهو أنَّه مظلوم من جهتك
لا سيَّما إذا أخرجك
الحسد إلى القول والفعل
بالغيبة والقدح فيه وهتك
سرّه وذكر مساوئه، فهي
هدايا تهديها إليه،
فإنَّك تهدي إليه حسناتك
حتى تلقاه يوم القيامة
مُفلساً محروماً عن
النعمة كما خرجت في
الدنيا محروماً عن النعمة،
فكأنَّك أردت زوال النعمة
عنه فلم يزل نعمه وكان
عليك نقمة إذ وفَّقك الله
للحسنات فنقلتها إليه
فأضفت له نعمة إلى نعمة
وأضفت إلى نفسك شقاوة إلى
شقاوة.
وأمَّا منفعته في
الدُّنيا فهو أنَّ أهمَّ
أغراض الخلق مساءة
الأعداء، وغمّهم وشقاوتهم
وكونهم معذّبين مغمومين
فلا عذاب أعظم مما أنت
فيه من ألم الحسد، وغاية
أماني أعدائك أن يكونوا
في نعمة وأن تكون في غمّ
وحسرة بسببهم وقد فعلت في
نفسك ما هو مرادهم.
وقد قال علي عليه السلام
:
"لا راحة للحسود"70.
وقال عليه السلام :
"الحاسد
مغتاظ على من لا ذنب
له"71.
وقد عرفت من تضاعيف هذه
المباحث وجه الكلمتين،
ومن أجل ذلك ينبغي أن لا
تشتهي أعداؤك موتك، بل
تشتهي أن تطول حياتك في
عذاب الحسد لتنظر إلى
نعمة الله تعالى عليهم
فينقطع قلبك حسداً، ولذلك
قيل:
لا مات أعـداؤُكَ بل
خلّـدوا
حتَّى يَروْا منكَ
الَّذِي يَكْمـدُ
لا زلتَ محسوداً على
نِعْمَةٍ
فـإنَّمــا
الكـامـلَ مـن يُحْسَــدُ
ففرح عدوّك بغمّك وحسدك
أعظم من فرحه بنعمته.
فإذا تأمَّلت هذا عرفت
أنَّك عدوّ نفسك، وصديق
عدوّك، إذ تعاطيت مع ما
تضررّت به في الدنيا
والآخرة، وانتفع به عدوّك
في الدنيا والآخرة، وصرتَ
شقيّاً عند الخلق والخالق،
مذموماً في الحال والمآل.
ثمَّ لم تقتصر على تحصيل
مراد عدوّك حتى أدخلت
أعظم السرور على إبليس
الذي هو من أعدى أعدائك
لأنَّك لم تحبّ ما أحبّه
أهل الخير لأنفسهم، فتكون
معهم لأنَّ المرء مع من
أحبّ فأحبّك إبليس لذلك
فكنت معه.
وقد تضافرت الأخبار عن
النبي صلى الله عليه وآله
وسلم بأنَّ المرء مع من
أحب72، وأنَّك وإن لم تكن
عالماً ولا متعلِّماً فكن
محبَّاً، فقد فاتك بحسدك
ثواب الحبّ واللحاق بهم،
وعساك تحاسد رجلاً من أهل
العلم وتحبّ أن يخطىء في
دين الله وينكشف
خطؤه ليفتضح وتحبّ أن
يعرض له ما يمنعه عن
العلم والتعليم، وأيّ إثم
يزيد على هذا فليتك إذا
فاتك اللحاق بهم ثم
اغتممت به فاتك الإثم
وعذاب الآخرة. وقد جاء في
الأحاديث أنَّ أهل
الجَّنة ثلاثة: المُحسن
والمحبّ له والكافّ
عنه73، أي من يكفّ عنه
الأذى والحسد والبغض.
فانظر كيف أبعدكَ إبليس
عن المداخل الثلاثة، فقد
نفذ عليك حسد إبليس وما
نفذ حسدك على عدوّك بل
على نفسك، فلو انكشفت
حالك لك في يقظة أو منام
لرأيت نفسك أيها الحاسد
في صورة من يرمي عدوّه
بحجارة ليصيب بها مقلته
فلا يصيبه بل يرجع حجره
على حدقته اليمنى فيعميها
فيزداد غضبه ثانياً فيعود الى الرمي أشدّ من الأول
فيرجع على عينه الأخرى
فيعميها فيزداد غضبه
فيعود ثالثة فيرجع على
رأسه فيشجّه وعدوّه سالم
على كلّ حال، وأعداؤه
حوله يفرحون بما أصابه
ويضحكون منه.
فهذه حال الحسود، لا بل
حاله أقبح، لأنّ الحجر المفوّت للعين إنَّما
يفوّت ما لو بقي لفات
بالموت لامحالة بخلاف
الإثم الحاصل للحسود
فإنَّه لا يفوت بالموت،
بل يسوقه إلى غضب الله
وإلى النار، فلئن تذهب
عينه في الدنيا خير من أن
تبقى له عين يدخل بها
النار فيعميها لهيب النار،
فانظر كيف انتقام
الله تعالى من الحاسد إذا
أراد زوال النعمة عن
المحسود، فأزالها عن نفسه
إذ السلامة من الإثم نعمة،
ومن الغمّ نعمة أخرى، وقد
زالتا منه تصديقاً لقوله
تعالى:
﴿وَلَا يَحِيقُ
الـْمَكْرُ السَّيِّئُ
إلاَّ بِأَهْلِه﴾74.
وربما يبتلى بعين ما
يشتهيه لعدوّه إذ قلَّ ما
شمت شامت بمساءة أحد إلاَّ
وابتلى بمثلها، فهذه هي
الأدوية العلمية، فمهما
تفكَّر الانسان فيها بذهنٍ
صافٍ وقلبٍ حاضرٍ انطفأ
من قلبه نار الحسد، وعلم
أنَّه مُهلكٌ نفسه،
ومفرّح عدوّه، ومسخط ربّه،
ومنغّص عيشه.
وأما الدواء العملي فبعد
أن يتدبّر ما تقدَّم
ينبغي أن يكلّف نفسه نقيض
ما يبعثه الحسد عليه،
فيمدح المحسود عند بعثه
على القدح ويتواضع له عند
بعثه على التكبّر ويزيد
في الإنعام عند بعثه على
كفّه فينتج هذه المقدّمات
تمام الموافقة وتنقطع
مادَّة الحسد ويستريح
القلب من ألمه وغمّه.
فهذه أدوية نافعة جدَّاً
إلاَّ أنها مرَّة جداً،
لكن النفع في الدواء المرّ،
ومن لم يصبر على مرارة
الدواء لم يظفر بحلاوة
الشفاء.
والباعث على هذه الخصال
الحميدة، الرغبة في ثواب
الله تعالى، والخوف من
عقابه، وفَّقنا الله
وإياكم لاستعماله بمحمد
وآله صلَّى الله عليهم
أجمعين.
* كشف الريبة في أحكام الغيبة, سلسلة تراثيات إسلامية, نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- إحياء علوم الدين، ج3،
ص051.
2- القلم:11.
3- القلم:31.
4- الهمزة، رقم1.
5- التحريم:01.
6- الترغيب والترهيب، ج3،
ص694.
7- العوالي، ج1، ص662،
ح85.
8- العوالي، ج1، ص001،
ح12 وإحياء علوم الدين،
ج3، ص641.
9- إحياء علوم الدين، ج3،
ص641، وانظر الخصال، ج1،
ص68.
10- إحياء علوم الدين،
ج3، ص741.
11- إحياء علوم الدين،
ج3، ص741.
12- إحياء علوم الدين،
ج3، ص741.
13- الكافي، ج2، ص963.
14- الكافي، ج2، ص963.
15- انظر إحياء علوم
الدين، ج3، ص741.
16- إحياء علوم الدين،
ج3، ص741.
17- الحجرات:6.
18- لقمان:71.
19- الحجرات:21.
20- الحجرات:21.
21- إحياء علوم الدين،
ج3، ص841، وانظر الاختصاص،
ص241.
22- الحجرات:6.
23- القلم:11.
24- إحياء علوم الدين،
ج3، ص841.
25- إحياء علوم الدين،
ج3، ص841.
26- إحياء علوم الدين،
ج3، ص841.
27- إحياء علوم الدين،
ج3، ص841.
28- البقرة:72.
29- الشورى:24.
30- إحياء علوم الدين،
ج3، ص841.
31- إحياء علوم الدين،
ج3، ص841.
32- إحياء علوم الدين،
ج3، ص941.
33- إحياء علوم الدين،
ج3، 941.
34- الخصال، ج1، ص83،
ح81، وإحياء علوم الدين،
ج3، ص941.
35- إحياء علوم الدين،
ج3، ص051.
36- إحياء علوم الدين،
ج3، ص051.
37- إحياء علوم الدين،
ج3، ص051.
38- إحياء علوم الدين،
ج3، ص051.
39- الخصال، ج1، ص73،
ح61.
40- عقاب الأعمال، ص713،
ح3.
41- عقاب الأعمال، ص713،
ح4.
42- عقاب الأعمال، ص713،
ح5.
43- انظر نهج البلاغة،
ص725، حكمة 592.
44- إحياء علوم الدين،
ج3، ص051.
45- إحياء علوم الدين،
ج3، ص151.
46- الفلق:5.
47- تنبيه الخواطر، ج1،
ص621، وانظر جامع الأخبار،
ص681.
48- تنبيه الخواطر، ج1،
ص721.
49- إحياء علوم الدين،
ج3، ص771، وتنبيه الخواطر،
ج1، ص721.
50- انظر عدَّة الداعي،
ص822.
51- مصباح الشريعة، ص401.
52- تنبيه الخواطر، ج1،
ص621.
53- جامع الأخبار، ص681.
54- غرر الحكم، ص525 "لا
راحة لحسود".
55- إحياء علوم الدين،
ج3، ص871.
56- المطففين:62.
57- إحياء علوم الدين،
ج3، ص081.
58- إحياء علوم الدين،
ج3، ص081.
59- إحياء علوم الدين،
ج3، ص971.
60- الحديد:12.
61- آل عمران:811.
62- الزخرف:13.
63- يس:51.
64- المؤمنين:74.
65- المؤمنين:43.
66- الاسراء:49.
67- الأعراف:36.
68- الحجر:74.
69- آل عمران:96.
70- غرر الحكم، ص525.
71- جامع الأخبار، ص681.
72- إحياء علوم الدين،
ج3، ص681.
73- إحياء علوم الدين،
ج3، ص781.
74- فاطر:34.