أهل
العرفان
س 45: لماذا يتكلم أهل العرفان عادة بلغة رمزية؟
ج: العرفان بالإضافة إلى كونه كالعلوم الأخرى،
له مصطلحات خاصة به، فلغته لغة «الرمز»، وأهل العرفان قد بيّنوا معاني هذه الرموز
ومفاتيحها في كتبهم ومؤلفاتهم.
أنا أعتقد أن لهذه المسألة دليلين. الدليل الأول:
لم يأت في كلمات العرفاء ولم يشيروا إليه، لكنه حتما لم يكن عديم الأثر، وهو أن
الشعر والأدب، والفصاحة والبلاغة، وحلاوة البيان، كل هذه المسائل بحد ذاتها وسيلة
لإيصال المطلب أو الموضوع بشكل أفضل، مهما كان الموضوع، حتى في السياسة يكون عادة
جيدا،ً ولهذا الأمر، أي الشعر والأدب تأثير يفوق مئات الكتب. والقرآن الكريم استفاد
من هذا المعنى، فالإعجاز القرآني في الفصاحة والبلاغة وجمال اللغة وحلاوة البيان،
كلها كانت في خدمة الرسالة الإلهية، بمعنى أن القرآن جعل «الفن» الأدبي والإعجاز
وسيلة لخدمة هذه الرسالة السماوية، وهذا سبب جعل تأثير القرآن غير محصور بزمان أو
مكان محددين، بل دائم التألق والتجدد.
أهل العرفان أيضا، استفادوا من الجمال الأدبي من أجل رسالتهم العرفانية، فاستعملوا
التشبيه والتمثيل والكناية، واستفادوا من «الرمز» في أدبهم وأشعارهم، وهذا ما جعل
مطالبهم أجمل وأحلى من أن تكشف بلغة عادية، فالرمز أعطاها ذلك اللطف وتلك الحلاوة،
لذلك اختاروا هذه الوسيلة.
الدليل الثاني: أن هذه المعاني «العرفانية» في
الأصل ليس لها ألفاظ، وألفاظ البشر قاصرة عن أن تفيد تلك المعاني، بحيث لا يمكن فهم
أو درك هذه المعاني سوى من يدخل دنيا العرفان، ويعيش عالم العشق، وبتعبير العارفين
أنفسهم، إن العشق لا يقبل الشرح والبيان، إن لغة العشق ليست لغة بيانية:
قد قصرت لغة اللسان عن حديث العشق
أيها الساقي أدر الكأس وأقصر الحديث
هذه المعاني العرفانية لا يمكن بيانها بالكلام الصريح، هذا ما يعتقدونه، لذلك يجب
أن يقال فقط بالرمز، وأهل الطريقة والسلوك هم من يستطيعون فهم هذه المعاني وإدراكها،
والآخرون لا يمكنهم دخول حريم هذا الوادي أو إدراك معانيه، من هنا، ليس من لغة
عادية للتعبير عن مكنونات العرفان ومعانيه سوى اللغة الرمزية التي اختاروها، ومن
يعبّر بغير تلك اللغة فقد سلك طريق الضلال والخطأ. فهم يعتقدون أن طريقهم لا يمكن
طيه بقدم الفكر والعقل ولا يقرره بيان الفكر والعقل.1
1- عرفان حافظ، ص 56 - 57.
2016-01-20