عن مِثل هذا الرجُل أخبرتك
قصص تربوية
بينما المنصور بن أبي عامر في بعض غزواته، إذ وقف على نَشزٍ مِن الأرض مُرتفعٍ، فرأى جيوش المسلمين مِن بين يديه، ومِن خلفه،
عدد الزوار: 104
بينما المنصور بن أبي عامر في بعض غزواته، إذ وقف على نَشزٍ مِن الأرض مُرتفعٍ،
فرأى جيوش المسلمين مِن بين يديه، ومِن خلفه، وعن يمينه، وعن شماله قد ملؤوا السهل
والجَبل، فالتفت إلى مُقدَّم العسكر وهو رجل يُعرَف بابن المضجعي.
فقال له: كيف ترى هذا العسكر أيُّها الوزير؟
قال: أرى جمعاً كثيراً، وجيشاً واسعاً كبيراً.
فقال له المنصور: تُرى، هل يكون في هذا الجيش ألف مُقاتل مِن أهل الشجاعة والنجدة
والبَسالة؟
فسكت ابن المَضجعي.
فقال له المنصور: ما سكوتك؟! أليس في هذا الجيش ألف مُقاتل؟!
قال: لا.
فتعجَّب المنصور، ثمَّ قال: فهل فيهم خمسمئة مُقاتل مِن الأبطال المَعدودين؟
قال: لا.
فحَنَق المنصور، ثمَّ قال: أفيهم مِئة رجل من الأبطال؟
قال: لا.
قال: أفيهم خمسون رجُلاً مِن الأبطال؟
قال: لا.
فسبَّه المنصور، وأغلظ عليه وأمر به، فأُخرِج على أسوأ حالٍ، فلمَّا توسطَّوا بلاد
الورم، اجتمعت الروم وتصادف الجَمعان، فبرز عِلْجٌ مِن الروم بين الصَّفَّين شاكي
السلاح، وجعل يكرُّ ويفرُّ ويقول: هل مِن مُبارز؟!
فبرز إليه رجل مِن المسلمين فتجاولا ساعة، فقتله العِلْجُ؛ ففرِح المُشركون وصاحوا،
واضطرب المسلمون له. ثمَّ جعل العِلْج يموج بين الصَّفَّين ويُنادي: هل مِن مُبارز؟!
اثنين لواحد
فبرز إليه رجل مِن المسلمين، فتجاولا ساعة، فقتله العِلْج، وجعل يكرُّ ويحمل
ويُنادي ويقول: هل مِن مُبارز؟! ثلاثة لواحد!!
فبرز إليه رجل مِن المسلمين فقتله العِلْج، فصاح المُشركون وذَلَّ المسلمون، وكادت
أنْ تكون كَسرة.
فقيل للمنصور: ما لها إلاَّ ابن المضجعي، فبعث إليه، فحضر، فقال له المنصور: ألا
ترى ما صنع هذا العِلْج... منذ هذا اليوم.
فقال: لقد رأيته، فما الذي تُريد؟
قال: أنْ تكفي المسلمين شَرَّه.
قال: الآن يُكفى المسلمون شَرَّه، إنْ شاء الله تعالى.
ثمَّ قصد إلى رجال يعرفهم، فاستقبله رجل مِن أهل الثغور، على فرس قد تَهرَّت
أوراكها هَزالاً، وهو حامل قِربة ماء بين يديه على الفرس، والرجل في حليته ونفسه
غير مُتصنِّع.
فقال له ابن المضجعي: ألا ترى ما يصنع هذا العِلْج مُنذ اليوم؟!
قال: قد رأيته، فما الذي تُريد؟
... أنْ تكفي المسلمين شَرَّه؟
قال: حُبَّاً وكَرامة.
ثمَّ إنَّه وضع القِربة على الأرض، وبرز إليه غير مُكترث به، فتجاولا ساعة، فلم يرَ
الناس إلاَّ والمسلم خارجاً إليهم يركض، ولا يدرون ما هناك، وإذا برأس العِلْج يلعب
بها في يده، ثمَّ ألقى الرأس بين يدي المنصور.
فقال له ابن المضجعي: عن هؤلاء الرجال أخبرتك... ثم رد المنصور إلى ابن المضجعي
منزلته وأكرمه، ونصر الله جيوش المسلمين وعساكر الموحِّدين1.
1- الطفل، ج1.
2016-01-01