يتم التحميل...

حياة لقمان

وصايا لقمان الحكيم

لقمان الحكيم أحد أعظم الحكماء الحقيقيّين الّذين شهد القرآن الكريم بحكمتهم بتعبير صريح وبليغ قائلاً : «وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا لُقْمَـنَ الْحِكْمَةَ» ، وسرد بعض تعاليمه الحكمية للأجيال اللاّحقة . وهكذا فقد دعا الجميع إلى البحث عن حِكمه وتعلّمها .

عدد الزوار: 88

لقمان الحكيم أحد أعظم الحكماء الحقيقيّين الّذين شهد القرآن الكريم بحكمتهم بتعبير صريح وبليغ قائلاً : «وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا لُقْمَـنَ الْحِكْمَةَ» ، وسرد بعض تعاليمه الحكمية للأجيال اللاّحقة . وهكذا فقد دعا الجميع إلى البحث عن حِكمه وتعلّمها .

ومن المؤسف أنّه لا تتوفّر معلومات دقيقة عن حياة هذا الحكيم البارع ، ولكن يمكن استعراض معالم إجمالية عن حياته استنادا للبحث الشامل نسبيا الّذي اُجري في هذا المضمار :

أصله ونسبه
ذهب البعض إلى القول بأنّ لقمان هو ابن «ناحور بن تارح» ، بينما قال آخرون إنّه ابن «باعور بن تارح» ، وقال آخرون إنّه ابن «باعوراء» ، وقال آخرون إنّه ابن
ليان بن ناحور بن تارح» ، وقالت جماعة إنّه ابن «عنقاء بن سرون» ، بينما قال غيرهم إنّه ابن «عنقاء بن مربد» ، وقال آخرون إنّه ابن «عنقاء بن ثيرون» ، بينما قال غيرهم إنّه ابن «كوش بن سام بن نوح» .
ومن البديهي أنّ ترجيح أحد الأقوال على غيره ليس سهلاً ولا ضروريا ، ولكن يمكن القول بأنّ لقمان لم يكن ذا نسب معروف ، كما جاء في رواية عن الإمام الصادق عليه السلام قال فيها :
أما وَاللّه ِ ما اُوتِيَ لُقمانُ الحِكمَةَ بِحَسَبٍ ولا مالٍ ولا أهلٍ ولا بَسطٍ في جِسمٍ ولا جَمالٍ ...» .

عِرقُه وصفاته الظاهرية
يُعتبر لقمان من حيث الانتماء العنصري من العنصر الزنجي ، ومن المسلّم أنّه كان يفتقر إلى الجمال الظاهري ، كما يُلاحظ هذا في الرواية المعروضة آنفا . وقد ذكر الطبرسي قدس سرهفي مجمع البيان أنه :
«قيل للقمان : ما أقبح وجهك ! قال : تعتب على النقش أو على فاعل النقش» .
وأمّا ما ورد من أوصافه في بعض الأخبار الّتي صوّرته بأنّه «قصير أفطس» أو «أفطس الأنف» أو «مشقّق القدمين» أو «غليظ الشفتين» أو «غليظ المشافر ومصفّح القدمين» ، فليس ثمّة دليل قاطع عليها .

رِقّه
كان لقمان عبدا حبشيا ، واستنادا إلى رواية تنتهي إلى الإمام عليّ عليه السلام إنّه كان اول عبد اعتق على اثر مكاتبته مع مولاه :
أوّل من كاتب لقمان الحكيم ، وكان عبدا حبشيا» .
ولكن استنادا إلى ما ذكره الثعالبي وابن قُتيبة يُفهم ان لقمان كان عبدا حبشيا لرجلٍ من بني إسرائيل ، ثمّ أعتقه ومنحه مالاً . وقالوا : إنّ لقمان قد بيع أوّلاً بما قيمته ۳۰ مثقالاً أو ۵/۳۰ مثقالاً من الذهب .

تاريخ حياته
تاريخ حياة هذا الحكيم الإلهي غير واضحة على وجه الدقّة ، واستنادا إلى ما ذكره صاحب مروج الذهب فإنّه قد ولد في السنة العاشرة من حكم داوود عليه السلام وبقي على قيد الحياة إلى عهد النبي يونس عليه السلام . ولكن هناك أخبار اُخرى تفيد بأنّ لقمان كان في عهد النبيّ داوود عليه السلام شيخا كبيرا
. ويرى البعض أنّه كان يعيش في الفترة الممتدّة بين بعثة النبيّ عيسى عليه السلام والنبيّ محمّد صلى الله عليه و آله.
ويُستفاد من بعض الأخبار أنّ ذروة شهرة لقمان كانت مقارنة لعهد سلطنة «كيقباد» الّذي كان على رأس سلالة الكيانيين في إيران . وهناك رأي يقول بأنّ لقمان ولد في ما يقارب عام ۵۵۴ قبل الميلاد ، وبناءً على ذلك يمكن تخمين أنّه قد مرّت منذ حياة لقمان وحتّى الآن بين ۲۵۰۰ إلى ۳۰۰۰ سنة أكثر من ذلك .

موطنه
يستفاد من بعض الوثائق التاريخية أنّ بلاد الشام كانت هي المكان الّذي نشأ فيه لقمان وترعرع وعاش . ويرى البعض أنّ لقمان كان من أهل آسيا الصُغرى ، وأنّه قد ولد في قرية تُدعى «آموريوم» . وأشارت مصادر تاريخية اُخرى إلى أنّه كان من أهالي ايلة .

ويتبيّن من بعض الروايات أنّ لقمان قضى شطرا من عمره في الموصل وهي إحدى المدن المهمّة في شمال العراق .
والمدينة الاُخرى الّتي قيل بأنّها كانت موطنه في السنوات الأخيرة أو الأيّام الأخيرة من عمره هي مدينة الرملة .
عمله هناك أخبار شتّى أيضا حول العمل أو المهنة الّتي كان يمارسها لقمان ، حيث نُسب إليه أنّه كان يعمل خيّاطا ، ونجّارا ، وراعيا ، وحطّابا . وقال عنه آخرون إنّه كان نجّادا ، والنجّاد هو من يعالج البسط والفرش والوسائد ويخيّطها . ولكن جميع هذه الأخبار والأقوال لا تستند إلى دليل رصين .
وذُكِر في بعض الأخبار أنّه كان يزاول القضاء بين بني إسرائيل = ، لكن مثل هذه الأخبار تخالف الروايات الّتي تعتبر منشأ حِكمَة لقمان رفضه للقضاء .
ويعتقد بعض الباحثين بأنّ هناك وثائق معتبرة تدلّ على أنّ لقمان كان يتّقن
إضافة إلى ما كان يتّصف به من الحكمة ـ الطبابة ومعرفة الأمراض .

نقش خاتمه
نقل الغزالي في إحياء علوم الدين بأنّ خاتم لقمان كان منقوشا عليه هذه الجملة:
«الستر لما عافيت أحسن من إذاعة ما ظننت» .

تلاميذه
ذكر حمد اللّه المستوفي في كتابه تاريخ گزيده أنّ فيثاغورث الحكيم اليوناني الّذي ينحدر من أصل لبناني ، وجاماسب حكيم بلاد فارس القديمة ، كانا من تلاميذ لقمان الحكيم .
وقال أيضا بأنّ انباذقلس الحكيم اليوناني المعروف تعلّم الحكمة من لقمان في بلاد الشام ونقلها إلى اليونان .
وقال البعض بأنّ لقمان بن عاد الّذي كان يعيش في زمن النبيّ هود عليه السلام ، كان هو الآخر من تلاميذ لقمان . يقول المحدّث القمّي :
قيل إنّ بطليموس كان تلميذ جالينوس ، وجالينوس تلميذ بليناس ، وبليناس تلميذ أرسطو ، وأرسطو تلميذ أفلاطون ، وأفلاطون تلميذ سقراط ، وسقراط تلميذ بقراط ، وبقراط تلميذ جاماسب ، وجاماسب أخو كشتاسب وهو من تلامذة لقمان الحكيم مثل فيثاغورث الحكيم المشهور .

طول عمره
هناك أخبار متضاربة أيضا حول طول عمر لقمان ، ففي بعضها أنّه عمّر
مئتي سنة ، بينما ذكرت أخبار اخرى أنّ عمره كان ألف سنة . وقد ورد في كتاب كليات سعدي :
«لم يعمّر أحد من بني آدم كعمر لقمان ، إذ أنّه عاش ثلاثة آلاف سنة ، وعندما حان أجله وجاءه ملك الموت وجده جالسا بين القصب يحوك زنبيلاً ، فقال له : يا لقمان لقد عمّرت ۳۰۰۰ سنة فلماذا لم تبنِ لنفسك دارا ؟
قال : مغفَّل من تكون لديه جرأة على بناء دار وأنت تطلبه» .
وجاء في خبر آخر أنّ لقمان عاش ۳۵۰۰ سنة . وذهب آخر إلى ما هو أبعد من ذلك حين قال : «ان لقمان وعظ ابنه عشت أربعة آلاف سنة ، وخدمة أربعة آلاف نبيّا ...» .
ولابدّ من القول بأنّه ليس ثمّة دليل قاطع يثبت صحّة أيّاً من هذه الأقوال ، كما إنّه لا دليل ينفيها . ولكن لعلّه من الممكن إثبات طول عمره من خلال مجموع هذه الأخبار مضافا للوارد في بعض الروايات.

مرقده
ذكرت المصادر التاريخية عدّة مواضع لمدفن لقمان . وقال بعض المؤرّخين إنّه مدفون في أيلة ، وقال آخرون إنّ ضريحه يقع في مدينة الرملة ، وذكر بعض الرحّالة في كتب رحلاتهم عن زيارتهم لقبر لقمان في مدينة الاسكندرية الواقعة في شمال مصر . وجاء في كتاب معجم البلدان ما يلي :
«وفي شرقي بحيرة طبرية قبر لقمان الحكيم وابنه ، وله باليمن قبر ، واللّه أعلم بالصحيح منهما» .

هل كان لقمان نبيّا؟
نُسب إلى عدد من العلماء أنّهم يعتبرون لقمان نبيّا ، ولكن ورد في تفسير الثعلبي ما يلي :
اتّفق العلماء على أنّه كان حكيما ولم يكن نبيّا ، إلاّ عكرمة فإنّه قال : كان لقمان نبيّا ، تفرّد بهذا القول».
أمّا الطبرسي قدس سره فقد قال في مجمع البيان ما يلي :
اختُلف في لقمان ، فقيل : إنّه كان حكيما ولم يكن نبيّا ، عن ابن عبّاس ومجاهد وقتادة وأكثر المفسّرين ، وقيل : إنّه كان نبيّا ، عن عكرمة والسدي والشعبي» .
والروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام تنفي نبوّة لقمان صراحة ، كما نُقل عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه قال :
«حقّا أقول : لم يكن لقمان نبيّا ...» .
تجدر الإشارة إلى أنّه إن كان مراد القائلين بنبوّته ، هو النبوّة الإنبائية أمكن التوفيق بين رأيهم وبين ما ورد في الروايات .

سِرّ نيل لقمان الحكمة
آخر وأهمّ ملاحظة في حياة لقمان ، وأكثرها بعدا تربويّا ، هي السرّ الكامن وراء نيله الحكمة . ويمكن القول بعبارة اُخرى ما الّذي فعله لقمان في حياته فمنّ اللّه عليه بنعمةِ الحكمة ؟ فلو كُشف عن هذا السرّ لغدا بميسور الآخرين أيضا أن يُسخّروا طاقاتهم وجهودهم لنيل نور الحكمة .
وتتلخّص الإجابة الاجمالية عن هذا السؤال في أنّ لنور الحكمة ـ وفقا لمقتضيات السنّة الإلهية ـ مبادِئه الخاصّة ، وأهمّ هذه المبادئ هو : الإيمان ، والإخلاص ، والعمل الصالح ، والزهد ، وأكل الحلال . ومِن ألمَع الأقوال الجامعة لمبادئ الحكمة ، قول منسوب إلى امام الحكماء عليّ عليه السلام يقول فيه :
«مَن أخلَصَ للّه ِِ أربَعينَ صَباحا ، يَأكُلُ الحَلالَ ، صائِما نَهارَهُ ، قائِما لَيلَهُ ، أجرَى اللّه ُ سُبحانَهُ يَنابيعَ الحِكمَةِ مِن قَلبِهِ عَلى لِسانِهِ» .
أمّا الإجابة التفصيلية عن التساؤل الآنف ذكره بشأن لقمان ، فقد اُشير في روايات مختلفة إلى اُمور متعدّدة من مبادئ الحكمة ، كالّذي ورد في الحديث النبويّ الشريف :
«حَقّا أقولُ : لَم يَكُن لُقمانُ نَبِيّا ولكِن كانَ عَبدا كَثيرَ التَّفَكُّرِ ، حَسَنَ الَيقينِ أحَبَّ اللّه َ فَأَحَبَّهُ وَ مَنَّ عَلَيهِ بِالحِكمَةِ» .
وجاء في رواية اُخرى :
«وَقَفَ رَجُلٌ على لُقمانَ الحَكيمِ فَقالَ : أنتَ لُقمانُ أنتَ عَبدُ بَني النَّحّاسِ ؟
قالَ : نَعَم .
قالَ : فَأَنتَ راعِي الغَنَمِ الأَسوَدُ؟
قالَ : أمّا سَوادي فَظاهِرٌ ، فَمَا الَّذي يُعجِبُكَ مِن أمري ؟
قالَ : وَط ءُ النّاسِ بِساطَكَ ، وغَشيُهُم بابَكَ ، ورِضاهُم بِقَولِكَ .
قالَ : يَا ابنَ أخي ، إن صَنَعتَ ما أقولُ لَكَ كُنتَ كَذلِكَ .
قالَ : ما هُوَ ؟
قالَ لُقمانُ : غَضّي بَصَري ، وكَفّي لِساني ، وعِفَّةُ مَطعَمي ، وحِفظي فَرجي ، وقِيامي بِعُدَّتي ، ووَفائي بِعَهدي ، وَتكرِمَتي ضَيفي ، وحِفظي جاري ، وتَركي ما لا يَعنيني ، فَذاك الَّذي صَيَّرَني كَما تَرى» .
ونقرأ في نقلٍ آخر :
«قيلَ لِلُقمانَ : ألَستَ عَبدَ آلِ فُلانٍ ؟
قالَ : بَلى .
قيلَ : فَما بَلَغَ بِكَ ما نَرى ؟
قالَ : صِدقُ الحَديثِ ، وأداءُ الأَمانَةِ ، وتَركُ ما لا يَعنيني ، وغَضُّ بَصَري ، وكَفُّ لِساني ، وعِفَّةُ طُعمَتي ، فَمَن نَقَصَ عَن هذا فَهُوَ دوني ، ومَن زادَ عَلَيهِ فَهُوَ فَوقي ، ومَن عَمِلَهُ فَهُوَ مِثلي» .
وجاء في رواية اُخرى :
إنَّ رَجُلاً مَرَّ بِلُقمانَ عليه السلام وَالنّاسُ عِندَهُ ، فَقالَ : ألَستَ عَبدَ بَني فُلانٍ ؟
قالَ : بَلى .
قالَ : الَّذي كُنتَ تَرعى عِندَ جَبَلٍ كَذا وكَذَا ؟
قالَ : بَلى .
قالَ : مَا الَّذي بَلَغَ بِكَ ما أرى ؟
قالَ : صِدقُ الحَديثِ ، وطولُ السُّكوتِ عَمَّا لا يَعنيني» .
وقال قطب الدين الراوندي في كتاب لبّ اللباب :
«إنَّ لُقمانَ رَأى رُقعَةً فيها بِسمِ اللّه ِ ، فَرَفَعَها وأكَلَها ، فَأَكرَمَهُ بِالحِكمَةِ» .
واجمع كلمة تضمنت اسباب نيل لقمان للحكمة ، هي ما قاله الصادق عليه السلام :
«أما وَاللّه ِ ما اُوتِيَ لُقمانُ الحِكمَةَ بِحَسَبٍ ولا مالٍ ولا أهلٍ ولا بَسطٍ في جِسمٍ ولا جَمالٍ ، ولكِنَّهُ كانَ رَجُلاً قَوِيّا في أمرِ اللّه ِ ، مُتَوَرِّعا فِي اللّه ِ ، ساكِتا ، سَكينا ، عَميقَ النَّظَرِ ، طَويلَ الفِكرِ ، حَديدَ النَّظَرِ ، مُستعبرا بِالعِبَرِ ، لَم يَنَم نَهارا قَطُّ . ولَم يَرَهُ أحَدٌ مِنَ النّاسِ عَلى بَولٍ ولا غائِطٍ ولاَ اغتِسالٍ ؛ لِشِدَّةِ تَسَتُّرِهِ وعُمقِ نَظَرِهِ وتَحَفُّظِهِ في أمرِهِ.
ولَم يَضحَك مِن شَيءٍ قَطُّ ؛ مَخافَةَ الإِثمِ ، ولَم يَغضَب قَطُّ ، ولَم يُمازِح إنسانا قَطُّ ، ولَم يَفرَح بِشَيءٍ إن أتاهُ مِن أمرِ الدُّنيا ، ولا حَزِنَ مِنها عَلى شَيءٍ قَطُّ .
وَقَد نَكَحَ مِنَ النِّساءِ ووُلِدَ لَهُ الأَولادُ الكَثيرَةُ ، وقَدَّمَ أكثَرَهُم إفراطا ، فَما بَكى عَلى مَوتِ أحَدٍ مِنهُم . وَلَم يَمُرَّ بِرَجُلَينِ يَختَصِمانِ أو يَقتَتِلانِ إلاّ أصلَحَ بَينَهُما ، ولم يَمضِ عَنهُما حَتّى يَحابّا ، ولَم يَسمَع قَولاً قَطُّ
مِن أحَدٍ استَحسَنَهُ إلاّ سَأَلَ عَن تَفسيرِهِ وعَمَّن أخَذَهُ . وكانَ يُكثِرُ مُجالَسَةَ الفُقَهاءِ وَ الحُكَماءِ ، وكانَ يَغشَى القُضاةَ وَالمُلوكَ وَالسَّلاطينَ، فَيَرثي لِلقُضاةِ مِمَّا ابتُلوا بِهِ ، ويَرحَمُ المُلوكَ وَالسَّلاطينَ لِغِرَّتِهِم بِاللّه ِ وطُمَأنينَتِهِم في ذلِكَ ، ويَعتَبِرُ ويَتَعَلَّمُ ، ما يَغلِبُ بِهِ نَفسَهُ ، ويُجاهِدُ بِهِ هَواهُ ، ويَحتَرِزُ بِهِ مِنَ الشَّيطانِ ، فَكانَ يُداوي قَلبَهُ بِالفِكرِ ويُداوي نَفسَهُ بِالعِبَرِ ، وكانَ لا يَظعَنُ إلاّ فيما يَنفَعُهُ .
فَبِذلِكَ اُوتِيَ الحِكمَةَ ومُنِحَ العِصمَةَ» .
تجدر الإشارة إلى أنّ هذه الروايات لا اختلاف ولا تعارض بينها ؛ وذلك لأنّ كلّ واحدة منها تشير إلى جوانب من مبادئ الحكمة الحقيقية الّتي اُعطيها لقمان .
وبعبارة اُخرى لكلّ هذه الخطوات دورها وتأثيرها في انبثاق نور الحكمة الّتي حباها اللّه عزّوجلّ للقمان .

أمثال لقمان في الاُمّة الإسلامية
تفيد البحوث الّتي اُجريت في هذا المضمار بأنّ ثلاثة من بين أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأهل بيته يضاهون لقمان في حكمته ، وهؤلاء الثلاثة هم :

1- سلمان
وردت في هذا الصدد رواية عن الإمام الصادق عليه السلام قال فيها : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله ذات يوم لأصحابه :
أيُّكُم يَصومُ الدَّهرَ ؟
فَقالَ سَلمانُ رحمه الله : أنَا يا رَسولَ اللّه ِ .
فَقالَ رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : فَأَيُّكُم يُحيِي اللَّيلَ ؟
فَقالَ سَلمانُ : أنَا يا رَسولَ اللّه ِ .
قالَ فَأَيُّكُم يَختِمُ القُرآنَ في كُلِّ يَومٍ ؟
فَقالَ سَلمانُ : أنَا يا رَسولَ اللّه ِ .
فَغَضِبَ بَعضُ أصحابِهِ فَقالَ : يا رَسولَ اللّه ِ ، إنَّ سَلمانَ رَجُلٌ مِنَ الفُرسِ يُريدُ أن يَفتَخِرَ عَلَينا مَعاشِرَ قُرَيشٍ ؛ قُلتَ أيُّكُم يَصومُ الدَّهرَ ؟ فَقالَ : أنَا وهُوَ أكثَرَ أيّامِهِ يَأكُلُ! وقُلتَ : أيُّكُم يُحيِي اللَّيلَ ؟ فَقالَ أنَا وهُوَ أكثَرَ لَيلَتِهِ نائِمٌ! وقُلتَ : أيُّكُم يَختِمُ القُرآنَ في كُلِّ يَومٍ ؟ فَقالَ : أنا وهُوَ أكثَرَ نَهارِهِ صامِتٌ!!
فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : مَه يا فُلانُ ، أنّى لَكَ بِمِثلِ لُقمانَ الحَكيمِ سَلهُ فَإنَّهُ يُنَبِّئُكَ .
فَقالَ الرَّجُلُ لِسَلمانَ : يا أبا عَبدِ اللّه ِ ، ألَيسَ زَعَمتَ أنَّكَ تَصومُ الدَّهرَ ؟
فَقالَ : نَعَم .
فَقالَ : رَأَيتُكَ في أكثَرِ نَهارِكَ تَأكُلُ!
فَقالَ : لَيسَ حَيثُ تَذهَبُ إنّي أصومُ الثَّلاثَةَ فِي الشَّهرِ ، قالَ اللّه ُ عَزَّوجَلَّ : «مَن جَآءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا» ، وأصِلُ شَعبانَ بِشَهرِ رَمَضانَ فَذلِكَ صَومُ الدَّهرِ .
فَقالَ : ألَيسَ زَعَمتَ أنَّكَ تُحيِي اللَّيلَ ؟
فَقالَ : نعم.
فقال: أنت أكثر ليلتك نائم! فقال ليس حيث تذهب ، ولكنّي سمعت حبيبي رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : مَن باتَ عَلى طُهرٍ فَكَأَنَّما أحيَا اللَّيلَ
كُلَّهُ ، فَأَنَا أبيتُ عَلى طُهرٍ .
فَقالَ : ألَيسَ زَعَمتَ أنَّكَ تَختِمُ القُرآنَ في كُلِّ يَومٍ ؟
قالَ : نَعَم .
قالَ فَأَنتَ أكثَرَ أيّامِكَ صامِتٌ!
فَقالَ : لَيسَ حَيثُ تَذهَبُ ، ولَكِنّي سَمِعتُ حَبيبي رَسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله يَقولُ لِعَلِيٍّ عليه السلام : يا أبَا الحَسَنِ ، مَثَلُكَ في اُمَّتي مَثَلُ سورة التوحيد «قُل هُوَ اللّه ُ أَحدٌ» فَمَن قَرَأَها مَرَّةً قَرَأَ ثُلُثَ القُرآنِ ، ومَن قَرَأَها مَرَّتَينِ فَقَد قَرَأ ثُلُثَي القُرآنِ ، ومَن قَرَأَها ثَلاثا فَقَد خَتَمَ القُرآنَ ، فَمَن أحَبَّكَ بِلِسانِهِ فَقَد كَمَلَ لَهُ ثُلُثُ الإِيمانِ ، ومَن أحَبَّكَ بِلِسانِهِ وقَلبِهِ فَقَد كَمَلَ لَهُ ثُلُثَا الإِيمانِ ، ومَن أحَبَّكَ بِلِسانِهِ وقَلبِهِ ونَصَرَكَ بِيَدِهِ فَقَدِ استَكمَلَ الإِيمانَ ، وَالَّذِي بَعَثَني بِالحَقِّ يا عَلِيُ لَو أحَبَّكَ أهلُ الأَرضِ كَمَحَبَّةِ أهلِ السَّماءِ لَكَ لَما عُذِّبَ أحَدٌ بِالنّارِ ، وأنَا أقرَأَ «قُل هُوَ اللّه ُ أحدٌ» في كُلِّ يَومٍ ثَلاثَ مَرّاتٍ .
فَقامَ وكَأَنَّهُ قَد اُلقِمَ حَجَرا .
وروي عن الامام عليّ عليه السلام أنّه قال في وصف سلمان :
مَن لَكُم بِمِثلِ لُقمانَ الحَكيمِ ، وذلِكَ امرُو مِنّا أهلَ البَيتِ ، أدرَكَ العِلمَ الأَوَّلَ وأدرَكَ العِلمَ الآخِرَ ، وقَرَأَ الكِتابَ الأَوَّلَ وقَرَأَ الكِتابَ الآخِرَ ، بَحرٌ لا يُنزَفُ» .
وبالتأمّل في هذه الرواية يمكن القول بأنّ المراد من الرواية التي تشبّه سلمان
بلقمان هو أنّه مساوٍ له في الحكمة ، وإلاّ فلا يُستبعد أن يكون سلمان أرجح من لقمان في الفضل ، كما صرّحت بذلك رواية منقولة عن الإمام الصادق عليه السلام قال فيها :
«سَلمانُ خَيرٌ مِن لُقمانَ» .

2- أبو حمزة الثمالي ثابت بن دينار

3- يونس بن عبد الرحمن
الحكيمان الآخران اللذان وصفا في روايات أهل البيت بأنّهما يضاهيان لقمان في الحكمة ، هما : أبو حمزة الثمالي ، ويونس بن عبد الرحمن .
يقول الفضل بن شاذان في هذا الصدد : «سَمِعتُ الثِّقَةَ، يَقولُ : سَمِعتُ الرِّضا عليه السلام يَقولُ : أبو حَمزَةَ الثُّمالِيُّ في زَمانِهِ كَلُقمانَ في زَمانِهِ ، وذلِكَ أنَّهُ قَدِمَ أربَعَةً مِنّا : عَلِيَّ بنَ الحُسَينِ ، ومُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ ، وجَعفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ ، وبُرهَةً مِن عَصرِ موسَى بنِ جَعفَرٍ عليه السلام . ويونُسُ بنُ عَبدِ الرَّحمنِ كَذلِكَ هُوَ سَلمانُ في زَمانِهِ» .


* كتاب حكم لفمان / العلامة الريشهري.

2015-12-20