يتم التحميل...

أكل الحرام

زاد عاشوراء

إنّ المراقب لتصرّفات النّاس وأساليب حياتهم يستطيع ببساطة أن يلحظ تلك الغفلة التي يغرق فيها أغلبهم عن حقيقة عظيمة من حقائق وجودهم، وهي تكوّنهم من روح ونفس إضافة إلى الجسد، فتراهم يستغرقون في البعد الماديّ لوجودهم ألا وهو الجسد فيحرصون عليه،

عدد الزوار: 92

عن أمير المؤمنين عليه السلام: "بئس الطعام الحرام"1.

إنّ المراقب لتصرّفات النّاس وأساليب حياتهم يستطيع ببساطة أن يلحظ تلك الغفلة التي يغرق فيها أغلبهم عن حقيقة عظيمة من حقائق وجودهم، وهي تكوّنهم من روح ونفس إضافة إلى الجسد، فتراهم يستغرقون في البعد الماديّ لوجودهم ألا وهو الجسد فيحرصون عليه، وهو الفاني، فيما يلقون أرواحهم خلف جدران سميكة من الإهمال والنسيان كإخوة يوسف ألقوا ذلك البعد الملكوتيّ في غيابة جبّ الجسد والمادّة.

فكم يعمدون، كما في هذه الأيّام، إلى نيل شهوات ولذائذ جسديّة حيوانيّة ويعملون على حماية الجسد وحفظه وتجميله فيلجأون إلى الأطبّاء لمجرّد الشكّ في طروء المرض أو الضعف على أجسادهم، وبالخلاصة فغالب أناس هذا الزمن يبتعدون غالباً عن كلّ ما يحتمل أن يؤذي الجسد أو يضرّ بنظافته أو جماله ويمارسون لأجل ذلك أنواعاً مرهقة ومجهدة من الحمية والتمارين الرياضيّة إضافة إلى بذل الأثمان الباهظة لقاء الحصول على مساحيق التجميل.

لكن هل فكّرنا يوماً بما يشوّه جمال أرواحنا، ويضعف النفوس، ويمرضها؟! هل سألنا ما هي الأمور التي إن تعاطيناها أدّت إلى مرض النّفوس والقلوب ولوّثتها؟

نعم هناك أمور كثيرة تسقم القلوب، وتمرض النّفوس وتلوّثها وتضعفه، ومن أهمّ ذلك أكل المال الحرام.

تأثير أكل الحرام:

قبل الكلام في تأثير أكل المال الحرام على الروح والنفس، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ أكل الحرام يشمل كلّ طعام حرّم الله تعالى علينا أن ندخله إلى بطونن، فتارة يكون بنفسه محرّماً كالميتة والخنزير والشراب المسكر كالخمر وغيره، وأخرى لعروض أمر على ما هو حلال بأصله لكن بسبب اتّصافه بوصف ما كالمتنجس قبل تطهيره، أو تحصيله بطريقة غير شرعيّة حيث يتّصف بكونه مغصوباً، ليصدق عليه عنوان أكل مال النّاس بغير حقّ.

وأمّا عن تأثيره في الإنسان فقد جاء عن الإمام عليّ عليه السلام: "بئس الطعام الحرام" فمن آثار أكل الحرام:

1- مرض القلوب وقسوتها:
ومنه نستفيد أنّ أسوأ ما يمكن أن يأكله الإنسان هو الحرام من الطعام، ويمكن لنا القول: إنّه كما يؤثّر في الجسد أكل الطعام الفاسد فيؤدّي إلى التسمّم وأعراضه من ارتفاع الحرارة والغثيان، كذلك أكل الحرام يؤثّر في النّفس والروح والقلب فيؤدّي إلى مرض القلب وتراكم الرّين عليه بما يضعف بصيرته لكونه مصداقاً لقوله تعالى: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ2.

وقد يؤدّي إلى قساوة القلب فلا يعود الإنسان صاحب القلب القاسي يتأثّر بالموعظة والهداية ويفقد صفة الرحمة خصوصاً مع إدمان أكل الحرام.

2- إصابة الذرّيّة:
بل إنّ مؤثّريّة أكل المال الحرام لا تقتصر على الشخص الآكل للحرام بل تمتدّ لتصيب الذرّيّة، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "كسب الحرام يبين في الذرّيّة"3.

3- أكل الحرام أكل للنّار:
ولأكل مال الحرام صورة ملكوتيّة أو على الأقلّ برزخيّة إذ إنّ الإنسان الذي يأكل المال الحرام في نفس الوقت وفي الواقع يأكل ناراً إلّا أنّه لا يشعر بها نتيجة انغماسه في الدّنيا ولذائذها وغفلته عن الآخرة وحقائقه، فعن أبي عبد الله عليه السلام: "من أكل من مال أخيه ظلماً ولم يردّه إليه أكل جذوة من النّار يوم القيامة"4.

وقال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرً5.

4- لا بركة فيه ولا أجر على إنفاقه:
إنّ من آثار الطعام إنبات اللحم وتقوية الجسم وغير ذلك فعندما يكون ذلك على الحرام فمعنى ذلك أنّ لإبليس وجنوده حصّة في أجسادنا وممرّاً إلى نفوسن، وهذا يؤدّي إلى سطوته علينا وسهولة استدراجه لنا إلى حبائله ومكائده فسيدرجنا من حرام إلى حرام، وهذا معنى كونه غير مبارك، قال أبو الحسن عليه السلام لأحد أصحابه: "يا داود، إنّ الحرام وإن نما لم يبارك له وفيه، وما أنفقه لم يؤجر عليه، وما خلّفه كان زاده إلى النّار"6 فضلاً عن كونه ما دام في جسده ومعه وعنده موجباً للعن الله والملائكة ككلّ مغصوب.

5- عدم التوفيق للطاعات والمكرمات:
فيما روي أنّ من صفات المحتشدين في مواجهة الإمام الحسين عليه السلام مع جيش ابن سعد وفي الذين تخلّفوا كذلك عن نصرته أنّهم مُلئت بطونهم حراماً.

وهذا كافٍ لنعرف أنّ أكل المال الحرام قد يمنع الإنسان من نصرة الحقّ بل خذلانه وربّما نصرة الباطل والكون في زمرة قتلة أبناء الأنبياء عليهم السلام.

خاتمة:

قال الله تعالى: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورً7 هذه الآية آتية لتؤكّد ما قلناه من أنّ الإنسان الذي يجمع ماله من حرام ولو فعل أفعال البرّ فحجّ وزار وصام وصلّى وتصدّق فإنّ عمله سيكون هباءً منثوراً لن يجده شيئ، والأسوأ من ذلك أنّه قد يكون أطعم من ماله وسقى وأسكن وألبس منه وأنفقه على زوجته وأبنائه، فعندما ينكشف لهم يوم القيامة أنّ مسكنهم كان من حرام ومأكلهم من حرام ومشربهم من حرام وملبسهم من حرام سيصبحون ألدّ أعداء هذا الرجل وسيكونون ناقمين عليه وسيكونون من الشاكين منه وعليه، ويطلبون من الله أن يزيد في عذابه، والأشدّ من ذلك أن يرث ماله من يحسن إلى أهل الفاقة وينفقه في وجوه الطاعة والبرّ فيدخل الجاني للمال النّار بسببه، ويدخل الوارث الجنّة بسبب إنفاقه في البرّ والإحسان ويا لها حينها من حسرة.

* كتاب زاد عاشوراء، إعداد معهد سيد الشهداء للمنبر الحسيني، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- نهج البلاغة الوصيّة رقم 31، من وصيته لولده الإمام الحسن عليهما السلام.
2- سورة المطفّفين، الآية 14.
3- الكافي، ج 5، ص 125.
4- الكافي، ج 2، ص 333.
5- سورة النساء، الآية 10.
6- الكافي، ج 5، ص 125.
7- سورة الفرقان، الآية 23.

2015-10-27