لا تركنوا إلى ظالم
زاد عاشوراء
إنّما يتمّ امتحان النّفوس لتتمايز الحرّة منها والأبيّة من الخانعة والخاضعة عندما ينتشر الظلم ويعمّ الفساد ويتجبّر الحكّام ويشتدّ طغيانهم، فحينها نجد أقواماً يتلاشون ويذوبون في آلة الظلم أعواناً وأدوات ونجد آخرين ينزحون من طريق الظالم فلا يعود أمامه معوّقات
عدد الزوار: 113
قال الله تعالى: ﴿وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ
النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ﴾1.
إنّما يتمّ امتحان النّفوس لتتمايز الحرّة منها والأبيّة من الخانعة والخاضعة عندما
ينتشر الظلم ويعمّ الفساد ويتجبّر الحكّام ويشتدّ طغيانهم، فحينها نجد أقواماً
يتلاشون ويذوبون في آلة الظلم أعواناً وأدوات ونجد آخرين ينزحون من طريق الظالم فلا
يعود أمامه معوّقات، فيما نجد آخرين يثبتون على المبادئ غير عابئين بالضّرر والأذى
والمعاناة التي تلحق بهم، ويحتسبون كلّ ذلك عند الله متمثلين قوله تعالى: ﴿وَمَا
لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ
عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾2.
حرمة الركون إلى الظالمين:
ثمّة آية معروفة في كتاب الله تتحدّث عن صفة من صفات أهل الإيمان وخلّة من خللهم
والتي تشكّل علامة فارقة لهم عن غيرهم، ألا وهي الثبات على الحقّ وعدم ممالأة
الظالم أو الركون إليه، وهي قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ
ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء
ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ﴾3.
يرى أهل التفسير أنّ المراد بالركون هو السكون إلى الشيء... والذي منه الرضا بما
عليه الظلمة من ظلم واضطهاد، وربّما تشير إلى أنّ هؤلاء ربّما يقومون بتزيين عمل
الظالمين وتسويغ مواقفهم وترويج سياساتهم، وأيضاً يشاركون الظالمين في إدارة رحى
ظلمهم على النّاس، وربّما يراد كذلك أنّ هؤلاء يقومون بمداهنة الظالمين قولاً وفعلاً
فلا ينكرون عليهم ظلمهم ليصبحوا عمليّاً من المشاركين في ظلمهم إذا ما تحقّق فهم
الرضا بفعل الظالمين.
فالآية آتية للتحذير من ذلك كلّه، بل جاءت لتحرّم أدنى أنواع الميل للظالمين ولو
كان بالشيء القليل اليسير فالإسلام يريد أن يحمل المسلم والمؤمن في شخصيّته روح
الإباء للظلم والرفض للطغيان. فالمطلوب دائماً من المؤمنين الوقوف مع المظلوم بوجه
الظالم دفاعاً عن حقوقه، والمطلوب مقاومة الظالم والإنكار عليه والثورة على ظلمه لا
الموافقة له وتكثير الجمع حوله وإضعاف حالات المعارضة له من خلال خذلان الحقّ
والتخذيل عنه.
لماذا يحرم الركون للظالم:
إنّ للركون للظالم مفاسد كثيرة غير خافية على ذي لبّ، فهي تؤدّي إلى انقلاب
المفاهيم والقيم بحيث يصبح القبيح جميلاً والجميل قبيحاً، وكذلك تغري الظالم
بالمزيد من الظلم وتيسّر له اندفاعته في هتك الحرمات ودوس الكرامات فالإقرار للظالم
بشرعيّة ظلمه وبحقّه في الحكم يغريه بالزيادة، إضافة إلى إشاعة حالات الجبن والقعود
والتخاذل، فضلاً عن إيجاب سوء ظنّ النّاس بالدّين وبمبادئه وقيمه، ولعلّه لذلك جاءت
عبارات الإمام الحسين عليه السلام: "... ويزيد رجل فاسق شارب الخمر قاتل النفس
المحترمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله"4 ولذا كان بنظر الحسين عليه السلام
النهوض بوجه الظالم جهاداً ولو أدّى إلى الشهادة.
عاقبة الركون للظالمين:
لأنّ الركون للظالمين على هذا المستوى من الخطر الذي يؤدّي إلى المسخ الثقافيّ
والقيميّ لمجتمع المؤمنين ولأفراد هذا المجتمع فضلاً عن كونه مخالفة صريحة لما جاء
من نهي الله عنه، فإنّ ما رتبه الله المتعالي على ارتكانه هو العذاب والعذاب في
النّار بقوله: ﴿فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾.
حيث إنّ المرتكب لهذا الأمر قد خالف صريح أوامر الله ونواهيه، فبدل محاربة الظالم
ونصرة المظلوم، تراه شارك في ظلم الظالم وأعانه على ظلمه.
وربّما أشار بعض المفسّرين إلى أنّه من عواقب الركون إلى الظالمين، أنّ من يركن
إليهم قد لا يسلم من ظلمهم وسياط بطشهم، فما المانع حينها أن يتعدّى الظالم بظلمه
إلى من ركنوا إليه واستقووا به وزيّنوا له ظلمه وأَغرَوه بالمزيد، وخذلوا النّاس عن
الوثوب للثورة عليه؟
فنار ظلم الظالم إذا ما اشتدّ أوارها لا يُضمن ألّا تتعدّى إلى جوارها وأوائل
المحترقين بنيران الظالمين أولئك المزينين للظالم ظلمه المروّجين لسياساته
والضاربين ظهور المستضعفين بسياط جبروته. بل إنّ مجرّد الرضا بفعل الظالم تجعلنا
شركاء في ظلمه وبالتالي شركاء في عقوبته.
خاتمة:
كما جاء في الحديث الشريف: "الراضي بفعل قوم كالدّاخل فيه معهم"5.
لقد ضرب الإمام الحسين عليه السلام نموذج التعاطي مع الحاكم الظالم ونموذج التعاطي
مع استغاثات المظلومين، فأجاب أهل العراق وبالخصوص أهل الكوفة الذين استنصروه على
طاغية عصرهم، فحمل أهله وخيرة أصحابه وهب مجيباً استغاثاتهم عازماً على العمل على
النهوض ليغير على الحاكم الظالم حتّى لا يكون من الداخلين.
مداخل الظالمين:
كما جاء في الرواية عن الإمام الحسين عليه السلام عن جدّه رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم: "من رأى سلطانا جائراً مستحلّاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً
لسنّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، ثمّ لم يغيِّر بقول ولا فعل،
كان حقيقاً على الله أن يدخله مدخله"6.
* كتاب زاد عاشوراء، إعداد معهد سيد الشهداء للمنبر الحسيني، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- سورة هود، الآية 113
2- سورة إبراهيم، الآية 12.
3- سورة هود، الآية 113
4- بحار الأنوار، ج 44 ص 325.
5- نهج البلاغة، الموعظة رقم 154.
6- بحار الأنوار، ج 44 ص 382.