يتم التحميل...

لا لثقافة سوء الظنّ

زاد عاشوراء

من الآفات المنتشرة بين النّاس ضعف ثقة بعضهم بالبعض الآخر، ولعلّ ذلك لكثرة ما يرونه من خيانة بعضهم للبعض الآخر وعدم رعاية حقوق الصداقة والقرابة والجوار والزمالة وحتّى الإيمان، وهذا كلّه أوجد ويوجد حالة من حاكميّة سوء الظنّ على مشاعر النّاس

عدد الزوار: 129

قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ1.

دع أكثر الظنّ

من الآفات المنتشرة بين النّاس ضعف ثقة بعضهم بالبعض الآخر، ولعلّ ذلك لكثرة ما يرونه من خيانة بعضهم للبعض الآخر وعدم رعاية حقوق الصداقة والقرابة والجوار والزمالة وحتّى الإيمان، وهذا كلّه أوجد ويوجد حالة من حاكميّة سوء الظنّ على مشاعر النّاس، فنرى بعضنا يتوجّس من أي جديد قادم إلى حياته بعنوان من العناوين ويعامله بحذر شديد، وإذا صدر فعل أو قول عن صديق أو أخ أو جار أو غير هؤلاء يظلّ بقلبه في وجوه السوء قبل أن يسفر الفاعل والقائل عن حقيقة مراده من القول والفعل.

فيما نجد أنّ القرآن الكريم أمرنا بأن نتجنّب كثير الظنّ السيّئ لأنّ بعضه إثم.

حيث قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ2.

فكأنّ الله تعالى أمرنا باجتناب أكثر الظنّ والمقصود به هو السيّئ حتّى لا نقع فريسة بعض أفراده المخالفة للواقع والموجبة للمفسدة. ولو كان قليلاً لا يقوم به أكثره ولو كان مصيباً.

هذا مضافاً إلى ما جاء في الروايات من النهي عن إساءة الظنّ بالمؤمنين، وأنّ الله نهى عن أن يساء الظنّ بالمؤمن وأنّه من حرمات المؤمن، وفي ما رُوي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "إيّاكم وسوء الظنّ، فإنّه أكذب الكذب، وكونوا إخواناً في الله كما أمركم، لا تتنافروا ولا تتجسّسوا ولا تتفاحشوا ولا يغتب بعضكم بعضاً، ولا تتنازعوا ولا تتباغضوا ولا تتدابروا ولا تتحاسدوا فإنّ الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النّار الحطب اليابس"3.

لماذا النهي عن سوء الظنّ؟

الرواية الآنفة تدلّ على أنّه من حِكَم النهي عن سوء الظنّ أنّه مفسد للعلاقات بين المؤمنين، إذ إنّه يؤدّي إلى فسادها وتلويثها، ويؤدّي إلى التباعد والتباغض والتنافر، فيما المطلوب هو التكافل والتضامن والوحدة، بل المطلوب أن نكون أخوة في الله، ولأنّ الآية الناهية عن سوء الظنّ أشارت إلى أنّ سوء الظنّ ربّما يستدرج الإنسان إلى محرّمات أخرى كالتجسّس فالذي يسيء الظنّ قد يحاول التحقّق منه فيلجأ إلى التجسّس للتأكّد من صدق ظنّه أو كذبه، وبسبب التجسّس قد يطّلع على بعض عيوب المظنون به السوء فيتحدّث بها فتكون غيبة، ولذا قال في تتمّة النهي عن سوء الظنّ: ﴿وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضً4.

فكأنّ سوء الظنّ يجعل الإنسان مهيّئاً ومستعدّاً نفسيّاً لمحرّمات أخرى كالتجسّس والغيبة وتتبّع العثرات وقبول الغيبة وعدم التنفّر منها، بل قد تتدحرج الأمور إلى السخريّة والتحقير والإهانة، وربّما وصل الأمر إلى هجران المظنون به السوء ومقاطعته، وكذلك إلى ضعف الاستعداد والحماسة لإعانته ومساعدته.

كيف نعالج سوء الظنّ؟

هناك مرتبتان لعلاج سوء الظنّ الأولى: عند الظانّ، والثانية: عند المظنون به.

أمّا على صعيد الظانّ السوءَ بأخيه فالعلاج يكون بما يلي:

1- إدامة حسن الظنّ بالمؤمن وعدم الذهاب إلى سوء الظنّ به، فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "ضع أمر أخيك على أحسنه حتّى يأتيك ما يغلبك منه ولا تظنّن بكلمة خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملاً"5.

ففي ذلك تنزيه لباطن الإنسان المؤمن من أهمّ ملوّثاته وهو سوء الظنّ، وثانياً بحسن الظنّ يمكن تقديم سلوك الإخوان، لأنّ هذا يدفعهم ليكونوا عند حسن الظنّ بهم، فحسن الظنّ إحدى وسائل التأديب الناجحة.

فضلاً عن أنّ سوء الظنّ هو من مصاديق الظلم إن خالف الواقع وبه تقع في الحرام وأمّا حسن الظن بالمؤمن حتّى وإن خالف الواقع فلن يترتّب عليه آثار محرّمة.

قد يعتبر بعضهم أنّ حسن الظنّ نوع من السذاجة ولكنّ الحقّ أنّه لا يعني ذلك، وحاشا للنبيّ ولآل بيته عليهم السلام أن يأمرونا بالسذاجة، إذ المقصود بحسن الظنّ هو الالتزام عمليّاً بالحسن في المؤمن في قوله وفعله وعدم جعل احتمال السوء يغلب على المؤمن في مقام معاملته، بمعنى أن نستمرّ بحسن معاملته ولا نكفّ عن ذلك إلّا عندما يأتي الدليل القطعيّ.

2- ترك مولّدات سوء الظنّ: التي منها صحبة الأشرار، والتعوّد على اقتراف السوء، فالذي يسوء فعله يسوء ظنّه.

3- التروّي وعدم الإسراع إلى إصدار الأحكام بالبناء على ظواهر الأمور.

4- ضرورة العمل الجماعيّ على مواجهة ثقافة سوء الظنّ الذي تنمّيه البرامج التلفزيونيّة ذات الطبيعة الفضائحيّة.

5- اجتناب مواطن التّهم: وأمّا علاجه من المظنون به أو من كلّ إنسان فهو يُختصر بأمر واحد وهو تجنّب ما يثير سوء الظنّ والمعبّر عنه في الروايات بمواطن التّهم أو مواقع الرّيب، بمعنى أن يحتاط المؤمن في سلوكه فلا يفعل فعلاً أو يتواجد في أماكن تثير الشبهات حوله وحول دينه وسلوكه فقد جاء عن أمير المؤمنين عليه السلام: "من عرّض نفسه للتّهمة فلا يلومنّ من أساء الظنّ به"6.

ولننتبه إلى أنّ الإمام عليه السلام لا يريد بذلك أن يقول: إنّه تجوز إساءة الظنّ بمن عرّض نفسه للتّهمة، بل المراد والله العالم أنّ على المؤمن أن ينأى بنفسه عن كلّ ما يوجب إساءة الظنّ به.

خاتمة:

علينا أن نلتفت إلى الأثر السيّئ الناتج من ترويج ثقافة سوء الظنّ والمساعدة على ترويجها من خلال تناقل أخبار الفضائح عبر وسائل الاتصال وتعميمها على النّاس، لأنّنا بذلك سنكون مصداقاً لمن يعمّم ثقافة سوء الظنّ، بل سنكون كذلك مصداقاً لمن يحبّون إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا.

نعوذ بالله تعالى من ذلك.

* كتاب زاد عاشوراء، إعداد معهد سيد الشهداء للمنبر الحسيني، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- سورة الحجرات، الآية 12.
2- سورة الحجرات، الآية 12.
3- وسائل الشيعة، ج27، ص59.
4- سورة الحجرات، الآية 12.
5- الكافي، ج2، ص161.
6- الكافي، ج8، ص152.

2015-10-27