عن الإمام الباقر عليه السلام: "الكسل يضرّ بالدّين والدّنيا"1.
الكسل يضرّ بالدّين والدّنيا:
من الآفات التي يبتلى بها الإنسان الفرد الكسل، ولخطورة الكسل في حياة الفرد
والأمّة جاء الإسلام وإدراكاً منه لما للعمل والجدّ والنشاط من أهمّيّة في رقي
الأمم وتطوّرها وتقدّمه، فقد حثّ على العمل والجدّ والنشاط ومدح ذوي الهمم العالية
وأصحاب الطموح في العلم والعمل، وشنّ حملة على البطالة، والكسل، والتكاسل، وهو ما
جاء عن الإمام الباقر عليه السلام: "الكسل يضرّ بالدّين والدّنيا" كما سبق.
ولَمّا كان البعض يتوهّم أنّ العمل في سبيل تحصيل المعاش هو طلب للدّنيا وهو مناف
للدّين، وهذه نظرةٌ مشوِّهة للدّين، جاء الحديث الشريف ليصوّب هذه النظرة قائلاً:
"اعمل لدنياك كأنّك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنّك تموت غداً"2.
فالعمل في سبيل المعاش أمر ضروريّ والإسلام يبغض من يكون كلّاً على غيره يلقي على
غيره مسؤوليّة إعالته.
والشبهة السابقة عن منافاة العمل للزهد وللدّين بالآخر واجهها أئمّة أهل البيت
وبصورة مباشرة حيث جاء عن الإمام الباقر عليه السلام: "ليس منّا من ترك دنياه
لآخرته، ولا آخرته لدنياه"3.
فلا بدّ من الموازنة بين الدّنيا والآخرة ليستقيم الإنسان وتستقيم حركته.
آثار الكسل ونتائجه:
ممّا هو معروف عند العقلاء أنّ الكسل من الأمور التي تمقتها النّفوس السليمة،
ويبغضه العقلاء لنتائجه المدمّرة في الأفراد والمجتمعات، فعلى الصعيد الفرديّ فإنّه
يؤدّي إلى هدم الشخصيّة، فالكسل مرض يجعل صاحبه متثاقلاً عن العمل وعن تحمّل
المسؤوليّات، وممَّا ذكر في الروايات حول نتائج الكسل:
1- عدم أداء الحقوق:
عن الإمام الصادق عليه السلام: "إيّاك وخصلتين: الضجر والكسل، فإنّك
إن ضجرت لم تصبر على حقّ، وإن كسلت لم تودِّ حقّاً"4 فمن الطبيعيّ
جدّاً أنّ الكسول لا يستطيع القيام بحقوق نفسه ولا يقوم بما يلزم من عمل لنفعها فلا
يؤدّي حقّها، فكيف لا يكون عاجزاً عن حقوق الآخرين؟
2- التقصير في طاعة الله:
قال أمير المؤمنين عليه السلام: "إيّاكم والكسل فإنّه من كسل لم يؤدّ
حقّ الله عزَّ وجلَّ"5.
3- الفقر:
وهو نتيجة وثمرة طبيعيّة، قال أمير المؤمنين عليه السلام: "إنّ
الأشياء لمّا ازدوجت ازدوج الكسل والعجز فنتج بينهما الفقر"6.
ولذا فإنّ مصير الكسول هو أن تهون عليه نفسه حتّى يصل إلى إراقة ماء وجهه
بالاستعطاء والاستجداء والسؤال، والتسكّع ومدّ يده سائلاً المساعدة وقد قال رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مسألة النّاس من الفواحش"7.
4- الكسل مانع من الحظوظ:
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "إيّاك والكسل والضجر فإنّهما يمنعانك
من حظّك من الدّنيا والآخرة"8.
ومن ذلك ما عن باقر العلوم عليه السلام: "إنّي لأبغض الرجل أن يكون كسلان عن أمر
دنياه، ومن كسل عن أمر دنياه فهو عن أمر آخرته أكسل"9.
5- المبغضة من الله والصالحين بل حتّى النّاس:
فبغض النّاس أمر لا يستطيع عاقل إنكاره وهو جارٍ على كلّ لسان من ألسنة
عقلاء النّاس، أمّا مبغوضيّة الكسل والكسول عند الله فمن ما جاء عن الإمام الصادق
عليه السلام: "إنّ الله عزَّ وجلَّ يبغض العبد النوّام الفارغ"10.
6- ضياع الأفراد والمجتمعات:
إنّ الأفراد الكسولين يصبحون عبئاً على عائلاتهم وثقلاً عليها وعلى
المجتمعات التي ينتمون إليه، فهم فئة تستهلك ولا تنتج، عاجزون بسبب مرض الكسل
ويصيبون المجتمع بالعجز، والعجز يوجب الذلّ لصاحبه وكذلك لمجتمعه، وقد جاء عن
الإمام عليّ عليه السلام: "العجز مهانة"11.
وقال عليه السلام: "العجز آفّة"12.
وأي آفّة أعظم من مرض يصيب الفرد والمجتمعات بالشلل؟ فكما تشلّ يدا الكسول فلا تجلب
خيراً ولا تدفع سوءاً كذلك إذا انتشر مرض الكسل يشلّ الأمّة.
فالكسل سبب التأخّر والانحطاط في الأمم، وهو مرض يجرّ بعضه بعض، فمن كسل عن شيء سوف
لا ينفكّ يكسل عن غيره، فغيره حتّى يصبح ميتاً قبل أن يموت.
ما العلاج؟
1- النشاط
إنّ النشاط على عكس الكسل، فلئن كان الكسل يمثّل الموت، فالنشاط هو
الحياة، ولولا أنّ أجدادنا كانوا نشيطين ما ورثنا هذا البنيان وتلك الحضارات وذلك
العمران، والثقافة والعلوم والخبرات الهندسيّة والطبّيّة والزراعيّة وغير ذلك.
وروي أنّ الإمام الصادق عليه السلام كان يشكو من الكسل المستشري في زمانه، فإذا به
يقول: "لا تكسلوا في طلب معايشكم فإنّ آباءنا كانوا يركضون فيها ويطلبونها"13.
2- اتّخاذ الحرفة:
ولقد كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأئمّة أهل البيت عليهم السلام مثالاً
للعمل والنشاط والجدّ ومن الروايات الرائعة في حثّهم على العمل بل على اتّخاذ
الحرفة جاء في الحديث أنّه: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا نظر إلى
الرجل فأعجبه قال: "هل له حرفة؟" فإن قالوا لا، قال: "سقط من عيني"، قيل: وكيف
ذلك يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: "لأنّ المؤمن إذا لم يكن له حرفة
يعيش بدينه"14 وهذا تحذير من أمر خطير، وهو أنّ صاحب الدّين إذا لم
يستطع أن يستقلّ ماليّاً وينتج ما يكفيه فمعنى ذلك أنّه إذا ما أراد ما يعيش به لن
يجد سلعة ليبيعها إلّا دينه...
بالعمل نواجه المستكبرين:
إنّ مطالعة الواقع السياسيّ
والسياسات العالميّة والإقليميّة تفضي إلى نتيجة أنّ ثمّة حرباً يشنّها المستكبرون
والطغاة وأذناب هؤلاء من مالكي الثروات، بل ناهبي ثروات الشعوب، وهذه الحرب هدفها
الإضعاف، من خلال تحويلنا إلى شعوب لا كرامة لها، عبر إفقارنا وتحويلنا إلى شعوب
متسوّلة.
ولا يمكن مواجهة سياسات الإفقار والإذلال إلّا بالعمل والنشاط والجدّ والاجتهاد،
فَلْنُلاقِ جهاد المجاهدين في ساحات القتال بجهادنا في ساحات العمل والإنتاج ليكون
لنا مثل أجرهم.
فعن الإمام الصدق عليه السلام: "أجر العامل أجر المجاهد في سبيل الله"15.
* كتاب زاد عاشوراء، إعداد معهد سيد الشهداء للمنبر الحسيني، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- بحار الأنوار، ج 75، ص 180.
2- وسائل الشيعة، ج17، ص 76.
3- وسائل الشيعة، ج 12، ص 49.
4- مستدرك الوسائل، ج12، ص65.
5- مستدرك الوسائل، ج12، ص65.
6- الكافي، ج5، ص86.
7- جامع السعادات، ج2، ص89.
8- الكافي، ج5، ص85.
9- الكافي، ج5، ص88.
10- الكافي، ج5، ص85.
11- بحار الأنوار، ج66، ص159.
12- بحار الأنوار، ج66، ص160.
13- وسائل الشيعة، ج 12، ص 38.
14- مستدرك الوسائل، ج 13، ص 12.
15- الكافي، ج5، ص88.