زكاة الفطرة بين الصوم والعيد
وتزودوا في شهر الله
من المفاهيم التي أكّدتها الشريعة مفهوم الزكاة الذي يعني بشكلٍ عامّ ضرورة إخراج سهم من أي نعمة أنعمها الله تعالى علينا، وجعل الله لكلّ شيء زكاته الخاصّة والمناسبة له، فالصوم زكاة البدن، وزكاة القدرة الإنصاف، وزكاة الجمال العفاف،
عدد الزوار: 350
قال تعالى:
﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى﴾1.
من المفاهيم التي أكّدتها الشريعة مفهوم الزكاة الذي يعني بشكلٍ عامّ ضرورة إخراج
سهم من أي نعمة أنعمها الله تعالى علينا، وجعل الله لكلّ شيء زكاته الخاصّة
والمناسبة له، فالصوم زكاة البدن، وزكاة القدرة الإنصاف، وزكاة الجمال العفاف،
وزكاةالظفر الإحسان، وزكاة الظفر العفو، وزكاة اليسار برّ الجيران وصلة الأرحام،
وزكاة الصحة السعي في طاعة الله، وزكاة الشجاعة الجهاد في سبيل الله، وزكاة النعم
إصطناع المعروف، وزكاة العلم بذله لمستحقّه وإجهاد النفس في العمل به، وزكاة العقل
احتمال الجهّال، والعلل زكاة الأجساد، والشفاعة زكاة الجاه، وعلى كل جزء من أجزائك
زكاة واجبة لله عزّ وجلّ، بل على كلّ شعرة، بل على كلّ لحظة!، فزكاة العين النظر
بالعبرة والغض عن الشهوات وما يضاهيها، وزكاة الأذن استماع العلموالحكمة والقرآن,
والأهمّ أنّ ما أدّيت زكاته فهو مأمون السلب.
إنّ القراءة المتأنية لزكاة الفطر وعلاقتها بالصيام الذي كان قبلها والعيد الذي
بعدها تجعل هناك رابطاً قوياً بين هذه المفاهيم الثلاثة نقف هنا على بعضها:
1- زكاة الفطرة شرط في قبول الصوم: كما ورد في الحديث المروي عن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم: "إن صوم رمضان معلّق بين السماء والأرض، لا يُرفع إلا بزكاة
الفطر"2. وهو كناية عن توقف تمام ثوابه، حتى تؤدّى الزكاة، فلا ينافي حصول أصل
الثواببدونها، إلا أنّ هذا التعبير من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يُشعرك
بأنّ الثواب والدرجات والحسنات مرهونة بالأثر الذي تركه الصيام في القلوب والذي
يتجلّى بالصورة الأولى يوم العيد بدفع مقدار من المال إلى المستحقين.
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ من تمام الصوم إعطاء الزكاة - يعني الفطرة -
كما أنّ الصلاة على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم من تمام الصلاة، لأنه من صام
ولم يؤدّ الزكاة فلا صوم له إذا تركها متعمّداً".
2- ورد استحباب إخراجها قبل الإفطار: من يوم العيد وهذا كاشف على ضرورة بدء يوم
العيد بالتفكير بالفقراء والمحتاجين، ليكون الصوم قد أدّى آثاره على المستوى
الباطني للإنسان، ونكون قد أعطينا مفهوم العيد بُعده الحقيقي، فالإسلام يريد
أنيربينا على ثقافة أنّ حاجة الفقراء يجب أن تؤثرها على حاجتك.
3- ورد استحباب دفعها لمستحقّيها: قبل دخول المسجد لصلاة العيد، ولا يخفى ما لذلك
من أثرٍ بالغ في قبول الصلاة وروحية أدائها، ولذلك نجد أنّ القرآن الكريم قد قدّم
من (تزكى) على قوله (فصلى)، كما لا يخفى أنّ الله جعل الفلاح مرتبطاً بمجموعهما،
وأنّ الارتباط الحقيقيّ بالله تعالى ليس سوى الشعور الإنسانيّ الذي تعيشه تجاه
الآخرين.
4- ورد استحباب دفعها باليد: فإنها تقع بيد الله والواقع أنّ دفعها باليد له آثاره
الروحية البالغة لضرورة أن تكون العلاقة - من غير عذر - بالفقراء والمحتاجين علاقة
مباشرة وبلا وساطة، وهذا الأمر يجعل العلاقة أكثر تفاعلاً وأكثر تفهّماً وبالتالي
أكثراستمراريةً وبقاءً بخلاف العلاقة غير المباشرة التي لا تترك هذا الأثر في
النفوس.
إنّ مفهوم العيد في بعده الأخلاقي يعني إدخال السرور إلى قلوب المحتاجين وإنّ إدخال
السرور إلى قلبك ليس إلا عبر تفريح قلوبهم ومسح أحزانهم وبلسمة جراحاتهم.
5- كراهة إخراجها من البلدة: وهذا يعني أهمية الإطّلاع على أوضاع الأقرب فالأقرب من
أهل القرية، ولأن ذلك سيؤدي في النهاية إلى التعرف على المحتاجين في البلدة، ولا شكّ
أنّ الشارع عندما سنّ هذه الفريضة بهذه القيود إنما أراد بذلك أن تبقى هذهالعلاقة
بالفقراء والمحتاجين في القرية علاقة دائمة ومستمرّة ولا تقتصر على نهاية شهر رمضان
المبارك.
6- اعتبار يوم العيد هو يوم الجائزة: فبعد أن صام المسلمون أيام شهر رمضان وقاموا
لياليه ها هم يقبلون على يوم العيد هذا مهنّئين متودّدين، يمسحون رأس اليتيم،
ويمدون يد العون والمساعدة للفقراء والمساكين بالبرّ والعطاء.
إنه يوم الجائزة لأنه يومٌ جنى فيه الصائمون ثواب صيامهم وأثابهم الله تعالى على
نجاحهم في عبور هذا الامتحان وأقبلوا على ربٍّ كريم يقول لهم: لقد أُمرتم بقيام
الليل فقمتم، وأُمرتم بصيام النهار فصُمتم، وأطعتم ربّكم، فاقبضوا جوائزكم، فهذا
اليوميسمى في السماء يوم الجائزة.
7- دعاء صلاة العيد: ومن جميل ما نقرأه في صلاة العيد بعد الصيام والقيام والزكاة
وما تركت من نقاء وصفاء في القلب والنفس أن تقف بين يدي الله تعالى لتقول:
"اللهمّ
إني أسألك أن تدخلني في كلّ خيرٍ أدخلت فيه محمّداً وآل محمّد وأن تخرجني من كلّسوء
أخرجت منه محمّد وآل محمّد، اللهمّ إني أسألك خير ما سألك عبادك الصالحون وأعوذ بك
من شرّ ما استعاد منه عبادك المقرّبون".
إنه سؤال الله التوفيق إلى مزيد من القرب والرضا ووعد بالمزيد من الطاعة والعمل
الصالح.
8- إنّ مجموع ما تقدّم يكشف على أنّ البعد الاجتماعي للصوم يتجلّى يوم العيد من
خلال التفكير بعموم المؤمنين والخروج من الدائرة الضيقة للأنا إلى الدائرة الأوسع
للمسلمين، بل ليس لخصوص المسلمين إذ تتعداهم إلى عموم الناس وهو ما يظهر علىألسنتنا
في الدعاء الذي نقرأه عقيب كلّ صلاة في شهر رمضان فنقول: "اللهمّ أدخل على أهل
القبور السرور، اللهمّ أغنِ كلّ فقير، اللهمّ أشبع كلّ جائع، اللهمّ اكسُ كلّ عريان،
اللهمّ اقضِ دين كلّ مَدين، اللهمّ فرِّج عن كلّ مكروب، اللهمّ ردَّ كلّ غريب،
اللهمّ فُكّ كلَّ أسير، اللهمّ أصلح كلّ فاسد من أمور المسلمين، اللهمّ اشفِ كلّ
مريض، اللهمّ سُدَّ فقرنا بغناك، اللهمّ غيّر سوء حالنا بحسن حالك، اللهمّ اقضِ
عنّا الدين، وأغننا من الفقر، إنك على كلّ شيء قدير".
* كتاب وتزودوا في شهر الله، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- سورة الأعلى، الآية14 - 15 .
2- إعانة الطالبين، ج2، ص190.