الاخوة
مواعظ الكتاب
لقد بُعث النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في مجتمع جاهلي مليء بالعصبيّات والنزاعات بين القبائل والعشائر، واستطاع في مدّة قليلة من حياته الشريفة أن يُطفىء نار هذه النزاعات ويحوّل المجتمع القبليّ الجاهلي إلى مجتمع متماسك تربطه أواصر الأخوّة،
عدد الزوار: 101
يقول الله تعالى في محكم كتابه:
1- ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا
اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾.(المؤمنون:8)
2- ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ
نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ
فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ
النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ
لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾(آل عمران:103)
3- ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ
مُّتَقَابِلِينَ﴾(الحجر:47)
تمهيد
لقد بُعث النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في مجتمع جاهلي مليء بالعصبيّات
والنزاعات بين القبائل والعشائر، واستطاع في مدّة قليلة من حياته الشريفة أن يُطفىء
نار هذه النزاعات ويحوّل المجتمع القبليّ الجاهلي إلى مجتمع متماسك
تربطه أواصر الأخوّة، وتشدّه وشائج الإيمان، بحيث صنع منهم أمّة أصبحت خير أمّة
أُخرجت للناس، واستطاع أن يُلغي كلّ الفوارق الّتي كانت سائدة وسبباً للنزاعات فيما
بينهم، وحصر معيار التفاضل بالتقوى، يقول الله تعالى في كتابه
الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى
وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ
اللهِ أَتْقَاكُمْ...﴾1.
ويقول أمير المؤمنين عليه السلام موصياً مالك الأشتر في رعيّته: "ولا تكوننّ عليهم
سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم فإنّهم صنفان إمّا أخ لك في الدِّين وإمّا نظير لك في
الخلق"2.
فالله جعلنا شعوباً وقبائل لنتعارف لا لنتحارب، هذه هي القاعدة الأوّليّة في
العلاقة مع الآخرين.
أـ العلاقات العامّة:
يقول تعالى في مجال العلاقة مع غير المسلمين: ﴿لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ
الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ
أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾3.
فنُلاحظ القرآن الكريم أنّه لم ينه عن التعامل بالحسنى مع غير المسلمين الّذين لم
يُقاتلوا، ولم يُعلنوا الحرب على المسلمين، بل نجده قد حثّهم على معاملتهم بالعدل
والقسط.
وأما علاقة المسلمين فيما بينهم، فيقول تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ
جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ
أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً
وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ
يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ
لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾4.
ويقول سبحانه: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ
وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾5.
ويقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله
ولا يسْلِمْهُ"6.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل
الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"7.
ومن مجموع هذه الآيات والروايات نجد أنّ الاسلام قد نظر إلى المسلمين كالجسد
الواحد، وأكّد على التوادّ والتراحم فيما بينهم، وشدّ عرى الأخوّة فيما بينهم، ونهى
عن التنافر والتفرّق والخلاف.
ب ـ العلاقات الخاصّة:
حثّ الإسلام على اكتساب الإخوان، وجعل ذلك من الفضائل الّتي ينبغي لكلّ مؤمن أن
يتحلّى بها.
فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "استكثروا من الإخوان فإنّ لكلِّ مؤمن
شفاعة يوم القيامة"8.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "من استفاد أخاً في الله عزّ وجلّ استفاد بيتاً في
الجنّة"9.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "أعجز النّاس من عجز عن اكتساب الإخوان، وأعجز منه
من ضيّع من ظفر به منهم"10.
وعن لقمان "يا بُنيّ، لا تعدُ بعد تقوى الله من أن تتخذ صاحباً صالحاً"11.
وعنه أيضاً: "يا بُنيّ، الصاحب الصالح خيرٌ من الوحدة"12.
أصناف الإخوان
إذا عرفنا أهميّة اتخاذ الإخوة، لا بُدّ لنا من معرفة أصنافهم، إذ هم ليسوا على
مرتبة واحدة، فكما يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "الإخوان صنفان: إخوان الثقة
وإخوان المكاشرة،13 فأمّا إخوان الثقة، فهم الكفُّ والجناح والأهل والمال، فإذا
كنت من أخيك على حدِّ الثقة، فابذل له مالك وبدنك، وصاف من صافاه وعاد من عاداه،
واكتم سرّه وعيبه، وأظهر منه الحسن، واعلم أيُّها السائل أنّهم أقلّ من الكبريت
الأحمر، وأمّا إخوان المكاشرة، فإنّك تُصيب لذّتك منهم، فلا
تقطعنّ ذلك منهم، ولا تطلبنّ ما وراء ذلك من ضميرهم وابذل ما بذلوا لك من طلاقة
الوجه وحلاوة اللسان"14.
فعلى الإنسان أن يكون حذراً في تشخيص الإخوان وتصنيفهم، وذلك باختبارهم قبل اتخاذهم
إخواناً.
فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "قدّم الاختبار في اتخاذ الإخوان فإنّ الاختبار
يُفرّق بين الأخيار والأشرار"15.
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "اختبروا إخوانكم بخصلتين فإن كانتا فيهم وإلّا
فاعزب ثمّ اعزب ثمّ اعزب؛ محافظة على الصلوات في مواقيتها، والبرّ بالإخوان في
العسر واليسر"16.
وقال لقمان: "ثلاثة لا يُعرفون إلّا في ثلاثة مواضع: لا يُعرف الحليم إلّا عند
الغضب، ولا يُعرف الشجاع إلّا في الحرب، ولا تعرف أخاك إلّا عند حاجتك إليه"17.
وعنه قائلاً لابنه: "يا بُنيّ، إذا أردت أن تُوآخي رجلاً فأغضبه قبل ذلك، فإن أنصفك
عند غضبه وإلّا فاحذره"18.
من تؤاخي؟
لقد عرفنا بشكل عام أنّ الأخوّة الحقيقيّة الصادقة هي أخوّة أهل الصلاح والثقة،
ولكن ما هي معالم الأخوّة الصادقة؟
1ـ العالم الربّاني:
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "عجبت لمن يرغب في التكثُّر من الأصحاب كيف لا يصحب
العلماء الألبّاء الأتقياء الّذين يغتنم فضائلهم وتهديه علومهم وتزيّنه صحبتهم"19.
وإن قلت أنا لست عالماً فكيف أُصاحب العلماء؟ نقول لك تُصاحبهم بحضور مجالسهم في
المساجد وسماع مواعظهم، وإلّا حُرمت من بركاتهم وأعرض عنك الله تعالى وقسى قلبك،
يقول الإمام السجّاد في تعليل بُعد الإنسان عن الله: "...
أو لعلّك فقدتني من مجالس العلماء فخذلتني"20.
2ـ صحبة الحكيم الحليم:
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "صاحب الحكماء وجالس الحلماء وأعرض عن الدنيا تسكن
جنّة المأوى"21.
من هنا يقول لقمان "عدوٌّ حليم خير من صديق سفيه"22.
3ـ الأخوّة في الله:
فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "خير الإخوان من كانت في الله مودّته"23.
وعنه عليه السلام: "خير الإخوان من لم تكن على الدنيا أخوّته"24.
4ـ المذكِّر بالله والمعين على الطاعة:
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "المعين على الطاعة خير الأصحاب"25.
وعن لقمان قائلاً لابنه: "يا بُنيّ، تكلّم الحكمة عند أهلها، وعليك بمجالسة أهل
الذكر، فإنّها محياة للعلم، وتُحدِث في القلوب خشوعاً"26.
لا تؤاخ هؤلاء:
1ـ الأحمق الكذّاب:
عن الإمام عليّ عليه السلام: "إيّاك وصحبة الأحمق الكذّاب، فإنّه يُريد نفعك
فيضرّك، ويُقرِّب منك البعيد، ويُبعِّد منك القريب، إن ائتمنته خانك، وإن ائتمنك
أهانك، وإن حدّثك كذّبك، وإن حدّثته كذّبك، وأنت منه بمنزلة السراب
الّذي يحسبه الظمآن ماء حتّى إذا جاءه لم يجده شيئاً"27.
2ـ صاحب الغاية الدنيويّة:
عن الإمام الصادق عليه السلام: "احذر أن تؤاخي من أرادك لطمع أو خوف أو ميل أو
للأكل والشرب، واطلب مؤاخاة الأتقياء، ولو في ظلمات الأرض، وإن أفنيت عمرك في
طلبهم"28.
3ـ الفاجر الشرّير الفاسق:
عن الإمام الصادق عليه السلام: "لا تصحب الفاجر فيعلّمك من فجوره"29.
وقال لقمان لابنه: "يا بُنيّ، استعذ بالله من شرار النّاس، وكن من خيارهم على
حذر"30.
وقال لقمان لابنه: "يا بُنيّ، لا تجالس الأشرار، فإنّك لا تصيب من مجالستهم خيراً،
ولعلّه أن يكون في آخر ذلك أن تنزل عليهم عقوبة فتصيبك معهم"31.
4ـ البخيل:
عن الإمام الصادق عليه السلام: "إيّاك ومصاحبة البخيل فإنّه يخذلك في ماله أحوج ما
تكون إليه"32.
5ـ الكافر:
عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤاخين
كافراً"33.
وتجدر الإشارة إلى أنّه عدم مؤاخاة الكافر غير الحربي لا تعني عدم القسط معه، فربّ
كافر أسلم لحسن تعامل المسلمين معه.
6ـ السبَّاب الفحّاش:
قال لقمان "إنّ الفاحش البذيّ الشقيّ إن يُحدِّث فضحه لسانه، وإن سكت فضحه العِي ،
وإن عمل أساء، وإن فعل أضاع..."34.
7ـ صاحب اللهو:
عن الإمام عليّ عليه السلام: "إيّاك وصحبة من ألهاك وأغراك فإنّه يخذلك ويوبقك"35.
فإنّ مصاحبة أهل اللهو تُسبِّب العدوى، حيث يزيّنون لأصحابهم أفعالهم، ويمضون
أوقاتهم بلا نفع ولا جدوى بل في الخسران والضياع.
8ـ الجبان:
عن الإمام الباقر عليه السلام: "لا تُصادق ولا تؤاخ أربعة: الأحمق والبخيل والجبان
والكذّاب (إلى أن يقول) وأمّا الجبان فإنّه يهرب عنك وعن والديه"36.
9ـ ناشر المثالب والنمّام:
عن الإمام عليّ عليه السلام: "لا تؤاخ من يستر مناقبك وينشر معايبك"37.
عن الإمام الصادق عليه السلام: "احذر من النّاس ثلاثة: الخائن والظلوم والنمّام
لأنّ من خان لك خانك، ومن ظلم لك سيظلمك، ومن نمَّ إليك سينمُّ عليك"38.
* كتاب وذكرى للمؤمنين، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1-سورة الحجرات، الآية: 13.
2-بحار الأنوار، ج 33، ص 600.
3- سورة الممتحنة، الآية: 8.
4- سورة آل عمران، الآية: 103.
5-سورة الحجرات، الآية: 10.
6- المحجّة البيضاء، ج 3، كتاب الصحبة والمعاشرة، الباب الثاني، ص 332.
7-ميزان الحكمة، محمّد الري شهري، ج 4، ص 2837.
8-كنز العمّال، 26442.
9- ثواب الأعمال، ج 1، ص 182.
10- نهج البلاغة، حكمة، 11.
11- حكم لقمان، محمّد الري شهري، ص 110.
12-بحار الأنوار، ج 13، ص 428، ح 23.
13-المكاشرة في اللغة: من الكشر وهو ظهور الأسنان للضحك، وكاشره: إذا ضحك في وجهه
وباسطه.
14-الكافي، ج 2، ص 193.
15-ميزان الحكمة، ح 283.
16- م. ن، ح 286.
17- بحار الأنوار، ج 71، ص 426، ح 70.
18-حكم لقمان، الري شهري، ص 109، عن الدرّ المنشور، ج 6، ص 520.
19-ميزان الحكمة، حديث 10248.
20- من دعاء أبي حمزة الثمالي، بحار الأنوار، ج 95، ص 87.
21-ميزان الحكمة، ح 10245.
22- بحار الأنوار، ج 71، ص 426، ح 70.
23- ميزان الحكمة، ح 264.
24-م. ن، ح 265.
25-م. ن، ح 13301.
26-حكم لقمان، محمّد الري شهري، ص 110.
27-ميزان الحكمة، ح 10280.
28- م. ن، ح 230.
29-الخصال، ص 80.
30-حكم لقمان، محمّد الري شهري، ص 110، عن العقد الفريد، ج 3، ص 152.
31-م.ن، ص 111، عن الدر المنثور، ج 6، ص 519.
32- بحار الأنوار، ج 71، ص 196، ح 29.
33- م. ن، ج 71، ص 197، ح 31.
34-حكم لقمان، محمّد الري شهري، ص111.
35-ميزان الحكمة، ح 10276.
36-بحار الأنوار، ج 71، ص 192، ح 8.
37- ميزان الحكمة، ح 235.
38-م. ن، ح 10262.