يتم التحميل...

العبادة

مواعظ الكتاب

إنّ حرية الإرادة أساس خلقة الإنسان، وهي الدعوة التي صدح بها جميع الأنبياء عليهم السلام، وأساس لا يستطيع الإنسان بدونه أن يخطو ولو خطوة واحدة في مسير التكامل "التكامل الإنساني والمعنوي"، ولهذا فقد أكّدت آيات متعدّدة على أنّ الله لو شاء أن يهدي الناس بإجباره لهم جميعاً لفعل، لكنّه لم يشأ.

عدد الزوار: 107

يقول الله تعالى في محكم كتابه: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِين
(سورة الذاريات، الآيات: 56- 58)

﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً
(سورة الملك، الآية: 2)

الإنسان حرّ في أصل خلقته

إنّ حرية الإرادة أساس خلقة الإنسان، وهي الدعوة التي صدح بها جميع الأنبياء عليهم السلام، وأساس لا يستطيع الإنسان بدونه أن يخطو ولو خطوة واحدة في مسير التكامل "التكامل الإنساني والمعنوي"، ولهذا فقد أكّدت آيات متعدّدة على أنّ الله لو شاء أن يهدي الناس بإجباره لهم جميعاً لفعل، لكنّه لم يشأ.

يقول تعالى: ﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ1 .

فالله سبحانه وتعالى يُبيّن المنهج ويُعرّف الطريق ويضع العلامات، ويُحذّر ممّا ينبغي الحذر منه، ويأمر بما يُساعد الإنسان على الوصول إلى الهدف، كما ويُعيّن القائد للمسيرة البشريّة والمنهج. يقول تعالى في القرآن الكريم: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى2 ، كما يقول أيضاً: ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ3 ويقول سبحانه: ﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا4، ونقرأ أيضاً:﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا 5.

فإنّ هذه الآيات تؤكّد على حريّة الإرادة والاختيار، وتدلّ على أنّ الإنسان يحصد ما يزرع في هذه الدنيا، وليست الآخرة إلّا نتيجة أعماله.

هدف الوجود البشريّ
من أهمّ الأسئلة التي تختلج في خاطر كلّ إنسان هو لمَ خُلقنا ؟ وما الهدف من خلق الناس والمجيء إلى هذه الدنيا؟
إنّ في آيات القرآن بيانات متعدّدة تُظهر الهدف من الخلق والإيجاد، وفي الحقيقة يُشير كلّ واحد منها إلى بُعدٍ من أبعاد هذا الهدف، من هذه الآيات قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ* إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِين6 أي ليتكاملوا في العبادة وليبلغوا أعلى مقام للإنسانيّة، وليس ذلك بمعنى أنّ الله عزّ وجلّ يحتاج إلى عبادتنا من صلاة ودعاء وقراءة للقرآن فهو غنيّ عنها، إنّما أُمرنا بهذه الأعمال العباديّة للوصول إلى السعادة الحقيقيّة.

فوجودنا في هذا العالم وتفضُّل الله علينا بنعمة الحياة ابتلاء وامتحان حيث نقرأ في آية أخرى: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً7 .

وإنّ الذي يبدو من هذه الآية أنّ الله تعالى خلق الإنسان وأحياه ثمّ أماته لأجل الابتلاء والامتحان، لكنّ الامتحان يكون من خلال الأعمال وأيّ الناس أحسن عملاً.

وأفضل الأعمال المقرّبة إلى الله سبحانه وتعالى العبادة التي أُمرنا بها، فيعود الامتحان إلى العبادة.

ففي حديث عن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام أنّه لما سُئل ما معنى قول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "اعملوا فكلّ ميسّر لما خُلق له. قال عليه السلام: إنّ الله عزّ وجلّ خلق الجنّ والإنس ليعبدوه ولم يخلقهم ليعصوه وذلك قوله عزّ وجلّ: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ8 فيسّر كلّاً لما خُلق له، فويلٌ لمن استحبّ العمى على الهدى" . وهذا الحديث يُشير إلى هذه الحقيقة، وهي أنّ الله خلق الناس لهدف تكامليّ هيّأ له وسائله التكوينيّة والتشريعيّة وجعلها في اختياره.

وهكذا يتّضح أنّنا خُلقنا لعبادة الله الّتي تُربّي الناس وتهديهم وتوصلهم إلى السعادة والكمال، لكن المهمّ أن نعرف ما هي حقيقة هذه العبادة، فهل المراد منها أداء المراسم أو المناسك كالصلاة والصيام والحجّ، أم هي حقيقة أخرى وراء هذه الأمور؟

حقيقة العبادة
وللإجابة عن هذا السؤال علينا أن نعرف أنّ العبوديّة تعني التعلُّق بالمولى وإرادته، فلا نملك في قباله عزّ وجلّ شيئاً وليس لنا أن نُقصِّر في طاعته. وعلينا أن نُظهر منتهى الخضوع للمعبود، ولذلك فالمعبود الوحيد الذي له حقّ العبادة على الآخرين هو الّذي بذل منتهى الإنعام والإكرام، وليس ذلك سوى الله سبحانه!

نقرأ في حديث عن الإمام الصادق عليه السلام أنّ الإمام الحسين خطب أصحابه فقال: " إنّ الله عزّ وجلّ ما خلق العباد إلا ليعرفوه فإذا عرفوه عبدوه فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه"9 .

فبناءً على هذا إنّ العبوديّة هي قمّة التكامل وأوج بلوغ الإنسان واقترابه من الله! والعبوديّة منتهى التسليم لذاته المقدّسة. فالعبوديّة هي الطاعة بلا قيدٍ ولا شرط، وهي الامتثال للأوامر الإلهيّة في جميع المجالات. وأخيراً فإنّ العبوديّة الكاملة هي أن لا يُفكّر الإنسان بغير معبوده الواقعيّ أي الكمال المطلق، ولا يسير إلّا في منهجه الأحبّ وأن ينسى أيّ أحدٍ سواه حتّى نفسه وشخصه.

الدنيا ليست هدفاً
يقول تعالى: ﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى * وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى 10.

يا أيّها النبيّ: إنّ هذه النعم المتزلزلة الزائلة ما هي إلّا زهرة الحياة الدنيا، تلك الأزهار الّتي تُقطع بسرعة وتذبل وتتناثر على الأرض، ولا تبقى إلّا أيّاماً معدودات. في الوقت الذي أمددناهم فيه بها لنفتنهم، ﴿وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى، فإنّ الله سبحانه وهب لك مواهب ونعماً متنوّعة، فأعطاك الإيمان والإسلام، والقرآن والآيات الإلهيّة والرزق الحلال الطاهر، ومن ثمّ أنعم عليك بنعم الآخرة الخالدة، هذه الهبات والعطايا المستمرّة الدائمة.

وتقول الآية التالية تلطيفاً لنفس النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وتقوية لروحه: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لأنّ هذه الصلاة بالنسبة لك ولأهلك أساس العفّة والطهارة وصفاء القلب وسموّ الروح ودوام ذكر الله.

فائدة العبادة
ثمّ تُضيف إنّه إذا كان قد صدر الأمر لك ولأهلك بالصلاة فإنّ نفعها وبركاتها إنّما تعود عليكم، فإنّا ﴿لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُك، فإنّ هذه الصلاة لا تزيد شيئاً في عظمة الله، بل هي رأس مال عظيم لتكامل البشر وارتقائهم ودرس تعليميّ وتربويّ عالٍ. إنّ الله سبحانه ليس كباقي الملوك والأمراء الذين يأخذون الضرائب من شعوبهم ليُديروا بها حياتهم وحياة مقرّبيهم، فإنّ الله غنيّ عن الجميع ويحتاجه الجميع ويفتقرون إليه. إنّ هذا التعبير في الحقيقة يُشبه ما ورد في سورة الذاريات: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ11 . وعلى هذا، فإنّ نتيجة العبادات ترجع مباشرة إلى نفس العابدين.

ولذلك فإنّ لعبادة الله سبحانه آثاراً عديدة على الإنسان، نذكر منها:
1. يؤتى الحكمة: عن رسول الله صلى13 الله عليه وآله وسلم: "من أحسن عبادة الله في شبيبته، لقّاه الله الحكمة عند شيبته، قال الله تعالى ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْما ثمّ قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ12 "13 .


2. يباهي الله به الملائكة: عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الله تعالى يُباهي بالشابّ العابد الملائكة، يقول: انظروا إلى عبدي ترك شهوته من أجلي"14 .

3. الطمأنينة: يقول تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب 15.

4. ينتصر على الشيطان: عن الإمام الصادق عن آبائه عليهم السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه: ألا أُخبركم بشيء إن أنتم فعلتموه تباعد الشيطان عنكم كما تباعد المشرق من المغرب؟ قالوا: بلى، قال: الصوم يسوّد وجهه، والصدقة تكسر ظهره، والحبّ في الله والموازرة على العمل الصالح يقطعان دابره، والاستغفار يقطع وتينه.."16 . فالملاحظ أنّ لكلّ عبادة أثراً خاصّاً يضرّ بإبليس اللعين الذي يتربّص بالبشر الدوائر، ما يُعين المؤمن أكثر على المحافظة على دينه وتقواه وطاعة مولاه..

5. يكون في ظلِّ الله يوم القيامة: عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "سبعة في ظلّ عرش الله عزّ وجلّ يوم لا ظلّ إلّا ظلّه: إمام عادل، وشابّ نشأ في عبادة الله عزّ وجلّ، ورجلٌ تصدّق بيمينه فأخفاه عن شماله، ورجلٌ ذَكر الله عزّ وجلّ خالياً ففاضت عيناه من خشية الله، ورجل لقي أخاه المؤمن فقال: إني لأحبّك في الله عزّ وجلّ، ورجل خرج من المسجد وفي نيّته أن يرجع إليه، ورجل دعته امرأة ذات جمال إلى نفسها فقال: إنّي أخاف الله ربّ العالمين"17 .

6. يُثيبه الله تعالى الجنّة: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "ثلاثة يُدخلهم الله الجنّة بغير حساب: إمامٌ عادل، وتاجرٌ صدوق، وشيخٌ أفنى عمره في طاعة الله" 18.

الإخلاص في العبادة

لا تتحقّّق هذه الآثار وغيرها ما لم تقترن العبادة بالإخلاص لله تعالى، حيث إنّه عمادها، فإذا كان العمل فيه شيء من الشرك الخفيّ أي الرياء وطلب السمعة، فإنّ الآثار المرجوّة من خلال هذه العبادات لا يُمكن أن تتحقّق، كيف ذاك والله خير شريك؟

عن عليّ بن سالم قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "قال الله عزّ وجلّ: أنا خير شريك، مَن أشرك معي غيري في عمل عمله لم أقبله إلّا ما كان لي خالصاً"19 .

عبادة الأحرار
لا شكّ أنّ للعبّاد درجات، كما أنّ للجنّة درجات، يقول تعالى ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلاَ مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الأوْفَى20 . فلكلّ إنسان سعيه في الدنيا، وبمقدار هذا السعي يكون الجزاء والعطاء الإلهيّ. على أنّ هناك من العبَاد من يرغب في ثواب الله وجنّته، ومنهم من يخاف ناره وعذابه، ومنهم من يعبده حبّاً وشكراً له سبحانه على نعمه وإفضاله. ولا شكّ أنّ مثل هذه العبادة هي أعظم عبادة.

فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "بكى شعيب عليه السلام من حبّ الله عزّ وجلّ حتّى عمي، فردّ الله عزّ وجلّ عليه بصره، ثمّ بكى حتّى عمي فردّ الله عليه بصره، ثمّ بكى حتّى عمي فردّ الله عليه بصره، فلمّا كانت الرابعة أوحى الله إليه: يا شعيب إلى متى يكون هذا أبداً منك؟ إن يكن هذا خوفاً من النار فقد أُجِرت، وإن يكن شوقاً إلى الجنّة فقد أبحتك; فقال: إلهي وسيّدي أنت تعلم أنّي ما بكيت خوفاً من نارك، ولا شوقاً إلى جنّتك، ولكن عقد حبّك على قلبي فلست أصبر أو أراك21 ، فأوحى الله جلّ جلاله إليه: أما إذا كان هذا هكذا فمن أجل هذا سأُخدمك كليمي موسى بن عمران"22 .

وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام: "إنّ قوماً عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجّار، وإنّ قوماً عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وإنّ قوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار"23 .

وقد ورد عنه عليه السلام أيضاً: "إلهي ما عبدتك خوفاً من نارك، ولا طمعاً في جنّتك، لكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك"24 .

فإذا أردنا أن نعبد الله فلتكن عبادتنا عبادة حبّ وشكر لا عبادة رغبة وخوف، عبادة تعلّق وهيام وعشق ننسى فيها أيّ عشق آخر، بل لا مكان في قلوبنا حقيقةً لغير الله تعالى، فإذا أحببنا أمراً أو شيئاً معيّناً أو أحداً ما, كان ذلك عبر حبّ الله ورضا الله وفي حبّ الله ورضاه.

وقد قيل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوماً وقد أنهك نفسه بالعبادة: أليس قد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "أفلا أكون عبداً شكورا" 25

وفي الختام
فيا من يريد إصلاح نفسه والفوز برضا وحبّ ربّه هلّا أقبلت على نفسك قليلاً وعاتبتها، ثمّ بعد ذلك روّضتها، حتّى تنهج منهج الصلحاء وتسلك سبيل الأنبياء والأوصياء، وتتأسّى بسيّد البلغاء العابد الزاهد الذي أخذ يُعاتب نفسه فيقول كما ورد عن مولانا العسكريّ، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليهم السلام، وذكر مناجاةً طويلة عنه عليه السلام، قال: "ثمّ أقبل أمير المؤمنين عليه السلام على نفسه يُعاتبها ويقول: أيّها المناجي ربّه بأنواع الكلام، والطالب منه مسكناً في دار السلام، والمسوّف بالتوبة عاماً بعد عام، ما أراك منصفاً لنفسك من بين الأنام، فلو دافعت نومك يا غافلاً بالقيام، وقطعت يومك بالصيام، واقتصرت على القليل من لعق الطعام، وأحييت ليلك مجتهداً بالقيام، كنت أحرى أن تنال أشرف المقام.

أيّتها النفس اخلطي ليلك ونهارك بالذاكرين، لعلّك أن تسكني رياض الخلد مع المتّقين، وتشبّهي بنفوس قد أقرح السهر رقّة جفونها، ودامت في الخلوات شدّة حنينها، وأبكى المستمعين عولة أنينها، وألان قسوة الضمائر ضجّة رنينها، فإنّها نفوسٌ قد باعت زينة الدنيا، وآثرت الآخرة على الأولى، أولئك وفدُ الكرامة يوم يخسر فيه المبطلون، ويُحشر إلى ربّهم بالحسنى والسرور المتّقون
"26 .

* وموعظة للمتقين , سلسلة الدروس الثقافية , نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


1-سورة هود، الآيتان: 118 و119.
2- سورة الليل، الآية: 12.
3- سورة الغاشية، الآية: 21.
4- سورة الشمس، الآية: 8.
5- سورة الدهر، الآية: 3.
6- سورة الذاريات، الآيات: 56-58.
7- سورة الملك، الآية: 2.
8- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج5، ص175.
9- علل الشرائع، الصدوق، ج1، ص9.
10- سورة طه، الآيتان: 131-132.
11- سورة الذاريات، الآيات: 56ـ 58.
12- سورة القصص، الآية:14.
13- أعلام الدين في صفات المؤمنين، الديلمي، ص296.
14- ميزان الحكمة، الريشهري، ج2، ص1401.
15- سورة الرعد، الآية 28.
16- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج66، ص380.
17- م. ن، ج 66، ص377.
18- ثواب الأعمال، الصدوق، ص133.
19- الكافي، الكليني، ج2، ص295.
20- سورة النجم، الآيات:39-41.
21- قال الصدوق (رض): يعني بذلك عليه السلام: لا أزال أبكي أو أراك قد قبلتني حبيباً.
22- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج12، ص380.
23- نهج البلاغة، ج4، ص53.
24- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج67، ص186.
25- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج11، ص247.
26- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج11، ص253.

2015-02-03