يتم التحميل...

حبّ الجاه

مواعظ الكتاب

لقد أودع الله سبحانه وتعالى في الإنسان ميولاً ورغبات، وأودع فيه قوى باطنيّة كالشهوة والغضب، لأجل الحفاظ على النوع الإنسانيّ واستمرار البشريّة، ولأجل محافظة الإنسان على نفسه والدفاع عنها.

عدد الزوار: 96

يقول الله تعالى في محكم كتابه: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ.
(سورة القصص، الآية:83)

تمهيد
لقد أودع الله سبحانه وتعالى في الإنسان ميولاً ورغبات، وأودع فيه قوى باطنيّة كالشهوة والغضب، لأجل الحفاظ على النوع الإنسانيّ واستمرار البشريّة، ولأجل محافظة الإنسان على نفسه والدفاع عنها. لكن قد يستخدم الإنسان هذه القوى بشكل إفراطيّ، وقد يفرّط بها فيبتعد عن جادّة الحقّ والصواب، وهي الحدّ الوسط الّذي ينبغي للإنسان أن يسير عليه، بحيث لا يغفل عند استخدامه لهذه القوى عن الهدف الذي وجدت لأجله.

فبعض الناس يحبّ المال حبّاً جمّاً، وبعض لا همّ له سوى السعي خلف الجمال، وآخرون يسعون نحو الجاه والمنصب والسمعة، ويطلبون الوجاهة في هذه الدنيا، ويحبّون أن يكونوا موضع احترام الناس وتقديرهم، ومنهم من يريد أن ينحني أمامه الناس ـ كفرعون ـ ولا يحبّ أن تجري الأمور إلّا من خلاله، وعبره، ويطلب الناس حوائجهم منه هو بالذات، فهو يرى أنّه أرفع شأناً من الجميع، يجب أن يكون الكلام له فقط، وصدر المجلس له فقط، حتّى لو كان في الواقع أقلّ الناس فهماً ودراية. هذا الشخص الراغب للوصول إلى أعلى المراتب والمقامات طلباً للرِفعة يُسمَّى بمحبّ الجاه والسلطة.

خطورة حبّ الجاه

إنّ هذه الرذيلة تُعتبر مصدراً لكثير من المفاسد، فهي من ناحية تبعد صاحبها عن الخالق سبحانه، ومن ناحية أخرى تبعده عن الناس من حيث لا يشعر. وصاحب هذه الرذيلة يتوخّى شتّى الطرق للوصول إلى مراده وتحقيق أهدافه وإشباع ميوله ورغباته، مقتحماً بها المهالك والمخاطر. والأخطر من ذلك كلّه أنّها تظهر لصاحبها بثوبها الجميل، وصورتها الحسنة بحيث لا يلتفت صاحبها إلى أنّه ممقوت من الله والناس، فتظهر له على أنّ عمله هذا الذي يقوم به بدافع الإحساس بالمسؤولية ـ لا حبّ الجاه ـ أو بدافع العزم على أداء الواجبات الاجتماعية ـ لا طلب الرئاسة ـ ولا يظنّ أحدٌ أنّه نقيّ من هذه الرذيلة، وأنّه غير مبتلى بهذه الخصلة السيئة، فإنّ هذا الظنّ نفسه من وسوسات إبليس ليظهر هذه الرذيلة بردائها الجميل لصاحبها.

نعم، هذه الصفة هي عند الصغار والشباب اليافعين قليلة وغير بارزة، لكن كلّما تقدّم الإنسان في السنّ قليلاً كلّما كبرت وازدادت وتأصّلت، وقد ترافق الإنسان طيلة حياته حتّى سكرات الموت، وتتلاشى كلّ قوى الإنسان وتضعف كلّ رغباته وميوله إلّا هذه الرذيلة ـ حبّ الجاه ـ فإنّها تقوى وتشتدّ، فقد اشتهر أنَّ "آخر ما يخرج من قلوب الصدّيقين حبّ الجاه".

السامريّ والعِجل
عندما نقرأ سورة طه في القرآن الكريم نجد قصّة النبيّ موسى عليه السلام. وقد تعرّض القرآن لقصّة هذا النبيّ العظيم عدّة مرّات، ذاكراً ما جرى له مع بني إسرائيل ومع فرعون، وفي مواضع متعدّدة من سُوَرِه، لكن في هذه السورة بالخصوص تعرّض لمقطع مهمّ من فصول ومواقف بني إسرائيل، فبعد أن أنجاهم الله من عدوّهم، وبعد مواعدتهم من جانب الطور الأيمن وإنزال المنّ والسلوى عليهم، ختم بقصّة السامريّ وكيف استطاع هذا الرجل أن يضلّ قوم موسى عليه السلام ليعبدوا العجل بدل الواحد الأحد.

تقول الآيات الكريمة: ﴿قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ * فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي * قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ * فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ1.

﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ * قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي * قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لاَ مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً2.

لمّا وعد الله موسى أن ينزّل عليه التوراة والألواح إلى ثلاثين يوماً، أخبر بني إسرائيل بذلك، وذهب إلى الطور وخلّف أخاه هارون على قومه. فلمّا مضى ثلاثون يوماً ولم يرجع موسى عليه السلام إليهم عصوا وأرادوا أن يقتلوا هارون عليه السلام قائلين: إنّ موسى كذب وهرب منّا، بعد أن جاءهم إبليس في صورة رجل فقال لهم: إنّ موسى قد هرب منكم ولا يرجع إليكم فاجمعوا حليّكم حتّى اتّخذ لكم إلهاً تعبدونه3.

وكان السامريّ ـ على بعض الروايات ـ من خيار أصحاب موسى عليه السلام، وقد شاهد جبرائيل يوم أغرق الله عزّ وجلّ فرعون في اليمّ، وأخذ من أثر فرس جبرائيل تراباً احتفظ به.
وبعد أن قدّموا الحليّ الّتي معهم ـ وقيل إنّها من بقايا حليّ آل فرعون وقيل الأقباط ـ صنع لهم السامريّ العجل، ورمى الأثر في جوف العجل فصدر منه الخوار، عندها سجد له بنو إسرائيل4.

فما الذي دعا السامريّ إلى هذا الفعل؟
الجواب: ما قاله السامريّ لنبيّ الله موسى عليه السلام، عندما أخبره بما رأى وبما فعل، إذ ختم كلامه ﴿كَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي.

عبر من القصّة

إنّ في هذه القصّة العديد من العبر، نذكر منها:
1ـ أنّ نبيّ الله موسى عليه السلام عندما عاد إلى قومه غضبان ممّا أقدموا عليه، لم تأخذه في الله لومة لائم، ووقف أمامهم وهم آلاف يهدّدهم ويتوعّدهم ويصرخ في وجوههم غضباً لله سبحانه!

2ـ لقد بدأ نبيّ الله بأخيه هارون، مشيراً إلى قومه أنّ هذا الأمر الذي قاموا به ارتداد وكفر ولا بدّ من معاقبة الفاعل ﴿قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ5. وعندها بيّن له نبيّ الله هارون عليه السلام أنّ القوم استضعفوه، ولم يسمعوا كلامه وقد تصدّى لهم لكنّهم كادوا يقتلونه.

3ـ فعلُ السامريّ الّذي سوّلت له نفسه هذا العمل وهذا الأمر، لم يكن إلا من حبّ الجاه والسلطة، ولكي يتزعّم على القوم بعد نبيّ الله موسى عليه السلام. فقد كان يترقّب الفرصة لكي يُظهر ما في نفسه، وأدّت به هذه الرذيلة ليضلّ قوماً بأسرهم إرضاءً لرغبته وميوله.

وهكذا تصل هذه الرذيلة بصاحبها إلى أخسّ المواقف ليرتكب أعظم الرذائل إرضاءً لها، وهذا ما حصل مع فرعون ومع قارون من بني إسرائيل.

عاقبة السامريّ
يُنقل أنّ السامريّ قد ابتليَ ـ بعد دعاء النبيّ موسى عليه السلام ـ بعرض نفسيّ ووسواس شديد بحيث صار يخاف من جميع الناس، فإذا ما اقترب منه أحد صاح به "لا مساس" ﴿قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لاَ مِسَاسَ6. فالّذي كان يطمع أن يستحوذ على قلوب الناس والوصول للمنصب والرئاسة كانت عاقبته أن أفرده الله من المجتمع وانزوى عن الناس قاطبة وأصبح يخاف من كلّ واحد منهم.

نماذج أخرى
ونلاحظ في الآيات التي تحدّثت عن قارون في سورة القصص، أنّه كان يحبّ الظهور والبروز والعلوّ في الأرض، وباع كلّ شيء لأجل حبّه للجاه والمقام، فما كانت عاقبة أمره؟ خسف به الله الأرض وجعله عبرة لبني إسرائيل، ولكلّ من فيه هذه الصفة ويريد أن يحذو حذوه. وختمت حياة قارون باللّعن الإلهيّ إلى الأبد ثمّ أنهت الآيات القرآنية هذه القصّة بقوله تعالى ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ 7، فإنّ الّذي يُفهم من هذه الآية الكريمة أنّ الذي يريد الجاه والعلوّ في الأرض، ستؤول به الأمور إلى الإفساد في الأرض لكي يصل إلى مآربه وتحقيق رغباته، ولا يقف عند حدّ في تحقيق هذه الرغبات.

أهل البيت وآية لا يريدون علواً
عندما آلت الخلافة إلى أمير المؤمنين عليه السلام، كان يخرج بنفسه إلى السوق، فيرشد الضالّ ويساعد الضعيف، وعند مروره بجانب الباعة والكسبة كان يقرأ عليهم هذه الآية ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ... .

وفي حديث آخر أنّ الإمام الصادق عليه السلام بكى عندما تلا هذه الآية، وقال: "ذهبت والله الأماني عند هذه الآية"8.

ولعلّ مراد أهل البيت عليهم السلام أنّ الله سبحانه قد جعل الآخرة لمن لا يريدون الزعامة والجاه في هذه الدنيا، وهو أمر صعب للغاية، بسبب الطبيعة البشريّة الميّالة لحبّ الرفعة والظهور بحيث لا يقدر عليها إلّا من اجتباه الله تعالى. وحبّ الجاه آخر ما يخرج من قلوب الصدّيقين، وهذا أمر صعب للغاية ومعناه أن لا تبقى أيّ أمنية لمؤمن في هذه الحياة الدنيا.

حبّ الجاه وإفساده للعقيدة

لقد وردت الروايات في هذه الرذيلة تارة بعبارة حبّ الجاه، وأخرى بعبارة حبّ الشرف، وثالثة بحبّ الرئاسة.
ففي الحديث عن أبي الحسن عليه السلام: "ما ذئبان ضاريان في غنم قد تفرّق رعاؤها بأضرّ في دين المسلم من الرئاسة"9.
وتأسيساً على ذلك، فإنّ حبّ الجاه والثروة وعبادة المقام أمور تمثّل عناصر خطيرة على مستوى تخريب الإيمان في أعماق النفس، تماماً كما هو الحال في علاقة الذئب وزريبة الغنم.
وفي حديث آخر عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "حبّ الجاه والمال يُنبتان النفاق في القلب كما ينبتُ الماءُ البقلَ"10.

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم في معرض حديثه عن الجذور الأصليّة للذنوب قال: "أوّل ما عُصيَ الله تبارك وتعالى بستّ خصال: حبّ الدنيا وحبّ الرئاسة وحبّ الطعام وحبّ النساء وحبّ النوم والراحة"11.
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ حبّ الشرف والذِّكر لا يكونان في قلب الخائف الراهب"12.

طلب الرئاسة بحقّ
قد يخطر على بال بعض الناس من خلال ما سقناه من ذمّ طلب الرئاسة أنّها مذمومة مطلقاً، وهذا ما لا نقصده حيث إنّها قد تكون محمودة إن كان فيها خدمة الناس والدعوة لله تعالى، وهذا ما جرى مع نبيّ الله يوسف عليه السلام إذ قال لحاكم مصر ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ13 ، فلو كان طلب الرئاسة مرفوضاً مطلقاً لما صدر مثل هذا الطلب عن نبيّ معصوم. ففي الواقع إنّ الذين يطلبون الرئاسة لأغراض اجتماعية وإنسانية، فيها رضى لله تعالى، يخدمون الأهداف الإلهيّة ومن ضمنها إقامة حكم الله على الأرض ويساهمون في تكامل الإنسانيّة. لذلك نجد الإمام عليّاً عليه السلام لا رغبة له في الحكومة والرئاسة إلّا لأنّها أداء للتكليف الإلهيّ، ولا تساوي عنده عفطة عنز، ولا شسع نعل، إلّا أن يقيم حقّاً ويعين مظلوماً، وهو القائل: "أما والّذي برأ النسمة لولا حضور الحاضر وقيام الحجّة بوجود الناصر وما أخذ الله على العلماء ألّا يقارّوا على كظّة ظالم ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أوّلها"14. وقال عليه السلام أيضاً لابن عبّاس حين رآه يصلح نعله: ما قيمة هذه النعل؟ فقال: "لا قيمة لها، قال عليه السلام: والله لهي أحبّ إليّ من إمرتكم إلّا أن أقيم حقّاً أو أدفع باطلاً"15.

أبرز علامات محبّ الجاه
إن حبّ الجاه والمقام يظهر من خلال حركات الإنسان وكلماته وسلوكه، فكلّ ما يقوم به من عملِ خيرٍ فهو يرغب في الإعلان عنه لتكون له المنزلة عند الناس. لذلك نجد محبّ الجاه غالباً ما يتحرّك في سلوكه الأخلاقيّ نحو الرياء لأنّ حبّ الجاه لا يمكن إشباعه إلّا بالرياء، بل قد ينسب الخير إلى نفسه وإن لم يفعل منه شيئاً، ويحبّ أن يُحمد عليه، قال تعالى: ﴿وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا16 لأنّ الهدف الشهرة والجاه والسمعة بأيّ طريق.

ومن يحبّ أن يُمدح بما لا يقوم به فضلاً عما يقوم به، فهو لا يريد التقرّب إلى الله، ولا خدمة الناس والمجتمع، أكثر من خدمة نفسه وإشباع ميوله. وهذا الشخص لا يتقبّل النقد والتوجيه أبداً، وليس مستعدّاً لسماع النصيحة والموعظة، ونموذج فرعون واضح في هذا المراد إذ قال لقومه: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى 17﴿مَا أُرِيكُمْ إِلاَ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَ سَبِيلَ الرَّشَادِ 18.

علاج حبّ الجاه
فمن وجد في نفسه ـ وهو أعلم بها من غيره ـ حبّ الجاه والظهور لا بدّ له وقبل أن يفوته قطار الكمال الإلهيّ أن يسعى جاهداً لمعالجة هذه الرذيلة بالأمور التالية:

1ـ أن يتعرّف إلى سيّئات وعواقب هذه الرذيلة الدنيويّة والأخرويّة، فهذه الرذيلة تُبعد الإنسان عن الله سبحانه، كما وتُبعده عن الناس أيضاً، وهي ستجرّ صاحبها إلى الرياء والكبر والإفساد. وغير ذلك ممّا تحدثنا عنه.

2ـ أن يطالع قصص الماضين من الفراعنة وقارون والسامريّ، وبعض الملوك كيف كانت عاقبة أمورهم في الدنيا، وما ستكون في الآخرة، عسى أن يكون في قصصهم عبرة، ورادع عن هذه الرذيلة.

3ـ أن يضع الشخص نفسه في حالة يُميت بها (حبّ الجاه)، بأن يجلس في المجالس العامّة ومع الأفراد العادّيين، لا مع الشخصيّات اللّامعة والمرموقة، وأن يلبس متوسّط الثياب، ويأكل من متوسّط الطعام. وهكذا بالنسبة للسيارة والمنزل وسائر الاحتياجات الشخصيّة والعائليّة. وقد اشتهر هذا البيت من الشعر:

حبّ التناهي شطط                  خير الأمور الوسط

وبهذا الطريق الوسط يقرب من الفقراء، ولا يكون هناك فرق شاسع بينه وبينهم، وبذلك يكون قد رحمهم ورحم شعورهم وأحاسيسهم، وفي نفس الوقت يكون قد ابتعد عن الجاه والمنصب الذي يدعوه ميله ورغبته إليه فيميته ويتخلّص منه.

وحذارِ من تصرّفات بعض الصوفية الّتي تكون مخالفة للشرع الحنيف، والقيام ببعض التصرّفات الّتي يؤذي فيها نفسه أو سمعته أو يقوم بأيّ شيء لا يرضى الله به. لذلك العلاج الّذي قدمناه يتناسب مع الشرع، وأيّ شيء خلاف الشرع لا يمكن أن يكون مقرّباً إلى الله تعالى، حيث إنّه لا يطاع الله من حيث يعصى.

* وموعظة للمتقين ، سلسلة الدروس الثقافية ، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


1- سورة طه، الآيات: 85 ـ 88.
2- سورة طه، الآيات: 95 ـ 97.
3- تفسير القمي، علي بن إبراهيم القمي، ج2، ص62.
4- م. ن.
5- سورة الأعراف، الآية:150.
6- سورة طه، الآية: 97.
7- سورة القصص، الآية: 83.
8- تفسير علي بن إبراهيم، ج2، ص146.
9- الكافي، الكليني، ج2، ص297.
10- المحجّة البيضاء، ج 6، ص 112.
11- الخصال، الصدوق، ج 1، ص 330.
12- الكافي، الكليني، ج 2، ص 69.
13- سورة يوسف، الآية:55.
14- نهج البلاغة، الخطبة 3.
15- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج32، ص76.
16- سورة آل عمران، الآية: 188.
17- سورة النازعات، الآية: 24.
18- سورة غافر، الآية: 29.

2015-01-27