المدارس الفكرية للكمال الإنساني
فكر الشهيد مطهري
هناك العديد من المدارس الفكريّة الّتي تعرّضت لفكرة "الإنسان الكامل"، كما وتعرّضت المدرسة القرآنيّة الإسلاميّة لذلك، وسنقوم بدراسة هذه المدارس جميعها عارضين في الأثناء التصوّر الإسلاميّ للإنسان الكامل.
عدد الزوار: 106
تمهيد
هناك العديد من المدارس الفكريّة الّتي تعرّضت لفكرة "الإنسان الكامل"، كما
وتعرّضت المدرسة القرآنيّة الإسلاميّة لذلك، وسنقوم بدراسة هذه المدارس جميعها
عارضين في الأثناء التصوّر الإسلاميّ للإنسان الكامل.
1- المدرسة العقليّة
وهي تلحظ الإنسان من زاوية العقل باعتباره جوهر الإنسانيّة. ويرى فلاسفة هذه
المدرسة ومنهم ابن سينا أنّ الإنسان الكامل هو الإنسان الحكيم.
والحكمة على نوعين:
أ- نظريّة: وهي تعني الرؤية الكلّية الّتي يحملها المرء عن الوجود ككلّ،
فالإنسان الحكيم هو الّذي يعلم مبدأ العالم ومنتهاه ومراحل تطوّره والقوانين
الكليّة السائدة فيه، فيصبح عالِماً بكلّ المسائل الخارجيّة. وبتعبيرهم "صيرورة
الإنسان عالَماً عقليّاً مضاهياً للعَالم العينيّ".
ب- عمليّة: تُعني تسلُّط الإنسان على قِواه وغرائزه، بحيث تكون منقادةً لحكم
العقل لا حاكمةً عليه. والإنسان الكامل هو الجامع للحكمتين.
المدرسة العقليّة تحت المجهر
إنّ هذه المدرسة تعتبر العقل جوهر الإنسان وحقيقته، وأمّا القوى الروحيّة كالحبّ
والشهوة والغضب فهي أدوات بيد الفكر والعقل، ويرى الفلاسفة المسلمون المتبنّون لهذه
المدرسة أنّ الإيمان الّذي دعا القرآن المسلمين للتحلّي به يعني معرفة العالم
معرفةً كلّية لا تفصيليّة ومعرفة مبدئه ومنتهاه والنظام الحاكم فيه.
ولقد عارضت هذه المدرسة مدارس أخرى، كالمدرسة العرفانيّة، ومدرسة أهل الحديث
والأخباريّين الّتي تُنكر هذه القيمة الكبيرة للعقل، والمدرسة الحسيّة الّتي ظهرت
في العصر الحديث، والّتي ترى أنّ الحسّ هو الأساس في المعرفة الإنسانيّة، وأنّ
العقل تابع له فهو كالمصنع وظيفتُه تحليل ما يرده من موادٍ خامٍ عن طريق الحواس لا
أكثر.
أصالة المعرفة العقليّة
وينبغي في هذه المدرسة تسليط الضوء على موضوعٍ مهمٍّ جدّاً ومعرفة رأي الإسلام
فيه، وهو "أصالة المعرفة العقليّة"، أي هل يمكن الاعتماد على المعرفة العقليّة؟ وهل
العقل قادرٌ فعلاً على اكتشاف حقائق العالم والوجود؟
فالكثيرُ من المدارس تُشكّك في قدرة العقل على المعرفة والاكتشاف، ولذلك لا تمنحه
منزلةً عظيمةً. أمّا الإسلام فإنّه يمنح العقل قيمةً لا يضاهيه فيها أيّ دينٍ أو
مدرسةٍ أخرى، وبأدنى مقارنة بين الإسلام والمسيحيّة يظهر هذا الأمر جليّاً.
فالمسيحّية ترى للعقل حقّ التدخّل في أمورٍ كثيرةٍ، ولكن تحرّم عليه الدخول في
منطقة الإيمان، وليس له أن يسأل ويجيب، ووظيفة رجال الدين صدّه عن الدخول فيها.
وأمّا في الإسلام فينعكس الأمر تماماً، بل إنّه لا يحقّ لغير العقل أن يتدخَّل في
أصول الدين، فلا يصحّ من أيّ إنسان أن يعتنق التوحيد بلا دليل، أو عن طريق التقليد
أو بواسطة منامٍ رآه، والمطلوب أن يكون إيمانه نتيجة التحقيق المستند إلى الدليل
والبرهان.
والقرآن الكريم لا يفتأ يذكر العقل، كما أنّ أحاديث المعصومين مليئة بالكلام عن
أهميّة العقل، ويكفي الرجوع إلى الباب الأوّل من كتاب أصول الكافي لملاحظة ذلك، حيث
سنجد كتاب العقل المتضمّن لأحاديث كثيرة تدافع عن العقل وتبرز أهميّته ومنزلته،
ونتبرّك بذكر الحديث التالي:
عن هشام بن الحكم قال: قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام: "يا هشام إنّ
الله تبارك وتعالى بشّر أهل العقل والفهم في كتابه فقال:
﴿فَبَشِّرْ
عِبَاد ِ* الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ
الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ﴾1.
يا هشام إنّ الله تبارك وتعالى أكمل للناس الحجج بالعقول، ونَصَر النبيّين بالبيان،
ودلّهم على ربوبيّته بالأدلّة...
"يا هشام إنّ لله على الناس حجّتين: حجّة ظاهرة وأخرى باطنة، فأمّا الظاهرة
فالرسل والأنبياء والأئمّة عليهم السلام وأمّا الباطنة فالعقول..."2.فهل
يوجد تعظيم للعقل أكبر من ذلك؟!
الإسلام والمعرفة العقليّة
نعم إنّ الإسلام يرى العقل حجّةً يمكن الاعتماد عليها، وهو يتّفق بهذا المقدار مع
المدرسة العقليّة، إلّا أنّه يختلف معها في جعلها إيّاه الأساس وجوهر الإنسانيّة،
وفي جعلها ما سواه أداةً بيده، وفي تفسيرها للإيمان بأنّه معرفةٌ بالله ورسله
وملائكته واليوم الآخر فحسب.
إنّ العقل في الإسلام جزء مهمّ من وجود الإنسانيّة، كما أنّ الإيمان أعمق بكثير من
المعرفة، إنّه ميل وتسليم وخضوعٌ ومحبّة واعتقاد، ولا يكفي مجرّد العلم
والمعرفة،وإن كانت أحد أركان الإيمان إلاّ أنّها ليست كلّ الإيمان، فقد يعلم المرء
بشيءٍ ولا يحبَّه ولا يميل إليه فهل يُقال إنّه مؤمن به؟!
كثيرون في الكيان الصهيونيّ مختصّون بالإسلام وبشؤون العالم العربيّ فهل يُقال
بأنّهم يحبّون الإسلام ويؤمنون به؟! والواقع أنّهم ينصبون له العداء.
والنموذج الآخر هو الشيطان، فهو يعرف الله أكثر من الكثيرين، فقد عبد الله آلاف
السنين، وهو يعرف ملائكته فقد كان في صفّ الملائكة كذلك. وهو يعرف رسله أيضاً
ويعتقد باليوم الآخر. قال تعالى حكايةً عنه:
﴿قَالَ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾3
ولكن مع كلّ ذلك ينعته القرآن بالكفر ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ
مِنَ الْكَافِرِينَ﴾4.
.
لو كان الإيمان يعني مجرّد العلم والمعرفة لكان الشيطان جديراً بوصف الإيمان،
ولكنّه لمّا كان معانداً للحقيقة - رغم معرفته بها- غير مسلِّمٍ بها ولا يتحرّك
باتجاهها كان مستحقّاً لوصف الكفر.
نقاط في سجلّ مدرسة العقل
1- إنّ العقل حجّةٌ يمكن التوصّل به للمعرفة والوثوق بها.
2- ليس العقل وحده هو جوهر الإنسان.
3- إنّ الإيمان لا يعني العلم والمعرفة فقط بل هو أكبر من ذلك.
أصالة الإيمان
ولعلّ هذه النقطة الثالثة بحاجةٍ إلى بعض التوضيح:
عندما نقول إنّ شيئاً ما أصيل يعني أنّه بحدّ ذاته مطلوبٌ وهدف، لا أنّه غايةٌ
ووسيلةٌ، فجدران المنزل والسقف والنوافذ هدفٌ لصاحب العمار فهي أمورٌ أصيلةٌ، ولكن
لا يُحقَّق هدفه هذا بدون قواعد للبناء، فالقواعد ليست أصيلةً لأنّها غير مطلوبةٍ
لذاتها. وإذا اتضح الفرق بين الأصيل وغيره نسأل:
هل الإسلام عندما يطرح قضيّة الإيمان بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر، يطرحها
على أساس أنّها أصيلةُ في الرؤية الإسلاميّة، أم أنّها غير أصيلةٍ ومجرّد قواعد
للبناء، والغاية كلّ الغاية في العمل ليس إلّا؟
الصحيح أنّها أصيلةٌ وهي شرطٌ أساس في قبول الأعمال، ولو جرّدنا العمل عن الإيمان
لم يصل إلى أيّ نتيجة لأنّه فاقد لشرطه الأساس وهو الإيمان، كما ولو جرّدنا الإيمان
عن العمل لم يبق أثر للإيمان. يقول تعالى:
﴿... إِلَّا
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ...﴾5
ويقول أمير المؤمنين عليه السلام:"إنّ الله سبحانه وتعالى جعل الذكر جلاءً6
للقلوب، تسمع به بعد الوقرة7، وتبصر به بعد العشوة8،
وتنقاد به بعد المعاندة، وما برح لله عزّت آلاؤه في البرهة بعد البرهة، وفي زمان
الفترات9، عباد ناجاهم في فكرهم10، وكلّمهم في
ذات عقولهم..."11.
نستنتج ممّا تقدَّم أنّ الإنسان الكامل في منظور الفلاسفة إنسان ناقصُ من منظور
الإسلام، إنّه ليس سوى تمثال من المعرفة، إنّه يعلم كلّ شيء ولكنّه خالٍ من
الإيمان, من التسليم والمحبّة.
2- المدرسة الصوفيّة
وهي تلحظ الإنسان من زاوية العشق، ومتعلّق العشق فيها هو الله تعالى، وهي ترى أنّ
الإنسان في حركةٍ معنويّةٍ دائمةٍ نحو الله ﴿يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ
كَادِ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ﴾12.
وتبدأ هذه الحركة صعوديّةً باتجاه الله لتنتهي أفقيّةً. والقول الفصل في هذه
المدرسة هو للروح لا للعقل والبرهان، بل إنّ العقل أداة بيد الروح الّتي هي
جوهرالإنسانيّة، وبما أنّ الروح من عالم العشق فيقدَّم على العقل، والغاية القصوى
هي الفناء في الله.
المدرسة الصوفيّة تحت المجهر
لتوضيح الرؤية الإسلاميّة من هذه المدرسة نتعرّض لخمس نقاط مهمّة:
الأولى: الإسلام يقبل القلب
إنّ الإسلام يقبل القلب ولا يحتقر العقل، إنّه يلتفت إلى الظاهر والباطن على حدٍّ
سواء، وبهذا يصطدم مع المدرسة الصوفيّة الّتي تعطي جُلَّ اهتمامها للباطن دون
الظاهر وللفرد دون المجتمع.
يقول تعالى: ﴿مُحَمَّد
رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ
بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ
وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ
فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ
فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ
بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواالصَّالِحَاتِ
مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيم﴾13.
لاحظ الحسّ الاجتماعي الموجود عند النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأتباعه. إنّهم
يقفون بقوّةٍ وصلابةٍ في مواجهة أعداء الحقيقة، ولكنّهم رُحَمَاءُ فيما بَيْنَهُمْ
ويعطفون على بعضهم. وهذا الحسّ لا يلغي سيرهم المعنويّ نحو الله تعالى بل تراهم
يكثرون السجود والركوع. ويلحّون في طلب مرضاة الله لعدم اقتناعهم بأعمالهم واتهامهم
لأنفسهم على الدوام.وهذه صفات أصحاب الإمام الحجّة باعتبارهم نماذج للمسلم الكامل "رهبانٌ
في الليل ليوثٌ في النهار".
الثانية: الصوفيّة تستهين بالعقل
تستهين هذه المدرسة بالعقل، بل ويتعجّب الصوفيّة من رؤية حكيمٍ ذي مكانةٍ سامية.
يُروى أنّ الشيخ الرئيس ابن سينا التقى أحد كبار المتصوّفة "أبا سعيد أبا الخير"
وقد اختليا معاً ثلاثة أيّام.
وبعد أن افترقا سُئل كلُّ واحدٍ منهما عن رأيه في الآخر. فقال ابن سينا: "إنّه
يرى ما نعرفه". وقال أبو سعيد: "إنّ ما نراه نحن يصل إليه هذا الأعمى بعصاه".
لاحظ مدى التحقير الّذي يكنّه الصوفيّ للعقل.
هل ينسجم الإسلام مع هذه الرؤية؟
من الواضح أنّ الإسلام لا ينسجم مع هذه الرؤية، ويكفي لملاحظة ذلك مراجعة ما تقدّم
عند تقييمنا لمدرسة العقل، بل إنّ أمير المؤمنين عليه السلام والّذي يُعبَّر عنه
عند رجال التصوّف شيعيّهم وسنيّهم بـ "قطب العارفين" إذا راجعنا كلماته لوجدنا أنّه
لا يستهين مطلقاً بالعقل، بل نجده أحياناً فيلسوفاً يقوم بالاستدلالات العقليّة بما
لا يبلغ شأوه أعظم الفلاسفة.
الثالثة: تهذيب النفس
ترى هذه المدرسة أنّ تهذيب النفس هو السبيل للوصول إلى مرحلة الإنسان الكامل.
ولمزيد من التوضيح سنتحدّث عن "أنا" الإنسان الحقيقيّة وأنّها ما هي؟
ترى الفلسفة أنّ "أنا" الإنسان هي نفسه وروحه. أمّا علم النفس الحديث فيذهب إلى
أعمق من ذلك، حيث يرى أنّ "أنا" تنقسم إلى قسمين: "أنا" الباطنة وهي غائبة عن حسّ
الإنسان. و "أنا" الظاهرة وهي الّتي يشعر بها الإنسان.
أمّا العرفان فيتفوّق على كلا الرأيين، فيقول إنّ "أنا" الإنسان الحقيقيّة يمكن
اكتشافها عند اكتشاف الله، وبتعبير آخر إنّ شهود الأنا لا يختلف عن شهود "الله".
يقول تعالى: ﴿وَلا
تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ
الْفَاسِقُونَ﴾14..
ومن هنا فكلّما كان التفات الإنسان إلى أعماقه وتصفية باطنه تحت إشراف إنسان أكمل
أكبر، كلّما كان أقدر على الوصول إلى الكمال. ونهاية الطريق عند العارف هو الوصول
إلى حيث لا حجاب بين السالك وربّه: ﴿مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ
فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾15،فالعارف
لا يقول إنّه سيصل إلى حيث يصبح عالَماً من الفكر بل إنّه سيصل إلى مركز العالم
والوجود.
﴿يَا أَيُّهَا
الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيه﴾16.
وحينها سيصير الإنسان مظهراً تتجلّى فيه جميع أسماء الله وصفاته. وسيكون له كلّ
شيء مع أنّه لا يريد شيئاً لأنّه مشغولٌ بما هو فوق كلّ شيء.
هذا هو الإنسان الكامل في العرفان فما هي وجهة نظر الإسلام؟
لا شكّ أنّ الإسلام أولى مسألة تهذيب النفس وتزكيتها أهميّةً كبرى. فبعد أن يُقسم
الله تعالى أحد عشر قسَماً متوالياً يقول:
﴿قَدْ أَفْلَحَ
مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَ﴾17.
ويقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "من أخلص لله أربعين صباحاً جرت
ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه"18.
والإخلاص يعني أن تكون حياة الإنسان كلّها في سبيل الله، بعيدةً عن سخطه تعالى،
منزّهة عن اتباع الهوى. فإذا وِّفق الإنسان لذلك أربعين صباحاً تدفّقت ينابيع
المعرفة من باطنه وجرت على لسانه وهذا هو ما يسمى بالعلم اللدنيّ.
﴿فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا
وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْما"﴾19. ولا يشترط في تحقّق هذا
العلم اللدنيّ أن يكون المرء نبيّاً فقد سمع عليّ عليه السلام ما سمعه رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم من عالم الغيب والملكوت ولم يكن نبيّاً: "ولقد سمعت رنّة
الشيطان حين نزل الوحي عليه صلى الله عليه وآله وسلم. فقلت يا رسول الله ما هذه
الرنّة؟ فقال: هذا الشيطان قد أيّس من عبادته. إنّك تسمع ما أسمع وترى ما أرى، إلاّ
أنّك لست بنبيّ، ولكنّك وزير وإنّك لعلى خير20.
يقول النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "ولولا تكثير في كلامكم وتمزيجٌ في
قلوبكم لرأيتم ما أرى ولسمعتم ما أسمع"21.
نعم لولا أنّ الكثير منّا يقع في المعصية أحياناً ويغفل عن نفسه لصافح الملائكة
ولمشى على وجه الماء.
يقول الإمام عليّ عليه السلام متحدّثاً عن صفات السالك نحو ربِّه: "قد أحيا
عقله، وأمات نفسه22، حتّى دقّ جليله23، ولطف
غليظه24، وبرق له لامع كثير البرق، فأبان له الطريق، وسلك به
السبيل، وتدافعته الأبواب25 إلى باب السلامة، ودار الإقامة،
وثبتت رجلاه بطمأنينة بدنه في قرار الأمن والراحة، بما استعمل قلبه، وأرضى ربَّه"26.
هنا يصل السالك إلى حيث لا يكون الأثر دليلاً على وجود المؤثِّر بل يكون الحقّ
تعالى أجلى وأظهر عنده من نفسه، كما قال الإمام الحسين عليه السلام: "أيكون
لغيرك من الظهور ما ليس لك حتّى يكون هو المظهر لك؟ متى غبت حتّى تحتاج إلى دليل
يدلّ عليك، ومتى بَعُدت حتّى تكون الآثار هي الّتي توصل إليك؟ عميت عينٌ لا تراك
عليها رقيبا"27.
الاعتراض على المدرسة الصوفيّة
ولكنّ هذه المدرسة تحصر سبيل الوصول بالاعتماد على القلب فقط، أو فقل مركز العشق
والمعشوق الحقيقيّ هو الله تعالى. وإذا أراد الإنسان أن يصل إلى معشوقه فعليه أن
يضع الاستدلال والبرهان جانباً ويركِّز فقط على تهذيب نفسه والسيطرة على خواطره،
بحيث لا يسمح لغير الله أن يسكن فؤاده وعقله وعندها سيجد الله في أعماق نفسه.
يحكي "مولويّ" قصّةً رمزيّة عن رجلٍ كان يدعو الله سبحانه دائماً أن يوفّقه للعثور
على كنزٍ. وفي إحدى الليالي رأى في منامه رجلاً يُبلغه أنّه مأمو بإرشاده إلى كنزٍ
معيّن. فيصف له مكاناً ويطلب منه الذهاب إليه ومعه قوس وسهم، وهناك فليرمِ السهم
وحيثما يسقط فإنّه سيجد الكنز.
استيقظ الرجل مسروراً بما رآه. وفعلاً قام بتنفيذ ما أمره الرجل به إلّا أنّه عندما
وصل إلى المكان المعيّن التفت إلى أنّ الرجل لم يحدّد له اتجاه رمي السهم، فقام
برميه باتجاه القبلة لعلّ الله يوفّقه للوصول إلى الكنز إلّا أنّه وللأسف لم يجد
الكنز في موضع سقوط السهم، فقام برميه في اتجاهٍ آخر ولم يجد الكنز أيضاً واستمرّ
على هذا المنوال إلى أن أنهكه التعب، فذهب إلى المسجد باكياً معاتباً لله تعالى على
عدم إرشاده لمكان وجود الكنز، وفي المنام جاءه الرجل ثانيةً وأبلغه أنّه لم يأمره
برمي السهم بقوّة وإنّما عليه أن يتركه يقع حيث يشاء. ويقوم ثانياً بتنفيذ ما أمره
الرجل، ويقع السهم عند قدميه فيقوم بالحفر ويجد الكنز. ويختم مولوي قصّته بما
ترجمته:
إنّ الحقّ أقرب من حبل الوريد
ولكنّك رميت سهم فكرك بعيداً
إنه يشير إلى قوله تعالى:
﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُون﴾28..
الإسلام والمدرسة العرفانيّة
يتّضح ممّا ذكرناه أنّ الإسلام ينسجم مع المدرسة العرفانيّة في هذه النقطة إلى حدٍّ
كبير، إلّا أنّه يختلف معها في عدم استهانته بالعقل والطبيعة. بل إنّه يضع آيات
الآفاق والأنفس متجاورين معاً، على أساس أنّ كليهما مرآة الله سبحانه. يقول تعالى:
﴿سَنُرِيهِمْ
آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ
الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾29.
الرابعة: علاقة الإنسان بالدنيا؟
يرى المتصوّفة أنّ العلاقة بينهما هي كعلاقة الطير بالقفص ويوسف بالبئر. يقول أحدهم
مخاطباً الإنسان "يا يوسف مصر فلتخرج من البئر". إلّا أنّ الإسلام يرى أنّ
العلاقة بينهما هي علاقة الفلّاح بأرضه والعابد بمسجده.صحيح أنّ الأرض ليست غاية
الفلاح إلّا أنّها وسيلة لاستخراج الرزق، ولذا فإنّه يقوم بحرثها وبذرها ليقوم بعد
ذلك بالحصاد. والدنيا هكذا حالها فإنّها مزرعة الآخرة.يروى أنّ رجلاً جاء إلى
الإمام عليّ عليه السلام وبدأ بذمّ الدنيا فأراد الإمام عليه السلام أنّ ينبّهه إلى
أنّ ما ينبذه الإسلام هو حبّ الدنيا وعبادتها لا كلّ ما يتعلّق بها. يقول عليه
السلام: "أيّها الذّام للدنيا المغترّ بغرورها، المخدوع بأباطيلها! أتغترّ بالدنيا
ثمّ تذمّها؟ أنت المتجرّم عليها30، أم هي المتجرّمة عليك؟ متى
استهوتك31، أم متى غرّتك؟ أبمصارع32 آبائك من
البلى33 أم بمضاجع أمّهاتك تحت الثرى؟ (...) إنّ الدنيا دار صدق
لمن صدّقها، ودار عافيةٍ لمن فهم عنها، ودار غنىً لمن تزوّد منها، ودار موعظةٍ لمن
اتّعظ بها. مسجد أحبّاء الله، ومصلّى ملائكة الله، ومهبط وحي الله، ومتجر أولياء
الله ..."34.
لقد اعتقد بعض الفلاسفة قبل الإسلام أنّ نفس الإنسان خُلِقت كاملةً، إلّا أنّه جيء
بها إلى الدنيا حيث تمّ أسرها وتقييدها بالبدن، ولذا فعليها أن تعمل على تحطيم
سجنها والعودة إلى حالتها الأصليّة. ولكنّ الإسلام يرفض هذه الرؤية، وقد استفاد
الفيلسوف الكبير "صدر المتألّهين" من إحدى آيات القرآن الكريم ما يناقض هذه
النظريّة، وقال بأنّ النفس جسمانيّة الحدوث وروحانيّة البقاء:
﴿وَلَقَدْ
خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ* ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي
قَرَارٍ مَّكِينٍ* ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ
مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ
أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾35
فالمادّة الطبيعيّة قد صيّرها الله شيئاً آخر. صحيح أنّ النفس مجرّدة في ذاتها إلّا
أنّها وليدة المادّة، والطبيعةُ أمّ لها، وعلى النفس أن تتكامل في حضن أمّها، حتّى
تصل إلى مرحلةٍ تعرج منها، وأمّا إذا خلدت النفس إلى الأرض فإنّ مأواها جهنّم، وما
أدراك ما هي؟:
﴿فَأَمَّا مَن
ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ* وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ
مَوَازِينُهُ* فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ﴾36.
الخامسة: قتل النفس
يهدف الصوفيّة من الحديث عن "قتل النفس" الإشارة إلى ضرورة تحطيمها وإذلالها، حتّى
لا تصاب بالأنانيّة والعجب.
وأمّا الإسلام فإنّه يميّز بين مرتبتين للنفس، ففي الوقت الّذي يعمل فيه على تحطيم
إحداهما، فإنّه يعمل على إحياء الأخرى. أمّا الأولى فهي الّتي تُمثّل الأنانيّة
وسائر الخصال الدنيّة، وسيتّضح فيما بعد من هي النفس الّتي يعمل على إحياءها
ويعبِّر الإسلام عن أسلوب التحطيم هذا بجهاد النفس. وكلّ ما ورد في التصوّف من
الحديث عن جهاد النفس فإنّه مأخوذ من الإسلام. يقول النبيّ صلى الله عليه وآله
وسلم: "أعدى عدوّك نفسك الّتي بين جنبيك".
كيف تكون نفس الإنسان أعدى أعدائه؟
يجيب أحد المتصوّفة: بأنّ أيّ عدوٍ إذا أحسنت إليه وأكرمته سينقلب حاله من
العدواة إلى الصداقة، سوى نفسك الّتي بين جنبيك فإنّك كلّما أكرمتها ازدادت لك
عداءً.
من الخصال الّتي يتّفق الإسلام والتصوّف معاً على نبذها: الأنانيّة وحبّ الذات.
ولكن هل كلّ أنانيةٍ منافية للأخلاق؟
للإجابة عن هذا السؤال نقسِّم أعمال الإنسان إلى ثلاثة أقسام:
1- أعمال أخلاقيّة: وهي الأعمال الّتي يأتي بها الإنسان وحاله أرفع من الحيوان.
2- أعمال منافية للأخلاق: وهي الأعمال الّتي يأتي بها الإنسان وحاله أدنى من
الحيوان.
3- أعمال لا علاقة بها بالأخلاق أساساً.
مثلاً لو شاهدنا إنساناً لا يفكّر إلّا في نفسه ومعيشته وكيفيّة إشباع بطنه فإنّه
أشبه ما يكون بالطيور والأغنام،ولا يُعتبر عمله والحال هذه منافياً ولا موافقاً
للأخلاق بل إنّه مشروع لا غبار عليه.
إلّا أننا أحياناً نرى بعض الناس يقعون فريسة الحرص والطمع، ويسخّرون قواهم من أجل
الجمع والاكتناز بلا حدود، وإذا سئلوا العطاء امتنعوا شُحّاً وبخلاً. هؤلاء مبتلون
بمرضٍ نفسيّ عنوانه حبّ المال، بلا حسيب ولا رقيب عقليّ أو شرعيّ، ويصْدُقُ على
عملهم أنّه منافٍ للأخلاق، لأنّهم انحدروا في سلوكهم إلى دون مستوى الحيوان. وما
أكثر الأمراض النفسيّة الّتي قد يصاب المرء بها كالبخل والحسد والتكبُّر، ولا يوجد
حيوان آخر غير الإنسان قد يبتلى بها. ومن العجيب أنّ مصدر هذه الأمراض هو الإنسان
ذاته عندما يخادع نفسه!.
يقول تعالى: ﴿قَالَ
بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللّهُ أَن
يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾37.
إنّ تعبير "سوّلت" يشير إلى حالة نفسيّة دقيقة تعني خداع الإنسان لنفسه، ويتمّ ذلك
عندما تبغي النفس شيئاً فإنّها تشرع في تجميله وإيجاد المبرّرات الخاطئة للحصول
عليه. وقد تنبّه التصوّف مبكراً استلهاماً من القرآن الكريم إلى هذه المكائد الّتي
تقوم بها النفس لإيقاع ذاتها بها قبل الآخرين.
يقول المتصوّفة إنّ نفس الإنسان كالأفعى الّتي تدخل في فصل الشتاء في سباتٍ عميق،
فلا تتحرّك ولو حرّكتها، فتظنّ أنّها قد استكانت ورُوِّضَتْ، وفجأةً ومن دون سابق
إنذارٍ عندما تحسّ بدفء الشمس تنقلب رأساً على عقب إلى حيوانٍ مفترس.
وهذا التصوير الدقيق للنفس ممّا توصَّل علم النفس الحديث إلى ما ينسجم معه. إنّه
يقول إنّ بعض الأمور كالعجب والكبر والحسد وغيرها قد تترسَّب في أعماق النفس بحيث
لا يشعر بها الإنسان أصلاً. وفجأةً عند تحقّق بعض الظروف تظهر في النفس، ممّا يدفع
صاحبها إلى التعجّب والتساؤل عن مصدرها.
نستفيد من ذلك أنّ الإنسان ينبغي أن يكون دائم المراقبة والمجاهدة لنفسه، وألّا
يطمئنّ إليها. يقول تعالى:
﴿فَأَمَّا مَن
طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى﴾38.
﴿وَمَا
أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ
رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾39.
يوسف عليه السلام وهو الواثق من نفسه يقول
﴿إنَّ النَّفْسَ
لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ﴾
أي إنّ النفس على درجةٍ من التعقيد بحيث إنّ صاحبها قد ينغرُّ بها، ولذلك فعلى
المؤمن أن لا يركن إلى نفسه ويعتمد عليها، بل عليه أن يتوكَّل على الله تعالى فقط.
ولقد ورد في الحديث الشريف التصريح بأنّ الجهاد الأكبر هو جهاد الإنسان نفسه الّتي
بين جنبيه. فعن أبي عبد الله عليه السلام أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بعث
سريّة فلمّا رجعوا قال: "مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد
الأكبر، فقيل: يا رسول الله، وما الجهاد الأكبر؟ قال: جهاد النفس".
الإسلام والتصوّف وجهاد النفس؟
هنا يبرز الاختلاف بين الإسلام والتصوّف في رؤيتهما لمعنى مجاهدة النفس، حيث نجد في
كلمات بعض كبار الصوفيّة فرضاً لبعض الرياضات الشاقّة الّتي لا يرضى الإسلام بها.
وتنقسم هذه الرياضات إلى نوعين:
الأوّل: الرياضة الجسميّة من قبيل الأكل والنوم القليل وما شابههما من
الرياضات الّتي يُراد منها إذاقة الجسم بعض الصعاب.
الثاني: الرياضة الروحيّة ويُراد منها العمل بخلاف ما تهوى النفس، ومن ذلك
ما يفعله بعض المتصوّفة في اتباعهم لأسلوب اللوم والتقريع، وهو أسلوب يناقض الرياء.
فكما أنّ المرائي يكون فاسداً في باطنه متظاهراً بالصلاح، فإنّ اللوّام يكون صالحاً
في باطنه متظاهراً بالفساد فهو لا يشرب الخمر، إلّا أنّه يتظاهر بشربها، ولا يرتكب
الزنا إلّا أنّه يفعل ما يُوحي بارتكابه. فهو يتلبّس بالدناءة ولا يوجد عنده معنى
للعزّة والإباء، والغرض من وراء كلّ ذلك هو تحطيم النفس وإذلالها وسلبها شعورها
بالعزَّة والإباء.
ينقل ابن أبي الحديد عن أحد مشايخ المتصوّفة، ويُدعى إبراهيم الأدهم، أنّه لم
يفرح في حياته بقدر ما فرح في ظروف ثلاثة:
الأوّل: عندما كان مريضاً وكان مسجّى في أحد المساجد. فبعد أن أخرج خادم
المسجد الجميع ووجده غير قادرٍ على الحركة قام بسحبه كالجثّة الهامدة ورماه خارج
المسجد، وقد أفرحه ذلك لأنّه حطّم نفسه المتعالية.
الثاني: عندما كان على ظهر سفينة مع آخرين وكان أحد المهرّجين في وسط حلقةٍ
يُضحك المتفرّجين، وممّا ذكره هذا المهرّج أنّه شاهد مرّةً أحد الكفّار فقام بسحبه
من لحيته، وأراد أن يريهم نظير ما فعله ففتّش بين الحاضرين إلى أن وقع نظره على
صاحبنا فقام بسحبه من لحيته ممّا أضحك الجميع.
الثالث: عندما لبس في أحد أيّام الشتاء فروته فلم يعلم أيّهما أكثر أهو
الشعر الموجود عليها أم القمل.هنا يتّخذ الإسلام موقفاً رافضاً لمثل هذه الأعمال.
صحيح أنّه يدعو إلى مجاهدة النفس إلاّ أنّه في الوقت نفسه لا يرضى أن يهين المسلمُ
نفسَه. إنّ التظاهر بالشَّين وارتكاب الفساد كالتظاهر بالتقوى والورع، كلاهما كذبٌ
عمليّ.
الحلّ الأمثل
إنّ نفسَ المؤمن عزيزةٌ لا يجوز له إهانتها، بل عليه أن يحفظ كرامتها وينهى عن
الإساءة إليها امتثالاً لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولكن كيف يمكن
التوفيق بين جهاد النفس والعمل على صونها. فهل أنّ هناك نفسين إحداهما ينبغي
إحيائها والأخرى ينبغي قتلها؟
الجواب: كلّا ليس الأمر كذلك بل إنّ هناك نفساً واحدةً لها درجات ومراتب،
وما ينبغي مجاهدته هو المراتب الدنيا للنفس، حيث تكون أمّارة بالسوء، وما ينبغي
الحفاظ عليه وصونه هو المراتب العالية، حيث تكون مؤمنة شريفة. والمشكلة عند
المتصوّفة أنّهم خلطوا بين تلك المراتب فضربوا الجميع بسوطٍ واحد. أمّا الإسلام فهو
في الوقت الّذي ينهى عن اتّباع الهوى بقوله:
﴿وَلَا
تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾40
يأمر بالحفاظ على عزّة النفس وإبائها بقوله:
﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِين﴾41.
3- مدرسة القوّة
وهي ترى أنّ كمال الإنسان في القوّة، فهي تمجّدها وترى الحقّ تابعاً لها، بل إنّها
ترفض أيّ قيدٍ يوضع أمام سعي الإنسان لامتلاك القوّة. ومن أبرز من يعبِّر عن هذه
المدرسة في العصور المتأخّرة، الفيلسوف الألمانيّ المعروف ب"نيتشه"، فإنّه وأتباعه
يمجّدون القوّة ويسخرون من القِيَم الإنسانية كالصدق والاستقامة والأمانة ويرونها
علامةَ الضعف، ولا ذنبَ عندهم أكبرُ من الضعف.
يضيف "نيتشه" إنّ الدين قد اخترعه الضعفاء لكي يحدّوا من قوّة الأقوياء42،
ولهذا فهو يرى أنّه يرتكب خيانةً بحقّ البشرية بإشاعته لمفاهيم من قبيل التسامح
والمروءة والعدالة وأمثالها، لأن ذلك قد يدفع الأقوياء أحياناً للتنازل عن بعض
مكتسباتهم، فالضعفاء جن أدْوَن ينبغي تسخيرهم لخدمة الأقوياء.
مدرسة الضعف
وتقف هذه المدرسة في مقابل مدرسة القوّة، حيث إنّها ترى كمال الإنسان في ضعفه، بل
إنّها تحتقر القوّة إلى حدِّ الإفراط، وتُعَلِّلُ ذلك بأنّ القوّة تقود الإنسان
غالباً نحو العدوان، فإذا أراد الإنسان أن يكون مسالماً فعليه أن يتجرَّدَ منها.
مدرستا القوّة والضعف تحت المجهر
إنّ من أبرز المنظّرين لهذه المدرسة في العصور المتأخّرة الفيلسوف الألمانيّ
"نيتشه" الّذي أعلن أنّ القوّة هي أساس الأخلاق، وقد استند في رؤيته هذه إلى ما
ذكره الفيلسوف الإنكليزيّ "بيكون" الّذي يرى أنّ العلم ينبغي أن يكون في خدمة
"الإنسان"، وأنّ العلم الأفضل هو الأنفع، أي الّذي يجعل الإنسان قادراً على تسخير
الطبيعة لنفسه ليحقّق له الرفاهيّة والنعيم. ولقد أدّت هذه الرؤية إلى إحداث انقلاب
في المسيرة العلميّة للبشر، ودفعتهم للسعي من أجل اكتشاف أسرار الطبيعة وتسخيرها
لأجل منافعهم الخاصّة.
نعم أدّت هذه النظريّة إلى نبذ العلم الّذي يكون الإنسان بخدمته، وبعبارةٍ أوضح إنّ
العلم الّذي لا يقدّم للإنسان منفعةً دنيويّة مادّية أصبح بلا قيمة. وبهذا النحو من
التفكير فَقَدَ العلم قدسيّته الّتي نطق بها القرآن والمعصومون وركزّ عليها الحكماء
والعارفون.
يقول ترجمان القرآن الإمام عليّ عليه السلام: "العلم خيرٌ من المال. العلم يحرسك
وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة والعلم يزكو على الإنفاق، (...) هلك خزّان
الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر..."43،وفي الحوزات
العلميّة يخجل المعلّم والطالب من نفسيهما إذا قيل أنّهما إنّما يشتغلان بالعلم
لتحصيل المال.أمّا نتيجة الرؤية الّتي ركّزها "بيكون" فلا محلّ لهذا الخجل، إذ أصبح
المعلّم كالتاجر والطالب كالأجير عنده, كلاهما يسعيان لأجل تحصيل المال.
العلم والقوّة
لقد سادت نظريّة "بيكون" في عصرنا الراهن، وكان من نتائجها المباشرة أن أصبح العلم
في خدمة القوّة. إنّه من غير الصحيح أن نقول أنّ عالمنا هو عالم العلم بل هو عالم
القوّة. صحيح أنّ العلم موجود إلّا أنّه مقيّد في زنزانة المنفعة و القوّة
والسيادة. وكلّ اكتشافٍ مسخَّر قبل كلّ شيء للقوّة والتسلُّط، لاختراع الأسلحة
الفتّاكة المدمّرة الّتي تعين الإنسان على قهر أخيه الإنسان.
ومن الأمور الّتي زادت من قوّة رؤية "نيتشه" ما ذكره "داروين" حول تكامل الأنواع،
والّذي أسيء استخدامه كثيراً خصوصاً في المجال الأخلاقيّ بشكل لا يرضي "داروين"
نفسه. ففي المجال الأخلاقيّ واعتماداً على ما ذكره داروين من سيادة التنازع بين
الكائنات للبقاء، استنتج "نيتشه" أنّ الأساس في حياة الإنسان أيضاً هو الصراع
والتنازع، والإنسان الأقوى هو الّذي سيبقى وهو الّذي يكون الحقّ بجانبه، لأنّ الحقّ
مع القوّة. أمّا القيم الإنسانيّة، أو ما يسمّى بأخلاق الضعفاء، كالمحبّة والإحسان
وغيرهما فهي الّتي تحطِّم البشريّة لأنّها تقف أمام تكامل الإنسان وتمنع من ظهور
الإنسان الأقوى بإبقائها للضعفاء.
وبناءً على رؤيته قسَّم "نيتشه" الناس إلى طبقتين:
طبقة الأقوياء الّتي ينبغي أن يكون بيدها كلّ شيء، لأنّها غاية الوجود.
طبقة الضعفاء الّتي هي أداة لتحقيق أهداف الأقوياء.
وأمّا الدولة فينبغي أن تُبنى على أساس خدمة الأقوياء وأن تسخِّر الضعفاء لأجلهم،
بل وأن تجعل التناسل حقّاً حصريّاً للأقوياء ليأتي منهم الجيل الأقوى والأسمى
وليستمرّوا في مدارج الصعود.
"نيتشه" والدِّين
ولا يقف "نيتشه" عند هذا الحدّ بل يوجّه سهامه نحو الدِّين أيضاً، لأنّه يراه أداةً
بيد الضعفاء استعملوه لأجل كبح جماح الأقوياء عن طريق بثّ مفاهيم كالتسامح والمحبّة
والإخاء وغيرها. والحلّ كما يراه "نيتشه" هو نبذُ هذه المفاهيم، فلا الناس أخوة ولا
المرأة كالرجل لها حقوق وعليها واجبات، ولا التواضع والرأفة والإيمان بالله واليوم
الآخر قيمٌ مقدّسة ينبغي صونها والتمسّك بها. بل الصحيح أنّ كلّ هذه المفاهيم تقف
عائقاً أمام وصول الإنسان إلى القوّة وصيرورته "سوبرمان".
هذه هي المفاهيم الّتي دعا إليها "نيتشه" والحقيقة أنّ أفكاره هي السائدة اليوم
في ذهن الإنسان الغربيّ، وما الحديث عن حقوق الإنسان إلّا وسيلة لخداع الآخرين من
أجل السيطرة عليهم. انظروا إلى ما فعلته أمريكا في فيتنام. ألم يكن هذا تطبيقاً
لفلسفة "نيتشه"؟
والحاصل أنّ "نيتشه" يعتبر البحث عن الحقيقة ممّا لا طائل منه. وما دام الإنسان قد
وُجد على وجه الأرض فوظيفته هي أن يسعى ليكون الأقوى والأشدّ، ولو كان ذلك باتّباع
القسوة والمكر والخداع وسحق الآخرين، فإنّ الغاية تبرّر الوسيلة وما يؤدّي إلى
الغاية فهو الحسن وما يمنع عنها فهو القبيح.
وللأسف فقد وقع بعض المسلمين، كفريد وجدي، أسرى بعض مفاهيم "نيتشه" من دون أن
يدركوا معناها، فقالوا إنّ الحياة تنازع على البقاء وإنّ البقاء للأقوى، ولذلك
قالوا بضرورة الحرب بل واستشهدوا لذلك بالقرآن الكريم حيث يقول تعالى:
﴿وَلَوْلا
دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ
وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ﴾44.
والصحيح أنّهم قد أخطأوا في فهم هذه الآية المباركة وأمثالها، فإنّه تعالى يبيّن
أنّ الحرب ليست مرفوضةً بالمطلق، كما يظنّ قساوسة المسيحيّة، بل قد تكون مقبولةً
إذا كانت دفاعاً عن الحقّ والعدل، وقد تكون مذمومةً إذا كانت بهدف العدوان على
الآخرين، إنّ العابد في محرابه مدين في حريّة عبادته لشجاعة المقاتل المدافع عن
الحقّ، والإسلام يدعو الإنسان للوصول إلى مرحلةٍ لا يوجد فيها معتدٍ ومعتدى عليه،
إلى حيث يتآلف الجميع حتّى الوحوش المفترسة، والّذي سيتحقّق على يد الإمام
الحجّةعجل الله تعالى فرجه الشريف.
ما هو موقف الإسلام من مدرستي القوّة والضعف؟
الإسلام يدعو إلى امتلاك القوّة ويحثّ أتباعه، أكثر من أيّ دين آخر، للسعي من أجل
امتلاكها لمواجهة أعداء الله، قال تعالى:
﴿وَأَعِدُّوا
لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ
عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾45.
إلّا أنّه نهى عن استخدامها لأجل الإعتداء على الآخرين بغير وجه حقّ بقوله:
﴿وَلا
تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾46..
ولقد حثّ الإسلام الإنسان، سواءً كان قويّاً أم ضعيفاً، على نصرة الحقّ
ومواجهة الباطل، بل وذمّ الضعيف الّذي لا يطالب بحقّه واعتبر المجتمع الّذي يخشى
أفراده فيه من المطالبة بحقوقهم مجتمعاً غير إسلاميّ. يقول الإمام عليّ عليه السلام
في عهده لمالك الأشتر: "... حتّى يكلّمك متكلّمهم47 غير
متتعتع48، فإنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول في
غير موطنٍ: لن تُقدَّس49 أمّة لا يؤخذ للضعيف فيها حقّه من القوي
غير متتعتع.."50. أي أنّه عليه السلام لا يقبل بالضعيف الّذي يخاف
من المطالبة بحقِّه.
فالإسلام يقدِّر القوّة ولكن باعتبارها قيمةً من القيم الإنسانيّة، الّتي تؤلِّف
مجتمعةً الإنسانَ الكامل لا كـ"نيتشه" الّذي يحصر القيم جميعاً بالقوّة. ولذا فإنّ
معيار الحقّ والباطل في الإسلام يختلف عمّا يراه "نيتشه" ، فليست القوّة هي العدل
بل العدل قوّة، وليس الضعف هو الظلم بل الظلم ضعف.
القوّة، الفهم الخاطئ والصحيح
ومن الأخطاء الفادحة الّتي ارتكبتها مدرسة القوّة: أنّها فهمت القوّة فهماً خاطئاً،
حيث إنّها حصرتها بالقوّة الحيوانيّة، في حين أنّ في الإنسان قوّةً أخرى غير قوّة
العضلات، وهي الأجدر بهذا الاسم. ولتوضيح ذلك ننقل الرواية التالية عن رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم.
حيث جاء في كتب الحديث أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرَّ يوماً بجمعٍ من
الفتية أتوا بصخرةٍ، وهم يتنافسون أيُّهم الأقدر على رفعها فقال لهم رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم: "أقواكم من استطاع كبح جماح نفسه عن المعاصي".
نفهم من كلام النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّ القوّة الّتي يجدر بالإنسان
الاتصاف بها هي قوّة الإرادة في مقابل الأهواء والشهوات.
أمّا قوّة العضلات فهي على أهميّتها ليست معياراً للإنسانيّة فإنّها موجودة أيضاً
في الحيوانات ولعلّها تصل في بعضها إلى أضعاف ما لدى الإنسان.ويقول الرسول الأكرم
صلى الله عليه وآله وسلم: "أشجع الناس من غلب هواه".
يتّضح ممّا تقدَّم أنّ جميع القيم الّتي رفضها "نيتشه" على أساس أنّها مصدر الضعف،
هي مصدر القوّة.
نعم لا ينبغي أن ننسى ما أكّدناه مراراً من ضرورة نموّ جميع القيم بنحوٍ متوازنٍ،
يقول تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ
وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا
تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ﴾51.
فحين تطبيق العقاب الإلهيّ لا ينبغي للرحمة والرأفة أن تتدخّلا، لأنّهما في هذا
المقام قسوة بحقّ المجتمع. ومصلحة المجتمع هنا أهمّ من المصلحة الفرديّة. ومن هنا
ندرك الأخطاء الّتي يرتكبها بعض في دعوتهم إلى عدم تنفيذ أحكام القصاص بحجّة كون
التربية والإصلاح أولى منها. فإنّ الإسلام يدعو إلى التربية والإصلاح مع دعوته إلى
معاقبة مرتكب الجناية حفظاً لكيان المجتمع ومنعاً لانتشار الفساد فيه.
وأمّا مدرسة الضعف والّتي يتمنّى أحد أنصارها لو أنّ الله خلقه نملةً حتّى لا يكون
قادراً على إيذاء الآخرين، فيقول الإسلام: إنّ الفخر أن يملك المرء القوّة ولا
يستعملها لإيذاء الآخرين. وما يستحقّ المدح هو أن يكون الإنسان كالنبيّ يوسفعليه
السلام قد توفّرت لديه جميع الظروف المساعدة على التنعَّم والاستمتاع، ومع ذلك حافظ
على عفّته، لا أن يعتكف الإنسان في زاوية المجتمع. قال تعالى:
﴿إِنَّهُ مَنْ
يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾52.
5- مدرسة المحبّة أو معرفة النفس
وقد وُجِدت في الهند وشرق آسيا منذ آلاف السنين، وهي تضمّ بين ثناياها أموراً رفيعة
المستوى، وتركِّز على معرفة النفس وتعتبرها محوراً للكمالات الإنسانيّة، بل إنّها
تحصر الكمال الإنسانيّ بمعرفتها. ويُعتَبر كتاب الهنود القديم "إياني شاد" أحد
المصادر الرئيسة لهذه المدرسة، وممّن يسير على دربها المهاتما غاندي الّذي يستلخص
منها ثلاثة مبادىء يعتبرها منهجاً عمليّاً للحياة:
المبدأ الأوّل: يوجد حقيقة أصيلة واحدة هي معرفة النفس، ومن أغفلَ هذه
المعرفة فقد أنزل التعاسة بنفسه وبالدنيا، وهذا ما حصل مع الغربيّين.
المبدأ الثاني: من عرف نفسه فقد عرف الله والآخرين.
المبدأ الثالث:القوّة الوحيدة الموجودة هي قوّة السيطرة على النفس، ومن
استطاع السيطرة على نفسه استطاع السيطرة على الآخرين. وبتسلّط الإنسان على نفسه
فإنّه يكتشفها، وباكتشافها تتولّد المحبّة، أي أن يحبّ المرء للآخرين ما يحبّه
لنفسه، وأن يكره لهم ما يكرهه لنفسه.
وباتضاح هذه المبادئ الثلاثة نستخلص: أنّ الإنسان الكامل هو الّذي عَرَف نفسه وسيطر
عليها وأصبح محبّاً للآخرين.
مدرسة المحبّة تحت المجهر
تقدَّم أنّ هذه المدرسة تركّز على معرفة النفس ل
2014-10-14