الطرح الصحيح لمسألة الإمامة
الإمام المهدي (عج)
هل تقع مهمّة بيان الأحكام الإلهية وتعاليم السماء بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم على شخصٍ واحد، بنحو يكون ما يجيب به هو الصواب والحقيقة، دون أيّ احتمال للخطأ والهوى، ويكون مثل هذا الشخص مرجعاً لأحكام الدين كما كان النبيّ مرجعاً لذلك؟
عدد الزوار: 101
هل تقع مهمّة بيان
الأحكام الإلهية وتعاليم
السماء بعد النبيّ صلى
الله عليه وآله وسلم على
شخصٍ واحد، بنحو يكون ما
يجيب به هو الصواب
والحقيقة، دون أيّ احتمال
للخطأ والهوى، ويكون مثل
هذا الشخص مرجعاً لأحكام
الدين كما كان النبيّ
مرجعاً لذلك؟ أو أنّ
الأمر ليس كذلك وليس
لدينا مثل هذا الشخص؟
ونلاحظ أن السؤال قد انصبّ
على المرتبة الثانية
للإمامة، وهي المرجعية
الدينية، فهل نقول
بها للإمام من بعد
النبيّ صلى الله عليه
وآله وسلم أو أنّ الوصاية
كانت إدارية صرفة؟
فهذه المرتبة هي محلّ
النزاع، وبها تختلف مدرسة
الخلفاء عن مدرسة أهل
البيت عليهم السلام، فلا
تعتقد مدرسة الخلفاء بمثل
هذا المنصب لأيّ شخصٍ على
الإطلاق، ولا تراها لا
لعليّ عليه السلام ولا
لغيره.
فالخلاف ليس في أيّ شخصٍ
له مثل هذا الأمر، وإنما
في أصل وجود مثل هذا
الشخص. والذي يشهد لهذا
الأمر نقلهم للأخطاء عن
مثل أبي بكرٍ وعمر،
والعبائر الصادرة عن كلٍّ
منهما1،
ما يدلّ بوضوح على عدم
عصمتهما، وبالتالي على
عدم كونهما مرجعية بعد
النبيّ صلى الله عليه
وآله وسلم.
الحاجة إلى المرجعيّة
الدينيّة:
لقد نزل الإسلامُ على
النبيّ صلى الله عليه
وآله وسلم كاملاً تاماً.
وقد تلقّى صلى الله عليه
وآله وسلم جميع ما يحتاج
إليه الناس من تعاليم
دينهم وأحكام شرعهم. ولكن
السؤال هو أنّ ما بلّغه
النبيّ صلى الله عليه
وآله وسلم للمسلمين هل هو
كلّ ما نزل إليه، أو أن
قسماً كبيراً منه لم
يبيّنه للناس, لأنه متوقف
على حلول أوانه، والنبيّ
صلى الله عليه وآله وسلم
بلّغه لعلي عليه
السلام ليقوم ببيانه
للناس متى دعت الحاجة إلى
ذلك؟
ولعلّ الجواب يظهر بعد
ملاحظة النقاط التالية:
الأولى:
ملاحظة ما يتضمّنه القرآن
الكريم من أحكام، حيث نجد
أنّ ما ورد فيه ليس سوى
أحكامٍ مختصرةٍ جداً،
مضافاً إلى كونها كليّات
مثل فريضة الصلاة والحج
اللذين لم يرد في القرآن
تفاصيل إقامتهما وكيفية
أدائهما.
الثانية:
ملاحظة سنّة النبيّ
الأكرم صلى الله عليه
وآله وسلم وما ورد خلالها
من أحكام، فإنّها مختصرةٌ
مجملةٌ أيضاً، لا سيما
بملاحظة الفترة التي
عاشها النبيّ صلى الله
عليه وآله وسلم،
والمشكلات التي عاشها
سواء في مكة، والتي
استمرت ثلاثة عشر عاماً
في ظلّ ضغطٍ وحصارٍ، أم
في المدينة وفي ظلّ حروب
ومعارك.
الثالثة: حتّى
إن غضضنا النظر عن ظروف
النبيّ صلى الله عليه
وآله وسلم، وفرضنا أنّه
صلى الله عليه وآله وسلم
كان كالمعلّم الذي يذهب
إلى المدرسة كلّ يوم
لتعليم الناس، فإنّ هذا
الوقت لن يكون كافياً
لبيان جميع ما وصله من
رسالة الإسلام، لا سيما
بملاحظة أنّ الإسلام دين
يبسط حاكميّته على جميع
شؤون البشر.
الرابعة:
ضياع كثير من أحاديث رسول
الله صلى الله عليه وآله
وسلم وذلك بسبب أمر
تاريخيّ ثابت، وهو ما قام
به عمر بن الخطاب من
المنع من تدوين الحديث.
ولو أردنا أن لا نلحظ هذه
الواقعة التاريخية من
منظار مدرسة الأئمة عليهم
السلام وتجرّدنا عن ذلك،
أمكننا القول إن سبب
المنع هذا هو اعتبار
القرآن المرجع الوحيد (حسبنا
كتاب الله). وقد بقي هذا
المنع مستمراً إلى عهد
عمر بن عبد العزيز، أي
إلى حدود سنة 99 هجرية.
الخامسة:
كثيراً ما كان رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم
يبيّن الأحكام عندما
تستجدّ، وليس قبل أوانها.
ومن المسلّم به أنّ هناك
مسائل كبيرة وصغيرة سوف
تستجدّ وتطرأ على الأمة
بعد غياب النبيّ صلى الله
عليه وآله وسلم، فهل
الإسلام ناقص لم يبيّنها
أم أنه ترك بيانها للإمام
من بعد النبيّ صلى الله
عليه وآله وسلم؟
بعد ملاحظة هذه النقاط
يظهر بوضوح فرضية كلا
المدرستين ومستلزماتهما:
أمّا فرضية مدرسة الخلفاء:
فترى انقطاع البيان
الواقعيّ للدين بوفاة
النبيّ صلى الله عليه
وآله وسلم. ولا يوجد
لدينا بيانٌ منزّه عن
الخطأ والاشتباه، ولا شيء
وراء ما ورد عن النبيّ
الأكرم صلى الله عليه
وآله وسلم، وليس لأيّ شخص
بعد النبيّ صلى الله عليه
وآله وسلم منصب المرجعية
الدينية. لذلك واجهت
مشكلة المسائل المستجدّة،
فهي تعتمد فقط على القرآن
والسنّة، وهما غير كافيين
في ذلك، وخصوصاً بعد غياب
كثير من أحاديث النبيّ
صلى الله عليه وآله وسلم،
فكانت النتيجة هي
الاعتماد على القياس، أي
الاعتماد على مواطن
التشابه بين ما ورد في
الكتاب والسنّة وبين ما
لم يرد فيهما، وكان
الاعتماد على القياس
يتّسع كلما اتّسع العالم
الإسلامي واتّسعت المسائل
الجديدة2.
أمّا فرضيّة مدرسة أهل
البيت عليهم السلام
التي أثبتت المرجعية
الدينية للإمام عليّ عليه
السلام وللأئمّة من بعده،
فهي تستمدّ أحكامها منهم
كما كانت تستمدها من
النبيّ صلى الله عليه
وآله وسلم، لذلك لم تضطرّ
للجوء إلى القياس، وتعتبر
أن كلّ الأحكام قد بيّنها
الأئمّة عليهم السلام بعد
الرسول صلى الله عليه
وآله وسلم، ولذلك وقفت من
القياس موقف المنكر له
أشدّ النكير.
وروايات هذه المدرسة تضرب جذوره من الأساس، إذ إنّ الحاجة إلى القياس إنما تنشأ من الاعتقاد بعدم كفاية الكتاب والسنّة، ولدى مدرسة أهل البيت عليهم السلام ما يكفي لحلّ جميع ما يستجدّ من مسائل، سواء عبر اللجوء إلى السنّة مباشرةً أم من خلال الأئمة عليهم السلام، والله عز وجل لم ينزل ديناً ناقصاً إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وأنّ النبيّ بلّغه كاملاً، ولكن الصيغة الكاملة من الأحكام لم يبلّغها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لعامة الناس، وإنما خصّ بها الإمام علياً عليه السلام والأئمة من بعده وأمرهم ببيانها للناس.
* من كتاب أمل الإنسان، سلسلة المسابقات الثقافية، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- كقول أبي بكر: "أيّها
الناس، إنّي ولّيتكم ولستُ
بخيركم، فإن أحسنتُ
فأعينوني، وإن أخطأتُ
فقوّموني، إنّ لي شيطاناً
يعتريني" الإمامة
والسياسة، ابن قتيبة، ج1،
ص2.
وقول عمر بعد أن أظهرت
امرأةٌ خطأه في مسألة
صداق النساء: "كلّ الناس
أفقه من عمر حتى ربّات
الحجال، ألا تعجبون من
إمام أخطأ ومن امرأة
أصابت، فاضلتْ إمامكم
ففضلته؟" شرح نهج البلاغة،
ابن أبي الحديد، ج 3،
ص113.
2- نعم لم يعتمد جميع
أتباع مدرسة الخلفاء على
القياس، فقد أنكره أحمد
بن حنبل ولم يمارسه مالك
بن أنس. ولكن ما حصل مع
أبي حنيفة هو أنه فتح
الباب واسعاً أمام القياس،
وقلّ اعتماده على
الروايات، بل قيل إنه لم
يعمل سوى بـ (15) حديثاً،
وأما الشافعي فقد استخدم
السنّة كما استخدم القياس.