التوحيد
مفاهيم قرآنية
أصل التوحيد هو من أهم المسائل الاعتقادية التي تصدَّرت التعاليم السماوية حيث يُعدُّ أساساً لسائر التعاليم والمعارف الإلهية التي جاء بها الأنبياء والرسل. والتوحيد هو أصل من أصول الدين، يجب الإيمان به ومنكره يعتبر كافراً...
عدد الزوار: 94
التوحيد أساس دعوة الأنبياء
أصل التوحيد هو من أهم المسائل الاعتقادية التي تصدَّرت التعاليم السماوية حيث يُعدُّ أساساً لسائر التعاليم والمعارف الإلهية التي جاء بها الأنبياء والرسل.
والتوحيد هو أصل من أصول الدين، يجب الإيمان به ومنكره يعتبر كافراً ويخرج عن ملة المسلمين.
معنى التوحيد
هو الاعتقاد بأن اللَّه تعالى واحد أحد لا شريك له ولا شبيه ولا مثيل.
مراتب التوحيد
للتوحيد مراتب عديدة، ويؤدي إنكارها إلى الخروج عن الإيمان والإسلام، وهذه المراتب هي:
المرتبة الأولى: التوحيد في الذات
والمراد منه هو أنه سبحانه واحد لا نظير له، فردٌ لا مثيل له، بل لا يمكن أن يكون له نظير أو مثيل.
ويدل على ذلك مضافاً إلى البراهين العقلية قوله سبحانه: ﴿فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾(الشورى:11).
وقوله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَد * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾(الاخلاص:1-4).
وقوله تعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّار﴾(الزمر:4).
إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أنه تعالى واحد لا نظير له ولا مثيل ولا ثان ولا عدل.
وقد كفر من ادعى له شريكاً أو مثيلاً أو جعله ثالث ثلاثة كما في قوله تعالى ﴿لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِد﴾(المائدة:73).
ولو كان للَّه تعالى شريك لاختلَّ نظام الكون وفسد ولذهب كل إله بما خلق كما يقول تعالى: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا الِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾(الأنبياء:22).
وجاء في وصية أمير المؤمنين عليه السلام لولده الحسن عليه السلام: "يا بني لو كان لربك شريك، لأتتك رسله، ولرأيت اثار ملكه وسلطانه، ولعرفت أفعاله وصفاته ولكنه إله واحد كما وصف نفسه..."1 فإنه من الطبيعي لو كان هناك شريك للَّه تعالى لظهرت اثاره ولأرسل الرسل تبشّر به وتدعو إليه ومع عدم وجود هذه الاثار كيف نحكم بوجوده، فهذا يدل على عدم وجود شريك للَّه تعالى.
المرتبة الثانية: التوحيد في الخالقية
والمراد منه هو أنه ليس في الوجود خالق أصيل غير اللَّه، ولا فاعل مستقل سواه، وأن كل ما في الكون من مجرَّات ونجوم وكواكب وأرض وجبال وبحار، وما فيها ومن فيها، وكل ما يُطلق عليه أنه فاعل وسبب فهي موجودات مخلوقة للَّه تعالى، وأن كل ما ينتسب إليها من الاثار ليس لذوات هذه الأسباب، وإنما ينتهي تأثير هذه المؤثرات إلى اللَّه سبحانه، فجميع هذه الأسباب والمسببات رغم ارتباط بعضها ببعض مخلوقة للَّه، فإليه تنتهي العلّية والسببية، فهو علّة العلل ومسبِّبها.
ويدل على ذلك مضافاً إلى الأدلة العقلية قوله سبحانه: ﴿قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾(الرعد:16).
وقوله تعالى: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾(الزمر:62).
وقوله جلَّ وعلا: ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلَهَ إِلا هُو﴾(غافر:62).
وقوله سبحانه: ﴿ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ﴾(الأنعام:102) إلى غير ذلك ايات كثيرة تدل على ذلك.
المرتبة الثالثة: التوحيد في الربوبية
والمراد منه هو أن للكون مدبّراً واحداً، ومتصرفاً واحداً لا يشاركه في التدبير شيء، وأن تدبير الملائكة وسائر الأسباب إنما هو بأمره سبحانه، وهذا على خلاف بعض المشركين حيث كان يعتقد أن الذي يرتبط باللَّه تعالى إنما هو الخلق والايجاد والابتداء، وأما التدبير فقد فوِّض إلى الاجرام السماوية والملائكة والجن والموجودات الروحية التي كانت تحكي عنها الأصنام المعبودة، وليس له أي دخالة في تدبير الكون وإدارته وتصريف شؤونه.
يقول تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ﴾(يونس:3) ﴿اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الايَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ﴾(الرعد:2).
فإذا كان هو المدبِّر وحده فيكون معنى قوله تعالى: ﴿فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً﴾(النازعات:5).
وقوله تعالى: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَة﴾(الأنعام:61) أن هؤلاء مدبِّرات بأمره وإرادته تعالى، فلا ينافي ذلك انحصار التدبير الاستقلالي في اللَّه سبحانه.
وقد استدل القران الكريم على وحدة المدبّر في العالم في ايتين:﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا الِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾(الأنبياء:22).﴿وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُون﴾(المؤمنون:91).
وهما يعنيان: أن تصور المدبِّر لهذا العالم على وجوه
1- أن يتفرّد كل واحد من الالهة بتدبير مجموع الكون باستقلاله، ففي هذه الصورة يلزم تعدد التدبير؛ وهذا يستلزم طروء الفساد على العالم وذهاب الانسجام والنظام المشهود.
وهذا ما يشير إليه قوله سبحانه: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا الِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا...﴾.
2- أن يدبّر كل واحد قسماً من الكون الذي خلقه، وعندئذ يجب أن يكون لكل جانب من الجانبين نظام مستقل خاص مغاير لنظام الجانب الاخر وغير مرتبط به أصلاً، وعندئذ يلزم انقطاع الارتباط وذهاب الانسجام والنظام من الكون، في حين أننا لا نرى في الكون إلا نوعاً واحداً من النظام يسير على قانون مترابط دقيق يسود كل جوانب الكون من الذرة إلى المجرة.
وإلى هذا الوجه أشار قوله تعالى: ﴿... إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ﴾.
3- أن يتفضّل أحد هذه الالهة على البقيّة ويكون حاكماً عليهم ويوحّد جهودهم، وأعمالهم ويسبغ عليها الانسجام والاتحاد والنظام الواحد وعندئذ يكون الإله الحقيقي هو هذا الحاكم دون الباقين.
وإلى هذا يشير قوله تعالى: ﴿وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْض﴾، وإلاّ لو لم يكن هناك إله واحد لتصارع الالهة وخرب الكون وفسد وفني؛ لأن كل واحد يريد أن يعلو على الاخر ويتفرّد في الحكم والتدبير.
المرتبة الرابعة: التوحيد في العبادة
وهو أن تؤمن بأن المستحق للعبادة هو اللَّه تعالى وحده لأنه هو الخالق والعبودية من شأن الخالق الغني غير المحتاج، لذلك يستحقّها وحده دون غيره كما نقرأ في سورة الحمد ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ فهنا القران الكريم حصر العبودية باللَّه تعالى حيث يقول: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًاً﴾(ال عمران:64).
* عقائد قرآنية, إعداد ونشر جمعية المعارف الثقافيه, ط1, كانون الثاني 2006م, ص 17-24.
1- موسوعة الإمام الجواد، ج2، ص570.