كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء مسؤولي النظام
2014
يُطَلق على شهر رمضان "المبارك"؛ هذا الشهر مباركٌ لأنّه سبيل النجاة من النار والفوز بالجنّة، حيث نقرأ في دعاء شهر رمضان: "وهذا شهر العتق من النار والفوز بالجنة"؛ فالنار والعذاب الإلهي وكذلك الجنّة والنعيم موجودان في هذه الدنيا.
عدد الزوار: 205كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء مسؤولي النظام في اليوم التاسع من شهر رمضان المبارك 1435 في حسينيّة الإمام الخميني (قده)_7-7-2014
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ربّ العالمين
والصلاة والسلام على سيّدنا محمد وآله الطاهرين.
أوّلًا، أرحّب بالأخوة والأخوات فردًا فردًا،
والمسؤولين الأعزّاء والملتزمين في نظام الجمهوريّة الإسلاميّة. إنّها جلسة جيّدة
جدًّا وإن شاء الله تكون مفعمة بالبركات والهداية الإلهيّة ومشعّة بنورانيّة هذا
الشهر. كانت كلمة حضرة السيّد رئيس الجمهوريّة1 كلمة جيّدة جدًّا، شافية ووافية
أيضاً. نأمل ببركة هذا الشهر وببركة الأدعية الزكيّة للصالحين والمؤمنين والصائمين،
أن تتكلّل نوايا ومساعي مسؤولي البلاد بالنجاح والوصول إلى النتائج المرجوّة.
بركات الشهر الفضيل
يُطَلق على شهر رمضان "المبارك"؛ هذا الشهر مباركٌ لأنّه سبيل النجاة من
النار والفوز بالجنّة، حيث نقرأ في دعاء شهر رمضان: "وهذا شهر العتق من النار
والفوز بالجنة"؛ فالنار والعذاب الإلهي وكذلك الجنّة والنعيم موجودان في هذه الدنيا.
إنّ ما يتحقّق في نشأة الآخرة هو باطن الموجود في هذه الدنيا:
﴿وإنّ جهنّم لمحيطة
بالكافرين﴾2. إنّ جهنّم هنا في هذه النشأة، في هذه الحياة، لمحيطة بالكافرين
والظالمين والمعاندين والمخالفين؛ وكذا الجنّة.
أن نعبر من النار إلى الجنّة، فهذا عائد إلينا، يتحقّق هنا وتُشاهد صورته الغيبيّة
والباطنيّة والواقعيّة في تلك النشأة. يمكننا أن نطوي هذا السفر وهذا المسير من
جهنّم العمل السيّئ، والباطن السيّئ والفكر السيّئ؛ من جحيم هذه الدني، إلى جنّة
العمل الحسن، والفكر الحسن، والسلوك الحسن والخلق الحسن؛ وتسمّى هذه الحركة:
الإنابة والتوبة. لذلك ورد في الدعاء: "وهذا شهر الإنابة، وهذا شهر التوبة"؛ يتحقّق
العتق من النار والفوز بالجنّة بالإنابة والتوبة.
إحدى بركات شهر رمضان هي هذه الأدعية الواردة فيه. فهذه الأدعية تعلّمنا كيفيّة
مخاطبة الله والاستعانة بالخالق والتوجّه إليه من جهة؛ وكذلك ومن جهة أخرى تعلّمنا
أنواعًا من المعارف الكثيرة لن نجد لها مثيلاً حتى في الروايات الأخلاقية المعروفة.
اخترت فقرتين من أدعية هذا الشهر، سأذكرهما في بداية كلامي، واختياري لهما هو
لحاجتنا إليهما:
نحن اليوم، كمسؤولي بلادنا العزيزة ومسؤولي نظام الجمهوريّة الإسلاميّة، حاجتنا
مبرمة إلى العمل الجدّي والمتواصل الممزوج بالإخلاص والصفاء؛ وتقودنا هذه الأدعية
بهذا الاتجاه.
الدعاء الأوّل، هو دعاء اليوم الأوّل من شهر رمضان
المبارك، وقد اخترت منه هذه الفقرة: "اللهم اجعلنا ممّن نوى فعمل ولا
تجعلنا ممّن شقي فكسِل ولا ممّن هو على غير عمل يتّكل"؛ ثلاث جمل؛
الجملة الأولى: اللهم اجعلنا ممّن نوى فعمل؛ اللهم اجعلنا ممّن يقومون
بالعمل بنيّة وتوجّه ومعرفة؛ العمل الهادف، العمل مع النيّة، العمل المعلوم وجهته
وهدفه مسبقًا.
الجملة الثانية: ولا تجعلنا ممّن شقي فكسل؛ الكسل يعني التقاعس والتراخي
والبطالة؛ لا تجعلنا من هؤلاء. هذا ما يعلّمنا إياه الدعاء.
الجملة الثالثة: "ولا ممّن هو على غير عمل يتّكل"؛ لا تجعلنا من الذين
يتّكلون على غير العمل. الجلوس والتمنّي والترجّي والثرثرة، وحياكة المواضيع لبعضنا
في الاجتماعات دون أنّ نُتبعها بالعمل؛ اللهم لا تجعلنا من هؤلاء. لاحظوا، هذا هو
الدرس الموجود في هذا الدعاء. يدخل المؤمن هذه الضيافة الإلهيّة في اليوم الأوّل من
شهر رمضان بهذا النَفَس [بهذه الروحيّة]. وهذه بحدّ ذاتها من الفوائد الكبيرة لهذه
الضيافة. هذا الدعاء الأوّل.
الدعاء الثاني، الدعاء اليومي لشهر رمضان المبارك؛
"وأذهب عنّي فيه النعاس والكسل والسآمة والفترة والقسوة والغفلة والغرّة"؛ اللهم
جنّبني هذه الخصال وأبعدني عن هذه الخصوصيّات؛ وهي: الأولى "النعاس"، والثانية "الكسل"
أي البطالة والتقاعس، والثالثة "السآمة" أي الملل والضجر؛ ثم "الفترة" أي التراخي
والفتور واللامبالاة، القيام بالأعمال بفتور ولامبالاة وعدم إحكام الأعمال؛ ثم "القسوة"،
قساوة القلب، أي التحجّر والخشبيّة؛ ثم "الغفلة"؛ الغفلة عن واقعنا ووضعنا وما يجري
علينا وما يحدث وما يحيط بنا. والأخرى: "الغرّة"؛ الغرور والانخداع؛ اللهم جنّبنا
إيّاها. يا لها من دروس.
جيّد، إنّ تطبيق هذه المفاهيم -وهي مفاهيم راقية وعظيمة- بالنسبة للمسؤولين والذين
ينهضون بشؤون العمل والمجتمع، لهو أكثر أهميّة من تطبيقها من قِبل الأفراد
العاديّين. عندما ندعو ونقول لا تجعلنا في معرض الكسل والغفلة والقسوة، فنحن نحتاج
إلى هذا الطلب الإلهي وإلى هذه المراقبة من جهتين: الأولى: من الجهة الشخصيّة
لأنفسنا كي لا ننزلق، ولا نخطئ، ولا نقع في المشاكل؛ ومن الجهة الأخرى في مجال
عملنا ومسؤوليّتنا. أنتم بمثابة قبطان يقود السفينة، ومثل طيّار يوجّه الطائرة؛
المسألة ليست حفظ أنفسكم وحسب، هناك فرق بين شخص يقود سيّارته الخاصّة ويسير على
الطريق لوحده؛ فمسؤوليّته هنا تكمن في المحافظة على حياته فحسب. أمّا أنتم فلا،
لديكم جماعة هي في عهدتكم. هذا ما يثقل عاتقكم ويضاعف مسؤوليّتكم وضرورة التزامكم
في ما يرتبط بهذه المسائل التي ذُكرت.
التقوى؛ مفتاح العلم والمعرفة
إنّ شهر رمضان في ثقافتنا الدينيّة، هو شهر
المواجهة بين الشيطان والسلوك الشيطانيّ من جهة، وبين السلوك الرحماني والطاعة
والعبوديّة من جهة أخرى. يُقال إنّ الشيطان ملجوم –هذا من جانب- ويُقال
إنّ شهر رمضان شهر الطاعة والعبوديّة، حيث إنّ أقصر كلمة وأعمقها معنًى هي كلمة "التقوى":
﴿كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقّون﴾3. المسألة هنا في
مواجهة الشيطان، والتقوى؛ إنّ عمل الشيطان هو الغواية. ما معنى الإغواء؟ يعني إيجاد
الخلل في جهاز [نظام] المحاسبة لديكم –هذا هو الشيطان- النقطة المقابلة، هي وظيفة
التقوى؛ يسعى الشيطان لغوايتكم، أي أن يعطّل نظام العقل، نظام الفطرة، نظام القياس
السليم المودع في وجود الإنسان؛ أي أن يُوقع الإنسان في خطأ المحاسبة. عمل التقوى
هو النقطة المقابلة: ﴿إن تتّقوا يجعل الله لكم فرقان﴾4؛ بمعنى أنّ التقوى تهبكم
الفرقان أي العلم والفهم لفصل الحق عن الباطل؛ في الآية الكريمة الأخرى: ﴿واتقوا الله ويعلّمكم الله﴾5 تؤدّي التقوى إلى أن يفتح الله أمامكم منافذ العلم والفهم
والمعرفة والإدراك.
﴿وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا﴾
إنّ تأثير الشيطان في جهاز الحساب لدينا هو عن طريق الوعد والوعيد [يهدّد
ويُمني]؛ من جهة يعمد إلى تخويفنا، فتقول الآية الكريمة في القرآن من سورة "آل
عمران" المباركة: ﴿إنّما ذلكم الشيطان يخوّف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم
مؤمنين﴾ (آل عمران/175)؛ ففي شأن الغزوة التي حصلت بعد معركة أحد –حيث جاؤوا
وأثاروا شائعة أنّ العدو آتٍ وسيقضي عليكم وسينتهي أمركم- قال النبي (صلى الله عليه
وآله وسلم) [ما معناه] ليحمل أولئك الذين جرحوا اليوم في معركة "أحد" سيوفهم
وليأتوا؛ وحتى لو لم يأت أحد منهم سأذهب وحيدًا. تقدّم النبي (صلى الله عليه وآله
وسلم )، وأخذ أولئك الذين جُرحوا في معركة أحد سيوفَهم وذهبوا معه، وهَزَموا العدو
الذي كان يكمن بالقرب من المدينة – كان الخبر صحيحًا- ويريد أن يباغت المسلمين
ويهجم عليهم، ومن ثم عادوا. ﴿فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء﴾6؛ ثم يقول:
﴿إنّما ذلكم الشيطان يخوّف أولياءه﴾7. إنّ أحد أعمال الشيطان إلقاء الرعب والتخويف:
"الشيطان يعدكم الفقر"8 يخوّفكم من الفقر –لذا يُحتمل من معنى الآية الكريمة- أنّ
هذا تهديدٌ، ومن الجانب الآخر التطميع. من جهة أخرى يقدّم الشيطان وعودًا مخادعة؛
وهنا تقول الآية القرآنيّة الشريفة: ﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا﴾
(النساء/120)؛ يعدهم، ويمنّيهم، ويبعث الآمال في قلوبهم ، ويرسم مستقبلًا ملوّنًا
زائفًا وخياليًّا كالسراب أمام أعين المؤمنين به: ﴿وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا﴾9 إلّا أنّه خداع. التهديد من جهة، والتطميع من جهة أخرى؛ تماماً كسلوك أمريكا والقوى
الاستكباريّة اليوم؛ فهؤلاء يهدّدون من جهة، ومن جهة أخرى يعِدون. ليس الوعد
شخصيًّا فقط، بل هي وعود عامة كليّة: "نفعل هذ، نفعل ذاك"؛ ثم بعد ذلك لا يقومون
بشيء، هم يكذبون؛ هذا هو عمل الشيطان. كلّ الأعمال التي يقوم بها الشيطان –هذا
الإغواء والتطميع والتهديد- هي لأجل تعطيل نظام المحاسبة لدى الإنسان المؤمن لكي
يقوم بحسابات خاطئة؛ عندما يتوقّف جهاز المحاسبة عن العمل، يفسد العمل.
لا تبديل لسنّة الله
الحساب الخاطئ هو من أكبر الأخطار،
قد يهدّد حياة الإنسان ومصير الإنسان في بعض الأحيان؛ ذلك أنّ قدرة الإنسان وقواه
وإمكاناته هي في قبضة إرادته، وإرادة الإنسان خاضعة لتأثير جهاز المحاسبة لديه: إذا
ما عمل جهاز المحاسبة بطريقة سيّئة، تقرّر إرادة الإنسان وتذهب في الوجهة الخاطئة؛
عندها ستعمل قوى الإنسان وكلّ قدراته في هذه الوجهة الخطأ. وهذا ما يجب مراقبته.
وقد ذكرت أنّ المراقبة بالنسبة لشخص ليس في موقع المسؤوليّة أمرٌ، والمراقبة في
شأني أنا وأنتم، الذين هم في موقع المسؤوليّة أمرٌ آخر. لنحذر أن لا تُصيب شياطين
الإنس والجن نظام محاسبتنا بالخلل، وأن لا نسيء فهم الأمور. لا يقتصر الشيطان، على
شياطين الجنّ، ليس هو إبليس وحسب: ﴿وكذلك جعلنا لكلّ نبيّ عدوًّا شياطين الإنس والجنّ
يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورً﴾10؛ فشياطين الجنّ والإنس يتعاونون ويساعد
بعضهم بعضا. وهنا أؤكّد: من الأخطاء في الحسابات أن نبقى أسرى العوامل [الاسباب]
الحسيّة الملموسة والماديّة المحدودة فحسب؛ أي أن نغفل عن الأسباب المعنويّة والسنن
الإلهيّة، والسنن التي أخبر عنها الله، تلك الأشياء والأمور التي لا تُرى بالعين.
هذا أحد الأخطاء الكبيرة في الحسابات. يقول تعالى: ﴿إن تنصروا الله ينصركم ويثبّت
أقدامكم﴾11، فهل هناك أوضح من هذا؟ إذا نفرتم في سبيل الله ونصرتم دين الله
فسينصركم الله؛ هذه سنّة إلهيّة لا تقبل التغيير: ﴿ولن تجد لسنّة الله تبديل﴾12؛ إذا ما تحرّكتم في سبيل إحياء الدين الإلهي وحافظتم على هذه الوجهة، سينصركم الله!
هذا ما ذكره القرآن صراحةً، بأنّه الوعد الإلهي. وقد جرّبنا ذلك عمليًّا. اعلموا أنّ
هذه البرهة من تاريخ الثورة، التي ستكون موضع بحث وتحليل على طول التاريخ الممتدّ
إلى الأجيال اللاحقة، لهي من أبرز مقاطع التاريخ تألّقًا. أن يقوم نظام على أساس
الإسلام، في عالم مادي، عالم تهيمن عليه القوى الكبرى، عالم يواجه فيه الإسلام
ومعارف الإسلام والقيم الإسلاميّة هجمة شاملة متعدّدة الأبعاد، بالتحديد في منطقة
تخضع لتأثير تلك القوى الضالّة أكثر من أي مكان آخر في العالم، لهو أمر مدهش؛ وقد
اعتدنا عليه، أنا وأنتم. إنّه: "إن تنصروا الله ينصركم"، "ويثبّت أقدامكم"؛ فلا
تصبحوا عرضة للتزلزل، كما لم نقع به. لم يتزلزل الشعب الإيراني؛ بالرغم من كلّ هذا
الضغط، والمؤامرات، والأذى، والتخاذل؛ ولم يخلِ الساح. هذه إحدى السنن الإلهيّة.
الجمهوريّة الإسلاميّة؛ الشجرة الطيّبة
تقول الآية القرآنيّة الشريفة: ﴿ألم تر كيف ضرب الله مثلًا كلمةً طيّبة
كشجرة طيّبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كلّ حين بإذن ربّه﴾13؛ الكلمة
الطيّبة، العمل الصحيح، الطاهر، هكذا هو العمل في سبيل الله؛ وهو الذي يبقى، تمتدّ
جذوره في الأرض ويثبت ويؤتي أكله وثماره. لقد أصبح نظام الجمهوريّة الإسلاميّة، تلك
الكلمة الطيّبة، أكثر قوّة وثباتً، كشجرة طيّبة. إنّ نظام الجمهوريّة الإسلاميّة
اليوم، كنظام وحكومة ومجموعة سياسيّة، لا يقارن على مستوى الثبات مع ما كان الوضع
عليه خلال السنوات الثلاثين الماضية. يقول الله تعالى في الآيتين التاليتين:
﴿يثبّت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة﴾14؛ يتكرّر هذا
التثبيت مجدّداً. فينبغي رؤية هذه العوامل؛ يجب أن تدخل هذه العوامل في حساباتنا.
لا يمكن لنا أن نحدّ كلّ عوامل [أسباب] السعادة والشقاء، والتقدّم والتخلّف، والنجاح وعدمه، في إطار العوامل الماديّة المعروفة التي تهواها قلوب أهل المادة
وأصحاب المحسوسات؛ فهذه العوامل موجودة إلى جانبها.
ينبغي أن لا نخطئ في حساباتنا!
ما أريد التذكير به في هذا القسم من حديثي – الذي يتمحور حول هذا الأمر-
أنّه ينبغي علينا اليوم أن لا نخطئ في حساباتنا؛ لا تَدَعوا العدو يؤثّر في نظام
حساباتكم. لا تسمحوا له أن يخدعكم ويغويكم، ولا تدعوا وعده ووعيده يؤثّر فيكم. إنّ
معركة الجمهوريّة الإسلاميّة اليوم مع الاستكبار – التي بدأ بها مع قيام الثورة وما
زال مستمرًّا بقوّة- هي نفسها معركة الأنبياء مع طواغيت عصرهم ومع شياطين الإنس
والجنّ. نحن ننشُدُ قيمًا وأهدافًا راقية سامية؛ نروم تشكيل المجتمع الإسلامي،
والنظام الإسلامي، والبلد الإسلاميّ، والأمّة الإسلاميّة، وتحقيق الآمال العظيمة
للأنبياء والصدّيقين والشهداء. إنّ أنظمة [أجهزة] شياطين العصر هي جبهة واحدة،
وبالطبع يعارضون حركة كهذه. لذا يعمدون إلى التخريب، وإلحاق الأذى، ويهدّدون. وفي
الوقت نفسه تكمل هذه الحركة الإلهيّة والحركة النبويّة طريقها وتتقدّم وتترك آثارها؛
وتتوسّع يومًا بعد يوم وتتجذّر وتتعمّق باطّراد؛ بالرغم من كلّ تلك البهرجة والبريق
والزخرف، وتلك الأبهة الظاهريّة والقدرات الماديّة التي تمسك بها الجبهة المقابلة.
يد الاستكبار مغلولة
هذا ما نشهده اليوم في سلوكيّات الاستكبار؛ والهدف هو إيجاد اختلال في
نظام الحسابات وجهاز المحاسبة لدينا. لقد عجز الاستكبار في الميادين الأخرى، عن
القيام بأيّ خطوة ما. كانت جبهة الاستكبار وما زالت، تملك في الميادين الواقعيّة،
عاملين ماديّين فقط: الأوّل التهديد العسكري، والثاني الحظر؛ لا يملك الاستكبار أي
شيء آخر غيرهما. إنّ يد الاستكبار مغلولة على مستوى قوّة المنطق والاستدلال والقدرة
على إثبات الحقّانيّة. يمكنه فقط القيام بعملين اثنين: الأوّل التهديد العسكري -
وهو ما يفعله- والثاني الحظر؛ ولهذين العاملين علاج وحلّ. ينبغي إفشال الحظر من
خلال الاقتصاد المقاوم. هذه النقطة التي ذكرها اليوم رئيس الجمهوريّة، وتحدّث عنها
أيضًا فيما مضى؛ وهي قضيّة صحيحة تمامًا: ينبغي وضع الخطط الاقتصاديّة ومتابعتها
على أساس وافتراض بقاء الحظر. لنفترض أنّ هذا الحظر بأشكاله لم يتراجع قيد أنملة
ولم يتضاءل ولو بمقدار رأس إبرة؛ ما بالك وهم أنفسهم يقولون ذلك. يقولون أنّ الحظر
لن يتراجع قيد أُنملة، حتى أنّهم صرّحوا منذ الآن، أنّه إذا ما توصّلنا إلى اتفاق
في القضيّة النوويّة، فلا يعنى هذا أنّه سيتم رفع جميع أشكال الحظر؛ وما زالت هناك
أمور أخرى. هذا ما كنّا نردّده دائما. وقد تحدّثت مرارًا في مثل هذا الاجتماع وفي
اجتماعات أخرى أنّ الملف النووي مجرّد ذريعة؛ فلو لم تكن المسألة النوويّة لأتوا
بذريعة أخرى: قضيّة حقوق الإنسان، حقوق المرأة، يخترعون قضايا مختلفة؛ ولا يحتاج
اختلاق الذرائع إلى كثير من الجهد، كما أنّ الجهاز الإعلامي والإمبراطورية
الإعلاميّة في أيديهم أيضًا. لذا، فإنّ الحل والعلاج في قضيّة الحظر هي في الاقتصاد
المقاوم، وسأتحدّث عنه ببضع كلمات بعد قليل.
أمّا مسألة التهديد العسكري، فهناك قلّة
اليوم ممّن يأخذونه على محمل الجد. يقول الأمريكيّون، أنّ الإيرانيّين لا يأخذونه
على محمل الجد. لسنا وحدنا من لا يعتبره جديًّا؛ فهناك الكثيرون في العالم لا يرونه
جديًّا. والمراقبون العالميّون15 لا يؤمنون كثيرًا بجديّة هذه التهديدات؛ ويرى
المراقبون العالميّون والعارفون بالسياسة، أنّه لو كان الهجوم العسكري مجديًا
لأمريكا، لِما توانوا عنه لحظة واحدة. فهل سينزعجون لمقتل عدد من الناس، أو لأزمة
تُفتعل في مكان؟ هل يخشى القتل أولئك الذين دعموا بكلّ وجودهم ذئبًا باسم "صدام"
طوال مدّة ثماني سنوات، والذين أسقطوا طائرة الركّاب المدنيّة16 دون أي ذريعة أو
سبب؛ وقتلوا مئات من الرجال والنساء والأطفال الأبرياء الذين كانوا على متنها؟
أولئك الذين أينما وصلت أيديهم وتمكّنوا، افتعلوا أزمة وخلقوا اضطرابًا؛ هذه
التجمّعات الملوّنة -بحسب قولهم "الثورات الملوّنة"- التي أوجدوها في هذه البلدان؛
في أيّ منها لم تكن للقوى الاستكبارية وعلى رأسها أمريكا حضور وتدخّل؟ يخلقون
الأزمات في البلدان، ولا يهمّهم إن أدّت تلك الأزمات إلى الاقتتال وإلى الحروب
الأهليّة. هل إنّ الذين هاجموا أفغانستان والعراق وقتلوا مئات الألوف من الناس –
وقتلوا في العراق بعد انتهاء العمليّات العسكريّة بواسطة الأجهزة الأمنيّة وشركات
القتل العميلة مثل "بلاك واتر" التي سبق وتحدّثت عنها17؛ حيث قتلوا الناس مرّة بعد
أخرى في بغداد وسائر المناطق- هل هؤلاء يخشون قتل الناس وارتكاب المجازر؟ هل يولون
أهميّة لهذه الأمور؟!
ليست القضيّة أنّهم لا يريدون التدخل العسكري لهذا السبب. ما فتئوا يكرّرون مقولة
التهديد العسكري: إسرائيل تهدّد وأمريكا تمنعها! جيّد، لماذا تمنعها أمريكا؟ إذا
كان الكلام واقعيًّا وصحيحًا، فلماذا [لا يفعلون]؟ ألِأنّ وجدانهم يعذّبهم إذا ما
قاموا بهجوم عسكري على بلد ما، وقُتل جمعٌ من الناس فيه؟ لا، بل لأنّ هجومهم لن
يكون ذا فائدة. أقول هذا وبالفم الملآن: لن يكون الهجوم العسكري على الجمهوريّة
الإسلاميّة مجديًا لأي بلد. الأمريكيّون اليوم يخطّئون هجومهم على العراق، والنقطة
المهمّة اللافتة هنا، أنّهم لا يعتبرون ذلك خطأ من باب أنّه جريمة؛ [لا]، يقولون
أنّه لم يكن مجديًا لأمريكا. بمعنى أنّه لو كان مجديّا لهم ومريحًا فلا مشكلة فيه.
لا يقولون أنّنا أخطأنا لأنّنا قتلنا الناس، لأنّنا هاجمنا الناس العزّل ولأنّ
جنودنا كانوا يركلون أبواب بيوت الناس بأحذيتهم ويضرّجون النساء والأطفال بدمائهم
أمام الملأ؛ لا يقولون ذلك. [والآن] يعاني جنودهم من مشاكل نفسيّة بسبب هذه الفجائع
التي ارتكبوها، إلّا أنّهم لا يعترفون بذلك رسميًّا؛ يكتفون بالقول إنّ ذلك العمل
لم يكن مفيدًا. جيّد، ولذلك فإنّ أيدي الأعداء خالية أيضًا، سواء في مجال الحظر أو
التهديد العسكري: ﴿ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين﴾18؛ إذا ما
كنّا مؤمنين، فلن يستطيع العدو فعل شيء. جيّد، والآن بما أنّ العدو لم يعد بمقدوره
القيام بأي عمل في الميدان الواقعي ويده قاصرة عن التأثير، فما هو السبيل لديه؟
السبيل هو أن يضرب نظام المحاسبة لدى الطرف المقابل؛ منظومة المحاسبة لدينا أنا
وأنتم؛ متوسّلين بالإعلام والعمل السياسي والعلاقات والاتصالات المختلفة؛ يعرفون أنّ
الجمهوريّة الإسلاميّة قادرة على الوصول إلى أهدافها؛ [فلذلك] ينبغي أن لا تسعى إلى
ذلك؛ إن شاءت فهي قادرة، وهؤلاء يريدون فعل شيء حتى لا تسعى إلى تحقيق أهدافها.
اليوم، هذا ما يجهد إليه الاستكبار، على رأسه أمريكا، وهي الحرب الناعمة التي
تحدّثنا عنها قبل عدّة سنوات وتباحثنا حولها، كما تحدّث الآخرون عنها، وبحثوا
وكتبوا.
لا تبديل في حسابات الجمهوريّة الإسلاميّة
لا يمكنهم أن يبدّلوا حساباتنا؛ فحسابات الجمهوريّة الإسلاميّة مرتكزة
على أساس المنطق العقلاني! على أساس القوّة العاقلة. العناصر التي تشكّل هذه
الحسابات هي: أوّلًا، "الثقة بالله وسنن الخلقة"؛ ثانيًا: "معرفة العدو وعدم الثقة
به". ومن جملة موارد الثقة بالله وسنن الخلقة: الثقة بالشعب، والثقة بإيمان الشعب،
والثقة بمحبّته، والثقة بدوافعه الصادقة، والثقة بصدق الشعب –حيث كان إمامنا الكبير
مظهر هذه الثقة- والثقة بالنفس و"إنّنا قادرون"، والاستناد إلى العمل واجتناب
البطالة والكسل، والثقة بالنصر الإلهي، والاستناد إلى التكليف والجهاد في سبيل
التكليف؛ هذه هي الأشياء التي شكّلت منذ اليوم الأوّل وإلى اليوم مجموعة عناصر
القوة العقلانيّة للنظام الإسلامي، وشكلت الركن والبناء التحتيّ لحركتها. راجعوا
كلمات الإمام؛ فوصاياه وأوامره مشحونة بهذه المعارف وهذه المعاني: الاستفادة من
التجارب، تجربة سلوك القوى المستكبرة مع الشعوب المسحوقة، والجهاد من أجل الاستقلال،
والحفاظ على الاستقلال والحياة المستقلّة. ماذا يعني الاستقلال - يشكّك بعضهم في
أصل مفهوم الاستقلال فما هو هذا الاستقلال -الاستقلال هو التحرّر من إرادة الأجانب
وإرادة الآخرين: هذا هو معنى الاستقلال؛ هل يمكن لأيّ عقل إنكار ذلك؟ معنى
الاستقلال هو أن يقوم أي شعب بتقرير مصيره بنفسه. كان هذا البلد ولسنوات متمادية
فاقدًا لاستقلاله؛ كان له استقلال سياسي ظاهري، لكنّ العقل المدبّر لهذا النظام
والبلد، كان بيد الآخرين الذين كانوا يقرّرون ويعملون؛ كان هناك أفراد في الداخل،
بعضهم كان مرتبطًا بهم، وآخرون لم يكونوا كذلك إلّا أنّهم كانوا مجبرين ولا خيار
لهم سوى اتّباعهم والسير معهم. الاستقلال هو الثبات والصمود في مقابل هذه حالة.
ليست المسألة اسم الإسلام!
حسن، معارضة الاستكبار تكون بهذه العقلانيّة. وإذا ما خامر أذهان البعض
فكرة أنّ اسم الإسلام يؤدّي إلى أن يعارضوا الجمهوريّة الإسلاميّة؛ لا، فلا اسم
الإسلام ولا المظاهر الإسلاميّة ولا الطقوس الإسلاميّة تجبر أي شخص على المعارضة.
قال الإمام ذات مرّة في إحدى كلماته19: عندما جاء الإنكليز واحتلّوا العراق في
العقد الثاني من القرن العشرين، وسمع أحد ضبّاطهم شخصًا ينادي ويصرخ بصوت عال، حيث
أثار استغرابه ودهشته- كان هناك شخص يؤذّن من على إحدى المآذن- سأل الضابط أهو
ضدّنا؟ أجابه أحدهم: لا، فقال: لا بأس فليقل ما يشاء. إذا لم يكن الأذان ضدّه، [وكلمة]
"الله اكبر" لا تصغّره؛ لا بأس، فليقل ما يريد. ليست المسألة اليوم اسم الإسلام
وطقوس الإسلام وشعائره؛ فهناك اليوم بلدان تحمل اسم الإسلام ولديها طقوس إسلاميّة
بنسب متفاوتة، لكنّ نفطهم وإمكاناتهم بيد الاستكبار ومصادرهم الحياتيّة [المعيشيّة]
بتصرّف هؤلاء؛ ولا يوجد أيّ اعتراض عليهم، [لا بل] يحبونهم كثيرًا.
المصالحة مع إيران ممكنة ولكن..
قرأت مؤخًّرا كلمة مهمّة في مكان ما؛ قال أحد خبراء الحكومة الأمريكيّة:
المصالحة بين إيران وأمريكا ممكنة؛ لكنّها غير ممكنة بين "الجمهوريّة الإسلامية"
وأمريكا؛ وهذا كلام صحيح: أن يكون إيرانيّ على رأس تلك العائلة البهلويّة - بحيث
يجعل كلّ شيء تحت تصرّف هؤلاء- بالطبع يكون التصالح معه ممكنا وضروريا، ويجب أن
يكون أكثر من المصالحة أيضًا. القضيّة هي مسألة الجمهوريّة الإسلاميّة، الجمهوريّة
الإسلاميّة تعني الاستقلال والحريّة والتزام الإيمان الإسلامي والحركة في طريق
الإسلام وعدم الخضوع لضغوطات الأعداء، ودعوة الأمّة الإسلاميّة للاتحاد – وهي
النقطة المخالفة لما يريدون بالتحديد- بالطبع هم يعادونه.
جيّد، هذا هو قولنا الأساس: لا تنسوا الثقة بالنفس، لا تنسوا الإيمان، والعمل، ولا
تستسلموا للكسل واللامبالاة، والملل والسأم؛ لا تنسوا ذلك. هذه دروس شهر رمضان.
لديّ بضع وصايا: وصيّة موجّهة إلى جميع المسؤولين. إنّ نظرةً إلى أوضاع العالم
السياسيّة وأوضاع المنطقة تشير إلى أنّنا في مقطع حسّاس بالمعنى الحقيقي للكلمة؛
هناك منعطف تاريخي. اعلموا هذا! إن لم تكونوا أقوياء ستتعرّضون للتعسف والضغط20 من
أمريكا والغرب بل ومن كائن كصدّام.
فعِّلوا عناصر القوّة
إن لم تكونوا أقوياء سيفرضون عليكم منطق القوّة؛ يجب أن تكونوا أقوياء.
ما هي عناصر القوّة؟ كيف لهم أن يفهموا ويذعنوا أنّنا أقوياء؟ [إنها] الروحيّة
والأمل والجهد والسعي ومعرفة الثغرات الاقتصاديّة، والثقافيّة، والأمنيّة –تعرّفوا
على هذه الثغرات وقوموا بسدّها [ومعالجتها]- تضافر الأجهزة المعنيّة – فلتتعاون
وليساعد بعضها بعضًا- تضافر الأجهزة مع الناس؛ هذه عناصر القوّة. هذه وصيّة؛ وهي
للجميع [المسؤولين].
اعملوا ما استطعتم
الوصيّة الثانية: اسعوا واعملوا
ما استطعتم وطالما سنحت لكم الفرص، فالفرص محدودة. نحن أفراد آيلين للزوال، الفرص
لدينا محدودة، لنعمل طالما نحن موجودون وقادرون. لا تقولوا أنّهم لا يدعونا [نعمل]؛
كلمة "لا يدعونا"21 غير مقبولة. الكثيرون أيضًا يقولون ذلك، كانوا يقولون في الماضي
أيضا، والآن بعضهم يقول أنّهم لا يسمحون لنا؛ ما معنى مقولة "لا يسمحون لنا"؟ أنتم
لديكم قدرات وطاقات وإمكانات، سواء كنتم في المجلس أو الحكومة أو القوة القضائيّة
أو القوّات المسلّحة، وسواء كنتم في الأقسام المختلفة من الحكومة، أنتم لديكم
إمكانات استفيدوا منها؛ واعملوا؛ لا تسمحوا أن تمرّ لحظة بلا عمل.
الوصيّة الثالثة؛ نظّموا حركتم بناءً لأصول
الثورة؛ اجتنبوا الخوض في الأمور الجانبيّة؛ اعملوا على حلّ مشاكل الناس.
رابعًا: أولوا أهميّة للتقارب بين القطاعات
والتقارب بين السلطات؛ أكرّر وصيّتي لمسؤولي القوى الثلاث: ليعقدوا الاجتماعات
المشتركة بشكل متتالي، فالكثير من المشاكل تحلّ في هذه الاجتماعات المشتركة؛
اجتماعات الحكومة والمجلس، السلطة القضائيّة والحكومة، السلطة القضائيّة مع المجلس،
فإن هذه الاجتماعات وهذه اللقاءات وتبادل الآراء، والاستفادة من الأفكار المتبادلة
تؤدّي إلى التآزر والتعاضد، ومسألة الإدارة الجهاديّة وصيّة مرتبطة بالجميع.
الوصيّة المتعلّقة بالحكومة والسلطة التنفيذيّة:
أوّلًا، ليعلم الجميع أنّي أدعم
الحكومة. وسوف أستخدم كلّ ما لدي من قدرة ووسع لمساعدة الحكومة. وأنا أثق بالحكومة
وأؤيّدها وأدعمها مثل بقيّة الحكومات السابقة. أنا أثق بمسؤولي الحكومة رفيعي
المستوى الذين أعرفهم؛ فكلّ الحكومات التي جاءت بعد انتصار الثورة منتخبة من الشعب، وقد دعمتُ كل الحكومات في العهود المختلفة- عندما كانت لدي مسؤوليّة آنذاك- فكلّ
الحكومات كان لديها نقاط إيجابيّة وأخرى سلبيّة؛ ليس لأي حكومة أن تدّعي أنّ كلّ
نقاطها إيجابيّة، وليس لأي شخص أن يقول أن كل نقاط الحكومة سلبية. الأفضل أن يكون
النقد بناءً تخصصياً؛ لا مصلحة في إشهار النقد من على المنابر العامة؛ كما ينبغي أن
يكون النقد -بالنسبة للحكومة الحاليّة - منصفًا ومحترما وشفوقًا؛ ولا يكون بمعنى
تقصي العثرات والإيذاء. هذا هو الموضوع الأوّل.
ثانيًا، أقول للمسؤولين: خذوا قضيّة الاقتصاد
المقاوم على محمل الجدّ. جيّد، لقد تحدّث رئيس الجمهوريّة المحترم، والمسؤولون
الآخرون أيضًا بنسب متفاوتة، تحدّثوا وأبدوا آراءهم. في المحصّلة، يجب العمل والسعي:
"ولا ممّن على غير العمل يتّكل"؛ فلا يصحّ أن نطلق اللسان بالكلام بينما نتحرّك
ببطء في العمل. [الأساس] في الاقتصاد المقاوم، الاعتماد على الإنتاج الداخلي وعلى
متانة [تمتين] البيئة الداخليّة للاقتصاد. وكذلك الازدهار الاقتصادي، الذي يتحقّق
من خلال الإنتاج، ومن خلال تفعيل طاقات البلاد الداخليّة وإمكاناتها، وليس أي شيء
آخر.
في مجال الاقتصاد المقاوم..
الوصيّة الأساس في مجال الاقتصاد المقاوم؛
وصيّة إلى البنوك: على البنوك أن تؤدّي دورها، ينبغي أن تتكيّف مع مواد سياسات
الاقتصاد المقاوم وخطط الحكومة في هذا المجال؛ ويمكنها أن تؤدّي دورًا إيجابًّا؛
بالطبع يمكن أيضًا أن يكون لها دورها السلبي. ووصيّتي الأكيدة إلى قطاع الصناعة
والمعادن: ينبغي أن تضاعف حركتها؛ يتحمّل قطاع الصناعة والمعادن العبء الأساسي من
أجل خروج البلاد من الركود والتخلّف الاقتصادي؛ ينبغي بذل الجهد والسعي المضاعف.
اكتشفوا الطاقات والسعات؛ توجد إمكانات كثيرة؛ نشطوا هذه الطاقات.
في مسألة القطاع الزراعي؛ للزراعة أهميّتها
الحيويّة؛ ينبغي أن تكون نظرة الحكومة وسياساتها إلى قطاع الزراعة نظرة دعم وحماية؛
هكذا هو الأمر في أي مكان من العالم؛ يتمّ مساعدة القطاع الزراعي ودعمه بواسطة
الحكومات، مع أنّه ينبغي حلّ مشاكل القطاع الزراعي؛ ينبغي أيضًا حلّ مشاكل
المزارعين والرعاة، أحيانًا يشتكون إلينا، وفي الواقع إنّ الإنسان يتألّم لبعض
المشاكل التي تعترضهم.
الثالث: إنّ شعار الحكومة هو "الاعتدال"؛
الاعتدال شعار جيد جدًّا ونحن أيضًا نؤيّد شعار الاعتدال؛ وإن الإفراط سيّئ ومدان.
ووصيّتي هنا : احذروا من إقصاء التيّارات المتديّنة تحت شعار الاعتدال. يقوم بعضهم
بهذه الأعمال وأرى ذلك في الساحة السياسيّة في البلاد. يسعى بعضهم تحت شعار
الاعتدال وشعار تجنّب الإفراط، إلى إقصاء التيّار المتديّن الذي يقف قبل غيره
لمواجهة الشدائد والأخطار. وهذه التيّارات المتديّنة هي التي تمدّ يد العون إلى
الحكومات في معترك المشاكل الواقعيّة بالمعنى الحقيقي للكلمة؛ احذروا ذلك. الإسلام
هو مظهر الاعتدال فـ ﴿أشدّاء على الكفّار رحماء بينهم﴾22 هو اعتدال؛ وإنّ
﴿قاتلوا
الذين يلوونكم من الكفّار﴾23 اعتدال أيضا؛ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اعتدال
–هذا هو الاعتدال- ليس معنى الاعتدال أن نمنع الأعمال التي يشعر الفرد أو التيّار
المؤمن، والمجموعة المؤمنة أنّها من واجباته.
وصيّة إلى التيارات السياسيّة والصحفيّة:
لديّ وصيّة إلى الأخوة والمسؤولين عن التيارات
السياسيّة والصحفيّة؛ التفتوا إلى أنّ فضاء الجدال ليس لمصلحة البلاد
ونفعها؛ فلا يتلاعبنّ بعضهم بأعصاب الناس إلى هذا الحدّ الذي نشاهده. وإنّ الأمن
الفكري والذهني مهم للناس. فلا ينبغي إثارة أجواء الخلاف والمشاجرة والمساهمة في
تسعيرها. ولا ينبغي تكرار ما تقوله الصحافة الأجنبيّة. أنا أطالع يوميًّا عددًا لا
بأس به من الجرائد كغيرها من الأمور التي أطالع الكثير منه، فيظهر أحيانًا في بعض
الصحف كلام أو عناوين عريضة هي نفسها وردت في الصحف الأمريكيّة. بالمناسبة، أحيانًا
قد يرد ذلك في الجرائد الأمريكيّة نفسها وغيرها أيضًا بحيث إنّه يأتي إلينا؛ كونوا
على حذر؛ هذه أمور غير صحيحة.
في الملف النووي:
القضيّة الحسّاسة الحاليّة، الملف النوويّ،
وكانت كلمة رئيس الجمهوريّة المحترم اليوم جيّدة وصحيحة تمامًا. [إنّ
الواقع في هذه القضيّة] أنّ الطرف المقابل يريد أن "يرينا الموت لنرضى بالحمّى"24. هدفهم في إطار قضيّة حجم التخصيب وكميّته هو أن يرضوا الجمهوريّة الإسلاميّة بعشرة
آلاف "سو" وهم بالطبع بدأوا بخمس مئة سو وألف سو، وعشرة آلاف سو هي حصيلة نحو عشرة
آلاف جهاز طرد مركزي (سانتر فيوج) من النوع القديم الذي نمتلكه، بينما بحسب قول
المسؤولين المعنيّين فإنّ الحاجة الأكيدة للبلاد هي 190000 سو. من الممكن أن لا
تكون هذه حاجة سنة أو سنتين أو خمس سنوات أخرى؛ لكن هذه هي حاجة البلاد الفعليّة.
جيّد، ينبغي تأمين حاجة البلاد الفعليّة. أساس كلام الأمريكيّين في هذه القضيّة
باطل وغير منطقي. لقد تمكن بلد يحتاج إلى الطاقة النوويّة بنفسه ومعتمدًا على
قدراته وبدون أن يستجدي أحداً أو أن يسلب أحدًا، من إيجاد هذا العلم وهذه التقنيّة
لنفسه؛ فقامت قيامتهم وقالوا ل، لا ينبغي [لكم ذلك]. جيّد، لماذا؟ أي منطق لهذه الـ
"لا ينبغي"؟؟ يقولون أنّهم قلقون من القنبلة النوويّة! أوّلًا إنّ ضمانة الحدّ من
السلاح النووي له سبله؛ لا مشكلة في ذلك. ثانيًا، إذا ما كان من أحدٍ يعتريه الخوف
والقلق حقًّا في ما يتعلّق بالسلاح النووي فليست أمريكا بالطبع؛ فأمريكا نفسها لديها
بضعة آلاف رأس نووي، وبضعة آلاف قنبلة نوويّة وقد استخدمتها. جيّد، فما القضيّة
إذًا؟ من أنتم لتقلقوا أنّ البلد الفلاني قد امتلك سلاحًا نوويًّا أو لم يمتلك؟ في
حين أنّ هناك مؤسسات مسؤولة؛ نعم صحيح، يمكنها أن تضمن ذلك. [بالطبع] لضمان عدم
الاستخدام، يعني الوضوح لعلّهم يعرفون ذلك، لكن الأساس في كلامهم أنّه كلام باطل
غير منطقي.
بالطبع نحن نثق بفريق التفاوض لدينا ونحن واثقون بأنّه لن يرضى التطاول على حقوق
البلاد وحقوق الشعب وكرامته ولن يسمح بهذا العمل. إنّ مسألة حجم التخصيب هي مسألة
بالغة الأهميّة؛ ومسألة البحث والتوسّع ينبغي أيضًا الاهتمام به؛ الحفاظ على
المنشآت التي لا يستطيع العدو تخريبها. فيركّزون على منشأة "فردو"، لأنّه ليس في
متناول أيديهم، فيقولون أنّ المكان الذي لا يمكننا توجيه ضربة إليه يجب أن لا يمتلك
الطاقة! وهذا أمر مضحك.
المسألة الأخرى، قضايا المنطقة والعراق، وهو
فتنة في الواقع، وسوف يتمكّن الشعب المؤمن في العراق من إخماد هذه الفتنة والقضاء
عليها بتوفيق من الله. وسوف تتقدّم شعوب المنطقة إن شاء الله يومًا بعد يوم نحو
مزيد من الرشد والرقي المعنوي والمادي.
إلهي بمحمّد وآل محمّد نسألك أن تجعل ما قلناه
وسمعناه لك وفي سبيلك وأن تتقبّله منّا.
إلهي وفّقنا للعمل والسعي بإخلاص.
إلهي بمحمّد وآل محمّد يسّر لنا موجبات مرضاتك،
ولا تحرمنا في هذا الشهر المبارك من رحمتك ومغفرتك. احشر الأرواح الطيّبة للشهداء
وروح الإمام العظيم مع أوليائك.
إلهي، بمحمّد وآل محمد، اجعلنا من عبادك
الشاكرين الصابرين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1- الشيخ حسن روحاني
2- سورة التوبة؛ جزء من الآية 49
3- سورة البقرة؛ جزء من الآية 183
4- سورة الأنفال؛ جزء من الآية 29
5- سورة البقرة؛ جزء من الآية 282
6- سورة آل عمران؛ جزء من الآية 174
7- سورة آل عمران؛ جزء من الآية 175
8- سورة البقرة؛ جزء من الآية 268
9- سورة النساء؛ جزء من الآية 120
10- سورة الأنعام؛ جزء من الآية 112
11- سورة محمّد؛ جزء من الآية 7
12- سورة الأحزاب؛ جزء من الآية 62
13- سورة إبراهيم؛ الآية 24 وجزء من الآية 25
14- سورة إبراهيم؛ جزء من الآية 27
15- المسؤولون أو الساسة والباحثون السياسيون
16- طائرة الركاب المدنيّة التي أسقطها الأمريكيّون عام 1988 وكانت في رحلة من
بندر عباس إلى دبي؛ أُسقطت في منطقة غير عسكريّة وكان على متنها 298 راكبًا-منهم 66
طفل تحت 12 سنة.
في جمع من الطلاب الجامعيّين والتعبويّين (2007)[17- ]
18- سورة آل عمران؛ الآية 139
19- صحيفة الإمام، ج 7، ص 399 [ط. الفارسية]
20- عبر القائد: ستسمعون بالقوة (أي التهديد).
21- أو "لا يسمحون".
22- سورة فتح؛ جزء من الآية 29
23- سورة التوبة؛ جزء من الآية 123
24- حسب المثل الرائج: الكحل ولا العمى