حالة الذاكر لله تعالى
هكذا تكون سعيداً
لقد قمنا سابقاً بتحليل لسبب ضيق معيشة وصدر المُعرض عن الله تعالى. وبان أنه تغييب الله تعالى عن النفس والإعراض عنه والاقتصار على هذه الدنيا؛ فإنّ ذلك سيُنتج لدى المُعرض عن الله حالات نفسية تقدّمت.
عدد الزوار: 236
مرّ وصف القرآن
الكريم لحالة غير
الذاكر لله
المُعرض عنه
تعالى بـ:
- ضنك العيش
﴿فَإِنَّ
لَهُ مَعِيشَةً
ضَنكًا﴾.
- وضيق الصدر
﴿يَجْعَلْ
صَدْرَهُ
ضَيِّقًا﴾.
أمّا
الذاكر لله تعالى
فقد وصف القرآن
الكريم حالته بـ:
- اطمئنان القلب
﴿أَلاَ
بِذِكْرِ اللّهِ
تَطْمَئِنُّ
الْقُلُوبُ﴾1.
- انشراح الصدر
﴿فَمَن
يُرِدِ اللّهُ
أَن يَهْدِيَهُ
يَشْرَحْ
صَدْرَهُ
لِلإِسْلاَمِ﴾2.
لقد قمنا سابقاً
بتحليل لسبب ضيق
معيشة وصدر
المُعرض عن الله
تعالى. وبان أنه
تغييب الله تعالى
عن النفس
والإعراض عنه
والاقتصار على
هذه الدنيا؛ فإنّ
ذلك سيُنتج لدى
المُعرض عن الله
حالات نفسية
تقدّمت.
وبالمقابل فإن
اطمئنان قلب
الذاكر لله تعالى
يعود إلى الحضور
المتيقظ لله
تعالى في نفسه،
واستحضار الآخرة
فيها.
والمقصود من حضور
الله تعالى ليس
حضور وتصوُّر
ذاته المقدّسة،
فالإنسان قاصر عن
ذلك، لأنه ممكن
ضعيف، والله
تعالى كمال مطلق
لا يمكن للممكن
أن يحيط بذاته
المقدّسة، بل
معناه حضور
أسمائه وصفاته،
كالعالم والقادر
والغني والعزيز
والجواد والرزّاق
والمنعم والمنجي
والمحيي والمميت
والرحمن والرحيم...
إنَّ استحضار هذه
الأسماء والصفات
الإلهية الذي
يرافقه استحضار
الحياة الآخرة هو
سبب لاطمئنان
القلب وانشراح
الصدر والشعور
بالسعادة.
منبع الاستحضار
ومن الواضح أن
منبع هذا
الاستحضار
إنسانياً هو
النفس، فهي
المنبع لذكر الله
تعالى، وهي
المروية بماء ذلك
النبع.
والنفس الإنسانية
وإن كانت واحدة
إلا أنّ فيها
قطبين يتحكمان
بفعاليات الإنسان
العملية وتجلياته
الروحية وهما
العقل والقلب.
فالعقل هو مصدر
التفكُّر
والتبصُّر
والمنطق
والاستدلال.
والقلب هو منشأ
التجلِّيات
الروحية والنفسية
من الرغبة والحبّ
والتمنّي
والانفعال3.
وذكر الله تعالى
واستحضار أسمائه
وصفاته تارة يكون
بالعقل وطوراً
بالقلب.
وأطبّق ذلك من
خلال البيان
التالي:
الذكر بالعقل
فحينما يستذكر
الإنسان صفة
الغني لله تعالى،
فإن معناها أنّ
الله لا يريد
شيئاً لنفسه،
وإنما ما يريده
من الإنسان هو
لأجل الإنسان.
وحينما يستذكر
الإنسان صفة
الحكيم لله تعالى
التي تعني أنّه
يضع كل شيء موضعه
المناسب، فمعناها
أنّ الله خلق
الإنسان لأجل
غاية ترتبط
بمصلحة الإنسان
نفسه، ويمكن
للعقل في ضوء
معرفته بصفات
الله تعالى أن
يحدِّد العنوان
العام لهذه
الغاية، ألا وهي
كمال الإنسان.
وهذا ما يستدعي
سؤالاً من
الإنسان: هل
أستطيع بنفسي
معرفة الطريق
التي تؤدي إلى
الكمال؟ والجواب
من خلال التأمل
بقدرات الإنسان
وطبيعة الحياة
سيكون: كلا.
إذاً لا بُدَّ
للحكيم أن يعرِّف
الإنسان على طريق
الكمال، وهنا
يتعرّف العقل على
سرِّ النبوات
والرسالات، وأن
رسالات رسل الله
تعالى هي خرائط
الوصول إلى كمال
الإنسان.
سيتعرَّف حينئذٍ
أن الشريعة هي
برنامج كمال
الإنسان وسعادته.
سلام الله تعالى
على أمير
المؤمنين القائل
في ما ورد عنه:
"الذكر هداية
العقول"4
الذكر بالقلب
وحينما يتأمل
الإنسان أسماء
الله تعالى
وصفاته عزّ وجل
وكلّها كمالية
يجد نفسه مجذوباً
إليها لأنه مفطور
على حبِّ وعشق
الكمال، فالحبّ
هول ميل القلب
إلى الكمال الذي
يعتقده المُحب في
الحبيب، فكيف
حاله وهو يذكر
الله الكمال
المطلق بصفاته
وأسمائه أنه
سيُبحر في هذا
الذكر الذي
سيملؤه سعادةً
وسروراً؟
ألا تجد أيها
القارئ الحبيب
أنك إذا أحببت
وعشقت شخصاً فإنك
تحبُّ رؤيته وحين
تراه تشعر
بانشراح وسعادة
يغمران قلبك؟
وإذا لم تره تحبّ
أن ترى صورته،
فإذا رأيتها تشعر
أيضاً بانشراح
وسعادة غامرتين.
بل إنّ المحبّ
يحبّ كل أثر
ينتمي إلى محبوبه.
وهكذا حال الذاكر
لله تعالى الذي
انجذب لكماله
وأسمائه وصفاته
فتراه حينما
يذكره ويستحضرها
يمتلئ انشراحاً
وسروراً وحياة.
سلام الله تعالى
على أمير
المؤمنين القائل
فيما ورد عنه:
"في الذكر حياة
القلوب?"5.
* كتاب هكذا تكون سعيداً، سماحة الشيخ أكرم بركات
1- سورة
الرعد، الآية 28.
2- سورة الأنعام،
الآية 125.
3- انظر: مطهري،
مرتضى، العقل
والقلب، ط3،
بيروت، مركز
الإمام الخميني
الثقافي، 2008م،
ص 10.
4- الريشهري،
محمد، ميزان
الحكمة، ط1،
بيروت، دار
الحديث للطباعة
والنشر، 1421 ه،
ج6، ص 418.
5- المرجع السابق،
ج6، ص 417.