يتم التحميل...

الإمام علي عليه السلام رائد العدالة الاجتماعية

ولادة أمير المؤمنين(ع)

سعى الإمام علي (عليه السلام) منذ اللحظات الأولى لوصوله إلى الحكم نحو ترسيخ أُسس العدالة في المجتمع الإسلامي، فحارب الفقر محاربةً لا هوادة فيها، وعمِلَ على إعطاء أصحاب الفيء حقوقهم، وساوى بين الجميع في العطاء، وأمر أصحاب الأموال والثروات

عدد الزوار: 146

بسم الله الرحمن الرحيم

سعى الإمام علي (عليه السلام) منذ اللحظات الأولى لوصوله إلى الحكم نحو ترسيخ أُسس العدالة في المجتمع الإسلامي، فحارب الفقر محاربةً لا هوادة فيها، وعمِلَ على إعطاء أصحاب الفيء حقوقهم، وساوى بين الجميع في العطاء، وأمر أصحاب الأموال والثروات بدفع ما عليهم من حقوقٍ إلى بيت المال، ثمّ ندّد بأولئك الذين يأكلون الأموال بالباطل سواء بالغصب أو بالسرقة أو بالاحتكار أو الرشوة، واعتبر أن أعظم الجرائم اغتصاب مال الله من بيت المال الذي هو حقّ الأيتام والفقراء والمساكين، وحاسب هؤلاء حساباً يسيراً، وطبّق عليهم مبدأ من أين لك هذا؟.

وبهذا غدا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) أعظم نموذج للعدالة والمساواة وواحداً من روادها الذين لم يعرف لهم التاريخ نظيراً.

جاء في كلام ابن الأثير المؤرّخ المعروف في وصف عدالة (الإمام عليه السلام): "إنّ زهده وعدله لا يمكن استقصاؤهما، وماذا يقول القائل في عدل خليفةٍ يجد في مالٍ جاءه من أصفهان رغيفاً فيقسِّمه أجزاء كما قسّم المال، ويجعل على كل جزء جزء، ويساوي بين الناس في العطاء، ويأخذ كأحدهم"1.

ولو نظرنا إلى زهده (عليه السلام) في الدنيا لأخذنا العجب من هذا الإنسان العظيم الذي كانت الدنيا في يده وهو يلبس الخشن ويأكل الجشب مواساةً للفقراء ويقول: "يا دنيا غرّي غيري" ولم يَخلُف في أهله إلّا سبعمائة درهم، ويفرِّق جميع ما في بيت المال ثمّ يأمر به فيُكنَس ثمّ يصلّي فيه رجاء أن يشهد له، وما شبع من مالٍ قط.

ولم يكن اهتمام علي عليه السلام بقضية العدالة الاجتماعية بمحض الصدفة، بل إنّ ذلك يرتبط ارتباطا وثيقاً بالأوضاع الفاسدة التي آلت إليها حالة العالم الإسلامي آنذاك نتيجةً لتلك السياسات الفاسدة من قبل الحكّام الذين ميزوا بين الناس في العطاء.

لهذا نجد أن الإمام علي (عليه السلام) يعبِّر عن هذه الحالة في اللحظة الأولى لاستلامه الحكم محدِّداً الأهداف الأساسية لقبوله بالتصدي للخلافة: "اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الَّذِي كَانَ مِنَّا مُنَافَسَةً فِي سُلْطَانٍ، وَلَا الْتِمَاسَ شَيْ‏ءٍ مِنْ فُضُولِ الْحُطَامِ، وَلَكِنْ لِنَرِدَ الْمَعَالِمَ مِنْ دِينِكَ وَنُظْهِرَ الْإِصْلَاحَ فِي بِلَادِكَ فَيَأْمَنَ الْمَظْلُومُونَ مِنْ عِبَادِكَ وَتُقَامَ الْمُعَطَّلَةُ مِنْ حُدُودِكَ "2.

واجه الإمام (عليه السلام) صعوبةً كبيرة في سبيل إحياء الفكر الإسلامي من جديد، ولهذا حارب الجميع وحاربه الجميع، وبغضوه وكرهوه، وخافوا من عدله، وابتدعوا الثورات عليه بعد أن حطّم عروشهم وقضى على أحلامهم، وبدأ بمعالجة الأوضاع المنحرفة والفاسدة التي خلّفها السابقون، وعمِل على رفع الظلم عن المحرومين، فساواهم بنفسه وكان أُسوةً لهم في جشوبة العيش، وشريكاً لهم في مكاره الدّهر، وكان شعاره في الحكم دائماً القضاء على الظلم حيث يقول (عليه السلام): " وَاللَّهِ لَأَنْ أَبِيتَ عَلَى حَسَكِ3 السَّعْدَانِ4 مُسَهَّداً 5، أَوْ أُجَرَّ فِي الْأَغْلَالِ مُصَفَّداً أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ظَالِماً لِبَعْضِ الْعِبَادِ وَغَاصِباً لِشَيْ‏ءٍ مِنَ الْحُطَامِ وَكَيْفَ أَظْلِمُ أَحَداً لِنَفْسٍ يُسْرِعُ إِلَى الْبِلَى قُفُولُهَا6 وَيَطُولُ فِي الثَّرَى7 حُلُولُهَا ا؟!"8.
 
معالجة الإمام لظواهر الانحراف في جسم الخلافة الإسلامية:

سلك الإمام علي عليه السلام منهجاً مدروساً ومنتزعاً من الواقع الذي كان يعانيه المجتمع الإسلامي من أجل تحقيق الأهداف السامية التي عمل على تطبيقها بين الناس للقضاء على الظواهر المَرَضيّة التي حلّت في الدولة الإسلامية، ومن هذا المنطلق كان قبول الإمام (عليه السلام).

وتسلّم زمام الحكم بعدما شاهد بعينه انهيار دعائم الدين وتغيير معالمه، فأعلن موافقته على قبول الخلافة وتسلّم زمام الحكم، وعبّر عن السبب الذي دفعه إلى اتخاذ هذا الموقف بقوله: "أمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ 9، لَوْ لَا حُضُورُ الْحَاضِر10، وَقِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ11، وَمَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَى الْعُلَمَاءِ أَلَّا يُقَارُّوا12 عَلَى كِظَّةِ13 ظَالِمٍ وَلَا سَغَبِ مَظْلُومٍ14، لَأَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا15، وَلَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِهَا وَلَأَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ16 عَنْز17.

وكان من أهم الظواهر التي سعى الإمام علي (عليه السلام) للقضاء عليها والتي كانت بنظره السبب الأساس في إنحراف الأمّة وبالتالي أدَّت إلى وجود الطبقية في المجتمع الإسلامي، وانهيار دعائم العدالة الاجتماعية بين الناس، فحاربها واقتلع جذورها من جسم الدولة الإسلامية على ضوء ما ورد عنه في نهج البلاغة يتمثّل بما يلي.

‌أ- ظاهرة الانحراف عن كتاب الله وسنّة نبيّه:
ظهر لدينا بأن فساد المجتمع وانحرافه إنّما نشأ من إنحراف الحكّام الذين أماتوا السنن المحمّدية، وأحيوا البِدع الأمويّة، فأرجعوا الناس إلى عهدِ الجاهلية.

لهذا توجّه الإمام علي (عليه السلام) إلى رأس السلطة في ذلك الوقت قائلاً: "فَاعْلَمْ أَنَّ أَفْضَلَ عِبَادِ اللَّهِ عِنْدَ اللَّهِ إِمَامٌ عَادِلٌ، هُدِيَ وَهَدَى، فَأَقَامَ سُنَّةً مَعْلُومَةً، وَأَمَاتَ بِدْعَةً مَجْهُولَةً، وَإِنَّ السُّنَنَ لَنَيِّرَةٌ لَهَا أَعْلَامٌ وَإِنَّ الْبِدَعَ لَظَاهِرَةٌ، لَهَا أَعْلَامٌ، وَإِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ إِمَامٌ جَائِرٌ ضَلَّ وَضُلَّ، بِهِ فَأَمَاتَ سُنَّةً مَأْخُوذَةً، وَأَحْيَا بِدْعَةً مَتْرُوكَةً..."18.

ففي هذا الخطاب للخليفة أشار الإمام علي (عليه السلام) إلى الداء ومن ثمّ إلى معالجته.

وفي إشارة منه (عليه السلام) إلى السبب الذي دعاه إلى تولّي الحكم، وهو خوفه على الإسلام يقول: "فَأَمْسَكْتُ يَدِي حَتَّى رَأَيْتُ رَاجِعَةَ النَّاسِ قَدْ رَجَعَتْ عَنِ الْإِسْلَامِ يَدْعُونَ إِلَى مَحْقِ دَيْنِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله فَخَشِيتُ إِنْ لَمْ أَنْصُرِ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ أَنْ أَرَى فِيهِ ثَلْماً أَوْ هَدْماً"19.
 
‌ب- ظاهرة تعظيم الخليفة والثناء عليه:
إعتاد البعض من أصحاب المصالح أن يعظّموا موقعية الحاكم وخلافته بين الناس، ولكنّ الإمام (عليه السلام) أراد أن يكون الخليفة كواحدٍ من الناس، لا أن يكون كالملوك والسلاطين. وقد تناول الإمام هذه المسألة في كلام له عندما كان يخطب في صفّين فأجابه رجلٌ من أصحابه بكلامٍ طويل، يكثُر فيه الثناء عليه، فقال عليه السلام: "... إِنَّ مِنْ أَسْخَفِ حَالَاتِ الْوُلَاةِ عِنْدَ صَالِحِ النَّاسِ أَنْ يُظَنَّ بِهِمْ حُبُّ الْفَخْرِ، وَيُوضَعَ أَمْرُهُمْ عَلَى الْكِبْر،ِ وَقَدْ كَرِهْتُ أَنْ يَكُونَ جَالَ فِي ظَنِّكُمْ أَنِّي أُحِبُّ الْإِطْرَاءَ، وَاسْتِمَاعَ الثَّنَاءِ، وَلَسْتُ بِحَمْدِ اللَّهِ كَذَلِكَ وَلَوْ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ لَتَرَكْتُهُ انْحِطَاطاً لِلَّهِ سُبْحَانَهُ عَنْ تَنَاوُلِ مَا هُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنَ الْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَرُبَّمَا اسْتَحْلَى النَّاسُ الثَّنَاءَ بَعْدَ الْبَلَاءِ فَلَا تُثْنُوا عَلَيَّ بِجَمِيلِ ثَنَاءٍ لِإِخْرَاجِي نَفْسِي إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَإِلَيْكُمْ مِنَ التَّقِيَّةِ فِي حُقُوقٍ لَمْ أَفْرُغْ مِنْ أَدَائِهَا وَفَرَائِضَ لَا بُدَّ مِنْ إِمْضَائِهَا فَلَا تُكَلِّمُونِي بِمَا تُكَلَّمُ بِهِ الْجَبَابِرَةُ وَلَا تَتَحَفَّظُوا مِنِّي بِمَا يُتَحَفَّظُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَادِرَةِ وَلَا تُخَالِطُونِي بِالْمُصَانَعَةِ وَلَا تَظُنُّوا بِي اسْتِثْقَالًا فِي حَقٍّ قِيلَ لِي وَلَا الْتِمَاسَ إِعْظَامٍ لِنَفْسِي فَإِنَّهُ مَنِ اسْتَثْقَلَ الْحَقَّ أَنْ يُقَالَ لَهُ أَوِ الْعَدْلَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ كَانَ الْعَمَلُ بِهِمَا أَثْقَلَ عَلَيْهِ فَلَا تَكُفُّوا عَنْ مَقَالَةٍ بِحَقٍّ أَوْ مَشُورَةٍ بِعَدْلٍ..."20.

وفي أثناء مسيره إلى الشام لقيه دهاقين الأنبار21، فترجّلوا له22، واشتدّوا23 بين يديه فقال:
- ما هذا الذي صنعتموه؟

فقالوا: خُلُقٌ منّا نعظِّم به أمراءنا!

فقال: وَاللَّهِ مَا يَنْتَفِعُ بِهَذَا أُمَرَاؤُكُمْ وَإِنَّكُمْ لَتَشُقُّونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ فِي دُنْيَاكُمْ، وَتَشْقَوْنَ بِهِ فِي آخِرَتِكُمْ، وَمَا أَخْسَرَ الْمَشَقَّةَ وَرَاءَهَا الْعِقَابُ، وَأَرْبَحَ الدَّعَةَ مَعَهَا الْأَمَانُ مِنَ النَّارِ"24.

وأقبل عليه أحد الناس يمشي معه، وهو عليه السلام راكب، فقال (عليه السلام): ارْجِعْ، فَإِنَّ مَشْيَ مِثْلِكَ مَعَ مِثْلِي فِتْنَةٌ لِلْوَالِي، وَمَذَلَّةٌ لِلْمُؤْمِنِ "25.

‌ج- ظاهرة اهتمام الخليفة بحياته الخاصة:
عُرِف معظم الولاة باهتمامهم بحياتهم الخاصة، ومحاولة اكتنازهم الأموال والثروات الطائلة، وهذا ما دعي الإمام (عليه السلام) إلى التركيز على الصفات والخصال التي يجب أن يتمتّع بها الحاكم الإسلامي، واهتمامه بأمور الناس وتقديم مصالحهم على مصلحته الخاصة، وفي هذا المجال يقول عليه السلام: " أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَأْمُومٍ إِمَاماً يَقْتَدِي بِهِ، وَيَسْتَضِي‏ءُ بِنُورِ عِلْمِهِ، أَلَا وَإِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاهُ بِطِمْرَيْهِ، وَمِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَيْهِ... فَوَاللَّهِ مَا كَنَزْتُ مِنْ دُنْيَاكُمْ تِبْراً وَلَا ادَّخَرْتُ مِنْ غَنَائِمِهَا وَفْراً، وَلَا أَعْدَدْتُ لِبَالِي ثَوْبِي طِمْراً، وَلَا حُزْتُ مِنْ أَرْضِهَا شِبْراً... وَلَوْ شِئْتُ لَاهْتَدَيْتُ الطَّرِيقَ إِلَى مُصَفَّى هَذَا الْعَسَلِ، وَلُبَابِ هَذَا الْقَمْحِ... وَلَكِنْ هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي هَوَايَ، وَيَقُودَنِي جَشَعِي إِلَى تَخَيُّرِ الْأَطْعِمَةِ -وَلَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوْ الْيَمَامَةِ مَنْ لَا طَمَعَ لَهُ فِي الْقُرْصِ، وَلَا عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ، أَوْ أَبِيتَ مِبْطَاناً وَحَوْلِي بُطُونٌ غَرْثَى، وَأَكْبَادٌ حَرَّى؟! أَوْ أَكُونَ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ: وَحَسْبُكَ دَاءً أَنْ تَبِيتَ بِبِطْنَةٍ وَحَوْلَكَ أَكْبَادٌ تَحِنُّ إِلَى الْقِدِّ أَأَقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَالَ هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا أُشَارِكُهُمْ فِي مَكَارِهِ الدَّهْرِ، أَوْ أَكُونَ أُسْوَةً لَهُمْ فِي جُشُوبَةِ الْعَيْشِ..."26.

ففي هذه الرسالة إلى عامله على البصرة يرسم الإمام علي (عليه السلام) أجمل وأعظم قانون للنظام الاجتماعي في الإسلام، حيث يُحدّد الإمام مبادىء التكافل والتساوي الاجتماعي بين الحاكم والرعيّة، وكيف يجب أن يتأسى الحاكم بأضعف رعيّته، ويشعر بآلامهم ومشاكلهم، وأن لا يستغلّ منصب الخلافة لإشباع شهواته ورغباته، وغيرها من الصفات التي يُمكِنُ أن نستخلصها من هذا الكتاب العلوي الشريف.
 
‌د- ظاهرة تفضيل القربى والمعارف:
إتضحّ لدينا ممّا تقدّم مدى التغلغل الأموي في جسم الخلافة الإسلامية وسيطرتهم على كلّ مقاليد وزمام الأمور وذلك بسبب قرابتهم من الخليفة الثالث، وهذا الأمر أتاح لهم فرصة السيطرة خصوصاً أن الخليفة الثالث كان يعاملهم معاملة خاصة، ولكن الإمام علي (عليه السلام) ومن خلال إيمانه العميق بحقوق الناس وضرورة المساواة بينهم لم يرضَ بأن يُفضِّل أحداً من أقربائه على غيره من الناس، بل الجميع عنده سواسية كأسنان المشط.

وفي كلام له يصف فيه وصول الخليفة الثالث إلى الحكم يقول (عليه السلام): " إِلَى أَنْ قَامَ ثَالِثُ الْقَوْمِ...  وَقَامَ مَعَهُ بَنُو أَبِيهِ يَخْضَمُونَ مَالَ اللَّهِ خِضْمَةَ الْإِبِلِ نِبْتَةَ الرَّبِيعِ.."27.
 
 ‌هـ- ظاهرة قبول الرشوة:
ومن الأمراض التي انتشرت في جسم الخلافة الإسلامية مسألة قبول الولاة للرشوة من بعض أصحاب الثروات لأجل عدم مطالبتهم بالحقوق المفروضة عليهم لبيت المال، فكانت الرشوة وسيلة الأغنياء لإسكات هؤلاء الولاة.

والإمام عليّ (عليه السلام) ومن موقع كونه خليفة المسلمين رفض حتى قبول الهدايا لأنّها قد تشوبها شائبة الرشوة، وهذا ما عبّر عنه بقوله (عليه السلام) لأحد الناس حين أتاه بهديّةٍ فقال (عليه السلام): " وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ طَارِقٌ طَرَقَنَا بِمَلْفُوفَةٍ 28 فِي وِعَائِهَا وَمَعْجُونَةٍ شَنِئْتُهَا 29، كَأَنَّمَا عُجِنَتْ بِرِيقِ حَيَّةٍ أَوْ قَيْئِهَا فَقُلْتُ أَصِلَةٌ 30 أَمْ زَكَاةٌ أَمْ صَدَقَةٌ فَذَلِكَ مُحَرَّمٌ عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ!.
فقال: لا ذا ولا ذاك، ولكنها هديّة.
فقلت: (أي الإمام): هَبِلَتْكَ الْهَبُولُ31! أَعَنْ دِينِ اللَّهِ أَتَيْتَنِي لِتَخْدَعَنِي أَمُخْتَبِطٌ ؟32 أَنْتَ أَمْ ذُو جِنَّةٍ33 أَمْ تَهْجُرُ 34؟ وَاللَّهِ لَوْ أُعْطِيتُ الْأَقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلَاكِهَا عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اللَّهَ فِي نَمْلَةٍ أَسْلُبُهَا جُلْبَ شَعِيرَةٍ مَا فَعَلْتُهُ "35.

هذه بعض الظواهر الإنحرافية التي حاول الإمام علي (عليه السلام) استأصالها من جذورها  من أجل حفظ الإسلام وخط الحاكمية فيه، وليبقى الحاكم الإسلامي هو النموذج القدوة لأبناء الأمة.

فأين هم الحكام من مبادئ علي (عليه السلام) من عدله وعدالته؟
* سماحة الشيخ خليل رزق.


1- نقلاً عن أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين ج 1، ص 348. ط. دار التعارف.
2- نهج البلاغة، الخطبة 129.
3- الحسك: الشوك.
4- السعدان: نبت ترعاه الإبل له شوكة تشبه حلمة الثدي.
5- المُسّه: - من سهدّه – إذ سهّره.
6- قفولها: رجوعها.
7- الثرى: التراب.
8- نهج البلاغة، الكتاب 224.
9- النسمة: الروح، وبرأها: خلقها.
10- الحاضر: أراد بالحاضر هنا من حضر لبيعته، فحضوره يُلزمه بالبيعة.
11- الناصر: الناصر هنا هو الجيش الذي يستعين به على إلزام الخارجين بالدخول في البيعة الصحيحة.
12- ألّا يُقارّوا: ألّا يوافقوا.
13- الكظّة: ما يعتري الآكل مِن الثقل والكرْب عند إمتلاء البطن بالطعام والمراد إستئثار الظالم: بالحقوق.
14- السّغب: شدّة الجوع والمراد منه هنا مضم حقوقه.
15- الغارب: الكاهل، والكلام تمثل للترك وإرسال الأمر.
16- عفطة عنزٍ: ما تتنثره من أنفها.
17- نهج البلاغة: الخطبة رقم 3.
18- نهج البلاغة، الخطبة 131.
19- نهج البلاغة، الخطبة 164.
20- نهج البلاغة، الخطبة 216.
21- الدهاقين: - جمع دهِقْان -: وهو زعيم الفلاحين في العجم، والأنبار من بلاد العراق.
22- ترجلّوا: أي نزلوا عن خيولهم.
23- إشتدّوا: أسرعوا.
24- نهج البلاغة، الحكمة 37.
25- نهج البلاغة، الحكمة 322.
26- نهج البلاغة: في كتاب الإمام عليه السلام إلى عثمان بن حنيف الأنصاري وكان عامله على البصرة – الكتاب رقم 45.
27- نهج البلاغة: الخطبة 3.
28- الملفوفة: نوع من الحلواء أهداها الأشعث بن قيس للإمام عليه السلام.
29- شنئتها: أي كرهتها.
30- الصلة: العطية.
31- هبلتك: ثكلتك. والهبول: المرأة لا يعيش لها ولد.
32- أمختبط: أي مختلّ نظام إدراكك.
33- ذو جنّة: من أصابه مسّ الشيطان.
34- تهجر: أي تهذي بما لا معنى له.
35- نهج البلاغة: الخطبة 224.

2014-05-09