يتم التحميل...

ضرورة تهذيب النّفس

السيد مصطفى الخميني

اعلم أيّها الأخ الكريم والقارئ العزيز: أنّ النّعم الإلهيّة المتناهية نوعاً وصنفاً، وغير المتناهية شخصاً، التي استولت عليك من الجوانب الشّتّى، ومن النّواحي والضّواحي المختلفة، والعنايات الرّبّانيّة التي شملتك من الابتداء إلى منتهى السير- في جهات كثيرة

عدد الزوار: 21
 

اعلم أيّها الأخ الكريم والقارئ العزيز: أنّ النّعم الإلهيّة المتناهية نوعاً وصنفاً، وغير المتناهية شخصاً، التي استولت عليك من الجوانب الشّتّى، ومن النّواحي والضّواحي المختلفة، والعنايات الرّبّانيّة التي شملتك من الابتداء إلى منتهى السير- في جهات كثيرة: معنويّة ومادّيّة، روحيّة وجسمانيّة - تقتضي أن تقوم لله وفي الله، وأن تجيب إلى طاعته وعبادته بعدم إبطال تلك النّعم، وبعدم الانحراف عنها، فعليك يا أيّها المحبوب المكرم أن لا تغترّ بما في هذه الصحف من الإنعامات الغيبيّة، فإنّها مفاهيم قالبيّة، وما دام العبد لا يخرج من تلك المعاني التخيّلية إلى الحقائق الغيبيّة، لا يصير كاملاً ولا يعدّ عبداً. فعليك بتهذيب النّفس عن جميع الرّذائل والشّرور، والتّحلّي بحلية الفضائل والخيرات، وبمحاسن الأخلاق الكريمة، والمحسّنات العقليّة، وعليك بالمجاهدة والرّياضات, بترك لذّات الدّنيا مهما أمكن، وملازمة أهل الخير والتّقوى في كل مكانٍ ميسّرٍ لك، فإنّ من أشرف الأمور وألذّ الأشياء عند أهل السّداد والعرفان، المسافرة في مختلف البلاد لإدرك أرباب الكشف والإيمان، وأصحاب القلوب والقرآن، وقد كان دأب السّلف وديدن الخلف على هذه الطّريقة المثلى، وتلك الرّويّة العليا. فيا إلهي وسيّدي، قد أفنيت عمري في شرّة السّهو عنك، وأبليت شبابي في سكرة التّباعد منك، فيا إلهي ومولاي، أسألك أن توفّقني لأن أنال من الخير ما يليق بجنابك، وأن أختطف من البرّ ما في سعة رحمتك. وأسألك الّلهم أن توفّقني لدرك ما في كتابك العزيز، القرآن الشريف، من مخازن علومك، وخزائن معارفك. وأسألك الّلهم أن لا تحجب بيني وبينها الذنوب والسّيّئات، ولا تحرمني منها بالمعاصي والآفات. فيا ربّ ويا عزيزي وأملي وسيّدي ومولاي، إليك نبتهل ومنك نسأل، يا ذا الجود والكرامة، أن نقوم بالأعمال الصّالحة، وأن تملأ قلوبنا من أنوار هذه السّورة المباركة1، وأن تعيننا على طاعتك بالمواظبة على أحكامها، ومراعاة آدابها، وأن لا نكون من الّذين يقرؤون القرآن وينقرونه كنقر الغراب، ولا من الذين يلعنه الكتاب، ولا من المحجوبين عن حقائقها ودقائقها، ولا من المسجونين عن شؤونها وأطوارها، فإنّه قد ورد: "ربّ تالٍ القرآن والقرآن يلعنه"2، فربّ مفسّر للكتاب ومن أفنى عمره في توضيح مقاصده، والقرآن ينزجر منه، ونعوذ بالله تعالى أنّ نكون منهم. يا خير المسؤولين ويا خير المعطين، اشف به صدورنا، وأذهب به غيظ قلوبنا، واهدنا به لما اختلف فيه بإذنك، يا رحيم ويا كريم3.

* من كتاب بصر الهدى، سلسلة وصايا العلماء، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- يعني سورة الفاتحة.
2- المجلسي، بحار الأنوار، ج 89 ، ص 184.
2- الخمينيّ، الشّهيد السّيّد مصطفى، تفسير القرآن الكريم ، ج 2، ص 218 -220.

2014-02-19