الموت والاحتضار والبرزخ
بحوث ومعتقدات
الموت هو آخر أيام الدنيا وأول منازل الآخرة، وهو بمثابة القنطرة الّتي يعبر عبرها الإنسان إلى عالم لا زيف فيه حيث تبدو كلُّ الحقائق ماثلةً أمام العين، وهو ارتقاء لمرحلة أقوى وأشد حياة من الحياة الدنيوية المادية.
عدد الزوار: 231
الموت هو آخر أيام الدنيا وأول منازل الآخرة، وهو بمثابة القنطرة الّتي يعبر عبرها
الإنسان إلى عالم لا زيف فيه حيث تبدو كلُّ الحقائق ماثلةً أمام العين، وهو ارتقاء
لمرحلة أقوى وأشد حياة من الحياة الدنيوية المادية.
الموت في الأحاديث الشريفة
وصفت الروايات الشريفة الموت بالعديد من الأوصاف، منها:
1- الجسر:
فقد وصف النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الموت بقوله: "الدنيا
سجن المؤمن وجنّة الكافر، والموت جسر هؤلاء إلى جنّاتهم وجسر هؤلاء إلى جحيمهم"1.
فحرية المؤمن في التخلّص من قيود الدنيا وأسرها، لعالم القرب من الله تعالى، وكلُّ
ما في الدنيا بالنسبة له بلاء وامتحان، ولذلك كانت سجناً كبيراً. أمَّا بالنسبة
للكافر فالدنيا هي الجنّة لأنَّه لم يعش فيها بهمٍّ سواها، ولم يكن يعمل لذلك اليوم
الّذي هو أحوج ما يكون فيه لِمَا استغلَّه في دنياه الّتي ذهبت إلى غير رجعة، ولاتَ
حين مندم.
2- القنطرة:
وتحدّث الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام عن الموت فقال: "ما الموت
إلاّ قنطرة تعبر بكم من البؤس والضّراء إلى الجنان الواسعة، والنعيم الدائم،
فأيُّكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر؟"2.
الموت سنَّةٌ عامةٌ في الخلق
قال تعالى:
﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ
فَهُمُ الْخَالِدُونَ﴾3.
وقال تعالى:
﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ﴾4.
إنَّ الموت هو الحقيقة الحتمية الّتي لا مفرّ منها لأحد، مهما علا شأنه في الدنيا،
فالبشر يموتون حتّى الأنبياء منهم، ولو كان الخلد يحقُّ لأحد لفضلٍ استحقه، لكان
الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم أحقَّ الناس بالخلد، وإلى هذا المعنى أشار أمير
المؤمنين عليه السلام بالقول: "ولو أنّ أحداً يجد إلى البقاء سلّماً، أو لدفع
الموت سبيلاً، لكان ذلك سليمان بن داود عليه السلام ، الّذي سخّر له ملك الجنّ
والإنس"5.
ما هي حقيقة الموت؟
أكّد الله تعالى في القرآن الكريم، في أكثر من موضع، أنَّ الموت ليسَ عدماً،
وإنَّما هو انتقال من الحياة الدنيوية هذه إلى الحياة البرزخية الّتي تفصل ما بين
الحياة الدنيا والحياة الآخرة.
ولمّا كان الموت فيما أخبر عنه القرآن الكريم انفصالَ الروح عن الجسد فإنَّ كلَّ ما
نراه من أمور عند موت الإنسان، كسكون القلب، وغياب الإحساس،... هذه الأمور وأمثالها
ليست هي جوهر الموت، وإنَّما هي من عوارضه وآثاره.
وقد يؤمن أناس بأنَّ الموت هو انتهاء من الحياة إلى العدم، فأصبحت كلمة "العدم"
تعبيراً عن الموت عندهم، ولكنَّ الموت -كما أخبرَنا عنه "خالق الموت والحياة عزّ
وجلّ" - ليس عدَماً، بل هو انتقال الكائن الحيّ من هذه الحياة الدنيا إلى حياة
البرزخ.. ومن ثمّ لما أعدّه الله له من نعيم القبر أو عذابه..
يقول الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام: "أيّها الناس، إنّا
خُلقنا وإيّاكم للبقاء، لا للفناء، لكنَّكم من دار إلى دار تُنقلون"6.
لماذا يستوحش الإنسان من الموت؟
إنَّ الإنسان محبٌّ للبقاء، وهذا ميلٌ طبيعيٌّ فيه، ويعبَّر عن ذلك بغريزة حبِّ
البقاء، والناس في الحياة الدنيا إزاء الموت على قسمين:
قسم يستوحش منه لأنَّ كواهلهم مثقلة بعظائم الذنوب، فإذا فوجئوا بالموت، يلجأون إلى
التوبة والإنابة، ويندمون، ولكن لاتَ ساعة مندم.
وقسم آخر، يشتاقون إلى الموت ويتلقَّونه بصدورٍ رحبةٍ، ووجوهٍ مشرقةٍ، وهؤلاء هم
الأنبياء والأولياء والعلماء والشهداء، ومن كان يعمل صالحاً في حياته الدنيا من
سائر المؤمنين.
فهذا أمير المؤمنين عليه السلام يقول في أواخر لحظات حياته: "والله ما فاجأني من
الموت واردٌ كرهته، ولا طالعٌ أنكرته، وما كنت إلا كقاربٍ وَرَدَ، وطالبٍ وَجَدَ،
وما عند الله خير للأبرار"7.
ويقول عليه السلام: "والله، لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمّه"8.
ما يهوِّن سكرات الموت
يقول الله تعالى:
﴿وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ
تَحِيدُ﴾9.
وهذه العقبة صعبة جداً وإنَّ شدائدها وصعوباتها تحيط بالمحتضر من جميع الجهات.
وممّا يهون سكرات الموت على الميّت:
1- صلة الرحم:
عن الإمام الصادق عليه السلام أنَّه قال: "مَن أحبَّ أن يخفِّف الله
عزَّ وجلَّ عنه سكرات الموت فليكن لقرابته وَصولاً، وبوالديه بارّاً، فإذا كان كذلك
هوَّن الله عليه سكرات الموت ولم يصبه في حياته فقرٌ أبداً"10.
2- برّ الوالدين:
روي أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حضر شاباً عند وفاته فقال
له: "قل: لا إله إلاّ الله.
قال: فاعتقل لسانه مراراً.
فقال لامرأةٍ عند رأسه: هل لهذا أمّ؟
قالت: نعم أنا أمُّه.
قال صلى الله عليه وآله وسلم: أفساخِطةٌ أنت عليه؟
قالت: نعم ما كَلَّمتُهُ مُنذُ ستّ حجج.
قال صلى الله عليه وآله وسلم لها: إرضي عنه.
قالت: رضي الله عنه يا رسول الله برضاك عنه.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قل: لا إله إلاّ الله.
فقالها. فقال له النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: ما ترى؟
قال: أرى رجلاً أسود الوجه قبيح المنظر وسخ الثياب منتن الريح قد وليني الساعة،
وأخذ بكَظمَيّ11.
فقال له النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قل: يا من يقبل اليسير ويعفو عن الكثير
اقبل مِنّي اليسير واعف عنِّي الكثير إنَّك الغفور الرحيم.
فقالها الشابّ. فقال له النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: انظر ماذا ترى؟
قال: أرى رجلاً أبيض اللون حسن الوجه طيّب الريح حسن الثياب قد وليني، وأرى الأسود
قد تولى عنّي.
فقال له: أعِدْ، فأعاد. فقال له: ما ترى؟
قال: لست أرى الأسود، وأرى الأبيض قد وليني.
ثمّ طفي على تلك الحال"12.
3- كسوة المؤمن:
عن الإمام الصادق عليه السلام: "مَن كسا أخاه كسوة شتاء أو صيف كان
حقَّاً على الله أن يكسوه من ثياب الجنّة، وأن يهوّن عليه سكرات الموت وأن يوسع
عليه في قبره"13.
4- قراءة سورة الزلزلة:
عن الإمام الصادق عليه السلام: "لا تملُّوا مِن قراءة
﴿إِذَا
زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَ﴾ فإنَّه من كانت قراءته بها في نوافله لم يصبه
الله عزَّ وجلَّ بزلزلة أبداً، ولم يمت بها، ولا بصاعقة ولا بآفّة من آفّات الدنيا
حتّى يموت، وإذا مات نزل عليه ملكٌ كريم من عند ربِّه فيقعد عند رأسه فيقول: يا ملك
الموت ارفق بوليّ الله فإنَّه كان كثيراً يذكرني ويذكر تلاوة هذه السورة، وتقول له
السورة مثل ذلك ويقول ملك الموت: قد أمرني ربّي أن أسمع له وأطيع ولا أخرج روحه
حتّى يأمرني بذلك فإذا أمرني أخرجت روحه، ولا يزال ملك الموت عنده حتّى تأمره بقبض
روحه وإذا كشف له الغطاء فيرى منازله في الجنّة فيخرج روحه من ألين ما يكون من
العلاج، ثمّ يشيِّع روحه إلى الجنَّة سبعونَ ألف ملكٍ يبتدرون بها إلى الجنَّة"14.
البرزخ
البرزخ في اللغة: (الحاجز والحدُّ بين الشيئين).
والبرزخ ما بين الدنيا والآخرة: قبل الحشر من
وقت الموت إلى البعث، فمن مات فقد دخل البرزخ15.
وقد تحدّث القرآن الكريم عن البرزخ في قوله سبحانه
﴿وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ
إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾16. وفُسِّر بأنّه الفترة ما بين الموت
والقيامة.
روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "ولكنِّي والله أتخوَّف عليكم من البرزخ، قلت:
وما البرزخ؟ قال: القبر منذ حين موته إلى يوم القيامة"17.
بقاء الروح في عالم البرزخ
تحدّثت الروايات الواردة عن الرسول الكريم محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ،
والأئمّة الهداة عن مرحلة البرزخ، وما ينتظر الإنسان ويواجهه في ذلك العالم المذهل
الغريب.
والتسليم بعالم البرزخ يتوقّف على الإيمان بوجود الروح وبقائها حيَّةً بعد انفصالها
عن البدن، ذلك لأنَّ النعيم والعذاب المتحقّقَيْن في هذه المرحلة هما نعيم أو عذاب
تتلقّاهُ الروحُ حتّى يومِ البعث والنشور والمعاد الجسمانيّ، كما استفاد علماء
الإسلام ذلك من الآيات والروايات الواردة في هذا الشأن.
فمن تلك الآيات قوله تعالى:
﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ
اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا
آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ
بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ *
يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ
أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾18.
فتلك الآيات الكريمة تتحدّث عن حياة الشهداء بعد انفصال أرواحهم عن أجسادها في عالم
النعيم والجزاء الإلهيّ السارّ. والآيات هذه صريحة كلَّ الصراحة في بقاء الأرواح
بعد مفارقتها الأبدان. وهذا العالم كما توضِّحه الروايات هو قبل عالم البعث والنشور
والمعاد الجسمانيّ.
تكوُّن الأرواح في أبدان مثاليَّة
وما يستنتجه التأمّل في الروايات تعلّقُ الروح بأبدانٍ تماثل الأبدان الدنيوية، لكن
بلطافَةٍ تناسب الحياة في تلك النَشأة. وقد أوضح الإمام الصادق عليه السلام كيفية
بقاء الروح في عالم البرزخ، فقد روي عنه عليه السلام: "... فإذا قبضه الله عزّ
وجلّ صيَّر تلك الروح في قالب كقالبه في الدنيا، فيأكلون ويشربون، فإذا قدِم عليهم
القادم عرفوه بتلك الصورة الّتي كانت في الدنيا"19.
ضغطة القبر
تفيد الروايات والبيانات أنَّ الروح تعود إلى الجسد بعد الدفن، ليواجه الإنسان ضغطة
القبر والمساءلة فيه من قبل الملائكة المكلّفين بذلك.
وورد أيضاً في وصف هذه الضغطة وشدَّتها أنَّ الميِّت يتعرَّض إلى ضمَّة الأرض، إلى
الحدّ الّذي تُفري لحمه، وتطحن دماغه، وتذيب دهونه، وتخلط أضلاعه، وتكون بسبب
النميمة وسوء الخلق مع الأهل، وكثرة الكلام، والتهاون في أمر الطهارة، وقلَّما يسلم
منها أحد، إلاّ من استوفى شرط الإيمان، وبلغ درجات الكمال.
وضغطة القبر هذه لا يسلم منها إلاّ قليل من الصالحين، غير أنَّها درجات في الشدّة
والألم والتخفيف، متناسبة مع عمل المرء ودينه.
فقد روي عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أيفلت من ضغطة القبر أحد؟
فقال عليه السلام: "نعوذ بالله منها، ما أقلَّ من يفلت من ضغطة القبر..!"20.
المُنجيات من ضَغطَةِ القَبر
للنَّجاة من ضغطة القبر الكثير من الأعمال الّتي حدّثتنا عنها روايات أهل البيت
عليهم السلام. ولكن علينا أن لا ننسى دائماً أن لا شفيع للمرء خيرٌ من عمله الصالح.
وسنذكر عدة من الأعمال الّتي ذكرتها الروايات، منها:
1- قراءة سورة النساء:
روِيَ عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "مَن قرأ سورة النساء في كلّ
جمعة أُومِنَ مِن ضغطة القبر"21.
2- قراءة سورة الزخرف:
فقد ُروِيَ عن أبي جعفر الباقر عليه السلام: "مَن أَدمَنَ قراءة "حم"
الزخرف آمنه الله في قبرهِ من هَوامِّ الأرض وضغطة القبر"22.
3- قراءة سورة القلم:
روِيَ عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام: "مَن قرأ سورة ن والقلم
في فريضة أو نافلة... وأعاذه الله إذا مات مِن ضمَّة القبر"23.
4- صلاة الليل:
فقد ُروِيَ عن الإمام الرضا عليه السلام أنَّه قال: "عليكم بصلاة
الليل، فما من عبد يقوم آخر الليل فيصلّي ثمان ركعات، وركعتي الشفع، وركعة الوتر،
واستغفر الله في قنوته سبعين مرّةً إلاّ أجير مِن عذاب القبر ومِن عذاب النار، ومُدَّ
له في عمره، ووسّع عليه في معيشته"24.
5-الدعاء:
قراءة الدعاء، ومنه دعاء: "أعددت لكلِّ هولٍ لا إله إلا الله، ولكلِّ
همٍّ وغمٍّ ما شاء الله، ولكلِّ نعمة الحمد لله، ولكلِّ رخاءٍ الشكر لله، ولكلِّ
أعجوبةٍ سبحان الله، ولكلِّ ذنبٍ أستغفر الله، ولكلِّ مصيبةٍ إنَّا لله وإنَّا إليه
راجعون، ولكلِّ ضيقٍ حسبيَ الله، ولكلِّ قضاءٍ وقدرٍ توكّلتُ على الله، ولكلِّ عدوّ
اعتصمت بالله، ولكلِّ طاعةٍ ومعصيةٍ لا حول ولا قوة إلا بالله العليِّ العظيم"
عشر مرات، وهو دعاء مرويٌّ عن النبيِّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم 25.
السؤال في القبر
إنَّ السؤال في القبر، وما يستتبع من الرحمة أو العذاب، من الأمور المسلّمة عند
أئمة أهل البيت صلى الله عليه وآله وسلم. فعن الإمام الصادق عليه السلام: "من
أنكر ثلاثة أشياء، فليس من شيعتنا: المعراج، والمُساءلة في القبر، والشَّفاعة"26.
فعندما يودَعُ بدن الإنسان في القبر، يبعث الله تعالى إلى الميِّت وهو في قبره
ملكين، وهما منكر ونكير، فيقعدانه ويسألانه عن ربِّه الّذي كان يعبده، ودينه الّذي
كان يدين به، ونبيِّه الّذي أُرسل إليه، وكتابه الّذي كان يتلوه، وإمامه الّذي كان
يتولاّه، وعمره فيما أفناه، وماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه، فإن أجاب بالحقِّ
استقبلته الملائكة بالروح والريحان، وبشَّرته بالجنَّة والرضوان، وفسحت له في قبره
مدّ البصر، وإن تلجلج لسانه وعيي عن الجواب، أو أجاب بغير الحقِّ، أو لم يدرِ ما
يقول، استقبلته الملائكة بنُزلٍ من حميم وتصلية جحيم، وبشَّرته بالنَّار.
ما يدخل مع الإنسان في قبره
يستفاد من الروايات الشريفة أنَّ الأعمال الّتي يرتكبها الإنسان تتجسّم معه في قبره،
ومن جملة ما قال صلى الله عليه وآله وسلم: "لا بدّ لك يا قيس من قرينِ يُدفن معك
وهو حيّ، وتدفن معه وأنت ميِّت، فإن كان كريماً أكرمك، وإن كان لئيماً أسلمك، ثمَّ
لا يحشر إلاّ معك ولا تُبعث إلاّ معه، ولا تُسأل إلاّ عنه، فلا تجعله إلاّ صالحاً،
فإنََه إن صلح أنَستَ به، وإن فسد لا تستوحش إلاّ منه، وهو فعلك"27.
ما ينفع الميِّت في قبره
إنَّه وإن غيَّب الموت الأهل
والأحباب والأقارب والمؤمنين، فإنَّ التواصل لا ينقطع بالمطلق بيننا وبينهم، بل
تبقى روابط الخير والبرِّ تفعل فعلها، فتزيل كرباً عنهم، وتوسع عليهم في قبورهم،
كما دلّت على ذلك الروايات الشريفة، ففي الخبر: كان الموتى يأتون في كلّ جمعة من
شهر رمضان فيقفون، وينادي كلّ واحد منهم بصوت حزين باكياً: يا أهلاه! يا ولداه! ويا
قرابتاه! اعطفوا علينا بشيء يرحمكم الله واذكرونا ولا تنسونا بالدعاء - إلى أن يقول-:
فيا عباد الله! اسمعوا كلامنا ولا تنسونا فإنّكم ستعلمون غداً فإنّ الفضول الّتي في
أيديكم كانت في أيدينا فكنّا لا ننفق في طاعة الله، ومنعنا عن الحقّ، فصار وبالاً
علينا ومنفعةً لغيرنا. اعطفوا علينا بدرهم أو رغيف أو بكسرة.
ثمّ ينادون: ما أسرع ما تبكون على أنفسكم ولا ينفعكم كما نحن نبكي ولا ينفعنا
فاجتهدوا قبل أن تكونوا مثلن28.
ويلحق الميِّت في قبره ما يفعل من الخير من أقاربه، ويهدى إليه من أحبته الأحياء،
فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنَه قال: "أهدوا لموتاكم". فقلنا:
يا رسول الله وما هديّة الأموات؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: "الصدقة والدعاء"29.
* كتاب في رحاب العقيدة، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- بحار الأنوار، ج 6، ص 154.
2- بحار الأنوار، ج 6، ص 154.
3- سورة الأنبياء، الآية: 34.
4- سورة آل عمران، الآية: 185.
5- نهج البلاغة، السيد الرضي، الخطبة 182.
6- الإرشاد، الشيخ المفيد، ص 127.
7- مروج الذهب، المسعودي، ج2، ص436.
8- نهج البلاغة، السيد الرضي، الخطبة 5.
9- سورة ق، الآية: 19.
10- الأمالي، الشيخ الصدوق، ص318.
11- الكظم - كقفل ومحركة - الحلق ومخرج النفس، يقال: أخذ بكظمه: أي مخرج نفسه.
والمراد أنه أكربه.
12- الأمالي، ج1، ص 62 - 63.
13- الكافي، ج2، ص204.
14- الكافي، ج2، ص 626.
15- لسان العرب، ابن منظور، ج3، مادة برزخ، ص 8.
16- سورة المؤمنون، الآية: 100.
17- الكافي، ج 3، ص 242.
18- سورة آل عمران، الآيات: 169 ـ 171.
19- الكافي، ج3، ص242.
20- الكافي، ج7، ص198.
21- ثواب الأعمال، الصدوق، ص 131.
22- م. ن. ص 141.
23- ثواب الأعمال، ص147.
24- بحار الأنوار، ج 87، ص، 161.
25- م. س. ج 84، ص 5.
26- م. س. ج 6، ص 223.
27- بحار الأنوار، ج 7، ص 229.
28- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري ، ج 2، ص 163.
29- م.ن، ج2، ص 484.