الجنّة والنّار
بحوث ومعتقدات
المعنى اللغويّ: فهي بمعنى البستان، والمكان الَّذي فيه زرع وثمار وأشجار، تواري من سار فيها وتستره، أمَّا في المصطلح الشرعيّ، فإنَّها الدار الّتي أعدَّها الله تعالى لثواب المؤمنين في الآخرة.
عدد الزوار: 116معنى الجنَّة
المعنى اللغويّ: فهي بمعنى البستان، والمكان الَّذي فيه زرع وثمار وأشجار، تواري من
سار فيها وتستره، أمَّا في المصطلح الشرعيّ، فإنَّها الدار الّتي أعدَّها الله
تعالى لثواب المؤمنين في الآخرة.
الوصف العام للجنَّة
لأنَّ الجنَّة فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ولأنَّها
كما قال تعالى:
﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ
جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾1، لذا فإنَّ الله تعالى لا يصف الجنّة بما هو
واقعها، وإنَّما يصفها على نحو التقريب فيقول عزَّ وجلَّ:
﴿مَّثَلُ الْجَنَّةِ
الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ
وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ
النَّارُ﴾2.
ويقول في آية أخرى:
﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا
أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ
طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ
عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن
رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ
أَمْعَاءهُمْ﴾3.
فالله تعالى يضرب لنا المثل فقط، لأنَّ الألفاظ الّتي نتخاطب بها نحن قد وضعت لمعانٍ
نعرفها، وإذا كانت في الجنّة أشياء لم ترها عين ولم تسمعها أذن، ولم تخطر على بال
بشر، فمن الممكن أن نقول إنَّه لا توجد ألفاظ عندنا تؤدّي معنى ما هناك، وبهذا نعرف
أنَّ هناك فارقاً بين "مثل الجنَّة" وبين "الجنَّة".
وهنا يتجلَّى عجز اللغة عن أن توجَد فيها ألفاظٌ تعبّر عن معنى ما هو موجود في
الجنّة، فلا أحد فينا يعلم ما هي الأشياء الموجودة في الجنة ما دام أحد منَّا لم يرَ
الجنَّة.
لا تفنى ولا تبيد
إنَّ الجنَّة لا تفنى ولا تبيد، والدليل على هذا ظاهر في كتاب الله عزَّ وجلَّ، قال
تعالى عن الجنّة:
﴿عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾4، وقال سبحانه:
﴿إِنَّ هَذَا
لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ﴾5، وقال عزَّ وجلَّ:
﴿أُكُلُهَا دَآئِمٌ
وِظِلُّهَ﴾6، وقال تعالى عن فاكهة الجنَّة:
﴿لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا
مَمْنُوعَةٍ﴾7.
نعيم محض
إنَّ الجنَّة نعيم محض، فلا يعتريها ما في الدنيا من الكدورة والشقاء، فالمياه في
الدنيا عندما تجري، تكون حلوة ورائقة وصافية، وإن ركدت فهي تأسن وتفسد. ولذلك يوضح
لنا الحقُّ سبحانه أنَّ المياه في الجنة غير آسنة، وأنَّها تكون أنهاراً منزوعاً من
مياهها ما يكدِّرها. وكذلك فإنَّ اللبن إذا بقي لمدّة طويلة، يتغيَّر طعمه، ولذلك
يضرب لهم المثل بوجود أنهار من لبن لم يتغيَّر طعمه.
وأيضاً يضرب المثل بوجود أنهار من عسلٍ مصفَّى، وبذلك يقدّم لنا خير ما كنّا نحبه
من عسل الدنيا، ولكن دون ما يكدِّره.
ويوضح سبحانه أيضاً أنَّ في الجنة أنهاراً من خمر، ولكنَّها خمرٌ تختلف عن خمرِ
الدنيا، فهي لا تؤثّر على التكوين العضويّ للعقل، كما أنَّ خمر الدنيا ليس فيها
لذّة للشاربين، لأنَّها من كحول يكوي الفم ويلسعه. ويقول الحقُّ سبحانه عن خمر
أنهار الجنّة:
﴿فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ * يُطَافُ
عَلَيْهِم بِكَأْسٍ مِن مَّعِينٍ* بَيْضَاء لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ * لَا فِيهَا
غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ﴾8. أي أنَّه سبحانه ينفي عن خمر أنهار
الجنَّة كلّ المكدّرات الّتي تشوب خمر الدنيا.
أبواب الجنّة
تحدّثت الروايات الشريفة عن أهل البيت صلى الله عليه وآله وسلم عن أبواب الجنّة،
ومن ذلك ما رُوِيَ عن الإمام الصادق عليه السلام، عن أبيه، عن جده، عن أمير
المؤمنين عليّ عليه السلام: "إنَّ للجنّة ثمانية أبواب: بابٌ يدخل منه النبيّون
والصدِّيقون، وبابٌ يدخل منه الشهداء والصالحون، وخمسة أبواب يدخل منها شيعتنا
ومحبّون9.
ورُوِيَ عن الإمام الباقر عليه السلام أنَّه قال: "أحسنوا الظنّ بالله، واعلموا أنَّ
للجنّة ثمانية أبواب، عرض كلّ باب منها مسيرة أربعين سنة"10.
درجات الجنَّة وأنواعها
للجنَّة درجات بعضها فوق بعض، وأهلها متفاضلون فيها بحسب منازلهم فيها، قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى﴾11.
ويقول سبحاته وتعالى في آية أخرى:
﴿انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى
بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيل﴾12.
أنواع الجنَّة
والجنَّات نفسها متنوعة، فهناك جنَّات الفردوس، وجنَّات عدن، وجنَّات نعيم.. وهناك
دار الخلد، ودار السلام، وجنَّة المأوى، وهناك عليُّون الّذي هو أعلى وأفضل
الجنَّات.
طعام أهل الجنّة وشرابهم
أمّا طعام أهل الجنَّة، فهو كما قال الله تعالى: ﴿وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ﴾13.
فالجنَّة تحتوي على جميع ثمار وفواكه الدنيا من حيث الشكل، ولكنَّها تختلف تماماً
عما في الدنيا من حيث طعمها. وقد ذُكر من ثمار الجنّة التين - العنب - الرمّان -
الطلح (الموز) والبلح (النخيل) والسدر(النبق) وجميع ما خلق الله تبارك وتعالى لأهل
الدنيا من ثمار.
وفواكه الجنّة وثمارها في متناول أيادي أهل الجنة، وأنّى شاءوا، فما أن يشتهي
المؤمن فاكهة ما حتّى يهبط إليه غصنها وتقترب الثمرة المطلوبة من فمه، فهو لا يحتاج
إلى النطق والإفصاح عن حاجته أو رغبته أبداً كما قال تعالى
﴿وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ
دَانٍ﴾14، ومعنى كلمة (دان) هو قريب، وهي مشتقّة من الدنوّ، فإنَّ ثمار الجنتين
وفواكههما قد دنت إلى المؤمن وأضحت في متناول يده وعند رغبته.
أنهار الجنَّة وعيونها
الأنهار والعيون مطلب لراحة النفس في الدنيا على ما فيها من مكدّرات، فكيف إذا كانت
أصناف هذه الأنهار مما لا عين رأت مثلها ولا خطرت على قلب بشر؟ وقد تكرّر في القرآن
الكريم في عدّة مواضع قوله تعالى
﴿جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ﴾15.
وهذا يدلّ على أنَّها أنهارٌ حقيقية، وأنَّها جارية لا واقفة، وأنَّها تحت قصورهم،
وقد ذكر تعالى في آية واحدة أربعة أجناس من الأنهار، قال عزَّ وجلَّ:
﴿مَثَلُ
الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ
وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ
لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن
كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ...﴾16.
وقد نفى تعالى عن كلِّ واحدٍ منها الآفّات الّتي تعرض لها في الدنيا، فآفّة الماء
أن يأسن من طول مكثه، وآفة اللبن أن يتغيّر طعمه الى الحموضة، وآفّة الخمر كراهة
مذاقه المنافي للذّة شربها، وآفّة العسل عدم تصفيته.
النعم الروحيَّة
إضافة إلى كلِّ ما ذكر من الملذّات الجسمانية، فهناك ملذَّات ونعم روحيَّة كانت في
الدنيا أملاً وأمنية للمؤمنين، وهي لقاء رسول الله الأكرم محمّد صلى الله عليه وآله
وسلم وآله الأطهار عليهم السلام, ومجاورتهم والاتّصال بهم، كما روي عن رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم إذ يقول لأمير المؤمنين عليه السلام: "وإنَّك أوّل من يرد
عليَّ الحوض، وإنَّك على الحوض خليفتي، وإنَّك أوّل من يُكسى معي، وإنَّك أوّل داخل
الجنَّة من أمّتي، وإنَّ شيعتك على منابر من نور مبيضَّة وجوههم حولي أشفع لهم،
ويكونون غداً في الجنَّة جيراني"17.
والأعظم من كلِّ ما ذكر مكالمة الله سبحانه وتعالى لعبده المؤمن، يقول الله تعالى:
﴿سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ﴾18.
صفة جهنّم
هي دارٌ أعدَّها الله لمن كفر به، ولمن آمن به وعصاه، وهم الّذين ألبسوا إيمانهم
بظلم، وفيها ألوان من العذاب لا يطيقها هذا الإنسان الضعيف، وهو عذاب وصفه أمير
المؤمنين عليه السلام قائلاً: "ليس هو جَرحاً بالمُدَى ولا ضرباً بالسياط ولكن ما
يُستصغَر ذلك معه"19.
أسماء النار في القرآن الكريم
ردت في القرآن الكريم أوصاف عديدة للعذاب الّذي وعد به الله تعالى من خالفه وعصاه، ومن هذه الأوصاف:
1- جهنَّم:
﴿وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ
بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ﴾20.
2- سقر:
﴿سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ *
لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ﴾21.
3-السَّعير:
﴿فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾22. وهذه الكلمة مشتقّة من
المصدر (سعر) ويعني إذكاء النَّار وتأجيجها، وجاء أيضاً بـمعنى شدَّة الاضطرام،
ولهذا (فالسعير) يعني النَّار شديدة الاشتعال واللهب والإحراق.
4- الجحيم:
﴿فَأَمَّا مَن طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ
الْمَأْوَى﴾23.
5- الحطمة:
﴿كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ
اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ﴾24.
وكلمة (الحطمة) صيغة مبالغة من كلمة (حطم)، بمعنى الكسر والتهشيم وفسَّرها بعضهم
بمعنى تكسير الأشياء اليابسة.
6- لظى:
﴿كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى * تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ
وَتَوَلَّى﴾25.
وكلمة (لظى) تعني في الأصل النَّار أو شعلة النَّار الخالصة.
7- الهاوية:
﴿وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا
هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ﴾26.
والهاوية مأخوذة فـي الأصل من مادة (هوي) بمعنى السقوط لأنَّ الكفّار والمجرمين
يسقطون فيها. وكما تحتضن الأم ابنها تحتضن جهنَّم من يرد فيها.
أبواب جهنَّم ودركاتها
ذكرت بعض الآيات أنَّ لجهنَّم أبواباً كما للجنَّة أبواباً، ولكن هناك آية وحيدة
ذكرت عدد أبواب جهنَّم دون ذكر لعددها في الجنَّة، وهي قوله تعالى
﴿وَإِنَّ
جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ
مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ﴾27.
ويقول تعالى:
﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن
تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرً﴾28. يـطـلـق في اللغة العربية على الخطوات الصاعدة نحو
الأعلى اسم (الدرجة) وعلى النازلة إلى الأسفل اسم (الدركة).
أنواع العذاب في جهنَّم
كـمـا أنَّ الـثـواب الإلهيّ والنعم الموجودة في الجنَّة تقسم يوم القيامة إلى
قسمين، (روحية) و(مـاديـة)، فكذلك عذاب جهنَّم أيضاً، يقسم هو الآخر إلى نوعين:
روحيّ، وماديّ.
إنَّ أهل النَّار في عذاب دائم، لا راحة ولا نوم، بل من عذاب إلى عذاب، وهم يتمنّون
الموت فلا يموتون، قد اسودَّت وجوههم، وأُعميت أبصارهم، وأبكمت ألسنتهم، وقصمت
ظهورهم، وبدِّلت وجوههم بالسواد، وضربوا بمقامع من حديد، عليها ملائكة غلاظ شداد،
فحزنُهم دائم فلا يفرحون، ومقامهم دائم فلا يبرحون
﴿يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ
مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ﴾29،
﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ
الْعَذَابَ﴾30،
﴿يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ﴾31،
﴿إِنَّهَا
عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ﴾32، وهم ينادون الله ويدعونه
ليخفف عنهم هذا العذاب فيأتيهم الجواب:
﴿اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾33.
رُوِيَ عن أمير المؤمنين عليه السلام أنَّه قال: "وأمَّا أهل المعصية فخلِّدوا في
النار، وأوثق منهم الأقدام، وغلَّ منهم الأيدي إلى الأعناق، وألبس أجسادهم سرابيل
القطران، وقطِّعت لهم منها مقطِّعات من النَّار، وهم في عذاب قد اشتدَّ حرُّه، ونار
قد اطبق على أهلها، فلا يفتح عنهم أبداً ولا يدخل عليهم ريح أبداً، ولا ينقضي منهم
عمر أبداً، العذاب إبتداءً شديد، والعقاب أبداً جديد، لا الدار زائلة فتفنى، ولا
آجال القوم تقضى، ثمّ حكى نداء أهل النَّار، فقال:
﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ
لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ﴾34، قال: أي نموت، فيقول مالك
﴿إِنَّكُم
مَّاكِثُونَ﴾"35.
طعام أهل النَّار وشرابهم
إنَّ أهل النار يأكلون ويشربون تماماً كأهل الجنَّة، ولهم ألوان خاصّة من الأطعمة
والأشربة، ولكنَّها كلّها لا تغني من جوعٍ، ولا تروي من ظمأ.
وأحد تلك الأطعمة (الزقّوم)، وهي شجرة عظيمة مهيبة تنبت في قعر جهنَّم ولها ثمر،
قال تعالى
﴿إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي
فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ﴾36.
وهي اسم لعشب مرٍّ كريهِ الرائحة له أوراقٌ صغيرة، وهو عشب عصارته شديدة المرارة
وحادّة الطعم، إذا لامس الجسم تورّم.
أمّا الضريع فهو كالزقوم، يقطع الأحشاء من شدّة حرارته، ولا يتجرَّعه المجرمون من
فرط مرارته.
وأما الغسَّاق كما قوله تعالى:
﴿هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ﴾37. فقد
قيل: هو القيح الغليظ المنتن.
وأمّا الأشربة الوارد ذكرها في القرآن الكريم، يقول تعالى:
﴿وَإِن يَسْتَغِيثُوا
يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ
مُرْتَفَقً﴾38.
كما أنَّهم يسقون ماء يقطع الأمعاء
﴿كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا
مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ﴾39.
أمَّا (الغسلين) الّذي ذكرته الآية الشريفة:
﴿فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا
حَمِيمٌ * وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ* لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا
الْخَاطِؤُونَ﴾40 فإنّ الـمـعـروف بين المفسِّرين وأصحاب اللغة أنَّه دم يشبه الماء
يخرج من أبدان أصحاب النَّار، وبما أنَّه يـشبه الماء الّذي يغسل فيه الانسان،
سُمّي بـ (الغسلين).
لباس أهل النَّار
وكما في النَّار طعام وشراب ففيها أيضاً اللباس. وليس اللباس لوقايتهم من الحرِّ،
وإنَّما هو زيادة في العذاب، قال تعالى:
﴿فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ
ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ﴾41، فهي ثياب من
نار.
و قال تعالى:
﴿وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ *
سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ﴾42، والقطران هو
النحاس المذاب.
* كتاب في رحاب العقيدة، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- سورة السجدة، الآية: 17.
2- سورة الرعد، الآية: 35.
3- سورة محمد، الآية: 15.
4- سورة هود، الآية: 108.
5- سورة ص، الآية: 54.
6- سورة الرعد، الآية: 35.
7- سورة الواقعة، الآية: 32.
8- سورة الصافات، الآيات: 43 ـ 47.
9- بحار الأنوار، ج 8، ص 39.
10- بحار الأنوار، ج 8، ص 131.
11- سورة طه، الآية: 75.
12- سورة الإسراء، الآية: 21.
13- سورة الواقعة، الآية: 20-21
14- سورة الرحمان، الآية: 54.
15- سورة البقرة، الآية: 25.
16- سورة محمد، الآية: 15.
17- بحار الأنوار، ج 37، ص 272.
18- سورة يس، الآية: 58.
19- نهج البلاغة، السيد الرضي، ج 2، ص 95.
20- سورة الحجر، الآيتان: 43 و44.
21- سورة المدثر، الآيات: 26 ـ 29.
22- سورة الشورى، الآية: 7.
23- سورة النازعات، الآيات: 37 ـ 39.
24- سورة الهمزة، الآيات: 4 ـ 7.
25- سورة المعارج، الآيات: 15 ـ 17.
26- سورة القارعة، الآيات: 8 ـ 11.
27- سورة الحجر، الآيتان: 43 و 44.
28- سورة النساء، الآية: 145.
29- سورة المائدة، الآية: 37.
30- سورة النساء، الآية: 56.
31- سورة الرحمن، الآية: 44.
32- سورة الهمزة، الآيتان: 8 ـ 9.
33- سورة الؤمنون، الآية: 108.
34- سورة الزخرف، الآية: 77.
35- بحار الأنوار، ج 8، ص 292.
36- سورة الدخان، الآيات: 43 ـ 46.
37- سورة ص، الآية: 57.
38- سورة الكهف، الآية: 29.
39- سورة محمد، الآية: 15.
40- سورة الحاقة، الآيات: 35 ـ 37.
41- سورة الحج، الآية: 19.
42- سورة إبراهيم، الآيتان: 49 ـ 50.