بالأمانة يسلم المجتمع وينجو أفراده
مواعظ الكتاب
ورد عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال للإمام علي عليه السلام : "يـا أبـا الحَسَنِ، أَدِّ الأَمـانَةَ للِبِرِّ والفـاجِرِ فِي مـا قَلَّ وَجَلَّ، حتّى فِي الخَيطِ وَالمخِيطِ"
عدد الزوار: 84
ورد عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال للإمام علي عليه السلام : "يـا
أبـا الحَسَنِ، أَدِّ الأَمـانَةَ للِبِرِّ والفـاجِرِ فِي مـا قَلَّ وَجَلَّ، حتّى
فِي الخَيطِ وَالمخِيطِ"1.
مقدمة:
الأمانة من أهمّ الفضائل الأخلاقية والقيم الإسلامية والإنسانية، والتي
وردت كثيراً في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة، وقد أولاها علماء الأخلاق أهميّة
كبيرة على مستوى بناء الذات والشخصية. وعلى العكس من ذلك (الخيانة) التي تعدّ من
الذنوب الكبيرة والرذائل الأخلاقية في واقع الإنسان وسلوكه الاجتماعي. والأمانة هي
في الحقيقة رأس مال المجتمع الإنساني، والسبب في شدّ أواصر المجتمع وتقوية الروابط
بين الناس في نظامهم الاجتماعي وحياتهم الدنيوية؛ ولهذا شدّد أهل البيت عليه السلام
عليها كثيراً، وللإمام زين العابدين عليه السلام في هذا المجال تعبير عجيب، حيث
يقول لشيعته: "عَلَيكُم بِأَداءِ الأَمـانَةِ، فَو الَّذي بَعَثَ مُحَمَّداً صلى
الله عليه واله وسلم بِالحَقِّ نَبِيَّاً، لَو أَنَّ قـاتِلَ أَبِي الحُسَينِ ابنِ
عَلَيّ عليه السلام ائتَمَننِي عَلَى السَّيفِ الَّذِي قَتَلَه بِهِ لأدّيتُهُ
إِلَيهِ"2.
والأمانة من الصفات التي تربط الإنسان من جهة مع الله تعالى، وكذلك تربطه مع غيره
من أفراد البشر، ومن جهة ثالثة ترسم علاقته مع نفسه أيضاً ومع الطبيعة والبيئة. بل
إنّ جميع النعم المادية والمواهب المعنوية الإلهية على الإنسان في بدنه ونفسه هي في
الحقيقة أمانات بيد الإنسان. في حين أنّ الخيانة بمثابة النار المحرقة التي تحرق
جميع العلاقات الاجتماعية، وتؤدّي إلى الفوضى والفقر والشقاء، وبالتالي تخريب الأطر
الإنسانية والحضارية في المجتمعات البشرية.
1- الأمانة أصل في جميع الأديان:
روي عن الإمام الصادق عليه السلام
أنّه قال: "إنّ اللهَ عَزَّوَجَلَّ لَم يَبعَث نَبِيّاً إلاّ بِصِدقِ الحِدِيثِ
وَأَداءِ الأَمـانَةِ إِلىَ البِرِّ وَالفـاجِرِ"3. هذا التعبير يوضّح
أنّ جميع الأديان السماوية قد جعلت الصدق والأمانة جزءاً مهمّاً من تعليماتها
الدينية والإنسانية ومن الأصول الثابتة في الأديان الإلهية. وقد ورد ذكر الأمانة في
القرآن بالنسبة إلى ستة من الأنبياء الكبار بعبارة:
﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾،
وعن النبي نوح عليه السلام في سورة (الشعراء، 107)، والنبي هود عليه السلام في سورة
(الشعراء، 125)، والنبي صالح عليه السلام في سورة (الشعراء، 143)، والنبي لوط عليه
السلام في سورة (الشعراء، 162)، والنبي شعيب عليه السلام في سورة (الشعراء، 178)،
والنبي موسى عليه السلام في سورة (الدخان، 18). وهذا يدلّ دلالة واضحة على أهميّة
هذه الفضيلة الأخلاقية إلى جانب مهمّة إبلاغ الرسالة الإلهية، وبدون ذلك لا يمكن
لهؤلاء الأنبياء أن يكسبوا ثقة الناس ليعتمدوا على أقوالهم.
2- الأمانة من أوصاف المؤمن الأساسية:
قال تعالى:
﴿وَالَّذِينَ هُمْ
لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾4-، تبيّن هذه الآية أوصاف
المؤمنين الحقيقيين، وتبشّرهم بالفلاح والنجاة في الآخرة، وتُحدّد أوصاف الإنسان
الجميلة والفضائل الأخلاقية، ومنها الأمانة والوفاء بالعهد. والملفت للنظر أنّ (الأمانات)
الواردة في هذه الآية ذكرت بصورة الجمع، وهي إشارة إلى أنّ الأمانة لها أنواع
وأشكال مختلفة. والكثير من المفسّرين ذكروا أنّ مفهوم الأمانة في هذه الآية لا
يقتصر على الأمانة، المالية بل يشمل الأمانات المعنوية، كالقرآن الكريم والدين
الإلهي والعبادات والوظائف الشرعية، وكذلك النعم الإلهية المختلفة على الإنسان في
حركة الحياة المادية والمعنوية.
ومن هنا يتّضح أنّ المؤمن الواقعي والإنسان الذي يتمتّع باللّياقة الكاملة هو الذي
يتحرّك في سلوكه من موقع مراعاة الأمانة بصورها المختلفة، ويهتم بالحفاظ عليها من
موقع المسؤولية وأداء الوظيفة. أمّا عطف الوفاء بالعهد على حفظ الأمانة فيبيّن هذه
الحقيقة، وهي أنّ هذين المفهومين يعودان إلى جذر واحد ويشتركان في الأصل، لأنّ نقض
العهد يعتبر نوعاً من الخيانة في العهد والميثاق، ورعاية الأمانة نوع من الوفاء
بالعهد والميثاق أيضاً. وتعبير (راعون) مأخوذ من مادة (رعاية) وهي من مادة (رعى)
التي يراد بها رعي الأغنام ومراقبتها في عملية سوقها إلى حيث الماء والكلأ في
الصحراء، وهذا إنّما يدلّ على أنّ المقصود من هذه العبارة في الآية الكريمة هو أكثر
من أداء الأمانة في مفهومها الظاهري، أي النظر والمحافظة والمراقبة للشيء من جميع
الجوانب. وبديهي أنّ الأمانة تارة تكون ذات بعد فردي وتسلّم بيد شخص معين (كالأمانات
المالية التي يودعها الإنسان لدى الآخرين)، وتارة أخرى لها بعد جماعي، مثل حفظ
القرآن الكريم من التحريف والدفاع عن الإسلام والمحافظة على كيان الدول الإسلامية،
فهي كلّها أمانات وضعت بيد المسلمين، وعليهم أن يتحرّكوا بصورة جماعية ويتكاتفوا
فيما بينهم من أجل حفظ وصيانة هذه الأمانات الإلهية.
3- الأمانة في القرآن الكريم:
ورد الحثّ على وجوب تأدية الأمانة بشكل صريح وواضح في آيتين:
الأولى: قال تعالى:
﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى
أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ
اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرً﴾5.
تبيّن هذه الآية أمرين إلهيين: الأول يتحدّث عن أداء الأمانة، والثاني يتحدّث عن
الحكم بالعدل. ومع أنّ مسألة الحكومة العادلة أو التحكيم الصحيح والسليم بين الناس
له مكانة سامية في نظر القرآن الكريم، ولكن في الوقت نفسه ورد الأمر بأداء الأمانة
قبله، وهذا يبيّن الأهميّة العظيمة للأمانة، وأنّ لها مفهومًا عامًا يستوعب في
مضمونه التحكيم بين الناس من موقع العدل، وأنّه أحد مصاديق أداء الأمانة؛ لأنّ
الأمانة بمفهومها العام تشمل جميع المقامات والمناصب الاجتماعية التي تعتبر أمانات
إلهية، وكذلك أمانات بشرية من قبل الناس بيد أصحاب المناصب هذه.
والتأكيدات الواردة في ذيل الآية الشريفة تقرّر من جهة أنّ الأمر بالأمانة والعدالة
ما هي إلاّ موعظة إلهية حسنة للناس، ومن جهة أخرى تحذّر الجميع بأنّ الله تعالى
يراقب أعمالكم وسلوكياتكم، وهذا يعطي أهميّة مضاعفة على هذين المفهومين، وهما رعاية
الأمانة والعدالة. وللأمانة موارد وفروع هي: الأمانة الإلهية، وأمانة الناس، وأمانة
النفس. ومن جملتها أداء الواجبات وترك المحرمات فهي من موارد الأمانات الإلهية.
وتقسّم إلى تقسيمات عديدة، منها أمانة اللسان، أمانة العين والأذن (أي إنّ الإنسان
يجب أن لا يتحرّك بالمعصية، والعين لا تنظر بنظر الخيانة، والأذن لا تسمع الكلام
المحرّم). أمّا الأمانات البشرية فهي من قبيل الودائع التي يضعها بعض الناس لدى
بعضهم الآخر وكذلك ترك التطفيف في الميزان وترك الغيبة ورعاية العدالة من جهة
الحكّام والأمراء وعدم تحريك العوام من موقع التعصّب للباطل وأمثال ذلك...6.
الثانية: قوله تعالى:
﴿وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا
فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي
اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ﴾7. تتعرّض هذه الآية
للأمانات والودائع المالية لدى الناس، وتتحدّث في سياقها عن لزوم تنظيم الوثائق
والمستندات الحاجة لهذه الودائع والأمانات. وفي هذه السورة على الأمين حفظ الأمانة
وردّها إلى صاحبها بالموقع المناسب، وعليه أن يخاف الله فيما لو حدّثته نفسه
بالخيانة. وإنّ تعبير الأمانة في الآية يمكن أن يكون إشارة إلى القروض المالية التي
يقرضها المسلم لأخيه المسلم، من دون كتابة وثيقة أو تأمين وديعة ورهن، وذلك بسبب
الثقة المتبادلة بين الأفراد، أو أنّها إشارة إلى الأموال التي توضع لدى الشخص
بعنوان الرهن، أو كليهما. وعلى كلّ حال فانّ الآية فيها دلالة واضحة على لزوم
احترام الأمانة وأدائها في أيّة حالة.
إنّ الأمانة خلق محمود ومطلوب في أيّ مكان ومورد، ولكن بالنسبة إلى بيت المال ورؤوس
الأموال المادية المتعلّقة بالمجتمع لا بشخص معيّن فقد ورد التأكيد على الأمانة
فيها بشكل خاص في النصوص الدينية، والحكمة في ذلك واضحة، لأنّه أولاً: إنّ بعض
الناس يتصوّر أنّ مثل هذه الأموال، بما أنّها لا تقع في دائرة الممتلكات لشخص معيّن
بل هي ملك عموم الناس، فإنّهم أحرار في تصرفاتهم وتعاملهم بها.
وإذا تفشّت الخيانة بالنسبة إلى الأموال العامة وبيت المال، فإنّ نظم المجتمع سوف
يتلاشى وينهار، فلا يرى مثل هذا المجتمع البشري وجه السعادة أبداً. ومن أجل درك
أهميّة هذا الموضوع يكفي مطالعة قصّة (الحديدة المحماة)، حيث ورد أنّ عقيل(رض) جاء
إلى أخيه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وطلب منه أن يزيده قليلاً من حصّته
وسهمه من بيت المال، على أساس العلاقة الأخوية بينه وبين الإمام علي عليه السلام ،
فما كان من الإمام علي عليه السلام إلاّ أن أحمى له حديدة وقرّبها منه، فصرخ عقيل
من حرارتها، فقال له الإمام عليه السلام : "يـا عَقِيلُ، أَتَئِنُّ مِنْ حَدِيدَة
أَحمـاها إِنسـانُهـا لِلَعبِهِ، وَتَجِرُّنِي إِلى نـار سَجَرَهـا جَبـارُهـا
لِغَضَبِهِ، أَتَئِنُّ مِنْ الأَذى وَلا أَئِنُّ مِنْ لَظى!"8.
وقال أمير المؤمنين عليه السلام عندما استلم الخلافة، بالنسبة إلى عطايا عثمان من
بيت المال إلى أقربائه وذويه، حيث عزم الإمام علي عليه السلام على ردّها جميعاً إلى
بيت المال: "وَاللهِ، لَو وَجَدته قَدْ تُزُوِّجَ بِهِ النِّسـاءُ ومُلِكَ بِهِ
الإِمـاءُ لَرَدَدتُهُ، فَإنَّ فِي العَدلِ سَعَةً، وَمَنْ ضَـاقَ عَلَيهِ العَدلُ
فَالجَورُ عليه أَضيَقُ"9.
4- الأمانة والخيانة في السنة الشريفة:
أمّا ما ورد من الأحاديث الشريفة عن
النبي الأكرم صلى الله عليه واله وسلم والأئمّة المعصومين، فإنّه يحكي عن الأهميّة
البالغة لهذه المسألة، حيث وردت الأمانة تارة بعنوان أنّها من الأصول والمبادئ
الأساسية المشتركة بين جميع الأديان السماوية، وتارة أخرى بعنوان أنّها علامة
للإيمان، وثالثة بعنوان أنّها سبب نيل الرزق والثروة والثقة والاعتماد لدى الناس
وسلامة الدين والدنيا والغنى وعدم الفقر وأمثال ذلك؛ ففي حديث عن النبي الأكرم صلى
الله عليه واله وسلم أنّه قال: "لا إِيمـانَ لِمَنْ لا أَمـانَةَ لَهُ"10.
وورد عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم تعبير شديد، حيث قال: "لا تَنظُروا إلى
كَثْرَةِ صَلاتِهِم وَصَومِهِم، وَكَثْرَةِ الحَجِّ وَالمعرُوفِ، وَطَنطَنَتِهِم
بِالَّليلِ، وَلَكِنْ انظُرُوا إِلى صِدقِ الحَدِيثِ وَأَداءِ الأَمـانَةِ"11.
والهدف من هذا التعبير ليس بهدف الإشارة أنّ هؤلاء لا يهتمّون بصلاتهم وصومهم أو
يستخفّون بحجّهم وإنفاقهم، بل الهدف هو القول إنّ هذه الأمور ليست هي العلامة
الوحيدة لإيمان الفرد، بل هناك ركنان أساسان لدين الشخص، أي الصدق والأمانة.
5- آثار الأمانة الدنيوية والأخروية:
لقد بيّنت الروايات الآثار والنتائج
الدنيوية والأخروية المهمّة للأمانة والخيانة؛ فقد ورد عن الإمام علي عليه السلام
أنّه قال: "الأمانة تَجُرُّ الرِّزقَ، وَالخِيانَةُ تَجُرُّ الفَقرَ"12.
وورد شبيه لهذا الحديث- مع اختلاف يسير- عن لقمان الحكيم حيث قال: "يـا بُنَيَّ،
أَدِّ الأَمـانَةَ تَسلمُ لَكَ الدُّنيـا وَآخِرَتُكَ، وَكُنْ أَمِيناً تَكُن
غَنِيّاً"13.
وعن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال: "لا تَزَالُ اُمّتِي بِخَير مـا
تَحـابُّوا وَتَهـادُوا وَأَدُّوا الأَمـانَةَ وَاجتَنبُوا الحَرامَ وَوَقَّرُوا
الضَّيفَ وَأَقـامُوا الصَّلاةَ وَآتوا الزَّكـاةَ، فإذا لَم يَفَعَلُوا ذَلِكَ،
ابتلوا بِالقَحطِ وَالسِّنِينَ"14.
وإذا أردنا أن نتعمّق في خطر الخيانة وشؤمها، فلنستمع إلى الرسول الأكرم صلى الله
عليه واله وسلم في حديثه عن بعض عناصر الشر وعوامل الانحراف، حيث يقول: "أَربَعٌ لا
تَدخُل بَيتاً وِاحُدَة مِنهُنَّ إلاّ خَرَبَ وَلَم يَعمُرْ بِالبَرَكَةِ:
الخِيانَة والسَّرقَةُ وَشُربُ الخَمرِ والزِّنـا"15. ومن المعلوم أنّ
المجتمع الذي يعيش أحد هذه العناصر الأربعة أو كلّها فإنّه يكون مصداقاً لهذا الحكم
النبوي، وسوف يخلو من البركة، وبالتالي يُصيبه الدمار والاندثار.
6- تلازم الأمانة والصدق:
الأمانة تدعو الإنسان إلى صدق الحديث،
كما أنّ صدق الحديث يدعو الإنسان إلى الأمانة في الجهة المقابلة؛ لأنّ صدق الحديث
نوع من الأمانة في القول، والأمانة نوع من الصدق في العمل، وعلى هذا الأساس فإنّ
هاتين الصفتين ترتبطان بجذر مشترك، وتعبّران عن وجهين لعملة واحدة، ولذلك ورد في
الأحاديث الإسلامية عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "الأمـانَةُ تُؤدِّي
إِلى الصُّدقِ"16، وفي حديث آخر عن هذا الإمام عليه السلام أيضاً أنّه
قال: "إذا قَويَتْ الأَمـانَةُ كَثُرَ الصّدقُ"17.
7- طرق الوقاية والعلاج:
إنّ تعميق روح الأمانة في أفراد
المجتمع والوقاية من الخيانة لا يتسنّى إلاّ في ظلّ التقوى والإيمان والالتزام
الديني والأخلاقي؛ لأنّ أحد جذور الخيانة هو الشرك وعدم الاعتقاد الكامل بقدرة الله
تعالى ورازقيته. ولهذا فالأشخاص الذين يعيشون ضعف الإيمان، ويتصوّرون أنّهم سوف
يعيشون الفقر في حالة تحلّيهم بالأمانة والصدق، وأنّهم سوف لا يحصلون على ما
يحتاجونه إلاّ بواسطة الخيانة، يكبّلون أنفسهم بطوق الخيانة، ولكن عندما يتحرّكون
من موقع تقوية دعائم الإيمان في قلوبهم وتعميق حالة التوكّل والاعتماد على الله
تعالى والثقة بوعده، فإنّ ذلك يتسبّب في تصحيح مسارهم في عملية الوصول وتحصيل مواهب
الحياة.
ومن جهة ثانية، فإنّ من الأسباب والعوامل المهمّة في الوقاية من التورّط بالخيانة
هو التفكّر والتأمل في عواقبها الوخيمة في الدنيا والآخرة، وما يترتب عليها من
فضيحة وحرمان وزوال الثقة وماء الوجه أمام الخلق والخالق، وبالتالي الابتلاء بالفقر
المزمن الذي سعى إلى الفرار منه بارتكاب الخيانة. ورد في نصيحة لقمان لابنه حيث
يقول: "يـا بُنَيَّ أَدِّ الأَمـانَةَ تَسلمُ لَكَ الدُّنيـا وَآخِرَتُكَ، وَكُنْ
أَمِيناً تَكُن غَنِيّاً"18.
* كتاب قوا أنفسكم وأهليكم، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1-بحار الأنوار، ج74، ص273.
2-الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج19، ص76، باب تحريم الخيانة، ح13.
3-أ صول الكافي، ج2، ص104.
4-المؤمنون،8 - والمعا رج، 32.
5-النساء، 58.
6-تفسير فخر الرازي، ج10، ص139 ذيل الآية المبحوثة.
7-البقرة، 283.
8-نهج البلاغة، الخطبة 224.
9-نهج البلاغة، الخطبة15.
10-بحار الأنوار، ج66، ص 121.
11-بحار الأنوار، ج72، ص114، ح5.
12-بحار الأنوار، ج78، ص60.
13-بحار الأنوار، ج72، ص117.
14-الصدوق، عيون أخبار الرضا، ج2، ص32.
15-بحار الأنوار، ج76، ص125.
16-الواسطي، عيون الحكم والمواعظ، ص49.
17-الواسطي، عيون الحكم والمواعظ، ص 134.
18-الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج12، ص156، باب استحباب حسن الخلق مع الناس،
حديث33.