يتم التحميل...

التزين بالأخلاق التي حددها الإسلام للتجارة

آداب التجارة

هذه الأخلاق الجميلة، بعضها شائع في مجتمعنا دون أن نعرف أن له أصلاً شرعياً. وهذا يدل على البركة المختزنة في المجتمعات الإسلامية، وهي نتيجة جهود وعمل العلماء والأولياء وأهل الورع والتقوى.

عدد الزوار: 268

هذه الأخلاق الجميلة، بعضها شائع في مجتمعنا دون أن نعرف أن له أصلاً شرعياً.

وهذا يدل على البركة المختزنة في المجتمعات الإسلامية، وهي نتيجة جهود وعمل العلماء والأولياء وأهل الورع والتقوى.

ومن جملة هذه الأخلاق التي ينبغي أن تسود الأسواق الإسلامية وتنتشر بين التجار المسلمين...

ونؤكد على الموجود والشائع منها:

أ- إقالة النادم:

أي إبطال عملية البيع وإرجاع المال إلى المشتري في حال اعتذر عن ذلك لعجزه عن الوفاء أو لتبدل رأيه أو لحرج ما أصابه.

فالأدب إجابته إلى ذلك، فهو مستقيل عن عملية الشراء ونادم.

ورد في النص الشريف عن مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "من أقال مسلماً، أقاله الله عثرته".

وعن مولانا الصادق عليه السلام : "أيما عبد أقال مسلماً في بيع، أقاله الله عثرته يوم القيامة".

ونقل عبد الله بن القاسم الجعفري عن بعض أهل بيته، قال: "إن رسول الله لم يأذن لحكيم بن حزم في تجارته، حتى ضمن له إقالة النادم، وإنظار المعسر، وأخذ الحق وافياً أو غير واف".

كل ذلك طبعاً إذا كان عن طيب نفس.

سئل أبو عبد الله الصادق عن الرجل يشتري المتاع أو الثوب، فينطلق به إلى المنزل، ولم ينفذ شيئاً فيبدله فيرده، هل ينبغي ذلك له؟ قال عليه السلام : "لا، إلا أن تطيب نفس صاحبه".

ب- الترجيح في الوزن:

أي إعطاء المشتري أكثر من حقه المتفق عليه، فلو أراد أن يشتري بالكيلو، زيادة بعض الغرامات، وهو ما يسمى في عرف الناس "التطبيش"... وإذا أراد الشراء بالعدد، كالجوز مثلاً، أن يتسامح معه بقليل زائد... وهكذا.

وفي نفس الوقت يستحب للمشتري أن يأخذ ناقصاً..

وواضح ما في ذلك من محبة وثقة ووحدة حال وإيتاء وإلفة وكرم نفس... ما دام كلا الطرفين يحرص على التنازل عن شيء من حقه لصالح الآخر.

روي أن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام مر على جارية قد اشترت لحماً من قصاب وهي تقول: زدني، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : " زدها، فإنه أعظم للبركة".

وعن مولانا الصادق عليه السلام : "لا يكون الوفاء حتى يرجح".

وعنه عليه السلام قال: "لا يكون الوفاء، حتى يميل الميزان".

أما الإخسار أو الإنقاص من الوزن، وهو ليس موضع بحثنا، فحرمته واضحة.

قال الله عز وجل: ﴿وأوفوا الكيل إذا كلتم، وزنوا بالقسطاس المستقيم، ذلك خير وأحسن تأويلا.

وقال تعالى ملكه العظيم: ﴿ويل للمطففين* الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون* وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون....


ج- المبادرة إلى الصلاة في أول وقتها:

فلا ينشغل بالتجارة عن الصلاة، كما هو حال أكثر التجار اليوم، بل ينبغي للتاجر أن يستعد للصلاة ليأتي بها عند أول أوانها ليكون من رجال ﴿لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة.

وهذا من أدب المسلم مع ربه تبارك وتعالى، لكن قصة سعد بالذات تنفع للتجار خاصة.

فقد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مؤمن فقير شديد الحاجة من أهل الصفة، وكان لازماً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند مواقيت الصلاة كلها لا يفقده في شيء منها، وكان رسول الله يرق له وينظر إلى حاجته وغربته، فيقول: يا سعد لو قد جاءني شيء لأغنيتك.

قال: فأبطأ ذلك على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فاشتد غم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسعد، فعلم الله سبحانه ما دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من غمه بسعد، فأهبط عليه جبرائيل عليه السلام ومعه درهمان فقال له: يا محمد إن الله قد علم ما قد دخلك من الغم بسعد، أفتحب أن تغنيه؟

فقال له: نعم.

فقال له: فهاك هذين الدرهمين فأعطهما إياه، ومره أن يتجر بهما.

قال: فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم خرج إلى صلاة الظهر وسعد قائم على باب حجرات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينتظره، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: يا سعد أتحسن التجارة؟

فقال له سعد: والله ما أصبحت أملك ما أتجر به.

فأعطاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم الدرهمين، فقال له: اتجر بهما وتصرف لرزق الله.

فأخذهما سعد ومضى مع رسول الله حتى صلى معه الظهر والعصر.

فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : قم فاطلب الرزق فقد كنت بحالك مغتماً يا سعد.

قال: فأقبل سعد لا يشتري بالدرهم إلا باعه بدرهمين، ولا يشتري شيئاً بدرهمين إلا باعه بأربعة دراهم، وأقبلت الدنيا على سعد فكثر متاعه وماله وعظمت تجارته، فاتخذ على باب المسجد موضعاً جلس فيه وجمع تجارته إليه، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أقام بلال الصلاة يخرج وسعد مشغول بالدنيا، لم يتطهر ولم يتهيأ كما كان يفعل قبل أن يتشاغل بالدنيا، فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: يا سعد شغلتك الدنيا عن الصلاة.

فيقول: ما أصنع، أضيع مالي، هذا رجل قد بعته فأريد أن أستوفي منه، وهذا رجل قد اشتريت منه فأريد أن أوفيه.

قال: فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أمر سعد غم أشد من غمه بفقره فهبط جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمد إن الله قد علم بغمك بسعد، فأيما أحب إليك، حاله الأولى أو حاله هذه؟

فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم : يا جبرئيل بل حاله الأولى قد أذهبت دنياه بآخرته.

فقال له جبرئيل عليه السلام : إن حب الدنيا والأموال فتنة ومشغلة عن الآخرة، قال: قل لسعد: يرد عليك الدرهمين اللذين دفعتهما إليه، فإن أمره سيصير إلى الحالة التي كان عليها أولاً.

قال: فخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فمر بسعد فقال له: يا سعد أما تريد أن ترد علي الدرهمين الذين أعطيتكهما؟

فقال سعد: بلى ومأتين.

فقال له: لست أريد منك يا سعد إلا درهمين فأعطاه سعد درهمين، قال: وأدبرت الدنيا على سعد حتى ذهب ما كان جمع، وعاد إلى حاله التي كان عليها.

د- النهي عن بيع المضطر:

لأن التاجر يفترض به أن يكون محباً لإخوانه المسلمين، فلا ينتهز حالة ضعفهم وحاجتهم وفيستغلهم ويبطش بهم ليأخذ بأقل الأثمان.

وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع المضطرين.

وعن الصادق عليه السلام : "يأتي على الناس زمان عضوض، يعض كل امرئ ما في يده، وينسى الفضل، وقد قال الله: ولا تنسوا الفضل بينكم، ثم ينبري في ذلك الزمان أقوام يبايعون المضطرين، أولئك هم شرار الناس".

ه- التصدق لوجه الله الكريم:

فالصدقة مستحبة على كل حال، وفي كل يوم، لكن، تتأكد عند إتمام الصفقة التجارية.

بذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معشر التجار، لأن البيع يحضره اللغو والحلف، ولأن الشيطان والإثم يحضران البيع "فشوبوا بيعكم بالصدقة".

و- الإحسان في البيع:

روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "جاءت زينب العطارة إلى نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجاء النبي، فإذا هي عندهن، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : إذا أتيتنا طابت بيوتنا. قالت: بيوتك بريحك أطيب يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إذا بعت فأحسني ولا تغشي، فإنه أتقى لله، وأبقى للمال".

ز- الأفضل للتاجر الذي طلب منه شراء شيء أن لا يأخذ مما عنده: إلا أن لا يخاف التهمة أو سوء التفاهم، كأن تكون الثقة بينهما كبيرة.

عن إسحاق قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يبعث إلى الرجل يقول له: ابتع لي ثوباً، فيطلب له في السوق فيكون عنده مثل ما يجد له في السوق، فيعطيه من عنده، فقال: "لا يقربن هذا ولا يدنس نفسه، إن الله عز وجل يقول: ﴿إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا وإن كان عنده خير مما يجد له في السوق فلا يعطه من عنده".

وقال أحدهم للإمام الصادق عليه السلام : يجيئني الرجل فيقول: تشتري لي، ويكون ما عندي خير من متاع السوق قال: "إن أمنت أن لا يتهمك فأعطه ما عندك، وإن خفت أن يتهمك فاشتر له من السوق".

ح- ذكر الله عز وجل:

فلا تصرف التجارة والمال والربح عن هذه العبادة الجليلة، قال الله تبارك وتعالى: ﴿واذكر ربك كثيراً، وسبح بالعشي والإبكار.

فلا بأس أن يضع التاجر المسلم بعض الأدعية المباركة الواردة، أن يضعها أمامه على مكتبه مثلاً... ويرددها كلما سنحت له الفرصة.

قال الإمام الباقر عليه السلام لأحد التجار: "إعلم أنه ما من رجل يروح أو يغدو إلى مجلسه سوقه فيقول حين يضع رجله في السوق: "اللهم إني أسألك من خيرها وخير أهلها، وأعوذ بك من شرها وشر أهلها"، إلا وكل الله به من يحفظه ويحفظ عليه حتى يرجع إلى منزله، فيقول له: قد أجرت من شرها وشر أهلها يومك هذا بإذن الله وقد رزقت خيرها وخير أهلها في يومك هذا، فإذا جلس مجلسه فقال حين يجلس: "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم إني أسألك من فضلك رزقاً حلالاً طيباً، وأعوذ بك من أن أظلم أو أُظلم، وأعوذ بك من صفقة خاسرة ويمين كاذبة"، فإذا قال ذلك قال له الملك الموكل به: أبشر فما في سوقك اليوم أحد أوفر حظاً منك، قد تعجلت الحسنات، ومحيت عنك السيئات، وسيأتيك ما قسم الله لك موفراً حلالاً مباركاً فيه".

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: "إذا دخلت سوقك فقل: اللهم إني أسألك من خيرها وخير أهلها، وأعوذ بك من شرها وشر أهلها، اللهم إني أعوذ بك من أن أظلم أو أُظلم، أو أبغي، أو يبغى علي، أو أعتدي أو يعتدى علي، اللهم إني أعوذ بك من شر إبليس وجنوده، وشر فسقة العرب والعجم، وحسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم".

ط- ومن جملة الآداب:

الاستخارة أياً تكن نتائجها، والرضى بذلك، وأن لا يتحسر ويتمنى غير ما اختار الله تعالى له..

وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلم أصحابه الاستخارة كما يعلم السورة من القرآن.

ولا يحلف من دون حاجة ماسة إلى ذلك... هذا مع الصدق، أما اليمين الكاذبة فصاحبها في النار.

ولا يكتم العيب البسيط الذي يتسامح فيه عادة... فإن لم يكن كذلك، فلا يجوز كتمانه أصلاً، وللمشتري حق الفسخ عند علمه به ولو بعد حين..

ولا يرضى للناس من البضاعة والمعاملة إلا ما يرضاه لنفسه.

وأن يحرص على إرضاء الزبائن بالعدل.

وأن يكون الربح قليلاً ومعقولاً.. خاصة إذا كان الشراء للتجارة.

والأفضل أن لا يكون السوم بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.

وأن يبيع مباشرة إذا حصل الربح، ولا ينتظر مشترياً آخر.

وأن يكتب التاجر كتاباً واضحاً يبين فيه الحقوق بالتفصيل دون لبس، عند أي بيع أو دين أو معاملة... وكم نحن بحاجة إلى هذا الأمر، وكم من المشاكل التي تقع اليوم مع تجار البناء وغيرهم نتيجة عدم وضوح أسس الاتفاق، وما لكل طرف وما عليه.

أن يذكر الله عز وجل ما دام في السوق، خاصة، بالتسبيح والشهادتين... أما إذا اشترى فالمسنون التكبير ثلاثاً "والسوق دار سهو وغفلة، فمن سبح تسبيحة، كتب الله بها ألف ألف حسنة". ويكره القرض من مستحدث النعمة "ممن لم يكن له فكان". ويستحب إدخار قوت السنة، فالنفس إذا أحرزت قوتها استقرت، ومن مون طعام سنة خف ظهره واستراح.

وهذا هو الرائج بيننا في تموين الزيت والزيتون والبرغل وأنواع الحبوب والجوز...

روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "ثم من قد علمتم في فضله وزهده، سلمان وأبو ذر رحمهما الله، فأما سلمان فكان إذا أخذ عطاءه رفع منه قوته لسنته حتى يحضر عطاؤه من قابل".

فقيل له: يا أبا عبد الله، أنت في زهدك تصنع هذا؟! وأنت لا تدري لعلك تموت اليوم أو غداً.

فقال عليه السلام : " ما لكم لا ترجون لي البقاء كما خفتم علي الفناء؟ أما علمتم يا جهلة إن النفس قد تلتاث على صاحبها إذا لم يكن لها من العيش ما تعتمد عليه، فإذا هي أحرزت معيشتها اطمأنت".

كما يستحب بيع البضاعة الجيدة وشراؤها.

ويكره الحط من السعر بعد إتمام الصفقة أو العمل... اللهم إلا إذا كان عن طيب نفس.

ويستحب الاستتار بالمعيشة وكتمها عن الآخرين "فإنهم إن لم يضروك لم ينفعوك".

ويستحب للتاجر أن لا يستخف بقليل الرزق "فمن استقل قليل الرزق حرم كثيره"... وتكره الشكوى من عدم الربح.

ومن علامات المال الحلال أنه ينفق في طاعة الله، أما المال الحرام فينفق في معصية الله عز وجل.

ومن هنا يمكن فهم حالات كثيرة من الأغنياء الذين رزقوا بالمال الكثير، وينفقونه في المعاصي بلا حساب، ويبخلون به عن مشاريع الخير والبر.

ولمن كثر دينه فليقرأ: سورة القدر، وسورة نوح عليه السلام ، وليكثر من الاستغفار.

ورد أن التاجر فاجر إلا من اتقى الله وبر وصدق في حديثه وأعطى الحق.

والأفضل للتاجر الذي يقصد مكة المكرمة أعزها الله تعالى، أن لا يتلهى فيها بالتجارة عن العبادة، فليبع بضاعته قبل وصوله إليها.

وفي هذا إشارات كثيرة، خاصة في هذه الأيام لمن قصد مكة فيتلهى فيها بالطعام والتنزه وجلسات السمر والسهر، ويترك العبادة والفرص التي لا تعود.

ولا بأس من ذوق ما يراد شراؤه (كالحلويات مثلاً والتمر والفستق..) ولا يذوق ما لا يريد شراءه.

ويكره دخول السوق أولاً والخروج أخيراً... ويستحب ذلك في المساجد.

ويستحب للمرء أن يعمل في التجارة ليستغني عما في أيدي الناس، فالعمل فيها يزيد العقل، وتركها ينقص منه "وطلب الحلال واجب على كل مسلم".

وهذا الاستحباب ثابت حتى لمن كان له المال الكثير الذي يكفيه طوال حياته.

ويستحب الإجمال في الطلب، فلن تموت نفس حتى تستوفي رزقها، ولو كان في جحر.

والرزق رزقان: رزق تطلبه، ورزق يطلبك.

والحد الفاصل في تعريف " الإجمال في الطلب" هو: أن يكون التاجر أو الكاسب وسطاً بين كسب المضيع وطلب الحريص (فوق المضيع ودون الحريص).

يكره الكسل عن أمر المعيشة وشؤون طلب الحلال كالتجارة.

يستحب جعل المال في بستان أو دار أو عقار، وأن تكون متفرقة.

ويستحب لمن باع عقاراً أن يجعله في عقار آخر، وإلا ذهبت بركته " فإن الرجل إذا نزلت به النازلة أو المصيبة، فذكر أن وراء ظهره ما يقيم عياله كان أسخى لنفسه".

يستحب الإبكار فيي طلب الرزق، على أن لا يكون بين الفجر وطلوع الشمس.. أما عادة بدء العمل عند الساعة الثامنة صباحاً وما شاكل ذلك، فهي من العادات الغربية الدخيلة على مجتمعاتنا (لاحظ المجتمعات الإسلامية المحافظة على عاداتها).

يستحب الاغتراب والسفر لطلب الرزق، هذا إذا لم يتيسر ذلك له في بلده.

أما إذا ترتب على سفره إرتكاب حرام من مأكل أو مشرب، فيحرم السفر.

وفي الختام، نذكر قصة صفوان الجمال كعبرة لنا على إخلاص هذا التاجر واحتياطه وورعه، فترك تجارة مربحة تدر عليه المال الكثير، حتى لا يكون ممن يكتبون في من عاون الظالمين.

فقد دخل صفوان الجمال على أبي الحسن الأول عليه السلام الذي قال له: " يا صفوان كل شيء منك حسن جميل ما خلا شيئاً واحداً".

قلت: جعلت فداك أي شيء؟

قال: "إكراؤك جمالك من هذا الرجل"، يعني هارون.

قال: والله ما أكريته أشراً ولا بطراً ولا للصيد ولا للهو ولكني أكريته لهذا الطريق ( يعني طريق مكة) ولا أتولاه بنفسي، ولكن أبعث معه غلماني.

فقال لي: "يا صفوان أيقع كراؤك عليهم؟".

قلت: نعم جعلت فداك.

قال: فقال لي: "أتحب بقاءهم حتى يخرج كراؤك؟".

قلت: نعم.

قال: "من أحب بقاءهم فهو منهم، ومن كان منهم كان ورد النار".

قال صفوان: فذهبت فبعت جمالي عن آخرها، فبلغ ذلك إلى هارون فدعاني فقال لي: يا صفوان بلغني أنك بعت جمالك.

قلت: نعم.

قال: ولم؟

قلت: أنا شيخ كبير وإن الغلمان لا يفون بالأعمال؟

فقال: هيهات هيهات إني لأعلم من أشار عليك بهذا، أشار عليك بهذا موسى بن جعفر.

قلت: ما لي ولموسى بن جعفر؟

فقال: دع هذا عنك فوالله لولا حسن صحبتك لقتلتك.


* كتاب أخلاق التاجر، سماحة السيد سامي خضرة. 2013-10-01