يتم التحميل...

لا تعصِ الله (الفرار والتعرب)

العلاقة مع الله

الفرار من الزحف بمعنى الفرار من معركة الجهاد الشرعي، هو من الذنوب الكبيرة، كما يدل على ذلك الآية الكريمة: - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ ، وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ-

عدد الزوار: 69

الفرار من الزحف
الفرار من الزحف بمعنى الفرار من معركة الجهاد الشرعي، هو من الذنوب الكبيرة، كما يدل على ذلك الآية الكريمة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ * وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ(الأنفال:15-16).

وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "وليعلم المنهزم بأنَّه مسخط ربَّه، وموبق نفسه، وأنَّ في الفرار موجدة الله، والذلَّ اللازم، والعار الباقي، وأنَّ الفارَّ لغير مزيد في عمره، ولا محجوز بينه وبين يومه، ولا يُرضي ربّه، ولموت الرجل محقّاً قبل إتيان هذه الخصال، خير من الرضا بالتلبُّس بها والإقرار عليها"1.

الثبات وعدم الفرار من أسباب النصر

النصر الإلهيُّ على الأعداء له شروط، ولا يأتي عبثاً ولا مجاناً بلا أسباب، ومن أسباب النصر على الأعداء، الإيمان، العمل والجهاد، إعداد العدّة، الأمل والصدق، بالإضافة إلى الثبات في المعركة وعدم الفرار.
يقول الله تعالى: ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ(محمد:7).
ففي هذه الآية تأكيد على مسألة تثبيت الأقدام، وذلك لأن الثبات أمام العدو أهم رمز للانتصار، وإنما يكسب الحربَ الذين يصمدون ويثبتون أكثر، ولذلك نقرأ في قصة محاربة طالوت لجالوت، أن المؤمنين القليلين الذين كانوا معه عندما واجهوا جيش العدو الجرار، قالوا: ﴿رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾(البقرة:250)، ونقرأ في الآية التي بعدها: ﴿فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ﴾(البقرة:251) أجل، إن نتيجة ثبات الأقدام والشجاعة وعدم الفرار هي النصر المؤزر على العدو.

الفرار وعدم الثبات ديدن المنافقين وضعاف الإيمان والثبات ديدن الصادقين:

في معركة أحد تميَّز المسلمون في طوائف ثلاث:

الطائفة الأولى
:
هم الذين زلزلوا، ووقعوا فريسة الاضطراب ولم يمكنهم الثبات حتى آخر لحظة، ففروا من الميدان.
الطائفة الثانية
:
وهم جماعة المنافقين الَّذين رجعوا من منتصف الطريق وأحجموا عن المشاركة والإسهام في القتال بحجج وأعذار واهية.
الطائفة الثالثة
:
وهم قلة، قد ثبتوا أمام العدو حتى آخر لحظة، حتى قضى بعض وجرح بعض وتحمل أشد الآلام.

وكان ممن ثبت أشدّ الثبات مدافعاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أميرُ المؤمنين علي عليه السلام، وهذا ديدنه في كل المعارك التي شارك فيها.

حيث لم يُذكر إطلاقاً بأنه عليه السلام قد فرّ من المعركة، يقول الشاعر عن ثبات الإمام في أحد:

وقد تركوا المختار في الحرب مفرداً             وفرَّ جميع الصحب عنه وأجمع‏

وكان عليٌّ غائصاً في جموعهم‏                 لهاماتهم بالسيف يفري ويقطع‏

وقد أثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة الأحزاب بأنه: "كرّار غير فرّار".

التعرُّب بعد الهجرة

ما هو التعرُّب بعد الهجرة

كلمة: "أعرابي" تطلق على ساكن البادية الذي لا معرفة له بالدين وآدابه وأحكامه، ولا يبالي بذلك، "والهجرة" معناها ترك البادية والمجي‏ء إلى مراكز الإسلام، لأجل التديُّن بدين الله ومعرفة أحكامه.

والتعرُّب بعد الهجرة: هو أن يعود إلى وضعه السابق من الجهل، واللامبالاة بالدين، ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا(النساء:97).

من موارد التعرب بعد الهجرة

ذكرنا أنَّ العرب البدو وساكني الصحراء يقال لهم: الأعراب، وحيث إنهم نتيجة بعدهم عن المركز الإسلامي وعدم وجودهم في المجتمع الإسلامي، محرومون من المعارف الدينية، ومن تعلم المسائل والأحكام الشرعية والعمل بها، لذا ذمَّهم القرآن الكريم:
﴿
الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(التوبة:97).
﴿
وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السَّوْءِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(التوبة:98).
وفي الآية بعدها يقول: ﴿وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(التوبة:99).

يستفاد من الآيتين السابقتين في ذمِّ الأعراب: أنَّ التعرُّب ليس بذاته مذموماً بل مذّمته من جهة فقدان الإيمان والجهل بأحكام الله، وعدم الاستفادة منها في العمل، كما جاء في الآية الثالثة المتقدمة أنَّ بعض الأعراب موفقون للإيمان والعمل، وهم مورد المدح والوعد بالرحمة.

بناءً على ذلك فالإمتناع عن تحصيل المعارف الدينية، وتعلم المسائل الشرعية الضرورية، والإبتعاد عن المجتمعات الدينية التي يتعلم فيها الحقائق والمعارف والمسائل الدينية الضرورية هو في الحقيقة تعرّب.

عن الإمام الصادق عليه السلام: "تفقهوا في الدين، فإنَّه من لم يتفقه منكم في الدين فهو أعرابيّ..."2.

وعنه عليه السلام: "عليكم بالتفقه في دين الله ولا تكونوا أعراباً، فإنه من لم يتفقه في دين الله لم ينظر الله إليه يوم القيامة ولم يترك له عملاً"3.

بل إنَّ عدم العمل بعد العلم تعرُّب أيضاً:

ذكر المحدث الفيض الكاشاني في كتاب الوافي: أنه لا يبعد صدق عنوان الأعرابي على من تعلّم الآداب والسنن الشرعية ولكنه لم يعمل بها...

وروي عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "يقول الرجل هاجرت ولم يهاجر إنما المهاجرون الذين يهجرون السيئات ولم يأتوا بها ويقول الرجل جاهدت ولم يجاهد إنما الجهاد اجتناب المحارم ومجاهدة العدو، وقد يقاتل أقوام فيحبون القتال لا يريدون إلا الذكر"4.

معونة الظالمين والركون إليهم

يقول تعالى: ﴿وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ(هود:113).

الركون المنهيُّ عنه في هذه الآية هو بمعنى الميل اليسير، فيكون المعنى ولا تميلوا قليلاً إلى الذين ظلموكم أو ظلموا غيركم، فتعظيم ذكرهم، والمخالطة معهم، واظهار محبتهم، والطمع بهداياهم، ومداهنتهم، واتباع أوامرهم، كل ذلك ركون للظالم، ومورد للنهي، فكيف بالميل الكثير إليهم مثل: معونتهم على الظلم، والرضى به، والاشتراك معهم فيه، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يُعصَ الله في أرضه".

معونة الظالم وأخبار أهل البيت عليه السلام

الأخبار الواردة في ذلك كثيرة منها:

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من مشى إلى ظالم ليعينه وهو يعلم أنه ظالم فقد خرج من الإسلام"5.

وعن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا كان يوم القيامة نادى مناد أين الظلمة، وأعوان الظلمة، وأشباه الظلمة، حتى من برى لهم قلماً، ولاق لهم دواة، قال: فيجتمعون في تابوت من حديد ثم يرمى بهم في جهنم"6.

وفي الحديث النبوي: "ألا ومن علّق سوطاً بين يدي سلطان جعل الله ذلك السوط يوم القيامة ثعباناً من النار طوله سبعون ذراعاً، يسلطه الله عليه في نار جهنم وبئس المصير"7.

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من تولّى خصومة ظالم أو أعانه عليها ثم نزل به ملك الموت قال له: أبشر بلعنة الله ونار جهنّم وبئس المصير، ومن خفّ لسلطان جائر في حاجة كان قرينه في النار، ومن دلّ سلطاناً على الجور قُرِن مع هامان، وكان هو والسلطان من أشدِّ أهل النار عذاباً"8.

عدم نصرة المظلومين

الحديث عن معاونة الظلمة يدعونا للحديث عن عدم نصرة المظلومين حيث ورد التصريح بأنه من الكبائر، وفي الحقيقة أنَّ نصرة المظلوم هو نهي عملي عن المنكر، إذاً فمن لم ينصر المظلوم يكون تاركاً لأعظم واجب إلهي.

عن الإمام موسى الكاظم عليه السلام: "من قصد إليه رجل من إخوانه مستجيراً به في بعض أحواله فلم يُجرِه بعد أن يقدر عليه فقد قطع ولاية الله"9.

وعن الإمام الصادق عليه السلام: "أيّما مؤمن بخل بجاهه على أخيه المؤمن وهو أوجه جاهاً منه إلا مسَّه قتر وذلة في الدنيا والآخرة، وأصابت وجهه يوم القيامة نفحات النيران معذباً كان أو مغفوراً له"10.

وعن الإمام الباقر عليه السلام: "لا يحضرنّ أحدكم رجلاً يضربه سلطان جائر ظلماً وعدواناً ولا مقتولاً ولا مظلوماً إذا لم ينصره، فإن نصرة المؤمن على المؤمن فريضة واجبة إذا هو حضره..."11.

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "وينصره ظالماً ومظلوماً، فأما نصرته ظالماً فبردِّه عن ظلمه، وأما نصرته مظلوماً فيعينه على أخذ حقه"12.

وكما يجب نصرة المؤمن والوقوف ضد قتله، وسلب أمواله، فكذلك يجب نصرته في حفظ كرامته وماء وجهه.

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من تطوّل على أخيه في غيبة سمعها فردّها عنه ردّ الله عنه ألف باب من الشر في الدنيا والآخرة، فإن لم يردَّها وهو قادر على ردِّها كان عليه كوزر من اغتابه سبعين مرة"13.

نصرة المظلوم لا تختص بالمؤمن

لا اختصاص لوجوب نصرة المظلوم بالمؤمن، بل يجب نصرة كل إنسان مظلوم عند القدرة، سواء كان مسلماً أو غير مسلم. بل هناك روايات تشير إلى رفع الظلم عن كل مخلوق حتى من غير الإنسان أيضاً، فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "أنَّ رجلاً من عبّاد بني إسرائيل كان مشغولاً بصلاته فرأى طفلين ينزعان عن ديك ريشه وهو يستغيث، فلم يعبأ به العابد واستمر مشغولاً بصلاته، فأوحى الله إلى الأرض أن تخسف به فهو تحتها إلى آخر الدنيا"14.

قصة للعبرة

كلام الإمام الكاظم لصفوان الجمال

صفوان الجمال الكوفي من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام والإمام الكاظم عليه السلام، وهو رجل صاحب تقوى، وكانت معيشته تعتمد على إجارة إبله.
يقول: "دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفرعليه السلام فقال لي: يا صفوان كل شي‏ء منك حسن جميل ما خلا شيئاً واحداً، قلت: جعلت فداك أيُّ شي‏ء؟ قال: إكراؤك جمالك من هذا الرجل، يعني هارون الرشيد. قال: والله ما أكريته أشراً ولا بطرا،ً ولا للصيد ولا للهو، ولكني أكريته لهذا الطريق، (يعني مكة)، ولا أتولاّه بنفسي، ولكن أبعث معه غلماني.
فقال لي: يا صفوان أيقع كراؤك عليهم؟ قلت: نعم جعلت فداك.
فقال: أتحب بقاءهم حتى يخرج كراؤك؟
قلت: نعم.
قال: من أحبَّ بقاءهم فهو منهم، ومن كان منهم كان ورد النار.
قال صفوان: فذهبت فبعت جمالي عن آخرها.
فبلغ ذلك إلى هارون فدعاني فقال لي: يا صفوان بلغني أنك بعت جمالك، قلت: نعم، قال: ولم؟
قلت: أنا شيخ كبير وإن الغلمان لا يفون بالأعمال.
فقال: هيهات هيهات إني لأعلم من أشار عليك بهذا، أشار عليك بهذا موسى بن جعفر، قلت: مالي ولموسى بن جعفر، فقال: دع هذا عنك، لولا حُسن صحبتك لقتلتك"15.

*من كبائر الذنوب، إعداد ونشر جمعية المعارف الاسلامية الثقافية، ط1، حزيران 2008م، ص29-38.


1- وسائل الشيعة، كتاب الجهاد.
2- بحار الأنوار، كتاب العقل.
3- منية المريد، الشهيد الأول.
4- بحار الأنوار، باب ترك العجب.
5- وسائل التجارة.
6- وسائل التجارة.
7- وسائل التجارة.
8- الوسائل.
9- الكافي.
10- بحار الأنوار.
11- سفينة البحار، مج‏2، ص‏90.
12- دار السلام، مج‏2، ص‏197.
13- الذنوب الكبيرة، دستغيب، مج‏2، ص‏69.
14- نقلاً عن دستغيب، الذنوب الكبيرة، مج‏2، ص‏72.
15- الذنوب الكبيرة دستغيب، مج‏2، ص‏57.
2009-08-31