يتم التحميل...

لا تنس الاخرة

مواعظ حسنة

عبد اللَّه إنسان ولد في أواسط القرن الماضي وعندما ولد عمت الفرحة منزل والديه وخرجت منه حلوى توزع وأفراح وولائم على شرف المولد كلما نبت له سن استبشر أبواه بذلك وفرحا ووزعا الحلوى وكم كانت فرحة الأبوين عظيمة عندما رطن بأول كلمة

عدد الزوار: 88

إن الدنيا والاخرة شي‏ء واحد ولا يمكن أن تنفك عنها. مثل هذه الدنيا عبارة عن الوظيفة الدينية.

قصة صغيرة

عبد اللَّه إنسان ولد في أواسط القرن الماضي وعندما ولد عمت الفرحة منزل والديه وخرجت منه حلوى توزع وأفراح وولائم على شرف المولد كلما نبت له سن استبشر أبواه بذلك وفرحا ووزعا الحلوى وكم كانت فرحة الأبوين عظيمة عندما رطن بأول كلمة قائلاً: ماما... لينطلق بعد ذلك لسانه بأعذب الكلمات... إلى أن أصبح أهلاً لدخول المدرسة فعمل أبواه على ادخاله أفضل المدارس وسهرا على تعليمه وكانت الأفراح تعم الحي الذي يسكن فيه كلما أنهى سنة دراسية بالنجاح وغدا عبد اللَّه شاباً ونزل بعد تعلم حرفة إلى ميادين العمل ولكن الحياة لم تكمل معه حلوها فخطفت بداية أباه وجاءه ملك الموت على غير استئذان في ليلة عاصفة من ليالي تشرين وهوت تلك الورقة الخريفية... إنه الموت... لماذا... سؤال... يطرق ذهنه لأول مرة.. ومضت الأيام وتزوج عبد اللَّه وأنجب أول أولاده علي وما إن نطق علي ودرج يمشي متنقلاً بين أحضان أمه وجدته.. حتى أعاد الموت كرته إلى ذلك البيت ليأخذ الجدة منقصاً الفرحة التي أوشكت أن تمحو أسى فقد الجد الذي لم يرَ حفيده.. وعاد السؤال المحير ثانية ومرت السنين عاماً إثر عام وأصبح لعلي اخوة وأخوات... وأبو علي عبد اللَّه يسرع في رأسه الشيب ويلج إلى جسده الضعف... والمرض أخذ يتسلل يوماً بعد يوم... فمرة ينقل إلى الطبيب ليظهر أنه يعاني من ارتفاع في ضغط الدم... وأخرى يدخل إلى المستشفى لمعالجته من جلطة أصابته في إحدى ساقيه... والسؤال بدا جدياً أكثر وتحول إلى استفهام هل يأتي الموت إلى عبد اللَّه فيباغته... عمر قضاه أبو علي يشقى ويتعب في بناء الأسرة وتأمين احتياجاتها هو أب مجد نشيط متفانٍ في خدمة أولاده والعناية بهم... كان يصلي أحياناً ويقطع ويصوم أحياناً ويقصر في ذلك أحياناً... وأخر الحج أكثر من مرة لأنه يريد صرف المال في تأمين مستقبل أولاده... وذات ليلة تأخر أبو علي... ليس من عادته أن يتأخر وساد القلق جو المنزل... واحتار الأبناء... وفجأة رن جرس الهاتف... ألو... منزل أبو علي... علي: أجل... من المتكلم... المستشفى... الرجاء الهدوء وضبط الأعصاب... أبوك أصيب بجلطة قلبية وهو في العناية الفائقة علي: وكيف هي حاله... هل هناك خطر على حياته... يا حبيبي يا والدي وهرع الجميع إلى المستشفى...

وعلى الزجاج أمام غرفة الإنعاش... الأولاد الثلاثة... بكاء... دعاء وسؤال كان يلح على أذهان الأولاد... وعلى كل من يعرف أبا علي... هل سينجو أبو علي ويعود إلى الحياة؟

أما أبو علي فلعل سؤالاً اخر يدوي في كيانه وهو راقد على سرير غرفة الإنعاش... هل من فرصة بعد لتدارك التقصير؟؟

ماذا... لو... وجوم صمت... يقطعه صوت الالات وحشرجة الأنفاس...

ألم يكن من الأفضل أن يسعى أكثر في تحصيل اخرته؟؟

ألم يكن من الأفضل لو لم يكن مقصراً في صلاته وصومه وحجه؟؟

فكل ما عند أبي علي حسن وجيد ألا توانيه في عبادته مع ربه.

الناس كلهم يحبونه ويحترمونه ويمدحون أخلاقه...

ولكن الصلاة...الصوم...الحج...باقي الواجبات...

ها هو شبح الموت يخيم على تلك الغرفة...

فلو جاء إلى أبي علي... ماذا سيقول له...

أمهلني... فهل يمهله...

لو أمهله الموت ما الذي عليه فعله... هل تعرف؟ فلو قال رب ارجعون هل سيستجاب طلبه؟؟!!.

الموت حقيقة:

القصة التي أوردناها هي قصة كل إنسان قصتي، وقصتك، وقصة هذا وذاك الموت حق ولكننا ننساه ولا نحسب له حساباً. بل نتعامل معه بشك وارتياب كأننا خارجون عن سنة اللَّه التي قهر عباده بها. ولذا قال الإمام علي عليه السلام: "أصدق شي‏ء الأجل"، وقال كذلك: "أقرب شي‏ء الأجل".

ولكن المشكلة ليست في الموت قال الشاعر:
ولو أنا إذا متنا تركنا***لكان الموت راحة كل حي‏
ولكنا إذا متنا بعثنا***ونسأل بعده عن كل شي‏ء


المشكلة ما بعد الموت أصعب حيث نسأل عن كل نعمة وكل ساعة وكل قوة.

الدنيا تنتهي ولكن ما بعد الدنيا باقٍ ودائم إما النعيم وإما الجحيم وكل منهما يدوم بلا نهاية.

فعن الإمام علي عليه السلام: الاخرة أبد، وعنه عليه السلام: "الاخرة دار مستقركم فجهزوا إليها ما يبقى لكم"1.

حقيقة الموت وما بعده:

على أن الموت أمر فظيع لا يعرف أخاً ولا حميماً ولا قريباً ولا بعيداً يصفه الإمام علي عليه السلام فيقول: "ثم ازداد الموت فيهم ولوجاً فحيل بين أحدهم وبين منطقه وإنه لبين أهله ينظر ببصره ويسمع بأذنه، على صحة من عقله وبقاء من لبه يفكر فيم أفنى عمره وفيم أذهب دهره"2.

أما ما بعد الموت فيحدثنا أبو بصير عن الإمام الصادق عليه السلام "إذ قال له: أما تحزن؟ أما تهتم؟ أما تألم؟ قلت بلى واللَّه قال عليه السلام: فإذا كان ذلك منك فاذكر الموت ووحدتك في قبرك وسيلان عينيك على خديك وتقطع أوصالك وأكل الدود من لحمك، وبلاك، وانقطاعك عن الدنيا فإن ذلك يحثك على العمل ويردعك عن كثير من الحرص على الدنيا"3.

ما العمل؟!

في هذه الرواية يصف الإمام الصادق عليه السلام لصاحبه أبي بصير دواءً يساعده على الحياة ومصاعبها. فيها يتضح أن العمل هو طريق النجاة وتذكر الموت وما بعد الموت يصوب لنا عملنا فعنه يقول أمير المؤمنين‏ عليه السلام: "نعم الدواء الأجل"4، لأننا لم نخلق للخلود في الدنيا بل للاخرة "وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ"5.

وإذا كنا مخلوقين للاخرة فعلينا أن نصحب من الدنيا ما يبقى لنا ويدوم ونحمله إلى ذلك العالم وعلى هذا الرفيق أن يكون حسناً جميلاً تؤنس به. ولا يكون وحشاً بشعاً مرعباً يسكن معنا القبر ويضيقه علينا ويؤذينا منظره ورائحته وسوؤه ويبقى معنا حتى في القيامة...

عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لقيس بن عاصم: "يا قيس إن مع العزَّ ذلاً وإن مع الحياة موتاً، وإن مع الدنيا اخرة وإن لكل شي‏ء حسيباً وعلى كل شي‏ء رقيباً وإن لكل حسنة ثواباً ولكل سيئة عقاباً ولكل أجل كتاباً وإنه لا بد لك يا قيس من قرين يدفن معك وهو حي وتدفن معه وأنت ميت فإن كان كريماً أكرمك وإن كان لئيماً أسلمك ثم لا يحشر إلا معك ولا تبعث إلا معه ولا تسأل إلا عنه ولا تجعله إلا صالحاً فإنه إن صلح أنست به وإن فسد لا تستوحش إلا منه وهو فعلك"6.

وعن الإمام علي عليه السلام: "إنك مخلوق للاخرة فاعمل لها، إنك لم تخلق للدنيا فازهد فيها"7.

والعمل للاخرة لا يعني التواني في الدنيا بل لا بد من العمل فيها والأخذ منها واعمارها، "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لاخرتك كأنك تموت غداً"8.

"ولا تنس نصيبك من الدنيا"9.

لكن علينا في كل ذلك أن نراقب الاخرة والعمل لها فكما ترى هذا عبد اللَّه أي أبو علي قصصنا قصته في بضعة أسطر... فما الذي بقي له لو أدركه الموت ألم يكن باستطاعته أن يكون أفضل... لا يبالي إن وقع الموت عليه أو وقع على الموت... ألم يكن باستطاعته أن يؤدي ما عليه من حقوق للَّه فيصلي ويصوم ويحج ويعطي أصحاب الحقوق حقوقهم... فاعتبروا.

انتبه من الان لأن نهاية الحياة الموت وعن ما بعده يقول رسول اللَّه‏ صلى الله عليه وآله: "وما بعد الموت دار إلا جنة أو نار"10.

* دروس وعبر، سلسلة الأنشطة الصيفية، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية.


1- ميزان الحكمة، 33 1.
2- نهج البلاغة، 212 1.
3- ميزان الحكمة، 589 1.
4- ميزان الحكمة، 942 2.
5- العنكبوت:64.
6- ميزان الحكمة، 35 1.
7- البحار، 139 44.
8- وسائل الشيعة. 83 16.
9- بحار الأنوار، 47 7.
10- البحار، 229 228 7.
2013-09-02