يتم التحميل...

المنجيات من المساءلة

الموت والبرزخ

دعت الشريعة الغرَّاء أن يقوم المؤمنون بجملة من الأعمال لتخفف أو تزيل عن الميت أهوال الموت والقبر التي منها مساءلة منكر ونكير، من هنا كان امتثال الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري لما مات ولده إذ وقف على قبره، ومسحه بيده

عدد الزوار: 462

يمكن الحديث عن المنجيات من مساءلة منكر ونكير ضمن العناوين التالية:

أ- أعمال المؤمنين لأجل الميّت

دعت الشريعة الغرَّاء أن يقوم المؤمنون بجملة من الأعمال لتخفف أو تزيل عن الميت أهوال الموت والقبر التي منها مساءلة منكر ونكير، من هنا كان امتثال الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري لما مات ولده إذ وقف على قبره، ومسحه بيده وقال: "رحمك الله يا ذر، والله إنك كنت بي لباراً، ولقد قبضت وإني عنك لراضِ، والله ما بي فقدك، وما عليَّ من غضاضة، ومالي إلى أمر رسول الله من حاجة، ولولا هول المطَّلع لسرني أن أكون مكانك، ولقد شغلني الحزن لك من الحزن عليك، والله ما بكيت لك، ولكن بكيت عليك، فليت شعري ما قلت وما قيل لك؟ "اللهم إني قد وهبت له ما افترضت عليه من حقي، فهب له ما افترضت عليه من حقك، فإنك أحق بالجود والكرم".

فالملاحظ أن أبا ذر (رض) يتفاعل بعد هذه الوفاة المحزنة بما يعود في النفع لولده الذي مات، فهو كما عبَّر، قد شغله الحزن له عن الحزن عليه، أي كان مشغولاً بالعبادات والطاعات النافعة لك مما حال بينه وبين الحزن على فراقه.

وهذا الأمر هو الذي ينبغي للمؤمنين المحبين للميت أن يفعلوه بأن ينشغلوا بالأعمال التي تنفعه في آخرته، ومنها الأعمال التي تنجيه من هول مساءلة منكر ونكير والتي منها:

1- تلقين الميت
أكّدت الشريعة الغرَّاء على تلقين الميت لا سيّما الشهادتين والإقرار بالأئمة الاثني عشر، وقد ورد استحباب هذا التلقين في ثلاثة موارد:

الأول: حال الاحتضار.

الثاني: عند وضعه في القبر، وفي آداب هذا التلقين ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "يجعل له وسادة من تراب، ويجعل خلف ظهره مدرة لئلا يستلقي، ويحل عقد كفنه كلها، ويكشف عن وجهه، ثم يدعا له ويقال: اللهم عبدك وابن عبدك (و) ابن أمتك، نزل بك وأنت خير منزول به، اللهم افسح له في قبره، ولقنه حجته، وألحقه بنبيه، وقه شر منكر ونكير. ثم تدخل يدك اليمنى تحت منكبه الأيمن وتضع يدك اليسرى على منكبه الأيسر وتحركه تحريكاً شديداً، وتقول: يا فلان بن فلان، الله ربك، ومحمد نبيك، والاسلام دينك، وعلي وليك وإمامك، - وتسمي الأئمة عليهم السلام واحداً واحداً إلى آخرهم - أئمتك أئمة هدى أبرار، ثم تعيد عليه التلقين مرة أخرى، وإذا وضعت عليه اللبن فقل: "اللهم ارحم غربته، وصل وحدته، وآنس وحشته، وآمن روعته، وأسكن إليه من رحمتك رحمة يستغني بها عن رحمة من سواك، واحشره مع من كان يتولاه".

وقد ورد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قام بنفسه بتلقين السيدة فاطمة بنت أسد مع جملة من الأعمال اللافتة فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام قال:
"لما ماتت فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين، جاء علي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا أبا الحسن مالك؟ قال: أمي ماتت، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: وأمي والله، ثم بكى، وقال: وأماه، ثم قال لعلي عليه السلام: هذا قميصي فكفنها فيه، وهذا ردائي فكفنها فيه، فإذا فرغتم فأدنوني، فلما اخرجت صلى عليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلاة لم يصلِّ قبلها ولا بعدها على أحد مثلها، ثم نزل إلى قبرها فاضطجع فيه... وطالت مناجاته في القبر، فلما خرج قيل: يا رسول الله لقد صنعت بها شيئاً في تكفينك إياها ثيابك، ودخولك في قبرها، وطول مناجاتك، وطول صلاتك، ما رأينك صنعته بأحد قبلها، قال: أما تكفيني إياها فإني لما قلت لها يعرى الناس يوم يحشرون من قبورهم، فصاحت وقالت وأسوتاه، فلبَّستها ثيابي، وسألت الله في صلاتي عليها أن لا يبلي أكفانها حتى تدخل الجنة فأجابني إلى ذلك، وأما دخولي في قبرها فإني لما قلت لها يوماً: إن الميت إذا أدخل قبره وانصرف الناس عنه دخل عليه ملكان منكر ونكير فيسألانه، فقالت: واغوثاه بالله، فما زلت أسأل ربي في قبرها حتى فتح لها باب من قبرها إلى الجنة فصار روضة من رياض الجنة".

وفي رواية ان الناس سمعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لفاطمة عليها السلام وهي في القبر: "ابنك، ابنك، لا جعفر، ولا عقيل، ابنك، ابنك علي بن أبي طالب"، وحينما سألوه عن معنى ذلك أجاب صلى الله عليه وآله وسلم "أما قولي لها ابنك، ابنك، لا جعفر، ولا عقيل، فانها لما نزل عليها الملكان وسألاها، عن ربها قالت: الله ربي قالا لها: من نبيك، قالت: محمد نبيّ قالا: من وليك وامامك، فاستحيت أن تقول: ولدي، فقلت لها: قولي ابنك علي بن أبي طالب".

الثالث: بعد الدفن
فقد ورد أنه يُستحبّ بعد دفن الميت أن يبقى أقرب ذويه عند القبر بعد أن ينصرف الناس فيجلس ناحية الرأس ويلقنه العقائد بصوت عالـ وقد روي أن الميت إذا لُقن بهذه الطريقة قال منكر ونكير: انصرف بنا فقد لُقِّن هذا حجّته.. فينصرفان.. ولا يسألانه.

ب- أعمال المؤمن في حياته


فقد ورد أن بعض الأعمال التي يقوم بها الإنسان تنفعه في دفع هول منكر ونكير منها:

1- إحياء ليلة القدر الكبرى
فعن الإمام الباقر عليه السلام: "من أحيا ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان، وصلَّى فيه مائة ركعة وسَّع الله عليه معيشته، في الدنيا وكفاه أمر من يعاديه، وأعاذه من الغرق والهدم والسرق ومن شر السباع، ودفع عنه هول منكر ونكير، وخرج من قبره نور يتلألأ لأهل الجمع، ويعطى كتابه بيمينه، ويكتب له براءة من النار، وجواز على الصراط، وأمان من العذاب، ويدخل الجنة بغير حساب، ويجعل فيها من رفقاء النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً".

2- الصلاة والزكاة والبر والصبر والحج والولاية
فعن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا دخل المؤمن قبره كانت الصلاة عن يمينه والزكاة عن يساره، والبر مطلٌّ عليه،.. فيتنحى الصبر ناحية، فإذا دخل عليه الملكان اللذان يليان مساءلته قال الصبر للصلاة والزكاة: دونكما صاحبكم فإن عجزتم عنه فأنا دونه". ولعل المراد من الصبر الصوم بلحاظ تفسير الصبر في قوله تعالى: (واستعينوا بالصبر والصلاة) بالصوم.

وفي الصوم خصوصية لبعض مصاديقه كصوم تسعة أيام من شهر شعبان فقد روى الشيخ الصدوق في أثر ذلك بأن من صامها "عطف عليه منكر ونكير عندما يسألانه".

وعلى كلٍّ فإن للصلاة والصوم والزكاة والبرّ بالإخوان، وكذلك الحجّ الآثار النورانية في قبر المؤمن والذي لا يفضلها في النور إلا الولاية لمحمد وآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم كما ورد ذلك عن أحد الإمامين الباقر والصادق في قوله: "إذا مات العبد المؤمن دخل معه في قبره ستة صور، فيهن صورة أحسنهن وجهاً، وأبهاهن هيئة، وأطيبهن ريحاً، وأنظفهن صورة. قال: فتقف صورة عن يمينه، وأخرى عن يساره، وأخرى بين يديه، وأخرى خلفه، وأخرى عند رجله. وتقف التي هي أحسنهن فوق رأسه. فإن أوتي عن يمينه منعته التي عن يمينه، ثم كذلك إلى أن يؤتى من الجهات الست. قال: فتقول أحسنهن صورة: ومن أنتم جزاكم الله عني خيرا؟ فتقول التي عن يمين العبد: أنا الصلاة. وتقول التي عن يساره: أنا الزكاة. وتقول التي بين يديه: أنا الصيام.  وتقول التي خلفه: أنا الحج والعمرة. وتقول التي عند رجليه: أنا بر من وصلت من إخوانك. ثم يقلن: من أنت؟ فأنت أحسننا وجها وأطيبنا ريحا، وأبهانا هيئة. فتقول: أنا الولاية لآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين".

بل ورد أن أكثر العناوين السابقة هي مورد للمساءلة في القبر، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "يسأل الميت في قبره عن خمس خصال: عن صلاته وزكاته وحجه وصيامه وولايته إيانا أهل البيتـ،، فتقول الولاية من جانب القبر للأربع: ما دخل فيكن من نقص فعليَّ تمامه".

ج- مكان الدفن

ورد أن من خواص تربة النجف الأشرف - إضافة إلى ما تقدّم في إنجائها من ضغطة القبر- إعفاء المدفون فيها من حساب منكر ونكير.

وقد سطّر بعض الشعراء هذا المضمون في أشعارهم كما في قول الشاعر:
إذا متّ فادفنّي إلى جنب حيدرٍ***أبي شبّر أكرم به وشبير
فلست أخاف النار عند جواره***ولا أتقي من منكر ونكير


* نداء الرحيل، الشيخ أكرم بركات.

2013-09-19