على طريق القبر
الموت والبرزخ
ورد في الأحاديث أن هناك نداءات تواكب الإنسان في تجهيزه ومسيره إلى القبر. نداء مفارقة الروح النداء الأول عند مفارقة الروح، إذ ينادى عندها بثلاث صيحات:
عدد الزوار: 359
ليس الغريب غريب الشام واليمن***إن الغريب غريب اللحد
والكفن
سفري بعيد وزادي لن يبلّغني***وقوتي ضعفت والموت يطلبني
ولي بقايا ذنوب لست أعلمها***الله يعلمها في السر والعلن
دعني أنوح على نفسي وأندبها***وأقطع الدهر بالتذكير والحزن
دعني أسيح دموعاً لا انقطاع لها***فهل عسى عبرةً منها تخلّصني
كأنني بين تلك الأهل منطرحاً***على الفراش وأيديهم تقلبني
كأنني وحولي من ينوح ومن***يبكي عليَّ وينعاني ويندبني
وقد أتوا بطبيب كي يعالجني***ولم أرَ الطبيب اليوم ينفعني
واشتدَّ نزعي وصار الموت يجذبها***من كلِّ عرق بلا رفق ولا هون
واستخرج الروح مني في تغرغرها***وصار ريقي مريراً حين غرغرني
ورد في الأحاديث أن هناك نداءات تواكب الإنسان في تجهيزه ومسيره إلى القبر.
نداء مفارقة الروح
النداء الأول عند مفارقة الروح، إذ ينادى عندها بثلاث صيحات:
يا ابن آدم أتركت الدنيا أم الدنيا تركتك؟
أجمعت الدنيا أم الدنيا جمعتك؟
أقتلت الدنيا أم الدنيا قتلتك؟
إنها صيحات تعبِّر عن نتيجة الصراع بين الإنسان والدنيا، من هو الغالب ومن هو
المغلوب.
وقد ورد في الأحاديث أن روح الإنسان بعد مفارقتها الجسد تبقى حوله تشاهد، لكن هذه
المرة لا بالعين، تسمع، لكن هذه المرة لا بالإذن.
ففي بعض غزواته تقدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بعض المشركين القتلى
وقال لهم: "هل وجدتم ما وعد الله حقاًً"؟
فقال له أحد أصحابه: يا رسول الله إنهم أموات فكيف تناديهم؟ فأجاب صلى الله عليه
وآله وسلم "إنهم اسمع منكم".
ومن القصص المعبِّرة ما حدث بين العلامة الجزائري وأستاذه الشيخ المجلسي صاحب
البحار اللذين تعاهدا أن يجيء من يموت قبل الآخر إلى صاحبه في المنام، ويخبره عن
حقيقة ما انكشف له من الصواب.
والسبب في هذه المعاهدة هو أن العلامة المجلسي مع علمه الغزير وتقواه الشديدة كان
يعيش في حياته عيشة الأغنياء من كثرة الحشم والخدم والقصور، وكان العلامة الجزائري
يعارض هذا النمط من الحياة.
وكان قضاء الله تعالى أن يموت المجلسي قبل الجزائري، وبعد اسبوع وفيما كان الأخير
يزور قبر استاذه ويقرأ القرآن ويدعو ويبكي، غلبه النعاس فنام، فرأى في عالم الرؤيا
الشيخ المجلسي على أجمل صورة، فسأله عن حاله، فأجابه: يا ولدي، اعلم أني لما مرضت
مرض الموت، أخذت العلة مني تتزايد وتشتد آناً فآناً، فبينما أنا في هذه الحالة، إذ
آتاني آت في زي رجلٍ جليل، وجلس ووضع كفه على أصابع رجلي، وقال: ما ترى؟ هل سكن
الوجع منك؟ قلت: أرى خفة وراحة فيما وضعت راحتك عليه، وشدة فيما يعلوه من بدني،
فأخذ يرتقي شيئاً فشيئاً إلى الفوق...إلى أن بلغ موضع القلب من صدري، فرأيت الألم
قد انتقل بالمرة من جسدي، وإذا بجسدي جثة ملقاة في ناحية بيتي، وأنا واقف بحذائه
انظر إليه مثل المتعجِّب الحيران، والأهل والأحبة والجيران من حول النعش في الصراخ
والعويل يبكون ويندبون ويلتزمون الجسد بأنواع الشجون، وأنا كلما أقول لهم: ويحكم
إنكم كنتم مشغولين عني...والآن تندبون وتنوحون عليًّ، وقد ارتفع ما كان بي من ألم،
وليس بي والحمد لله من بأس، ولا من سقم، وهم لا يستمعون قولي ولا يصغون إلى نصيحتي.
وتابع قصته إلى أن أنزل في القبر فإذا بمنادٍ ينادي: يا عبدي، يا محمد الباقر، ماذا
أعددت للقاء مثل هذا اليوم؟ وجعلتُ أعدِّد له ما صدر مني من الأعمال الحسنة وهو لا
يقبل مني... ويعيد علي هذا النداء وأنا مضطرب، فتذكرت أني كنت يوماً مارَّاً في
السوق الكبير، فرأيت الناس قد اجتمعوا حول رجل من المؤمنين يضربونه ويسبونه
ويطالبون منه حقوقهم، وهو لا يقدر على إعطائهم شيئاً، ويستمهلهم وهم لا يمهلونه...فصحتُ
في وجوههم: ويحكم هلموا معي حتى أقضي ما كان لكم عليه من الدين، وحملته معي إلى
المنزل، وأخذت في إعزازه وإجلاله، وقضيت ديونه... عرضت تفصيل ذلك على ربي فتقّبله
مني، وغفر لي، وسكن النداء، وأمر لي بفتح باب من الرحمة تلقاء وجهي إلى جنات الخلود،
يجيئني منه الروح والريحان، وطريق هواء الجنان في كل حين، ووسِّع لي في مضجعي الذي
تراه إلى حيث شاء الله، وانا متنعِّم منذ ذلك الوقت بأنواع النعم... أستأنس ممن يجئ
إلى زيارتي من المؤمنين، وانتفع بدعوات الصالحين، وقراءات المتقين، وأراهم من حيث
لا يرونني وأنا في هذا المقام الأمين "فيا أيها السيد الشريف لو لم يكن لي العزَّة
والعظمة في الدنيا، وما رأيت فيَّ من النعيم الأوفى، كيف كان يمكنني تأييد مثل ذلك
المؤمن الفقير، وتخلصه من أيدي ذلك الخلق الكثير".
نداء التغسيل;
النداء الثاني من السماء يأتي وهو على المغتسل، إذ ينادى بثلاث صيحات:
يا ابن آدم:
أين بدنك القوي؟ ما أضعفك!
وأين لسانك؟ الفصيح ما أسكتك!
و أين أحباؤك؟ ما أوحشك!.
تصف الروايات شدة حال الميت حين يدخل عليه الغسّال فيخرج خاتم الشباب من أصابعه،
وينزع قميص العروس عن بدنها، ويرفع عمامة المشايخ والفقهاء عن رؤوسهم، فعند ذلك
تنادي روحه بصوت يسمعه كل الخلائق إلا الثقلين: يا غسَّال، بالله عليك أن تنزع
ثيابي برفق، فأني الساعة قد استرحت من محاسبة ملك الموت، فإذا صبَّ عليه الماء صاح
كذلك: بالله عليك يا غسَّال تُعدُ ماءك علي لا حر ولا برد، فإذا غسّل يقول: بالله
عليك يا غسَّال لا تمّر قوياً، فإن جسدي مجروح بخروج الروح.
نداء التكفين
وإذا وضع على الكفن نودي بثلاث:
تذهب بسفر بعيد بغير زاد
وتخرج من منزلك، فلا ترجع أبداً
وتصير إلى بيت أهول.
إن الكفن هو جواب المال حينما يسأل الإنسان في آخر ساعة من ساعات الدنيا ماله
المتمثل بين يديه: ماذا لي عندك؟ فيأتيه الجواب: خذ مني كفنك، فمهما كان الإنسان
غنياً مليئاً بالثروات فإن ما يأخذه من ماله إلى قبره يقتصر فقط على هذا الكفن الذي
ينبغي للمؤمن أن يزينه بالعقيدة الطيبة والعمل الصالح.
ولعل ما ورد من استحباب كتابة دعاء الجوشن الكبير على الكفن هو في إطار التوسل
بالعقيدة التوحيدية إلى الله تعالى من خلال الأسماء الألف المباركة فقد، ورد في
الحديث أن من كتب هذا الدعاء على كفنه استحى الله أن يعذبه بالنار.
كفن سلمان(رض)
ومن لطيف ما ورد أنه كُتِب على الكفن ما كتبه أمير المؤمنين عليه السلام على كفن
سلمان المحمدي(الفارسي) "رض" وهو:
وفدت على الكريم بغير زاد***من الحسنات والقلب السليم
وحمل الزاد أقبح كل شيء***إذا كان الوفود على الكريم
نداء التشييع
وإذا حمل الميت على الجنازة نودي بثلاث:
طوبى لك إن كان عملك خيراً.
وطوبى لك إن كان صحبك رضوان الله.
وويل لك إن كنت صحبك سخط الله.
وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام "إذا مات المؤمن شيّعه سبعون ألف ملك إلى
قبره".
وعن هذا الأمر ورد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لأمير المؤمنين عليه
السلام بعد أن شيَّع المسلمون أحد الموتى: "قد شيَّعه سبعون ألف قبيل من
الملائكة، كل قبيل سبعون ألف ملك، والله ما نال ذلك إلا بحبك يا علي".
وبالمقابل ورد عن الإمامين الصادقين عليه السلام: "إذا مات الكافر شيَّعه سبعون
ألفاً من الزبانية إلى قبره، وإنه ليناشد حامليه بصوت يسمعه كل شيء إلى الثقلان،
ويقول: لو أن لي كرة فأكون من المؤمنين، ويقول: ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت،
فتجيبه الزبانية، كلا إنها كلمة أنت قائلها، ويناديهم ملك: لو رُدَّ لعاد لما نهي
عنه...".
وتشييع جنائز المؤمنين من الأمور المستحبة أكيداً في الشرع الإسلامي فقد ورد في
الحديث: "من شيَّع جنازة فله بكل خطوة حتى يرجع مئة ألف ألف حسنة، ويمحى عنه مئة
ألف ألف سيئة، ويرفع له مئة ألف ألف درجة".
نداء الصلاة على الميت
وإذا وضع الميت للصلاة نودي عليه بثلاث:
يا ابن آدم،
كل عمل عملته تراها الساعة.
إن كان عملك خيراً تراه خيراً.
وإن كان شراً تراه شراً.
وقد شرّع الله تعالى الصلاة على الميت رحمة به، مشجعاً على أدائها تشجيعاً حثيثاً
كما نلاحظ في الحديث: "من صلَّى على ميت صلى عليه سبعون ألف ألف ملك وغفر له ما
تقدم من ذنبه".
وهي عبارة عن خمس تكبيرات يذكر بعد الرابعة الدعاء للميت لا سيّما "اللهم إنا لا
نعلم منه إلا خيراً" بحيث يقصد المصلّي الشهادة بالنقاط المضيئة في حياة الميت
ولو كانت عبارة عن عقيدته فقط.
وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا حضر الميت أربعون رجلاً فقالوا:
اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيراً قال الله تعالى: قد قبلت شهادتكم وغفرت له ما علمت
مما لا تعلمون".
نداء القبر
وإذا وضع الميت على شفير القبر نودي بثلاث:
يا ابن آدم،
كنت على ظهري ضاحكاً فصرت في بطني باكياً.
وكنت على ظهري فرحاً فصرت في بطني حزيناً.
وكنت على ظهري ناطقاً فصرت في بطني ساكناً.
يستحب أن يوضع الميت قبل القبر بذراعين أو ثلاثة ويصبر عليه هنيئة ثم يقدمه ويصبر
عليه هنيئة ثم يضعه على شفير القبر إمهالاً له قبل أن يسكن جسده مقّره الجديد.
رضوان الله على يونس الذي قال: حديث سمعته عن أبي الحسن عليه السلام ما ذكرته في
بيت إلا ضاق عليَّ يقول عليه السلام: "إذا أتيت بالميت إلى شفير القبر، فأمهله
ساعة، فأنه يأخذ أهبته للسؤال".
* نداء الرحيل، الشيخ أكرم بركات.
2013-09-19