يتم التحميل...

النبوة

قيد الدراسة3

وهي الأصل الثالث من أصول الدين، فالإنسان بحاجة الى من يُظهر له الطريق ليسلكها الى ربه على بيّنة من أمره، ويجتاز كل ما يعترضه من عوائق تمنعه من الوصول الى الهدف الإلهي المرسوم، ألا وهو سعادة الانسان في الدارين، الدار الأولى والدار الاخرة.

عدد الزوار: 63

وهي الأصل الثالث من أصول الدين، فالإنسان بحاجة الى من يُظهر له الطريق ليسلكها الى ربه على بيّنة من أمره، ويجتاز كل ما يعترضه من عوائق تمنعه من الوصول الى الهدف الإلهي المرسوم، ألا وهو سعادة الانسان في الدارين، الدار الأولى والدار الاخرة.

والمبيّن للصراط المستقيم هو الشخص المتصل بالله عز وجل عبر الوحي، ويمكن للإنسان الوصول الى الهدف المنشود من خلال سلوك هذا الصراط الجلي بفضل النبي الذي وضّح السبيل وأضاء الطريق.

معنى النبوة

النبوة في الأصل مأخوذة من النبأ، أي الخبر، ونبّأه بالأمر، أي أخبره بالأمر. ونقصد بها هنا الإخبار عن الله العظيم المتعال. فالنبي هو الذي يحمل إلينا خبراً يقينياً من الله عزوجل، يدعو فيه الى معرفة الله تبارك وتعالى وطاعته، واتباع أوامره واجتناب نواهيه، فالنبي هو الواسطة بين الله سبحانه وتعالى وبين البشر ليهديهم سواء السبيل.

دور الأنبياء عليهم السلام

بعد أن عرفنا أهمية إرسال الأنبياء والرسل من الله العليم الحكيم، نتعرّض للدور المنوط بهم عليهم السلام، وهو كل ما تحتاجه الأمة في سبيل رقيها وتكاملها الروحي والمعنوي، وكذلك فيما تحتاج من قوانين تنظم حياة العباد، وتهديهم الى السعادة الحقيقية والكمال الانساني، نذكر هنا بعض الأدوار والوظائف الإلهية:

- تقوية وتوطيد الارتباط بالله وعبادته واجتناب أنواع الشرك: يقول تعالى في محكم كتابه: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلّ‏ِ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ(النحل:36). ويقول الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام حول الهدف من بعث الأنبياء: "ليعلم العباد ربهم إذ جهلوه، وليقروا به إذ جحدوه، وليثبتوه بعد إذ أنكروه"1.

- بيان المعارف الإلهية للناس وتزكيتهم وتعليمهم: يقول الله عز وجل: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ، فبيان المعارف الإلهية وتزكية النفوس وتهذيبها وتعليم الناس ما يحتاجونه لتحصيل سعادتهم هي أولى مهمات الانبياء والرسل عليهم السلام.

- إقامة القسط في المجتمع البشري: يقول الله سبحانه: ﴿َقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ(الحديد:25).

ومن المعلوم أن إقامة القسط والعدل مرتبط بمعرفة الناس للعدالة الحقة من خلال البيان الإلهي عبر الأنبياء العظام عليهم السلام.

- الفصل في الخصومات وحل الخلافات التي تنشأ بين الناس: يقول الله تعالى: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقّ‏ِ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ. من خلال الاضطلاع بالدور السياسي والاجتماعي وغيرها من المهام لرفع جميع الخلافات في شتى مجالات الحياة المتنوعة.

- إتمام الحجة على العباد: يقول الله تبارك وتعالى: ﴿رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّة بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا، فإنه سبحانه وتعالى بمقتضى عدله لا يعذب أو يعاقب حتى يتم البيان والحجة على العباد، وذلك بإرسال الرسل والأنبياء عليهم السلام.

الدليل على النبوة

بعد أن أثبتنا فيما سبق وجود الخالق المدبّر الحكيم العادل، وهو الله عز وجل، فإنه لم يخلق الخلق عبثاً ولغواً، بل خلقهم لهدف وحكمة، وهنا يتنبّه الإنسان ويطلب معرفة الهدف الذي خُلِق من أجله، وبما أن الله سبحانه عادل، لطيف بعباده، رحيم بهم، فمن الطبيعي أن يبيّن لهم الطريق، ويوضّح لهم الهدف، فمن هنا كانت ضرورة إرسال الأنبياء والرسل.

يقول تعالى في محكم كتابه ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنّ‏َ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ(الذاريات:56). فالهدف الاساس من خلق الانسان ووجوده هو عبادة الله وطاعته عزوجل التي تؤدي الى سعادة الانسان في حياته على الدوام.

ولكي نعرف هذه العبادة والطاعة على الوجه الصحيح والمقبول من الله سبحانه وتعالى، وبالتالي الوصول الى الهدف الإلهي، كان من الضروري إرسال الانبياء والرسل، وهم الذين اختارهم الله عز وجل للقيام بهذه المهام والوظائف الإلهية.

يقول أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة: "ولم يخل سبحانه خلقه من نبي مرسل، أو كتاب منزل، أو حجة لازمة، أو محجة قائمة"2.

أوصاف وشروط النبي‏

لا بد من تحلي النبي واتصافه بعدة أوصاف وشرائط، وذلك لتحقيق الغرض الإلهي من النبوة، ويمكن جمعها ضمن هذه الامور:

- الكمال في العقل والفطنة، أي أن يكون أفضل بني قومه.

- حسن التدبير والادارة والشجاعة والصبر، وهو ما يحتاجه في تبليغ دعوته وبيان رسالته.

- العصمة عن الخطأ والنسيان والغفلة، فلو أمكن ذلك على النبي لاحتمل الناس الغفلة أو النسيان أو الخطأ في كل ما يبلغه النبي.

- العصمة عن المعصية، إذ لو كان النبي يعصي الله(والعياذ بالله) للزم منه إبطال غرض النبوة، فالنبي هو القدوة والاسوة، قال تعالى ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَة حَسَنَة(الأحزاب:21).

نبوة النبي الأعظم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله

لقد بعث الله عزوجل الاف الأنبياء في مراحل تاريخية وأماكن متعددة من العالم، وقامواو بمهامهم خير قيام في هداية البشرية الى كمالها وسعادتها، لكن تعرضت هذه الأديان للتحريف والتشويه حتى حُرفت عن طريقها القويم، فخمدت مشاعل الهداية فغاص العالم في الظلم والضلال والجهل والغواية، فبعث الله محمد صلى الله عليه وآله نبياً بشيراً ونذيراً وهادياً الى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فانقذ الانسانية مما تتخبّط فيه بلطف الله ورحمته.

يقول تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ايَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ(الجمعة:2).

الدليل على نبوة النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وآله

إن المعجزة هي الدليل الذي يظهره الأنبياء عادة لتأكيد تحملهم النبوة من قبل الله تبارك وتعالى، ومعجزات الرسول الأكرم ا أكثر من أن تحصى، لكن المعجزة الأبرز هي الكتاب السماوي الإلهي الذي لا يمكن لأحد أن يأتي بمثله حتى لو اجتمعت الجن والإنس وكان بعضهم لبعضهم مساعداً وظهيراً، بل لا يستطيع أحد أن يأتي بسورة واحدة من مثله، ألا وهو القران الكريم.

يقول تبارك وتعالى: ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنّ‏ُ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْانِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا(الإسراء:88).

ويقول عز وجل: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ(هود:13).

ويقول سبحانه وتعالى: ﴿وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين(البقرة:23).

وجوه إعجاز القران الكريم‏

يمكن استخلاص عدة وجوه لإعجاز القران الكريم، نذكر منها:

1- فرادة الأسلوب وأعجوبة النظم، فليس له شبيه من نصوص الشعراء والبلغاء والفصحاء، ولن يكون له مثيل.

2- اشتماله على ما كان مخفياً من الأخبار الماضية والأزمنة الغابرة، كقصص أصحاب الكهف وسبأ وذي القرنين والخضر.

3- ذكره للأمور المستقبلية قبل حدوثها، كإنتصار الروم في الزمن القادم، قال تعالى:﴿غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُون(الروم:2-3).

النبوة الخاتمة

إنّ‏َ الدين الإسلامي هو رسالة شاملة وبلاغ عام، لا يختص بقوم دون اخرين، أو بمنطقة دون غيرها، ويدل على ذلك أنه يخاطب كافة الناس في الغالب، مثل: (يا أيها الناس)، (يا بني ادم). كما يظهر من ايات مباركات أنه رسالة شاملة عامة، مثل: (رحمة للعالمين)، ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاس(سبأ:28).

وهو الدين الخالد حتى تقوم الساعة، وإن نبي الإسلام محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله هو اخر نبي، يقولا مخاطباً أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي"3.


للمطالعة

إعجاز القران‏

عن هشام بن الحكم قال: اجتمع ابن أبي العوجاء وأبو شاكر الديصاني الزنديق وعبد الملك البصيري وابن المقفع عند بيت الله الحرام، يستهزؤون بالحاجّ ويطعنون بالقران.

فقال ابن أبي العوجاء: تعالوا ننقض كل واحد منا ربع القران وميعادنا من قابل في هذا الموضع نجتمع فيه وقد نقضنا القران كله، فإنّ في نقض القران إبطال نبوة محمد، وفي إبطال نبوة محمد إبطال الاسلام وإثبات ما نحن فيه، فاتفقوا على ذلك وافترقوا، فلما كان من قابل اجتمعوا عند بيت الله الحرام، فقال ابن أبي العوجاء: أما أنا فمفكر منذ افترقنا في هذه الاية: ﴿فَلَمَّا اسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيًّا(يوسف:80). فما أقدر أن أضم اليها في فصاحتها وجميع معانيها شيئاً، فشغلتني الاية عن التفكر في ما سواها.

فقال عبد الملك: وأنا منذ فارقتكم مفكر في هذه الاية: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَل فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنّ‏َ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوب(الحج :73)، ولم أقدر على الإتيان بمثلها. فقال أبو شاكر: وأنا منذ فارقتكم مفكر في هذه الاية: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا الِهَة إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا(الأنبياء:22)، ولم أقدر على الإتيان بمثلها.

فقال ابن المقفع: يا قوم إنّ هذا القران ليس من جنس كلام البشر، وأنا منذ فارقتكم مفكر في هذه الاية: ﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيّ‏ِ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ(هود:44)، لم أبلغ غاية المعرفة بها، ولم أقدر على الإتيان بمثلها. قال هشام بن الحكم: ... مر بهم جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام فقال: ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنّ‏ُ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْانِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا(الإسراء:88)، فنظر القوم بعضهم إلى بعض وقالوا: لئن كان للإسلام حقيقة لما انتهت أمر وصية محمّد إلا إلى جعفر بن محمد، والله ما رأيناه قط إلاّ هبناه واقشعرت جلودنا لهيبته، ثم تفرقوا مقرين بالعجز.



1- نهج البلاغة ج‏2 ص‏30.
2- المحجة هي الطريق القويمة الواضحة.
3- الكافي الكليني ج 8 ص 107.
2009-08-22