يتم التحميل...

التوحيد

قيد الدراسة3

وهو الأساس الذي تبنى عليه كل العقائد والمعارف الاسلامية، فالله الواحد هو المرسل للأنبياء والرسل، وهو العادل الذي يعطي كل ذي حق حقه، وهو المحاسب ومُجَازي المحسن والمسي‏ء يوم القيامة. وهذا الأصل هو الذي يشير إليه الجزء الأول من الشهادتين "لا إله إلا الله"

عدد الزوار: 86

وهو الأساس الذي تبنى عليه كل العقائد والمعارف الاسلامية، فالله الواحد هو المرسل للأنبياء والرسل، وهو العادل الذي يعطي كل ذي حق حقه، وهو المحاسب ومُجَازي المحسن والمسي‏ء يوم القيامة.

وهذا الأصل هو الذي يشير إليه الجزء الأول من الشهادتين "لا إله إلا الله"، فهذه الشهادة بالإضافة إلى إثباتها وجود إله هو الله تعالى، تنفي وجود شريك له في الألوهية.

مراتب التوحيد وأدلتها

التوحيد له مراتب يجب الاعتقاد بها جميعاً، وهي:

1- التوحيد في الذات: ونقصد به، هو أنه سبحانه أحد، واحد لا نظير له، فرد لا مثيل له، بل يستحيل أن يكون له نظير يشبهه، أو مثيل يشاكله، وهو ما يشير إليه قوله تعالى: ﴿فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ء وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ(الشورى:11).

الدليل على التوحيد في الذات

ما ورد في وصية أمير المؤمنين الى ابنه الحسن عليه السلام، حيث قال عليه السلام: "واعلم أنه لو كان لربك شريك لأتتك رسله، ولرأيت اثار ملكه وسلطانه، ولعرفت صفته وفعاله، ولكنه إله واحد كما وصف نفسه، لا يضاده في ذلك أحد ولا يحاجه، وأنه خالق كل شي‏ء"1.

والمقصود أنه لو كان هناك إله اخر لظهر من خلال اثاره وتميز مخلوقاته، وبالتالي بعث أنبياءه لمخلوقاته ليبينوا لهم من هو خالقهم، لكن لا نرى اثار هذا الإله، من مخلوقات وبعث للرسل لتوجيههم وبيان طريقهم إليه، فكل الانبياء والرسل الذين ذكرتهم الرسالات السماوية، وكتب التاريخ يصدق بعضهم بعضا، ويدعون الى عبادة الاله الواحد، لا شريك له، فكيف يكون هذا الإله المزعوم موجوداً ولا أثر يدل عليه.

وإلى التوحيد في الذات يرشد قوله تعالى: ﴿وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا اخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ(المؤمنون:117).

وفي اية أخرى، يقول سبحانه: ﴿أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمّ‏َ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أَإِلَه مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِين(النمل:64).

2- التوحيد في الخالقية: ونعني به، أنه ليس في الوجود خالق غير الله تبارك وتعالى، ولا فاعل مستقل سواه عز وجل، فكل هذا الكون وما فيه، والسماء ومافيها من مجرّات ونجوم وكواكب، والأرض وما عليها من بحار وأنهار وجبال، هي كائنات مخلوقة له سبحانه وتعالى، يقو ل الله عز وجل في محكم كتابه: ﴿قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلّ‏ِ شَيْ‏ءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ(الرعد:16).

الدليل على التوحيد في الخالقية

إن التوحيد في الخالقية هو أمر واضح ومسلم به حتى عند الوثنيين، كما يخبر تعالى في قوله: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنّ‏َ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ(لقمان:25). ولو كان هناك خالق اخر لعرّف نفسه وأظهر مخلوقاته، كما في الرواية التي أوردناها سابقاً عن أمير المؤمنين عليه السلام: "... ولرأيت اثار ملكه وسلطانه".

والى هذا التوحيد يرشد القران الكريم، يقول تعالى: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ(الزمر:62).

وقال سبحانه ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَّا إِلَهَ إِلَّا هُوَ(غافر:62).

ويقول عز وجل: ﴿ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ(الأنعام:102).

3- التوحيد في الربوبية: والمراد منه، أن لهذا الكون مدبّراً واحداً، هو الله جل وعلا، لا يشاركه غيره في تدبيره، وإدارته لهذا الكون وتصريف شؤونه، فالملائكة والشمس والقمر وكل مخلوقاته، إنما تجري بأمره سبحانه وتعالى، وتحت سلطته، يقول تعالى في كتابه العزيز: ﴿اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمّ‏َ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الايَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُون(الرعد:2).

الدليل على التوحيد في الربوبية

لو تأملنا في هذا الكون الرحب، لوجدنا أنه قائم على نظام مترابط وقوانين منسجمة ودقة متناهية، ولو وُجد أي خلل أو تناقض أو اختلاف في أي جزء من هذا الكون الفسيح، في سماواته أو أرضه، شمسه أو قمره، نجومه أو مجراته، بحاره او أنهاره، ليله أو نهاره، لأدى الى دماره وفساده، فهذه الدقة المتناهية والنظام المنسجم والخلق المتناسق متحقق في كل شي‏ء، ابتداءً من الذرة التي هي أصغر الاشياء وما تحويه من إلكترونات والنيوترونات والبروتونات، وانتهاءً بالنظام الحاكم على المنظومة الشمسية وغيرها من المجرات، إذ كل ذلك يسير وفق نظام واحد منسجم، لا تفاوت فيه أو اختلاف أو تناقض يؤدي الى فساد، وهذا يدلنا على أن المنظّم والمدبّر والمدير لهذا الكون واحد.

فلو فرضنا أن هناك مدّبرين ينظمان هذا الكون، لحصل اختلاف بينهما في إدارة وتدبير هذا العالم، ولظهر أثر هذا الاختلاف في الادارة والتدبير لحواسنا بشكل ظاهر وجلي، لكن هذا الخلاف والتفاوت لم يظهر، فهو نظام واحد، ووحدة النظام والتدبير تدلنا على أن المدبر والمنظم واحد.

وهذا ما يشير إليه محكم التنزيل حيث يقول تعالى: ﴿مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ(الملك:3)، كما يرشد إليه في اية أخرى: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا الِهَة إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا(الأنبياء:22).

4- التوحيد في العبادة: والمقصود أن المستحق وحده للعبادة والطاعة، هو الله عز وجل، فهو المبدع والخالق، فمن عبد غيره فهو خارج عن صراط التوحيد، يقول تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلّ‏ِ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ(النحل:36).

وفي اية أخرى يقول عز وجل: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُون(الأنبياء:25).


للمطالعة

الدليل على التوحيد في العبادة

بعدما عرفت أن الله عز وجل أحد، فرد لا شريك له، وهو الخالق الذي لا يحتاج الى غيره، وأنه الرب لهذا الكون، علمت أنه المالك الحقيقي لهذا العالم وما فيه، من إنسان وحيوان أو جماد، أو سماء وأرض، أو كواكب ومجرّات، وهو المدبّر والمدير له.

فإذا وصلك برنامج المالك الحقيقي لهذا الكون بما فيه، والذي يحوي التشريعات والقيم الالهية والتي من ضمنها أحكام إلزامية هدفها تحقيق كمالك وسعادتك في حياتك على الدوام، فالعقل السليم يدرك ويحكم بلزوم الطاعة والعبادة لهذا المالك وحده دون غيره فهو الاله والخالق والمدبّر، فلا إلزام لأحدٍ عليك إلا مِن المالك الحقيقي للعالم ومَن يأمرك بالرجوع اليه.

ويحضّ‏ُ القران الكريم ويدل على لزوم التوحيد في العبادة ضمن ايات عدة، منها:

قال عز وجل: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلّ‏ِ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ(النحل:36).

وقد ورد عن الامام الصادق عليه السلام أنه قال في قوله تعالى: ﴿اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهفقال عليه السلام: "أما والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم، ولو دعوهم ما أجابوهم، ولكن أحلوا لهم حراما، وحرموا عليهم حلالا فعبدوهم من حيث لا يشعرون"2

وفي اية أخرى قال سبحانه: ﴿اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ(التوبة:31).

ورد في كتاب توحيد المفضّل أن الإمام الصادق عليه السلام قال له: "يا مفضل". أوّل العبر والدلالة على الباري جلّ قدسه، تهيئة هذا العالم، وتأليف أجزائه ونظمها على ما هي عليه، فإنّك إذا تأملت العالم بفكرك، وخبرته بعقلك، وجدته كالبيت المبني المعد فيه ما يحتاج إليه عباده، فالسماء مرفوعة كالسقف، والأرض ممدودة كالبساط، والنجوم مضيئة كالمصابيح، والجواهر مخزونة كالذخائر، وكل شي‏ء فيه لشأنه معد والإنسان كالمالك ذلك البيت، والمخوّل جميع ما فيه، وضروب النبات مهيأة لماربه، وصنوف الحيوان مصروفة في مصالحه ومنافعه.

ففي هذا دلالة واضحة على أن العالم مخلوق بتقدير وحكمة وملاءمة، وأن الخالق له واحد، وهو الذي ألفه ونظمه بعضاً الى بعض، جلّ قدسه وتعالى جده وكرم وجهه، ولا إله غيره تعالى عما يقول الجاحدون وجلّ وعظم عما ينتحله الملحدون.



1- بحار الأنوار العلامة المجلسي، ج‏3، ص 234.
2- الكافي الشيخ الكليني ج‏1 ص‏53.
2009-08-22