الموانع المعنوية للصلاة
العلاقة مع الله
كما أن هناك آداب للصلاة، يوجد أيضا موانع معنوية للصلاة من قبيل الرياء والعجب وأمثاله، وسنذكر في هذا المقال الرياء والعجب فيما يخص العبادة، حيث انهما قد يشملان غير العبادة، ونبدأ بالرياء.
عدد الزوار: 112
كما أن هناك آداب للصلاة، يوجد أيضا موانع معنوية للصلاة من قبيل الرياء والعجب وأمثاله، وسنذكر في هذا المقال الرياء والعجب فيما يخص العبادة، حيث انهما قد يشملان غير العبادة، ونبدأ بالرياء.
الرياء
الرياء في العبادات، أن يأتي بالأعمال والعبادات الشرعية بهدف مراءاة الناس وجلب القلوب، سواء أن يأتي بالعمل نفسه بقصد الرياء أو بكيفيته، أو شرطه أو جزئه بقصد الرياء على الشكل المذكور في الكتب الفقهية.
دقّة أمر الرياء: كثيرا ما يتفق أن يكون الشخص المرائي نفسه غافلاً عن كون الرياء قد تسرب إلى أعماله، وهو يحسب نفسه مخلصاً، وهنا أمثلة على دقّة الرياء:
1- في صلاة الجماعة، وهي إحدى العبادات العظيمة في الإسلام، وفضل إمامتها أعظم، فمن الممكن أن يدخل الرياء إلى إمام الجماعة للحصول على المنزلة في قلوب الناس، مثلاً: يرى إمام الجماعة أن أحد المشهورين بالتقوى قد حضر إلى صلاة جماعته، ولأجل جذب قلبه، يكثر من خضوعه وخشوعه، ويحاول إفهام الناس أن هذا التقي يأتم به ليحترموه أكثر، ثم هو أيضا يقابله بالود والحب في قلبه لأجل حضوره في صلاة جماعته.
2- أيضا في صلاة الجماعة، حيث أن الشيطان لا يكتفي بإمام الجماعة بل يدخل إلى صفوف المصلّين المؤمنين، فحيث أن فضيلة الصف الأول أعظم من سائر الصفوف، وأن جانب يمين الإمام أكثر فضلا من جانب يساره، يأتي المصلي إلى الصف الأول ويمين الإمام ليتباهى على الناس بهذه الفضيلة.
وأحيانا قد يُرى رجل محترم خصوصاً إن كان من أهل الفضل والعلم في الصف الأخير، وكأنه يريد أن يقول للحاضرين:" إني بمقامي هذا قد أعرضت عن الدنيا وليس لدي هوى في النفس، فقد جئت وجلست في الصف الأخير".
3- ولا يكتفي الشيطان بالإمام والمأموم، بل يأخذ بزمام بعض المصلين المنفردين عن الجماعة، في زاوية المسجد، حيث يفرش سجادته منفرداً، ويصلي في حضور الناس ويطيل السجود والركوع والأذكار الطويلة. هذا الإنسان وكأنه يريد أن يقول للناس:"إنني متديّن ومحتاط إلى الدرجة التي أترك معها صلاة الجماعة لئلا أبتلى بإمام غير عادل".
4- مثلاً آخر: بعض الناس يتحدّثون عن صلاة الليل أو يكثرون السؤال عن مسائل صلاة الليل، فهنا هل هذا يريد أن يتفّهم أحكام صلاة الليل أو تعلّمها قربة إلى الله، أو يريد أن يوحي إلى الناس بأنه من أهل صلاة الليل؟
5- أو مثلا البعض يعطي الصدقة في الخفاء، ولكن يحاول جهده أن يظهر للناس أنه تصدّق خفاء، ليرى الناس فضيلته مضاعفة، أي الصدقة وفي الخفاء.
علامات الرياء
عن أبي عبد الله عليه السلام: قال أمير المؤمنين عليه السلام: "ثلاث علامات للمرائي ينشط إذا رأى الناس ويكسل إذا كان وحده، ويحب أن يحمد في جميع أموره"1.
الإنسان المرائي من علاماته: أنه يشاهد في نفسه عزوفاً عن الطاعات عندما يكون وحده، وإذا تعبّد فمع كلفة أو من منطلق العادة من دون إقبال وتوجه وخشوع، ولكن عندما يحضر في المساجد وفي المحافل العامة يؤدي تلك العبادة في الظاهر بنشاط وسرور وخشوع ويميل إلى إطالة السجود والركوع، ويؤدي المستحبات أداءاً حسناً مع توفير كافة أجزائها وشروطها.
إن الإتيان بالمستحبات في الخلوات مستحب، فلماذا ترغب النفس دائماً في أن تؤديها في العلن؟ إنه يبكي من خوف الله في المحافل العامة ولكنه في الخلوات لا تندى له عين، تسمع له في ليالي القدر وفي جموع الناس الحسرات والنحيب والبكاء، يصلّي مائة ركعة ويقرأ دعاء الجوشن الكبير والصغير وعدّة أجزاء من القرآن العظيم دون أن يتعب.
ثم تراه يرغب في أن يمدحه الناس على كل عمل عمله، فتجد أذنه متوجهة إلى ألسن الناس وقلبه عندهم، لكي يسمع من يمدحه، بقوله: "ما أشدّ تدّين والتزام هذا الإنسان، إلى آخر لائحة المديح".
علاج الرياء:
إن للرياء علاج علمي: وهو بأن تعلم بأن الله تعالى هو مالك القلوب والمتصرف فيها، فرؤياك إذا كان لأجل جذب قلوب العباد، ولفت نظرهم فإن ذلك خارج عن تصرفّك، وهو تحت تصرف الله، وقد رأينا وسمعنا أن أشخاصا متملقين قد افتضحوا في نهاية الأمر.
في الحديث عن أبي عبد الله عليه السلام: في قول الله عزّ وجلّ: ﴿... فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾(الكهف:110).
قال عليه السلام: "الرجل يعمل شيئاً من الثواب لا يطلب به وجه الله، إنما يطلب تزكية الناس، يشتهي أن يسمع به الناس، فهذا الذي أشرك بعبادة ربه ". ثم قال: "ما من عبد أسرّ شراً فذهبت الأيام أبداً حتى يظهر الله له شراً "2.
ثم تعلم أنه لافائدة تجنيها من حب الناس الضعاف لك، أو بغضبهم، وهم لا يملكون شيئاً من دون الله تعالى، وحتى لو كانت له فائدة، فإنما هي فائدة تافهة ولأيام معدودات، ومن الممكن أن يجعل هذا الحب عاقبة عمل الإنسان إلى الرياء، وأن يجعل الإنسان مشركاً ومنافقاً وكافراً، وأنه إذا لم يفتضح في هذا العالم، فسيفتضح هناك في العالم الآخر يوم يقول الكافر ﴿... يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا﴾(النبأ:40).
وهنا ننهي كلامنا عن الرياء في العبادة بهذا الحديث الشريف عن أبي عبد الله عليه السلام: "كلّ رياء شرك، إنه من عمل للنّاس كان ثوابه على الناس، من عمل لله كان ثوابه على الله "3.
العجب
وهو عبارة عن "تعظيم العمل الصالح واستكثاره والسرور والابتهاج به والتغنج والدلال بواسطته، واعتبار الإنسان نفسه غير مقصّر".
أما السرور بالعمل مع التواضع والخضوع لله تعالى وشكره على هذا التوفيق وطلب المزيد منه، فإنه ليس بعجب وهو أمر ممدوح.
مراتب العجب ومفاسده: وللعجب مراتب:
المرتبة الأولى: المنّة على الله وعلى الناس بسبب أعماله الصالحة وعباداته.
المرتبة الثانية: التدلّل على الله، بحيث يرى نفسه محبوباً لله وأنه في سلك المقرّبين.
المرتبة الثالثة: يرى نفسه دائناً لله، وأنه بأفعاله الحسنة وعباداته مستحقاً للثواب.
المرتبة الرابعة: يرى أنه هو أفضل من سائر الناس إيماناً وعملاً وإخلاصاً.
أما مفاسد العجب فكثيرة منها: استصغار المعاصي، واعتماد المعجب على نفسه في أعماله و لا يلاحظ فضل الله تعالى عليه، وينظر إلى الناس باحتقار، فيتكبر عليهم.
أساس العجب
إن رذيلة العجب تنشأ من حبّ النفس، لأن الإنسان مفطور على حبّ الذات، فيكون أساس جميع الأخطاء والمعاصي والرذائل الأخلاقية، حب النفس. ولهذا فإن الإنسان يرى أعماله الصغيرة كبيرة، وبذلك يرى نفسه من الصالحين بل من خاصّة الله ويرى نفسه مستحقاً للمدح والثناء.
وهنا ننهي كلامنا عن العجب بأحاديث من هداة الدرب عليهم السلام.
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "من دخله العجب هلك"4.
وعنه عليه السلام: "لا وحدة أوحش من العجب"5.
وعن الصادق عليه السلام: "إن الشيطان يقول: إذا ظفرت بابن آدم في ثلاث فلا يهمّني عمله بعد ذلك، لأنه لن يقبل منه، إذا استكثرعمله، ونسي ذنبه، وتسرّب إليه العجب"6.
*دروس من الآداب المعنوية للصلاة، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، آذار 2004م، ص103-109.
2- أصول الكافي، المجلد الثاني، باب الرياء، ج 4.
3- أصول الكافي، المجلد 2، كتاب الإيمان والكفر، باب الرياء ح3.
4- وسائل الشيعة، المجلد الأول، الباب 3 من أبواب مقدمة العبادات، ح18.
5- أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر، باب العجب، ح8.
6- خصال الصدوق، باب الثلاثة، ح 86. 2009-08-21