آداب القراءة في الصلاة
العلاقة مع الله
للقراءة مراتب نذكر اثنين منها:المرتبة الأولى: أن لا يشتغل القارئ إلا بتجويد القراءة وتحسين العبارة، ويكون همّه التلفّظ بهذه الكلمات فقط وتصحيح مخارج الحروف، دون التفكر بمعنى الكلمات وروحه، فهمّه أن يسقط الامر بالصلاة، فالصلاة عليهم كلفة ومشقة، وقلوبهم ضجرة.المرتبة الثانية: هم الذين لا يقتنعون بهذا الحد بل يرون الصلاة وسيلة لتذكر الله تعالى.
عدد الزوار: 99
للقراءة مراتب نذكر اثنين منها
المرتبة الأولى: أن لا يشتغل القارئ إلا بتجويد القراءة وتحسين العبارة، ويكون همّه التلفّظ بهذه الكلمات فقط وتصحيح مخارج الحروف، دون التفكر بمعنى الكلمات وروحها، فهمّه أن يسقط الامر بالصلاة، فالصلاة عليهم كلفة ومشقة، وقلوبهم ضجرة.
هؤلاء ألسنتهم مشغولة بذكر الله وقلوبهم غافلة، فلا حظّ لهم من حقيقة العبادة وإفاضاتها وفوائدها، فما صلاتهم إلا لقلقة لسان وليس هناك حركة للجنان.
المرتبة الثانية: هم الذين لا يقتنعون بهذا الحد بل يرون الصلاة وسيلة لتذكر الله تعالى ويعّدون القراءة تحميداً وثناءاً على الحق جلا وعلا، ولهذه المرتبة مراتب أخرى.
ولعلّه أشير إلى هذه الطائفة "المرتبة" في الحديث القدسي "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي فنصفها لي ونصفها لعبدي فإذا قال بسم الله الرحمن الرحيم يقول الله ذكرني عبدي وإذا قال الحمد الله يقول حمدني عبدي وأثنى عليّ وهو معنى سمع الله لمن حمده، وإذا قال الرحمن الرحيم يقول الله عظمني عبدي، وإذا قال مالك يوم الدين يقول الله مجّدني عبدي، وفي رواية فوّض إلي عبدي، وإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين يقول الله هذا بيني وبين عبدي، وإذا قال أهدنا الصراط المستقيم يقول الله هذا لعبدي ولعبدي ما سأل".
آداب العبودية في القراءة
الحق تعالى أقام آداب العبودية في القراءة على أربعة أركان:
الركن الأول: التذكر: ولا بد أن يحصل في بسم الله الرحمن الرحيم، ويساعد على التذكر نظر الإنسان إلى الدنيا بأنها فانية، وتعويد القلب أن يكون طالبا للحق ومحبا له، بالخلوة مع الحق والتفكر في الشؤون الإلهية.
وللتذكر اهتمام كبير في الإسلام، قال تعالى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ...﴾(البقرة:152).
وقال الله تعالى لموسى عليه السلام: "يا موسى أنا جليس من ذكرني".
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من أكثر ذكر الله أحبه الله".
وعن الصادق عليه السلام قال:قال الله عزّ وجلّ: "يا بن آدم أذكرني في نفسك أذكرك في نفسي، يا بن آدم اذكرني في خلاء اذكرك في خلاء، يا بن آدم اذكرني في ملأ اذكرك في ملأ خير من ملئك".
وقال عليه السلام: "ما من عبد ذكر الله في ملأ من الناس إلا ذكره الله في ملأ من الملائكة".
الركن الثاني: التحميد وهو في قول المصلي الحمد لله رب العالمين، وهو أن يعترف قلبه أن جميع المحامد من مختصات الباري تعالى وليست لسائر الموجودات فيها شركة لأنه ليس كمال من عند أنفسها حتى يقع الحمد والثناء لها.
الركن الثالث: التعظيم، وهو يحصل في الرحمن الرحيم: فإن العبد عندما حصر المحمدة بالله تعالى وسلب الكمال عن غيره في الركن الثاني، يأتي في هذا الركن ليعترف لله بأنه هو الرحمن الذي بسط الوجود، وهو الرحيم الذي بسط كمال الوجود.
الركن الرابع: الذي هو مقام التقديس الذي هو حقيقة التمجيد، وبعبارة أخرى تفويض الأمر لله، وهو يحصل في إياك نعبد وإياك نستعين، وهي تعني حصر العبادة ثم حصر الاستعانة بالله تعالى فقط لا غيره.
آداب التكبير قبل الركوع
عندما يكبّر العابد قبل الركوع، فليستحضر عظمة الله تعالى وجلاله وعزّته وسلطانه، ويجعل ضعف العبودية وعجزها وفقرها وذلّها نصب عينيه. وليكبّر الله عن التوصيف، وليكن توصيف العبد لله وتسبيحه وتقديسه إطاعة لأمره تعالى، ولإذنه بذلك، وإلا فأنّى للعبد الضعيف أن يعرف حقيقة عظمة الخالق وجبروته.
وليكن حاله كما قال زين العابدين عليه السلام: "أفبلساني هذا الكال أشكرك" فماذا يتأتّى للبعوضة أن تفعل في مكان يعجز العقاب عن الطيران!
فإذا أراد العابد الدخول في الركوع فليلقي بيده توصيفه وتعظيمه وعبادته وراء ظهره، فهو عاجز عن تعظيم الله وعبادته وتوصيفه كما ينبغي، فليرفع يديه إلى حذاء الأذن ويقلب كفيه الخاليتين حذاء القبلة ويرد الركوع صفر اليدين وخالي الكفين وبقلب مملوء بالخوف والرجاء، خوف التقصير والقصور عن القيام بمقام العبودية، والرجاء بالله تعالى حيث أذن له وشرّفه بالعبادة والركوع له.
أنّى لنا أن نستشعر عظمة الله ولو استشعرناها معشار ما عليها لصعقن، يروى في صلاة المعراج لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه خاطبه العظيم جلّ وعلا: "فانظر إلى عرشي" قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "فنظرت إلى عظمة ذهبت لها نفسي وغشي عليّ فألهمت أن قلت سبحان ربي العظيم وبحمده لعظم ما رأيت، فلما قلت ذلك تجلّى الغشي عني حتى قلتها سبعا فرجعت إليّ نفسي كما كانت".
آداب الركوع
روي عن الصادق عليه السلام: "لا يركع عبد لله ركوعا على الحقيقة إلا زيّنه بنور بهائه وأظلّه في ظلال كبريائه وكساه كسوة أصفيائه، والركوع أول والسجود ثان فمن أتى بمعنى الأول صلح الثاني، وفي الركوع أدب وفي السجود قرب ومن لا يحسن الأدب لا يصلح للقرب، فاركع ركوع خاضع لله بقلبه متذلل وجل تحت سلطانه خافض له جوارحه خفض خائف حزن على ما يفوته من فائدة الراكعين... واستوف ركوعك باستواء ظهرك وانحط عن همتك في القيام بخدمته إلا بعونه... فإن الله تعالى يرفع عباده بقدر تواضعهم له ويهديهم إلى أصول التواضع والخضوع بقدر اطلاع عظمته على سرائرهم"1.
اعلم أن الركوع مشتمل على تسبيح الرب جلّ وعلا "سبحان ربي" وتعظيمه "العظيم" وتحميده "وبحمده"، فالتسبيح تنزيه عن التوصيف وتقديس عن التعريف والمعرفة، والتعظيم يعني أنه لا شبيه له تعالى، والتحميد يعني حمده على آلائه ومواهبه ونعمه التي أفاضها وهو مطلع وعالم بها حيث أنعم بها.
الآداب القلبية للقنوت
رغم أن الصلاة جميعها إظهار للعبودية وثناء على الله فإن الذات المقدسة للحق جلّ وعلا فتح باب المناجاة والدعاء للعبد بالخصوص في حال القنوت، وشرّفه بهذا التشريف.
فالأفضل في أدب العبودية أن يراعي الأدب مع الباري تعالى، فيراقب أدعيته لتكون مشتملة على تسبيح الحق تعالى وتنزيهه، وتتضمن ذكر الحق وتذكره، ويكون ما يسأله من الحق تعالى أمورا ومعارف إلهية، ويحترز عن سؤال الدنيا والأمور الخسيسة الحيوانية والشهوات النفسانية.
إن القنوت هو قطع اليد عن غير الحق والإقبال التام على عز الربوبية ومدّ يد السؤال خالية الكف إلى الغني المطلق، فالطلب من الله في هذه الحال لا ينبغي أن يكون طلبا دنيوي، بل الاحرى طلب معالي الأمور.
ومن الأدعية الشريفة التي لها فضل عظيم، وهو مشتمل على أدب مناجاة العبد للحق تعالى، ومشتمل على تعداد العطايا الكاملة الإلهية، الذي يناسب حال القنوت، دعاء: "يامن أظهر الجميل، وستر القبيح...".
ومن الأدعية المناسبة في حال القنوت اقتباسات من المناجاة الشعبانية لإمام المتقين علي عليه السلام وخصوصا قوله: "إلهي هب لي كمال الانقطاع إليك...".
*دروس من الآداب المعنوية للصلاة، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، آذار 2004م، ص87-94.