آداب قراءة القرآن
العلاقة مع الله
قبل أن ندخل في الآداب الخاصة للقراءة في الصلاة نذكر الآداب المهمة لقراءة القرآن بشكل عام.من إحدى الآداب المهمّة لقراءة الكتاب الإلهي وتحصل منه النتائج الحسنة ويوجب نورانيّة القلب والحياة الباطنية التعظيم لهذا الكتاب العظيم.
عدد الزوار: 114
قبل أن ندخل في الآداب الخاصة للقراءة في الصلاة نذكر الآداب المهمة لقراءة القرآن بشكل عام.
من إحدى الآداب المهمّة لقراءة الكتاب الإلهي وتحصل منه النتائج الحسنة ويوجب نورانيّة القلب والحياة الباطنية التعظيم لهذا الكتاب العظيم.
إن عظمة كل كلام وكل كتاب إما بعظمة متكلمه وكاتبه، وإما بعظمة المرسل إليه وحامله، وإما بعظمة حافظه وحارسه، وإما بعظمة شارحه ومبينّه، وإما بعظمة وقت إرساله وكيفية إرساله...
أما عظمة متكلّمه فهو الله تعالى العظيم المطلق، الذي لا يمكن لأحد أن يدرك عظمته، ولا يمكن أن يتجلى الحق تعالى بالعظمة لأحد، وإنما يتجلى بها من وراء آلاف الحجب، كما في الحديث: "إن لله تبارك وتعالى سبعين الف حجاب من نور وظلمة لو كشفت لأحرقت سبحات وجهه دونه".
وأما حافظه وحارسه فهو ذات الحق جلّ جلاله، كما قال في الآية الكريمة المباركة: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾(الحجر:9).
وأما عظمة رسول الوحي وواسطة الايصال فهو جبرائيل الأمين، ويستفاد من كتاب الله والأحاديث الشريفة تعظيم جبرائيل وتقديمه على سائر الملائكة.
وأما عظمة المرسل إليه، فهو القلب التقي النقي للرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو أكرم البرية وأعظم الخليقة.
وأما شارحه ومبينه فالذوات المطهّرة المعصومون من رسول الله إلى حجّة العصر عجل الله تعالى فرجه الذي هم معادن الحكمة والوحي.
وأما وقت الوحي فليلة القدر أعظم الليالي والتي هي خير من ألف شهر.
مقاصد الكتاب العظيم
ومما يشير إلى عظمة القرآن الكريم، محتوياته ومطالبه وأهدافه، فإن الله تبارك وتعالى لسعة رحمته إلى عباده أنزل هذا الكتاب الشريف، لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ولإيصالهم إلى الكمال والقوّة الإنسانية، ولتعريفهم بالله خالق الكون، فهو كتاب الدعوة إلى الحق والسعادة.
ومن مقاصد هذا الكتاب ومحتوياته ومطالبه:
أ- الدعوة إلى معرفة الله، وبيان صفاته.
ب- الدعوة إلى تهذيب النفوس وتطهير البواطن، بمعنى آخر كيفية السير والسلوك إلى الله.
ج- ومن مقاصده، قصص الأنبياء والأولياء والحكماء وكيفية تربية الحق إيّاهم، وتربيتهم الخلق، فإن في تلك القصص فوائد لا تحصى، ولا يفهم أن هذا الكتاب كتاب قصة وتاريخ بل هو كتاب السير والسلوك إلى الله، يسرد قصص الأنبياء عليهم السلام لنتلمّس منهم المعارف والحكم.
د- فمن هنا ترى من مقاصد هذا الكتاب الحكم والمواعظ.
هـ- ومن مطالبه: تبيان أحوال الكفار والجاحدين والمخالفين للحق والحقيقة والمعاندين للأنبياء والأولياء عليهم السلام وبيان عواقب أمورهم وكيفية هلاكهم كقضايا فرعون وقارون ونمرود وأصحاب الفيل وغيرهم من الكفرة ففي كل منها مواعظ وحكم.
و- ومن مطالبه: بيان قوانين ظاهر الشريعة بكليّاته، مثل التشريع للصلاة والزكاة والخمس والحج والصوم والجهاد والنكاح والإرث والقصاص والحدود والتجارة وغير ذلك.
ز- ومن مطالبه: بيان أحوال المعاد والبراهين لإثباته كيفية العذاب والعقاب والجزاء والثواب وتفاصيل الجنة والنار والتعذيب والتنعيم.
ح- ومن مطالبه: إدراج البراهين على إثبات وجود الله وتوحيده، إلى غير ذلك من المطالب المتفرّقة، فهو كتاب شامل كامل.
كيف نستفيد من القرآن الكريم
إن من الأمور المهمة معرفة كيفية الاستفادة من القرآن العظيم، وذلك يكون بمعرفة أن هذا الكتاب كتاب تعليم وهداية إلى الله وإلى سبيل السعادة الحقيقة.
فليس القرآن الكريم لتعليم الجهات الأدبية والنحو والصرف أو أن تأخذ منه الفصاحة والبلاغة والنكات البيانية والبديعية وليس هو لتعليم القصص والحكايات بالنظر التاريخي والاطلاع على الأمم السابقة.
ثم إنه ليس كتاباً نقرأه للثواب والأجر فقط ولهذا لا نعتني بغير تجويده، ونريد أن نقرأه صحيحاً حتى يُعطى لنا الثواب، ونحن مقتنعون بهذا الحد، ولهذا لا يفيدنا القرآن.
فالمطلوب إذن التعلّم من القرآن كيفية السير والسلوك إلى الله وكيفية التخلّق بالأخلاق العالية لنصل إلى الكمال والسعادة.
رفع الموانع والحجب
من الآداب المهمة حتى تحصل الاستفادة من القرآن الكريم، رفع موانع الاستفادة، ونحن نعبّر عنها بالحجب بين المستفيد والقرآن، وهذه الحجب كثيرة نشير إلى بعضها:
1- حجاب رؤية النفس، بحيث يرى الإنسان المتعلم نفسه غير محتاج إلى الاستفادة من هذا الكتاب العظيم.
أو يرى استفادة منه ولكن في جهات لا تساعد على الهداية والسلوك إلى الله تعالى، كمن يقصر نظره إلى الجهات الفقهية أوالفلسفية أو البلاغية أو التجويدية أو غير ذلك مما لا مساس له بالمقصود الأصلي للقرآن الكريم وهو الهداية إلى الله جلّ وعلا، ويقنع بما هو عليه، ويختصر القرآن في الجهة التي هو فيها.
في حين أن القرآن أرشدنا إلى عدم القناعة بما نحن عليه، والإشارة إلى هذا المعنى كثيرة في القصص القرآنية، فموسى كليم الله، مع ماله من مقام عظيم ما اقتنع بذلك، وبمجرد أن لاقى شخصاً كاملاً كالخضر قال له بكل تواضع وخضوع: ﴿... هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا﴾(الكهف:66).
2- ومن الحجب حجاب الآراء الفاسدة والمذاهب الباطلة، وأغلب هذا يوجد من التبعية والتقليد، مثلاً إذا رسخ في قلوبنا اعتقاد بمجرّد الاستماع من الأب أو الأم أو من الجهلة، نبني على هذا الاعتقاد، ولا نبدّله ولو أتانا واضح البرهان.
3- ومن الحجب المانعة من الاستفادة من القرآن، الاعتقاد بأنه ليس لأحد حق الاستفادة من القرآن الشريف إلا ما كتبه المفسرون وما فهموه...
4- حجاب المعاصي والكدورات الحاصلة من الذنوب.
5- حب الدنيا، فيصرف القلب بواسطة تمام همتّه في الدنيا وحب الجاه والشرف.
التفكر
من الآداب المهمة لقراءة القرآن التفكر، وقد كثرت الدعوة إلى التفكر في القرآن الشريف.
قال تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾(النحل:44).
وقال تعالى: ﴿فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾(الاعراف:176).
إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة.
والروايات أيضا في التفكر كثيرة، فقد نقل عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما نزلت الآية الشريفة: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ...﴾(آل عمران:190).
قال صلى الله عليه وآله وسلم: "ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها".
التطبيق
ومن الآداب المهمة لقراءة القرآن التي تنيل الإنسان نتائج كثيرة والاستفادات غير المعدودة هو التطبيق.
فمن أراد أن يأخذ من القرآن الشريف الحظ الوافر فلا بد له أن يطبّق كل آية شريفة على حالات نفسه حتى يستفيد استفادة كاملة، مثلا يقول تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾(الانفال:2).
فلا بد للسالك أن يلاحظ هذه الأوصاف الثلاثة منطبقة عليه، وهل قلبه يجلُ إذا ذكر الله ويخاف؟ وإذا تليت عليه الآيات الشريفة هل يزداد إيمانا في قلبه؟ وهل اعتماده وتوكله على الله تعالى؟ أوأنه محروم من ذلك.
فإذا كان محروماً فليسعى لتحصيل هذه الصفات، وهكذا كل آية يمر عليها يطبّقها خارجاً، فالقرآن كتاب تطبيق لا كتاب ترتيل فحسب.
فكما أن خلق الرسول كان القرآن، فينبغي عليك أن يكون خلقك القرآن.
مهجورية القرآن الكريم
يقول تعالى: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾(الفرقان:30).
إن مهجورية القرآن لها مراتب، ولعلنا متصفين بالعمدة منها، أترى أننا إذا جلّدنا القرآن العظيم جلداً نظيفاً وقيّماً أو إذا قرأناه أو استخرنا به وقبّلناه ووضعناه على أعيننا، لا نكون هاجرين له؟ أترى إذا صرفنا غالب عمرنا في تجويده والاهتمام في جهاته اللغوية والبيانية والبديعية، مااتخذناه مهجوراً؟ هل أننا إذا تعلمنا القراءات المختلفة، ما اتخذناه مهجورا؟
إن عمدة هجر القرآن هو عدم تطبيقه في حياتنا الخاصة والعامة، ونحن للأسف قد نكون متصفين بهذه المرتبة من الهجر، حيث لا نأخذ تعاليم القرآن في حسابنا !.
*دروس من الآداب المعنوية للصلاة، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، آذار 2004م، ص79-86.