يتم التحميل...

سر القيام وآدابه

العلاقة مع الله

القيام إشارة إلى قيام العبد بالحق، كما أن في النظر إلى محل السجود وهو التراب والنشأة الأصلية وخضوع الرقبة ونكس الرأس الذي هو لا زم للخضوع إشارة إلى الذل والفقر تحت عز الكبرياء وسلطانه،"يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله وهو الغني الحميد".

عدد الزوار: 98

القيام إشارة إلى قيام العبد بالحق، كما أن في النظر إلى محل السجود وهو التراب والنشأة الأصلية وخضوع الرقبة ونكس الرأس الذي هو لا زم للخضوع إشارة إلى الذل والفقر تحت عز الكبرياء وسلطانه،"يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله وهو الغني الحميد".

من آداب القيام أن يعلم أنه مقيم بين يدي الله ويوصل إلى قلبه عظمة الحاضر، ويفهم القلب أهمية المناجاة مع الحق تعالى، ويحضّر قلبه قبل البدء بالصلاة بالتفكر والتدبير ويفهمه عظمة الحضور أمام الله،وليتذكر أحوال أعاظم الدين وهداة الطريق كيف كانت حالاتهم في الصلاة وكيف كانوا يتعاملون مع مالك الملوك، ويتخذهم أسوة لنفسه.

وسنذكر بعض الروايات في أحوالهم عسى أن تنبّهنا من سكر الغفلة والغرور والآمال.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "كان علي بن الحسين عليه السلام إذا قام إلى الصلاة تغيّر لونه فإذا سجد لم يرفع رأسه حتى يرفض عرقا".

وعنه عليه السلام قال: "كان أبي يقول كان علي بن الحسين إذا قام إلى الصلاة كأنه ساق شجرة لا يتحرك منه شيء إلا ما حرّكت الريح منه".

وروي"أن إبراهيم عليه السلام كان يسمع تأوّهه على حدّ ميل حتى مدحه الله بقوله: إن إبراهيم لحليم أوّاه منيب، وكان في صلاته يسمع له أزيز كأزيز المرجل وكذلك يسمع من صدر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثل ذلك وكانت فاطمة عليها السلام تنهج في الصلاة من خيفة الله".

وقد وردت روايات في آداب القيام، فعن فقه الرضا عليه السلام: "فإذا أردت أن تقوم إلى الصلاة فلا تقم إليها متكاسلاً ولا متناعساً ولا مستعجلاً ولا متلاهياً ولكن تأتيها على السكون والوقار والتؤدة وعليك الخشوع والخضوع، متواضعاً لله عزّ وجلّ متخاشعاً عليك الخشية وسيماء الخوف راجياً خائفاً بالطمأنينة على الوجل والحذر فقف بين يديه كالعبد الآبق المذنب بين يدي مولاه... وتحسب كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك".

النية والإخلاص

من آداب النية وجميع العبادات الاخلاص، وحقيقته: تصفية العمل عن شائبة سوى الله، قال تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ...(البينة:5).

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ما نقل: "لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه".

وللإخلاص مراتب

1- تصفية العمل عن شائبة رضا المخلوق وجلب قلوب المخلوقين
، سواء كان مريداً من عمله محمدة أو منفعة أو غير ذلك، وفي مقابل هذه المرتبة إتيان العمل رياء.

2- تصفية العمل عن حصول المقاصد الدنيوية
، كإتيان صلاة الليل لتوسعة الرزق وإتيان صلاة أوّل الشهر للسلامة من الآفات في ذلك الشهر وإعطاء الصدقات للعافية.

3- تصفية العمل عن الوصول إلى الجنّات والحور والقصور
، وأمثالها من اللذات الجسمانية. وفي مقابله عبادة الأجراء كما في بعض الروايات.

4- أن يصفي العمل عن خوف العقاب والعذاب
، وفي مقابلها عبادة العبيد كما في بعض الروايات.

5- تصفية العمل عن رؤية استحقاق الثواب والأجر
، يروى عن الإمام الصادق عليه السلام: "وأدنى حد الإخلاص بذلك العبد طاقته ثم لا يجعل لعمله عند الله قدراً فيوجب به على ربه مكافأة لعمله".

6- تصفية العمل من الاستكثار والفرح به والاعتماد عليه وتعلق الخاطر فيه
، يقول الإمام الكاظم عليه السلام: "كل عمل تريد به الله عزّ وجل فكن مقصّرا عند نفسك فإن الناس كلهم في أعمالهم فيما بينهم وبين الله مقصّرون إلا من عصمه الله عزّ وجلّ".

وعنه عليه السلام: "لا تستكثروا كثير الخير".

بالإضافة إلى مراتب أخرى لها أهلها.

الوسوسة في النيّة
الوسوسة في العبادات من الأمور المؤسفة التي يقع فيها بعض الناس، فمثلاً ترى البعض يصرف وقته في الوضوء بأمور غير مطلوبة منه بل بأمور قد تبطل وضوئه.

كمن يغسل يده أكثر من غسلتين في حين أن الشّرع لم يرخّص له أكثر من غسلتين لليد الثانية.

وترى البعض يشك في ركعات الصلاة أو في نطق الكلمات حتى يضيع الوقت الكثير، وربما أدى ذلك إلى ترك الصلاة والنفور من الدِّين.
والأعجب من ذلك من يبتلى بالوسوسة في النية، بحيث يحسب أنه ينبغي التلفُّظ بها أ أنه يشك في صحة نيته، في حين أن أمر النية هيِّن بسيط لا يشترط في التلفظ، وهي امر طبيعي لكل فعل اختياري يقوم به الإنسان، حيث أن كل فعل اختياري يقوم به الإنسان لا بد أن يلزمه النيَّة، وكذلك العبادة ( الوضوء أو الصلاة) فإن نفس إقدامك على هذا الفعل يلزمه النية، فلا حاجة إلى تضييع الوقت في الوسوسة في النيَّة كما يفعل البعض وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.

وقد كثرت الروايات في النهي عن الوسوسة منها:

عن عبد الله بن سنان قال: ذكرت لأبي عبد الله عليه السلام رجلاً مبتلى بالوضوء والصلاة وقلت: هو رجل عاقل.

فقال أبو عبد الله عليه السلام: "وأي عقل له وهو يطيع الشيطان".

فقلت له: وكيف يطيع الشيطان؟

فقال عليه السلام: "سله هذا الذي يأتيه من أيّ شيء هو فإنه يقول لك: من عمل الشيطان".

وبعض الروايات تذكر علاجاً للوسوسة، وهو عدم الاهتمام بالشك والوسوسة أصلا.

عن الإمام الباقر عليه السلام: "إذا كثر عليك السهو فامض على صلاتك فإنه يوشك أن يدعك إنما هو من الشيطان".

وفي رواية أخرى عن الباقر أو الصادق عليه السلام: "لا تعودّوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه فإن الشيطان خبيث معتاد لما عوّد فليمض أحدكم في الوهم ولا يكترث نقض الصلاة فإنه إذا فعل ذلك مرّات لم يعد إليه الشك".

بعض آداب التسمية

روي عن الإمام الرضا عليه السلام حين سئل عن تفسير البسملة: "معنى قول القائل بسم الله أي اسم على نفسي سمة من سمات الله، وهي العبادة، قال الراوي: فقلت ما السمة؟ قال: العلامة".

إعلم أن الإنسان ما دام في تصرف الشيطان ومقهوراً تحت سلطانه فهو متسم بالسمات الشيطانية، ولا يستطيع الإنسان أن يتسم بسمات الله ما لم يسيطر على وساوس شياطين الإنس والجن.

لذلك كانت الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم مقدّمة للتسمية، فإذا خلا الإنسان من سمة الشيطان سهل التحلي بسمات الله، ويمكن أن يكون المقصود من السمة من سمات الله في هذا الحديث سمة الرحمة وعلامتها، وهذا يعني أن السالك إذا أراد أن تكون تسميته حقيقية فلا بد أن يتصف بسمة الرحمة الإلهية.

وعلامة حصول نموذج منها في القلب ان ينظر إلى عباد الله بنظر العناية واللطف ويطلب الخير والصلاح للجميع، وهذا هو نظر الأنبياء والأولياء عليهم السلام.

وهذه السمة تفيدنا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث لا بد للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يذيق قلبه من الرحمة الإلهية، ولا يكون نظره في الأمر والنهي التكبّر واراءة نفسه وفرض أمره، بل ليكن داعيه ارشاد الجاهلين وهداية الضالين رحيماً بهم شفوقاً عليهم.

*دروس من الآداب المعنوية للصلاة، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، آذار 2004م، ص69-78.

2009-08-21