يتم التحميل...

الآداب المعنوية للتطهير

العلاقة مع الله

من المعلوم في العلوم الفقهية أن النجاسة على نحوين: الخبث والحدث، والثاني على نحوين: الحدث الأصغر والحدث الأكبر، ولكلّ منها معنى ظاهري وباطني نأتي على ذكرها.

عدد الزوار: 113

أسرار التطهير من الخبث والحدث
من المعلوم في العلوم الفقهية أن النجاسة على نحوين: الخبث والحدث، والثاني على نحوين: الحدث الأصغر والحدث الأكبر، ولكلّ منها معنى ظاهري وباطني نأتي على ذكرها.

1- الخبث: بالمعنى الفقهي هو النجاسة الظاهرية الطارئة على الجسم أو اللباس، مثل النجاسة بالدّم أو البول ونحوهما، وهذه النجاسة ترفع بغسل موضعها بالماء.

أما نظير هذه النجاسة في عالم الباطن التلوث بقذارة المعاصي الصغيرة التي تصدر من المؤمن، وحيث أن مرتبة النجاسة فيها ضعيفة فتطهّر بالآلام الدنيوية وتوجب رفعها الابتلاءات في هذه الدنيا الفانية.

قال تعالى: ﴿إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ...(النساء:31).

2- الحدث الأصغر:
هذه النجاسة هي تعني في المعنى الفقهي نواقض الوضوء، من النوم والدخول إلى قضاء الحاجة وغير ذلك، وهذا الحدث يرفع بالوضوء أو التيمم حال الضرورة.

وأما المعنى الباطني لهذا الحدث:

فأما النوم: فليفكّر الإنسان أن النوم في الليل أو النهار حدث يوجب الوضوء كذلك الغفلة عن الله والآخرة حدث لا بد لك من رفعه.

وأما الدخول لقضاء الحاجة: فيروى عن الإمام الصادق عليه السلام: "سمي المستراح مستراحا لاستراحة النفوس من أثقال النجاسات واستفراغ الكثافات والقذر فيها، والمؤمن يعتبر عندها أن الخالص من حطام الدنيا كذلك يصير عاقبته فيستريح بالعدول عنها وتركها، ويفرّغ نفسه وقلبه عن شغلها ويستنكف عن جمعها وأخذها استنكافه عن النجاسة والغائط والقذر ويتفكر في نفسه المكرمة في حال، كيف تصير في حال، ويعلم أن التمسك بالقناعة والتقوى يورث له راحة الدّارين، وأن الراحة في هوان الدّنيا والفراغ من التمتع بها وفي إزالة النجاسة من الحرام والشبهة فيغلق عن نفسه باب الكبر بعد معرفته إياه، ويفرّ من الذنوب ويفتح باب التواضع والندم والحياء ويجتهد في أداء أوامره واجتناب نواهيه طلباً لحسن المآب وطيب الزلفى ويسجن نفسه في سجن الخوف والصبر والكف عن الشهوات إلى أن يتصل بأمان الله في دار القرار ويذوق طعم رضاه، فإن المعوّل ذلك وما عداه لا شيء".

هذا ونموذج هذه النجاسة في المعنى الباطني بعض المعاصي الكبيرة التي ليس لها جزر نفساني وكبعض المعاصي الذي قد يتفق للإنسان وخصوصاً في عهد الشباب.

3- الحدث الأكبر:
وهو الجنابة وترتفع بالغسل، وهي في المعنى الباطني: الفناء في الطبيعة "الدنيا"، بمعنى الاستغراق فيه، والغفلة عن الروحانية، ونموذج هذه النجاسة في الروح هي المعاصي التي رسخت جذورها في القلب وصارت منشأ للملكات الخبيثة والرذائل النفسانية من الكبر والحسد والشرك ونحوه، وتسمّى بالموبقات وقد أوعد الله سبحانه صاحبها النار.

والآداب القلبية للغسل هي ألا يتوقّف الإنسان السالك إلى الله تعالى في حين غسله بتطهير الظاهر وغسل البدن، بل عليه أن يغسل جنابة باطن روحه وهي غلبة قوّة الشهوة عليه، وليعلم أن أصل الجنابة الروحية هو حب الدنيا والشرك بالله تعالى الظاهر منه والخفي.

آداب مطلق اللباس

إن الإنسان روح وجسد، باطن وظاهر، ولكلّ منهما تأثيره في الآخر، لذلك إن جميع الآداب الصورية الظاهرية الشرعية لها في الباطن أثر بل آثار، ولكلّ من الأخلاق الحسنة آثار في الظاهر والباطن، ولكلّ من المعتقدات الحقّة أيضا آثار.

فمثلا على تأثير الباطن والظاهر:
الإيمان بالله تعالى وأنه هو المتصرّف في الوجود وأنه هو أعلم بكل شيء، يوجب كثيراً من الكمالات النفسية والأخلاقية، مثل التوكل والاعتماد على الحق وقطع الطمع من المخلوق ويوجب كثيراً من الأعمال الصالحة وترك الكثير من الأعمال القبيحة، وهكذا سائر العقائد والمعارف.

ومثال تأثير الظاهر في الباطن:
اللباس، فكما أن للألبسة الفاخرة جدّاً في النفوس تأثيراً، كذلك للألبسة الدّنية جدّا في النفوس تأثير، فقد يوقع اللباس الفاخر بالكبر واحتقار الآخرين والغرور والعجب، كذلك اللباس الرديء قد يلبسه الإنسان ليشتهر بالزهد والقداسة، فيقع أيضا بالتكبر والغرور والعجب فضلا عن الرياء وغير ذلك من المفاسد الباطنية. وبعض الناس يقلّد الأجانب في لباسه فينعكس ذلك على باطنه بحيث يمكن أن يصبح قلبه محبّاً لهم ومبغضاً لأعدائهم.

وبكلمة أخرى:
إن لباس الشهرة سواء في جانب الإفراط (اللباس الفاخر) أو التفريط (اللباس الرديء) من الأمور التي تؤثر على القلوب الضعيفة وعلى سلوكها وأخلاقها، وقد وردت روايات عديدة في هذا المجال نورد بعضها:

عن الإمام علي عليه السلام: "من لبس ثوباً عالياً فلا بد من التكبر ولابد للمتكبر في النار".

وعن الإمام الصادق عليه السلام: "إن الله تبارك وتعالى أوصى إلى بعض أوليائه: قل للمؤمنين لا تلبسوا ملابس أعدائي ولا تأكلوا كأعدائي ولا تمشوا كأعدائي فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي".

وعنه عليه السلام: "إن الله يبغض شهرة اللباس".

وعنه أيضا عليه السلام: "الشهرة خيرها وشرها في النار".

وعنه عليه السلام: "إن الله يبغض الشهرتين، شهرة اللباس وشهرة الصلاة".

وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما معناه: "من لبس ثياب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثياب الذل يوم القيامة".

سر طهارة اللباس
من شرائط صحة الصلاة الظاهرية طهارة اللباس الظاهري، وكذلك من شرائط صحة الصلاة الباطنية طهارة اللباس الباطني.

وطهارة اللباس الباطني يعني:

1- الطهارة من المعاصي.

2- الطهارة من الأخلاق الذميمة، وأمهات ذمائم الأخلاق وأصولها، العجب وحب النفس والتكبّر والتظاهر والتعصّب، فكلّ منها مبدأ كثير من الذمائم الأخلاقية ورأس كثير من الخطيئات.

3- طهارة القلب الذي هو اللباس الحقيقي للإنسان، وما لم يتطهّر هذا اللباس فمن الصعوبة تحصيل الطهارتين السّابقتين.

ولتطهير لباس القلب مراتب

أ- التطهير من حبّ الدنيا
الذي هو رأس كل الخطيئات ومنشأ جميع المفاسد، وما دام الإنسان محبّاً للدنيا لا يتيسّر له محبة الله تعالى التي هي أم الطهارات، كما أنه لا يستشعر حلاوة العبادة.

ولأهمية هذه المرتبة من طهارة القلب كان لكتاب الله ووصايا الأنبياء والأولياء عليهم السلام وخصوصاً أمير المؤمنين عليه السلام الاهتمام الكبير في التزهيد في الدنيا، وهذه المرتبة من الطّهارة تحصّل من خلال الاستزاده من العلم الإلهي والمجاهدة والرياضة الروحية والتفكّر في المبدأ والمعاد والاعتبار في فناء الدنيا وبقاء الآخرة،"رحم الله امرءاً علم من أين وفي أين وإلى أين".

ب- التطهير من الاعتماد على الخلق
الذي هو شرك خفي، ويحصل هذا التطهير بالتوحيد الفعلي للحق جلّ وعلا، ولا يكفي الاعتقاد العقلي بأنه لا مؤثر في الوجود إلا الله، بل ينبغي أن يصبح اعتقاداً قلبياً من خلال تنبيه القلب وتلقينه بهذه الحقيقة، حتى تصل حالنا إلى قطع الطمع من الخلق، وهناك مراتب أخرى للتطهير.

في الاعتبارات القلبية لستر العورة

يقول الإمام الصادق عليه السلام: "... فإذا لبست ثوبك فاذكر ستر الله عليك ذنوبك برحمته، وألبس باطنك بالصدق كما ألبست ظاهرك بثوبك، وليكن باطنك في ستر الرهبة وظاهرك في ستر الطاعة، واعتبر بفضل الله عزّ وجلّ حيث خلق اسباب اللباس لتستر العورات الظاهرة وفتح أبواب التوبة والإنابة لتستر بها عورات الباطن من الذنوب وأخلاق السوء ولا تفضح أحداً حيث ستر الله عليك أعظم منه، واشتغل بعيب نفسك واصفح عمّا لا يعنيك حاله وأمره...".

*دروس من الآداب المعنوية للصلاة، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، آذار 2004م، ص43-49.

2009-08-21