أزمة الأسرة في العالم
دور الأم في الأسرة والمجتمع
تعتبر الأسرة أهم وأخطر بيئة في صياغة الإنسان، وتكوينه النفسي والسلوكي، الذي سيترك اثاره في مجتمعه الذي يعيش فيه، وعلماء الاجتماع على تباين مذاهبهم يجمعون على أن الأسرة عماد المجتمع، وأنها إذا قامت على أسس قويمة سليمة
عدد الزوار: 357أهمية الأسرة
قال اللَّه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون﴾1.
تعتبر الأسرة أهم وأخطر بيئة في صياغة الإنسان، وتكوينه النفسي والسلوكي، الذي سيترك اثاره في مجتمعه الذي يعيش فيه، وعلماء الاجتماع على تباين مذاهبهم يجمعون على أن الأسرة عماد المجتمع، وأنها إذا قامت على أسس قويمة سليمة، استقرت أحوال المجتمع وتوطدت أركانه، وإذا وهنت قواعد الأسرة، ولم يتحقق لها أسباب القوة على اختلافها اضطربت حياة المجتمع واختلَّ توازنه.
إن الأسرة هي الخلايا الأولى التي يتألف منها جسم المجتمع وبصلاحها يصلح هذا الجسم، وبفسادها يدب إليها السقم والانحلال.
ولخطورة هذه المسألة كان
لسماحة الإمام الخامنئي دام ظله اهتمامه الكبير فيها: " إن مشكلة الأسرة تعد
مشكلة أساسية في العالم المعاصر، ترى من أين نشأت هذه المشكلة؟ من طريقة النظر إلى
قضية المرأة، أم من النظرة إلى العلاقة بين الرجل والمرأة؟ فالأسرة هي فطرة طبيعية
وأساسية في الوجود البشري، لكن هذا الأمر الفطري يعاني اليوم من أزمة عالمية بحيث
أي أحد يتحدث اليوم عن تحكيم بنيان الأسرة في العالم الذي يسمي نفسه بالمتمدن
الغربي، فإنهم يرحبون بكلامه ذاك مهما كان عادياً، ترحب به النساء، ويرحب به الرجال،
ويرحب به الأطفال!" .
سبب أزمة الأسرة في العالم
يتابع سماحته لتحديد سبب هذه الأزمة فيقول: " فإذا درستم قضية الأسرة في العالم، والأزمة التي تعاني منها الأسرة، لرأيتم أن أسبابها ناشئة من العلاقة بين الجنسين، وتعايش الجنسين، والعلاقة التي لم تحل بين الجنسين، أو بتعبير اخر: إن النظرة إلى تلك الأمور هي نظرة خاطئة. إذن عندما نبحث في مجموعة الأفكار التي وضعها الرجال نقول: إن النظرة إلى قضية المرأة هي نظرة خاطئة، ويمكن القول أيضاً: أن النظرة إلى قضية الرجل هي نظرة خاطئة أيضاً، لا فرق في ذلك، أو نقول إن النظرة إلى كيفية الجنسين وإلى هندسة موقع الجنسين هي نظرة خاطئة" .
أهميّة المرأة في الأسرة
يرى البعض أن العنصر المؤثر في التربية داخل الأسرة هو الأم، ويرى اخرون أنه الأب، بينما يتصور غيرهما أن البيت هو عنصر التربية الأوحد بكل تفاعلاته، ولكن مع ذلك فإن هناك عوامل أخرى مؤثرة في التربية خارج إطار البيت، فالمجتمع والمدرسة والإعلام كلُّ ذلك له دور مهم في التربية، إلا أن العلماء المختصين في مجال التربية أكدوا على أن البيت هو المؤثر الأول، وهو الأقوى في التأثير على الطفل، بحكم التصاق الطفل به، وقضائه أطول فترة من طفولته في داخله، وبحكم أنه أول من يتسلّم خامة الطفل ويؤثر في تشكيلها.
الإمام الخامنئي دام ظله
في الحقيقة يجعل للأم الدّور الأبرز في التربية الأسريَّة فيقول: " عندما تقوم
الأسرة فإن الزوجة والأم هي العضو الأساس فيها. إن للمرأة في هذه المجموعة مكاناً
أساسياً وسامياً. لذلك عندما يتزلزل أصل الأسرة هذا، أي المرأة، فلن يبقى أي شيء
في مكانه فيها" .
أزمة الأسرة والمرأة في العالم الغربي تفكك الأسرة
من المسلَّم أن الأسرة المعاصرة غير المسلمة وبخاصة في الغرب تعاني من التمزُّق والاضطراب، وتعيش الان مرحلة الزوال أو الانهيار كما يذهب إلى هذا بعض علماء الاجتماع.
لقد نمت في بلاد الغرب نزعة انقطاع الطفل عن والديه جرَّاء انهماكهما في العمل واستهلاك البلدان الصناعية طاقة الأمهات التربوية لمصلحة تسيير الالات في المصانع، فأدّى ذلك إلى عزل الطفل عن والديه، والزّج به في المدارس الداخلية منقطعاً عن أهله سنوات طفولته، وتنشئته تنشئة الدواجن الزراعية كما في حظائر الحيوانات ونتج عن ذلك ضمور البعد العاطفي والروحي في شخصية الإنسان في كثير من البلاد الصناعية، ولا مبالاة الإنسان بأخيه الإنسان... وأدّى ذلك إلى تفكّك الأسرة وضياعها، وعيش كل شخص منها منفرداً عن الاخر.
يقول الإمام الخامنئي دام
ظله في هذا الموضوع: " لقد وجّهوا أي الغربيين أكبر ضربة لحياة المرأة بذريعة
أنهم يريدون أن يخدموا المرأة، ذلك لأنّهم من خلال التهتك ونشر الفساد والفحشاء
وإطلاق الحرية الكاملة للمعاشرة بين الرجل والمرأة قد قضوا على بنيان الأسرة.
فالرجل الذي يمكنه أن يطفىء شهوته بحرية في المجتمع، والمرأة التي يمكنها أن تقيم
علاقات مع عدّة رجال في المجتمع دون إشكال، لا يمكنهما أن يكونا زوجين جيدين؛ لذلك
قضي على الأسرة".
" إن أحد البلاءات الكبرى التي حلَّت بالدول الغربية اليوم وأرهقتها وجعلتها تئن من
سوء وضعها مسألة الأسرة. لذلك فإن الغربيين عامة والنساء في الغرب خاصة يرحبون بكل
من يطرح شعار الأسرة ويودّونه، لماذا يا ترى؟ لأنهم يعانون من تزلزل كيان الأسرة،
ولأن الغرب فقد للأسف الأسرة التي تعدّ محيطاً امناً وهادئاً للرجل والمرأة على
السواء، وللمرأة بشكل خاص. كثير من العوائل تفككت، كثير من النساء يقضين أعمارهنَّ
وحيدات، كثير من الرجال لا يجدون المرأة التي يرغبون بها ويحلمون بها، كثير من
حالات الزواج تفشل وتنتهي في السنوات الأولى لبدئها. إن العوائل ما زالت تحتفظ في
بلادنا بجذورها وأسسها العميقة، وهو ما يفتقر إليه الغرب حالياً. من النادر جدّاً
أن توجد في الغرب عوائل يلتقي فيها الجد والجدّة والأحفاد والأقارب وأبناء الأعمام
وسائر فروع الأسرة، ويعرفون بعضهم، ويرتبطون مع بعضهم. فحتى الزوجة والزوج في الغرب
لا يعيشان الصدق الكافي في علاقتهما. إن تلك البلاءات حلَّت بالمجتمع البشري، وعانت
منها المرأة الغربية أكثر من غيرها، كلها كانت بسبب الأعمال الخاطئة والحركات
الإفراطية من جهة والتفريطية من قبل" .
وقد أشار الإمام الخامنئي دام ظله إلى حالة الرهبانية التفريطية في المجتمعات الغربية من قبل أي في القرون الوسطى، حيث قضت الرهبانية على الحياة الأسرية بسلوكها الشاذ، وهو سلوك نهى عنه القران الكريم بقوله: " وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ..."2.
ونهى عنه رسول اللَّه ص
بقوله: " لا رهبانية في الإسلام"3.
فهذه الرهبانية المسيحية أهملت مطالب الجسد، وأهملت الدنيا وانعزلت إلى الصحاري
والخلوات، واثرت العزوبة على الحياة الزوجية، مما كان له أثر سلبي على بناء الأسرة.
" كان الرهبان يتجولون في البلاد ويتخطفون الأطفال ويهرِّبونهم إلى الصحراء
والأديار، وينتزعون الصبيان من حجور أمهاتهم ويربونهم تربية رهبانية، والحكومة لا
تملك من الأمر شيئاً، والجمهور والدهماء يؤيدونهم، ويحبذون الذين يهجرون اباءهم
وأمهاتهم ويختارون الرهبانية ويهتفون باسمهم، وعُرف كبارُ الرُّهبان ومشاهير
التاريخ النصراني بالمهارة في التهريب! حتى روي أن الأمهات كن يسترن أولادهن في
البيوت إذا رأين الراهب أميروز وأصبح الأباء والأولياء لا يملكون من أولادهم شيئاً
وانتقل نفوذهم وولايتهم إلى الرهبان والقساوسة"4.
فالتفريط من قبل في المجتمعات الغربية، والافراط من بعد فيها، كان له الأثر الكبير في فساد المرأة وتفكيك الأسرة في هذه المجتمعات.
ويتابع الإمام دام ظله
حديثه عن المرأة والأسرة في المجتمعات الغربية قائلاً: " أعزائي... إنكن ترين
اليوم عندما لم تعر المرأة الغربية الأسرة وتربية الأطفال اهتمامها كيف بلغ وضع
المجتمعات الغربية من ضياع ملايين الشبَّان وفسادهم في الدول الأوروبية والأمريكية
يعيشون في ظل الحضارة المادّية والقصور العالية والقواعد النووية وناطحات السحاب
التي تزيد طوابقها على المائة طابق، والتطور العلمي والتقني، ورغم ذلك يعيشون مقتبل
أعمارهم في سن العاشرة والثانية عشر ضائعين، لصوص، قتلة، مهرِّبين، مدمنين على
السجائر والمخدرات! ما سبب كل ذلك؟ ذلك لأن المرأة الغربية لم تدرك قيمة الأسرة. في
الماضي لم يكن وضع النسوة الغربيات هكذا، فمنذ ثلاثين إلى خمسين عاماً بدأ وضع
النساء الغربيات يتدهور يوماً بعد يوم، خاصة في أمريكا وبعض الدّول الغربية، عندما
سارت المرأة الغربية في هذا الطريق المعوّج لم تكن تظن يومها أن وضع بلدها ومجتمعها
سيصل إلى هذا الحد بعد ثلاثين إلى خمسين عاماً، بحيث أن مراهقاً عمره اثني عشر
عاماً يحمل معه سلاحاً أو سكيناً محترفة في جيبه، ويتسكَّع ليل نهار في زوايا شوارع
نيويورك أو لندن أو باقي المدن الغربية، ليقتل من يتمكن من قتله، نعم أن يقتله دون
أي تردد! لقد بلغ وضعهم هذا النحو، عندما تفككت الأسرة صار وضعهم هكذا".
عجز المجتمعات عن حل قضية المرأة
يقول دام ظله في هذا
المجال: بالنسبة لقضية المرأة التي ما زالت تطرح في العالم، فإن كلاماً كثيراً
قيل فيها ويقال، وعندما ننظر إلى الخريطة الإنسانية للعالم والمجتمعات البشرية وإلى
المجتمعات الإسلامية كبلدنا وسائر البلدان الإسلامية، وإلى المجتمعات غير الإسلامية،
ومنها المجتمعات التي تعدّ متمدنة ومتطورة؛ للأسف فإننا نجد في كل هذه المجتمعات
قضية باسم المرأة ما تزال موجودة.
هذا الأمر يدل على وجود نوع من النظرة المعوجّة والسيرة المعوجّة، ويحكي عن وجود
نوع من قصر النظر تجاه القضايا الإنسانية. ويتبين أن البشر رغم كل ادعاءاتهم، ورغم
كل الجهود التي قام بها المخلصون والمتحمِّسون، ورغم كل الجهود الثقافية الواسعة
التي بذلت حول قضية المرأة خاصة؛ لكنهم حتى الان لم يتمكنوا من العثور على صراط
مستقيم وطريق صحيح لقضية الجنسين، ولقضية المرأة التي تتبعها قضية الرجل بشكل أو
باخر.
لعلّ بينكن أيتها السيدات من رأت أو قرأت الأعمال الأدبية والفنية لفنّانات العالم
الموجودة بلغاتها الأصلية أو ما ترجم منها إلى اللغة الفارسية. فكل تلك الأعمال
تتحدّث عن نفس المسألة التي تحدثنا عنها، مما يعني أن البشر لم يتمكنوا حتى الان من
حلِّ مسألة المرأة وما يتبعها من مسألة الجنسين المرأة والرجل، ومسألة الإنسانية.
وبعبارة أخرى: فإن الإسراف والتعامل المعوّج والفهم الخاطىء، وما ينتج عن ذلك من
تعدِّيات وظلم وخواء روحي ومشاكل أسرة ومشاكل متعلقة بالاختلاط والامتزاج والعلاقات
بين الجنسين، كل تلك الأمور ما تزال جزءاً من القضايا التي لم تحلها البشرية.
فالبشر الذين اكتشفوا الاجرام السماوية وغاصوا في أعماق البحار، ويتحدّثون عن أدق
الأمور في علم النفس وبحوثه وعن القضايا الاجتماعية والاقتصادية وسائر الأمور،
وبالفعل قد تقدّموا في الكثير من تلك العلوم، لكنهم ما زالوا عاجزين أمام هذه
القضية! بحيث لو أردت أن أبيِّن هذا العجز بفهرسة عناوينه لاحتجت لزمان كبير" .
*دور المرأة في الأسرة، سلسلة في رحاب الولي الخامنئي، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- سورة التحريم,
الآية6.
2- سورة الحديد, الآية 27.
3- الكافي, ج8, ص56.
4- أبو الحسن الغروي ماذا فسر العالم بانحطاط المسلمين, ص 187.