انطلاقة قافلة سبايا آل البيت عليه السلام
قافلة السبايا وأحزان الأربعين
بدأت إنطلاقة قافلة سبايا آل محمد منذ أن حزالشمر رأس الحسين عليه السلام وعلقه على رأس الرمح ومنذ أن رضوا جسده الشريف بسنابك حوافر الخيول بعد ذلك أوعزت القيادة العامة إلى الجيش الأموي بحرق خيام آل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم
عدد الزوار: 1590
بدأت إنطلاقة قافلة سبايا آل محمد منذ أن حزالشمر رأس الحسين عليه السلام وعلقه على
رأس الرمح ومنذ أن رضوا جسده الشريف بسنابك حوافر الخيول بعد ذلك أوعزت القيادة
العامة إلى الجيش الأموي بحرق خيام آل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فحملوا أقبسة
من النار وهم ينادون:احرقوا بيوت الظالمين1.
فيالله من هذا الظلم الذي لم يقع نظيره في تأريخ الاُمم والشعوب. كيف تصرف هؤلاء
الأعداء الأجلاف الأصلاف مع مجموعة نساء ثواكل أرامل وأطفال صغار يتامى بهذه
الصلافة إني أتعجب لهذه الوحشية ولهذه الغلظة والقسوة حيث لم يبقى في قلوبهم إلا
الذبح والهتك والنهب والسلب لأطهر ذرية وأقدس حرمة على وجه البسيطة.
تنصّ بعض المصادر إلى أنّ عمر بن سعد أمر بحرق الخيام بما فيها من النساء والأطفال،
وقد حاول الشمراللعين أن يحرق الخيام بمن فيها إلاّ أنّ شبث بن ربعي عدله ومنعه عن
ذلك.
فحينما التهبت النار في خيم آل النبيّ فررن بنات الرسالة وعقائل الوحي من خباء إلى
خباء، أمّا اليتامى فقد علا صراخهم وتعلّق بعضهم بأذيال عمّتهم الحوراء لتحميهم من
النار، وهام بعضهم على وجهه لا يلوي على شيء ولا يدري أين يتوجه في البيداء.
لقد كان ذلك المنظر من أفجع وأقسى ما مر على آل النبيّ، ولم يغب عن ذهن الإمام زين
العابدين عليه السلام طيلة المدّة التي عاشها بعد أبيه، وكان يذكره مشفوعاً بالأسى
والحزن، وهو يقول: "والله ما نظرت إلى عماتي وأخواتي إلاّ وحنقتني العبرة، وتذكّرت
فرارهن يوم الطفّ من خيمة إل خيمة ومن خباء إلى خباء، ومنادي القوم ينادي: احرقوا
بيوت الظالمين..".
سلب مخدرات أهل البيت عليه السلام
وبعد حرق الخيام جمعوا الأعداء حرائر الوحي في خيمة واحدة ثم عمد أراذل أهل الكوفة،
وعبيد ابن مرجانة إلى سلب حرائر النبوة وعقائل الوحي، فسلبوا ما عليهن من حلي وحلل،
وعمد بعض الأنذال إلى السيّدة اُم كلثوم فسلب قرطيها، وأسرع وغد خبيث نحو السيّدة
فاطمة بنت الحسين فانتزع خلخالها وهو يبكي، فقالت له السيّدة: ما لك تبكي؟
كيف لا أبكي وأنا أسلب ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ولمّا رأت ذلك أنكرت عليه، وطلبت منه أن لا يسلبها فأجابها: أخاف أن يأخذه غيري2.
وعمد الأرجاس إلى نهب جميع ما في الخيام من ثقل ومتاع، كما عمدوا إلى ضرب بنات رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم بكعوب رماحهم وهن يلذن بعضهن ببعض من الرعب، وقد سقطت
السيّدة فاطمة بنت الإمام الحسين مغشياً عليها من شدّة الضرب، فلمّا أفاقت رأت
عمّتها السيّدة أم كلثوم تبكي عند رأسها3.
إنّ مأساة بنات الوحي وعقائل الرسالة تذوب من هولها الجبال الرواسي.
إنقاذ العقيلة للإمام السجاد عليه السلام
من كان في الخيمة التي أفردوها لهم؟ الذي كان في الخيمة حين هجم الجيش الهمجي
البربري هوالإمام زين العابدين عليه السّلام، وكان مريضاً قد أنهكته العلة، فأراد
الخبيث الأبرص شمر بن ذي الجوشن قتله فنهره حميد بن مسلم وقال له: سبحان الله أتقتل
الصبيان، إنّما هو مريض.
فلم يعن به الخبيث، ورام قتل الإمام عليه السلام إلاّ أنّ العقيلة سارعت نحوه،
فتعلّقت به، وقالت: (لا يقتل حتى اُقتل دونه..)4.
فكفّ اللئيم عنه، ولولا السيّدة زينب عليه السلام لمحيت ذرية أخيها الحسين. لله ذرك
يابنت علي وفاطمة أيتها اللبوة الطالبية لقد أصبحت بعد الحمى تحمين نعم والله لقد
حفظت الإمام والإمامة يوم عاشوراء وهذه من المعجزات الخالدة التي تسطر في سجل
البطولات يوم كربلاء, السلام على من فدت نفسها لنجاة الإمام زين العابدين وحفظته عن
القتل فنجى عليه السلام من بطش السفاح شمر بن ذي الجوشن عليه لعائن الله.
ومع كل مالاقته عقيلة بني هاشم من نيل الأعداء وجورهم إلا أنها بقيت محافظة على
الإمام زين العابدين عليه السلام وتخفف عنه آلامه وأتعابه لأنه كان من بعد فقد
أحبته يتلوى بالآهات والأشجان لكنه كان صابرا محتسبا وهو يشاهد مشاهد الذبح
والتمثيل لجسد أبيه حجة الله ووليه الحسين عليه السلام ويشاهد مشاهد الرعب والهلع
والخوف الذي حل بالعائلة فكان في تلك اللحظات العصيبة يحتاج إلى من يقف بجانبه
ويخفف عنه ثقل المصائب فما كانت بجانبه إلا كعبة الرزايا زينب وما أدراك مازينب
عليه السلام.
الرواية تقول: فبصرت به العقيلة وهو يجود بنفسه، فقالت له: "ما لي أراك تجود
بنفسك يا بقيّة جدّي واخوتي، فوالله إنّ هذا لعهد من الله إلى جدّك وأبيك، ولقد أخذ
الله ميثاق اُناس لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض، وهم معروفون في أهل السماوات، إنّهم
يجمعون هذه الأعضاء المقطّعة والجسوم المضرّجة فيوارونها، وينصبون بهذا الطفّ علماً
لقبر أبيك سيّد الشهداء لا يدرس أثره، ولا يمحى رسمه على كرور الليالي والأيام،
وليجهدن أئمّة الكفر وأشياع الضلال في محوه وطمسه فلا يزداد أثره إلاعلواً.."5.
ماحدث في المسير إلى الكوفة
قال الراوي: وفي اليوم الحادي عشر من المحرم قام الجيش الأموي بمواراة جثث
قتلاهم, بينما تركوا الأجساد الطاهرة للإمام الحسين وأصحابه على صعيد كربلاء تسفي
عليهم الرياح دون مواراة.
وساروا بنساء الحسين وأطفاله سبايا كأسارى الى الكوفة يتقدمهم رأس الحسين عليه
السلام ورؤوس أصحابه معلقة على رؤوس الرماح.
وكان عدد السبايا عشرين امرأة عدا الصبية, وقد سيروهن على الجمال بغير وطاء وساقوهن
بكل عنف وشدة6.
قال الشيخ المفيد رحمه الله في إرشاده:
بعث عبيدالله ابن زياد برأس الحسين عليه السلام فديربه في سكك الكوفة وقبائلها ولما
فرغ القوم من الطواف به في الكوفة, ردوه الى باب القصر فدفعه ابن زياد الى زجر بن
القيس (ذكر بعضهم زحر بن قيس الحاء المهملة) ودفع إليه رؤوس أصحابه وسرحه الى يزيد
ابن معاوية وأنفذ معه أبا بردة بن عوف الأزدي, وطارق بن أبي ضبيان في جماعة من أهل
الكوفة حتى وردوا بها على يزيد ابن معاوية بدمشق, ثم إن عبيدالله بن زياد بعد
أنفاذه رأس الحسين عليه السلام أمر بنسائه وصبيانه فجهزوا وأمر بعلي بن الحسين عليه
السلام فغل بغل الى عنفه, ثم سرح في أثر الرؤوس مع محقر ابن ثعلبة العايد, وشمر بن
ذي الجوشن, فانطلقوا بهم حتى لحقوا بالقوم الذين معهم الرأس الشريف.
قال الراوي: ولما ساروا بالسبايا وقد أخذوا جانب الفرات حتى إذا وردوا الى
المنزل وكان منزلاً خرباً فوجدوا هناك مكتوباً على الجدار:
أترجوا أمة قــتـلــت حسـيــنـا
شـفـاعـــة جـــده يوم الـحساب
فـــلا والله لـيـس لهــم شـفيع
وهم في يوم القيامة في العذاب
ففزعوا وارتاعوا ورحلوا من ذلك المنزل, وجعلوا يجدون السير الى ان وافوا ديراً في
الطريق, وفيه راهب, فنزلوا ليقيلوا به فوجدوا أيضاً مكتوباً على جدرانه أترجوا امة
قتلت حسينا إلى آخره, فسألوا الراهب عمن كتب هذا الشعر؟
فكانوا كلما مروا بالسبايا والرؤوس على قبيلة من القبائل, فخرجوا لاستقبالهم, وكان
كل من سألهم يقولون: هذه سبايا خوارج وهذا رأس خارجي خرج علينا بأرض العراق في أرض
يقال لها كربلاء, فقتله الأمير عبيدالله بن زياد (لعنه الله) وأنفذ برأسه معنا الى
الشام. ثم رحلوا من تكريت وسارواعلى طريق البر حتى نزلوا بوادي النخلة, فلما كان
الليل سمعوا حتى أشرفوا على الكوفة الكل منهم تهيأ لكي يفاخر أنه يحمل رأسا من
الرؤوس لكي يفاخر به أمام الطاغية عبيد الله بن زياد لكي ينالوا جائزة الخسران
والعار "ألا لعنة الله على القوم الظالمين"7.
1- التاريخ
المظفري: 228.
2- سيرة أعلام النبلاء 204:3.
3- حياة الإمام الحسين عليه السّلام 302:3
4- المرأة العظيمة ص 181 ـ 203
5- كامل الزيارات: 221.
6- حياة الإمام الحسين عليه السلام القرشي ج 3 ، ص 321
7- الإرشاد: ج2: ص117