يتم التحميل...

عمارة القبر في العهد البويهي

مرقد الإمام الحسين(ع)

توالت على الحائر الحسيني عمارات وإصلاحات متعددة، حتى بلغ عضد الدولة بن بابويه الغاية في تعظيمها، ومنذ ذلك الحين أخذ عمران الحائر يتقدم تدريجيا.

عدد الزوار: 40

توالت على الحائر الحسيني عمارات وإصلاحات متعددة، حتى بلغ عضد الدولة بن بابويه الغاية في تعظيمها، ومنذ ذلك الحين أخذ عمران الحائر يتقدم تدريجيا.

" ففي سنة 371 ه‍ شيد عضد الدولة البويهي قبة ذات أروقة وضريحا من العاج، وعمر حولها بيوتا، وأحاط المدينة بسور ".

وقد وصف محمد بن أبي طالب أعمال عضد الدولة الجليلة فقال: " وبلغ ذلك عضد الدولة بن بويه الغاية في تعظيمها وعمارتها والأوقاف عليها، وكان يزورها في كل سنة، ولما زار المشهد الحسيني عام 371 ه‍، بالغ في تشييد الأبنية حوله وأجزل العطاء لمن جاوره ".

وقد تقدمت كربلاء على عهده تقدما ملموسا، وازدهرت ازدهارا واسعا، وتقدمت معالمها الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فاتسعت تجارتها، وأفضلت زراعتها، وأينعت علومها وآدابها، فدبت في جسمها روح الحياة والنشاط.

وقد ذكر ابن الأثير أعمال عضد الدولة نحو الحرمين الشريفين في مكة والمدينة، ونحو المشهدين المقدسين في الحائر والغري، فقال: " ولا ننكر أعماله العظيمة ومآثره الإسلامية الجليلة، فقد بالغ في تشييد الأبنية حول المشهد في الحائر، فجدد تعمير القبة، وشيد الأروقة من حوله، وبالغ في تزيينهما وتزيين الضريح بالساج والديباج، وعمر البيوت والأسواق من حول الحائر، وعصم مدينة كربلاء بالأسوار العالية فجعلها كحصن منيع، ثم اهتم بالماء لسكان البلد والضياء للحائر المقدس، فساق المياه الجارية للطف من مسافات بعيدة، وخصص أوقافا جارية للإنارة والإضاءة ".

لقد اهتم عضد الدولة بالمدينتين المقدستين اهتماما ملحوظا، فكان يكثر الزيارة لهما ويتفقد أحوال الناس ويأمر بتلبية مطاليبهما، وقد ذكر ابن طاووس إحدى زيارته لهما بقوله: " كانت زيارة عضد الدولة للمشهدين الشريفين الطاهرين الغروي والحائري في شهر جمادى الأولى في سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة، وورد مشهد الحائر مشهد مولانا الحسين صلوات الله عليه لبضع بقين من جمادى، فزاره صلوات الله عليه، وتصدق وأعطى الناس على اختلاف طبقاتهم، وجعل في الصندوق دراهم ففرقت على العلويين، فأصاب كل واحد منهم اثنان وثلاثون درهما، وكان عددهم ألفين ومائتي اسم، ووهب للعوام والمجاورين عشرة آلاف درهم، وفرق على أهل المشهد من الدقيق والتمر مائة ألف رطل، ومن الثياب خمسمائة قطعة، وأعطى الناظر عليهم ألف درهم، وخرج وتوجه إلى الكوفة لخمس بقين من جمادى المؤرخ، ودخلها وتوجه إلى المشهد الغروي يوم الاثنين ثاني يوم وروده.

وزار الحرم الشريف، وطرح في الصندوق دراهم، فأصيب كل واحد منهم إحدى وعشرون درهما، وكان عدد العلويين ألف وسبعمائة اسم، وفرق على المجاورين وغيرهم خمسة آلاف درهم، وعلى القراء والفقهاء ثلاثة آلاف درهم، وعلى المرتبين والخازن والنواب على يدي أبي الحسن العلوي، وعلى يد أبي القاسم بن أبي عابد، وأبي بكر بن سيار رحمه ال
له ".

يظهر من رواية ابن طاووس بأن المدينتين المقدستين صار لهما شأنا كبيرا في تلك الفترة التي زارهما السلطان عضد الدولة في الربع الأخير من القرن الرابع الهجري، حيث ازداد عدد سكان المدينتين من مجاورة العلويين والشيعة لهما، ثم توافدت عليهما الفقهاء والقراء بعدد كبير، ثم كان لإدارة الحرمين تنظيما دقيقا من مرتبين وخازن ونواب، وعند زيارته قبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام امتدحته الشعراء ابتهاجا بزيارته الميمونة للمشهد الغروي، وقد قال أبو إسحاق العباسي في هذه المناسبة:

توجهت نحو المشهد العلم الفرد * على اليمن والتوفيق والطائر السعد
تزور أمير المؤمنين فياله * ويا لك من مجد منيخ على مجد
فلم ير فوق الأرض مثلك زائرا * ولا تحتها مثل المزور إلى اللحد
مددت إلى كوفان عارض نعمة * يصوب بلا برق يرعد
بلا رعد وتابعت أهليها ندى بمثوبة * فرحت إلى فوز وراحوا إلى رفد

وفي عهده تعرض الحائر للنهب والسلب ففي سنة 369 ه‍ نهب على يد رجل من بني أسد يدعى ضبة بن محمد الأسدي، وكان يتزعم عصابة من اللصوص وقطاع الطرق، وقد اتخذ عين التمر مقرا له، وكان يشن هجماته على المدن وقوافل الحجاج، فأرسل عضد الدولة في هذه السنة سرية من الجند إلى عين التمر، فحاصرته فاضطر أن يترك أمواله وأهله ويلوذ بالفرار، وقد ذكر ابن الأثير هذه الحادثة بقوله: " وفي هذه السنة 369 أرسل عضد الدولة سرية إلى عين التمر، وبها ضبة بن محمد الأسدي، وكان يسلك سبيل اللصوص وقطاع الطرق، فلم يشعر إلا والعساكر معه، فترك أهله وماله ونجا بنفسه فريدا، وأخذ ماله وأهله وملكت عين التمر، وكان قبل ذلك قد نهب مشهد الحسين صلوات الله عليه فعوقب بهذا ".

وفي أيامه أيضا ظهر عمران بن شاهين الذي شق عصا الطاعة، والتجأ إلى البطائح وقد قال عنه ابن الأثير: " كان عمران بن شاهين في بدء حياته صيادا وقطاع الطرق، أغار إلى البطيح فاستولى عليه، وذلك في أواسط القرن الرابع الهجري، فلما استتب له الأمر بالبطيح أخذ يعبث فسادا في البقاع المجاورة له حتى استولى ذعره على أكثر الساكنين المجاورين له، فشكا أمره إلى السلطان عضد الدولة، فسار على رأس جيش عرمرم للقضاء على حصون عمران بن شاهين ودك قلاعه، فلما وصل عضد الدولة إلى البطيح كان عمران بن شاهين متحصنا في قلعته، فلم يتمكن السلطان البويهي من عظيم حصونه، فأمر جنده بفتح الماء على قلاعه وغرق البطيح وشد في الحصار عليه، فترك عمران بن شاهين البطيح وولى هاربا من وجه السلطان البويهي ".

وفي رواية ابن طاووس: عندما فر عمران بن شاهين من وجه السلطان البويهي لاذ بقبر الإمام علي عليه السلام، فرأى في المنام علي بن أبي طالب، فقال له: يا عمران سيقدم العبد فناخسرو لزيارة هذه البقعة فلذ به، فلما استيقظ نذر بناء أروقة في المشهد الغروي وأخرى في المشهد الحائري لو تم له ذلك، ولما قدم عضد الدولة لزيارة قبر علي بن أبي طالب رأى شخصا بجدار الروضة، فسأله عن حاجته فخاطبه عمران بن شاهين باسمه الحقيقي، فاندهش السلطان من معرفة هذا الشخص من اسمه أي فناخسرو فقص عليه عمران منامه فعفا عنه السلطان، وأولاه أمارة البطيح ثانية، فقام من ساعته وبنى رواقا في حرم الأمير بالمشهد الغروي، وآخر في الحائر الشريف، وبنى بجنبه مسجدا، وهو أول من ربط حرم الحائر بالرواق المعروف باسمه رواق ابن شاهين.
وقد تم هذا البناء في سنة 367 هـ 1.


1-مرقد الامام الحسين عليه السلام تحسين آل شبيب.

2012-11-15